| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صباح كنجي

 

 

 

الأربعاء 21/11/ 2007



عشرة ُ أيام ٍ مِنَ التجوال ِ بَيْنَ القرى ..

 صباح كنجي

إنطلقنا ُنتابع مسيرتنا ،بعد أن إفتقدنا، أبو أسمر، وتركناه يواجه مصيره لوحده، بين ربايا الجيش ، بالقرب من الشارع العام ، وإستمرت مسيرتنا بإتجاه سلسلة الجبال ،في مسعى للوصول إلى منطقة آمنة نستطيع الأختفاء فيها ،من إحتمالات كشفنا من قبل مراصد الجيش والطيران ،وعلى قمة الجبل أجْبَرْنا الدليل على التوقف لنيل قسط ٍ من الراحة ،بعد أن هدَنا التعب ، كنا بحاجة إلى النوم ، لكنّ البرد الشديد الذي حلّ بنا ،بعد أن جلسنا لدقائق ، حالَ دون مقدرتنا على النوم ِ ، بَرَدَ العرقُ المتصصبُ منا أثناء السير وتسلق الجبل و بلّلَ ملابسنا ، أخذت أجسادنا تتكور ،أسناننا تصطكُ ، أجسادنا ترتعشُ، بعضنا بدأ يهرُ.

حاولنا أنْ ندفىءَ أعماقنا بالدخان الذي كنا نسحبهُ من سكائرنا المشتعلة ،التي تتحكم بها قبضات ِأيادينا كي لا ينبعثُ منها الضوء ، لكنّ ذلك لم يُجدي نفعا ً ..

بعد يومين أو ثلاثة من المسير دخلنا قرية ( مَلكانْ ) في جبل ِ سفين ، بعد توقفنا في وسط القرية ،أحاط َبنا مجموعة من المسلحين ، كانوا بحدود عشرة ِرجال ٍ، طلبوا منا أنْ نكشف لهم عن نوايانا، خاطبهم علي خليل - أبو ماجد :

- نحن شيوعيون من الموصل ، نريد أنْ نبدأ بالكفاح المسلح ضد النظام الدكتاتوري، ونسعى للوصول إلى منطقة آمنة ، هل بإمكانكم مساعدتنا في الوصول نحو الحدود الإيرانية؟
ردّ مسؤولهم :

- أنا سيد عزيز الراوندوزي ،من الحركة الأشتراكية الكردستانية ،أرحبُ بكم بأسم مجموعتي وحركتنا وأهل القرية ومستعد لتقديم العون والمساعدة لكم ، ودعانا إلى لقاء سريع في الجامع الذي إتسع لنا جميعا ً، في حين بقيَ عددا ً من رجاله يحرسونَ القريةِ من السفوح المحيطة بها ..

في اللقاء أوضح:
إنهم كانوا يتوقعون أنْ يُقدم الحزب الشيوعي على هذه الخطوة ، منذ فترة طويلة ... لكنكم - منتقدا ً- تأخرتم ودفعتم الثمن ...
في اليوم الثاني ودعناه ورجاله ، بعد أن كلّف دليلا ً لمرافقتنا ، حمّله رسالة ً إلى احد كوادرهم يوصيه بنا ، وقدم لنا مساعدة مالية ، خمسة دنانير لكل فرد، سلمها لعلي خليل الذي شكره على هذا الموقف ..

بعد مسير يومين إلتقينا بمفرزة أخرى لنفس الحركة ، بقيادة عولة سور( عبداللة الأحمر) بعد أن قرأ الرسالة التي كتبها له سيد عزيز ، قطب حاجبيه، وبدت عليه علامات القنوط وعدم الأرتياح ، وقدم لنا بدون حماس ٍ ورغبة منه دليلا ً لمرافقتنا ،كي نتجاوز المناطق الخطرة ، التي تتوسط ربايا الجيش ، لكنّ الدليل تركنا، وسط تلك المنطقة الخطرة ،وعاد ليلتحق بمسؤوله بعد ساعات .

علمنا، فيما بعد، أنّ عوله سور قد سلم نفسه للسلطة ،بعد أيام قليلة من لقاؤنا به ،محتجا ً على وصول و تواجد الشيوعيين في كردستان....

واصلنا طريقنا بإتجاه قنديل، لكننا أخطأنا الطريق، أخذنا ندور لأكثر من ثلاث ِ أيام ٍ بين حدود أربيل و السليمانية،لحين وصولنا إلى قنديل .

كانت المنطقة خالية من السكان ، بتنا ليلتنا في العراء ، بَرْدُ قنديل يلسعُ أجسادنا ،والثلج المتراكم على القمم ، وفي السفوح ،يحول الموقع ، من دون مبالغة ، إلى ثلاجة كبيرة .

حاولنا إشعال النار، بحرق عددٍ من أعمدة البيوت المهدمة ،التي خلفتها حملة الجيش في تهجير سكان المنطقة عام 1975،كدنا نحترقُ من شدة حرارة النار من الجهة المواجهة للنار، لكنّ البرد يلسع ُ الجهة الأخرى من أجسادنا. بَيْننا مَنْ تمرضَ ،ولم يستطع مواصلة السير، لذلك إنقسمنا قبل يوم . قسم هو الأعظم من المجموعة واصل مسيره بلا توقف ٍ نحو الحدود ، وبقينا نحن سبعة أنصار** في تلك الليلة ساهرين حتى الصباح .
أذكر إنها كانت ليلة (31) آذار....

حيث بادرنا أبو آمال بالتهنئة بمناسبة ذكرى ميلاد الحزب الشيوعي العراقي ...وقبل أن نجيبه على تهنئته دوت، تنطلقُ ، القذائف لتسقط بالقرب منا ، كان مصدرها مدفع ُالربية القريبة في سفح الجبل ،لم نكن نعرف إننا قد سهرنا طيلة هذه الفترة بالقرب من ربية للجيش تتحكم بمصيرنا ..

أخذنا نحثُ الخطى ونسرع كي نتجاوز المنطقة التي يتحكم بمداها مدى المدفع المعادي. باتَ خطر الطيران مفزعا ً ، حيث كنا بلا سلاح إلا من قطعة برنو صدئة ،إستفدنا منها قبل يوم في صيد مهرة من بين قطيع خيول يتحرك في المناطق المهدمة والمحروقة الخالية من السكان ، أنقذنا لحمها من الجوع ، قبل أن نواصل طريقنا من جديد ..

في اليوم التالي جاءنا الشيخ رسول مع حصانه محملا ًبالخبز، بعد أن وصلت المجموعة التي قبلنا ، ليقودنا مسافة عشرة ساعات متواصلة إلى حيث يتواجد نهر صغير يفصل بين العراق وإيران، مؤكدا ًهذه هي الحدود .!!
هنا.. في هذا الشريط ،بين الحدود، يمكن أن نبقى، لنؤسس أول قاعدة أنصار شيوعية ...


*
مقتطف من... حكايـا... الأنصار والجبل
**
هم كل من ، علي خليل - ابو ماجد ، جوقي سعدون - ابو فؤاد، خديدا طيبان - أبو سلام ، حميد دخيل - سلام ، درويش جمعة شيرو- أبو آمال ، سركوت ، صباح كنجي.

 


 

Counters