|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  14 / 3 / 2019                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



دكتور الشبس ماجستير في الفلافل

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

ينظر المرء بنوع من التندّر على بعض اللوحات التي تحمل أسماء مضحكة لمحلات تجارية أو مقاهي أو لورش سيارات مثل كافتيريا (بلا اسم) أو (ملك الفلاتر) أو (دكتور البطاريات) أو (بنشر السعادة) وكثير غيرها, لكن أن يبلغ الحال أن يطلق اسم (دكتور الشبس ماجستير في الفلافل) على كشك لبيع الشبس والفلافل والسندويتشات والعصائر في قلب مدينة صنعاء التاريخية وفي أشهر شارع بها وهو شارع الشهيد محمد محمود الزبيري فذاك شيء خرج عن دائرة العرف المألوف والمنطق الأخلاقي, وهو بكل المقاييس إهانة ربما لا يقصدها صاحب الكشك البسيط لدرجات علمية لا يمكن الحصول عليها في الظروف الأكاديمية الطبيعية والصحيحة إلا بشق الأنفس وسهر الليالي بكاملها والعمل المضني الدؤوب حتى في أيام الإجازات.

ومن باب المصادفة أنني كنت أتابع في أحد المرّات السابقة حوارا ساخنا في برنامج أحد القنوات الفضائية المصرية يدور حول بيع شهادات الماجستير والدكتوراه في بعض الجامعات المصرية العريقة ومنها جامعة القاهرة وجامعة عين شمس. وقد استضاف مُعد ومُقدّم البرنامج شخصيات أكاديمية في مستوى نواب رؤساء الجامعات بعد أن عرض ربورتاج بواسطة كمرة سرية لكشف خفايا هذه الظاهرة الخطيرة. وتداخل على الهواء مباشرة وزير التعليم العالي المصري ورئيس جامعة القاهرة وغيرهما من أساتذة الجامعات المصرية.

إن الأمر يحمل خطورة علمية وأخلاقية تعهّد أصحاب الشأن بمعالجتها حتى لا تؤثر تلك المؤشرات السلبية على سمعة جامعة في مقام جامعة القاهرة التي تجاوز عمرها قرناً من الزمان بكامله. وحتى تكتمل الصورة فإن عدد رسائل الماجستير والدكتوراه في كل من هذه الجامعات في سنوات مضت تجاوز العشرة آلاف رسالة في كل سنة ويصل ما يشرف عليه بعض الأساتذة ما بين ثلاثين وخمسين رسالة وبالذات في أقسام الإعلام والآداب. ودافع الأساتذة المشاركون في الحوار مبينين أن هناك خطة بحثية واضحة ومتميزة في كل قسم يقرها مجلس الكلية ومجلس الجامعة, على أن ينهج الباحث دورة متكاملة في أصول كتابة البحث العلمي إضافة إلى اختبارات في اللغة ومناهج البحث العلمي قبل الشروع في خطة بحثه. وذاك شيء منطقي وسليم ونتوقع ممارسته من قبل إدارات هذه الجامعات الرصينة ومجمل أساتذتها الموقرين الذين تعلّمنا منهم وما زالت أجيال كثيرة تتعلّم منهم أصول البحث العلمي وأبجدياته.

كما إن هناك لجنة اخلاقيات البحث العلمي تقف بالمرصاد لمحاسبة أي انتهاكات وخروقات لأنظمة الدراسات العليا على أن لا يتجاوز إشراف كل أستاذ على عشر رسائل علمية فقط. ومع ذلك فإن حصلت بعض الخروقات, ذاك أمر استثنائي يحدث في مصر ولا يجوز تعميمه وهو في اعتقادي حدث طارئ وقاسي هدف البرنامج منه استثارة غيرة الرأي العام العلمي في مصر ومؤسساتها الأكاديمية وهم جميعاً حريّون بالقضاء عليه ومحو آثاره السيئة. أما في واقع بلادنا الذي وصلت فيه الجامعات الحكومية والأهلية أكثر من 50 جامعة منها حوالي 37 جامعة أهلية, تفتقر معظمها للاشتراطات الضرورية لقيام جامعة في بنيتها العلمية وهيكلها التدريسي ناهيكم عن بنيتها التحتية وتنظم بعضها الدراسات العليا في برنامج الماجستير والدكتوراه. والسؤال المهم حول نوعيات تلك المخرجات هل هي فعلا ترقى لمستوى الماجستير والدكتوراه ؟ أم أن بعضها ينطبق عليه ما يحصل في حالات نادرة ونادرة جدا في جامعات عريقة مثل جامعة القاهرة وجامعة عين شمس؟ وعليه فقد تطاول وتجرأ ذاك العامل البسيط الذي يطلق على محله (دكتور الشبس وماجستير الفلافل) وليته أكمل العنوان بتخصص عصائر وسندويتشات.


* نائب رئيس جامعة حكومية سابق
ورئيس جامعة أهلية سابق


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter