|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  1  / 7  / 2024                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



حول بدايات التعليم الهندسي في اليمن

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

أنشئت كلية الهندسة في جامعة عدن في 21 نوفمبر 1978م وكانت تُعرف باسم كلية التكنولوجيا، أحد الكليات الست في إطار جامعة عدن. وخلال مسيرة تنيف عن عقد من الزمان، استطاعت هذه المؤسسة التعليمية أن ترفد الاقتصاد الوطني بأكثر من 800 مهندس ومهندسة في مجالات الهندسة المدنية والهندسة الميكانيكية والهندسة الكهربائية وهو ما يقارب نسبة 40% من مجموع المهندسين في الشطر الجنوبي من اليمن.

لقد تم تحديد العديد من الأهداف وتم إقرارها من قبل المؤتمر الأول للتعليم العالي والذي انعقد في الفترة من 26 – 27 إبريل 1981م في العاصمة عدن وأهم تلك الأهداف هي :

1- إعداد المهندسين في المجالات التكنولوجية المختلفة.
2- القيام بالبحث العلمي الأساسي بصورة عامة والتطبيقي على وجه الخصوص.

وبناء عليه نرى أنه من الضروري أن نضع تقييماً عاماً للوضعية الراهنة لهذا النوع من التعليم والذي هو في واقع الحال جزء من التعليم الجامعي في بلادنا كما أن له خصوصياته المتميزة به.

يتم في الظروف الراهنة إعداد المهندسين من خلال استنهاج خطط ومناهج دراسية مُقرّة خلال عشر فصول دراسية، ويحتوي كل فصل دراسي على 16 اسبوعاً دراسياً لا يتجاوز عبء الطالب فيه عن 33 ساعة فعلية أو 25 ساعة معتمدة, وبهذا تبلغ مدة الاستنهاج الإجمالية حوالي 225 ساعة معتمدة ينال بعدها الطالب الدرجة العلمية التي أُعطيت لها التسمية " الدرجة الخاصة " باعتبارها أعلى بقليل من درجة البكالوريوس.

يقوم الطالب خلال فترة دراسته في الكلية بدراسة عدد من المساقات النظرية وأداء الدروس العملية والمختبرية بالإضافة الى إعداد بعض السيمينارات والتقارير العلمية ويُتوج دراسته في السنة الأخيرة بمشروع للتخرج يتعلق في معظم الأحيان بمعالجة بعض المسائل المستقاه من الواقع العملي من الناحيتين النظرية والعملية.

لقد تم إعداد الخطط والمناهج الدراسية بصورة تتناسب واحتياجات الدول النامية، وبالتالي فإنها ليست نقلاً مشوّهاً لمناهج الدول المتقدمة كما إنها تعكسُ إلى حدٍّ ما الخبرة المتراكمة والمتواضعة لدى الأطر والكوادر الأكاديمية في مجال التعليم الهندسي والتقني. إن العامل الأساسي الذي أُخذ بنظر الاعتبار هو أن مستوى الاقتصاد الوطني، وخاصة في مجالات الإنشاءات الصناعية والطاقة لا يقضي بإعداد المهندسين في تخصصات ضيقة بل على النقيض من ذلك لابد أن تكون له قاعدة علمية وعملية واسعة تسمح للخريجين بالتكيف والتعامل مع ظروف العمل التي سوف يجابهونها في حياتهم العملية. ومن ناحية أخرى، فإنه من المفيد أن يجدَ الطالبُ في نهاية دراسته توجهاً تخصصياً يسمح له بتطوير قدراته وملكاته العلمية مستقبلاً.

ولهذا أتت الدراسة الهندسية مقسّمة إلى المكونات الأساسية التالــية:
أ‌- متطلبات الجامعة ( 10 – 15% ) والتي تحتوي على عدد من المساقات النظرية والثقافية العامة والتي تهدف في مُجملها إلى بناء شخصية المهندس العملية.
ب‌- متطلبات الكلية ( 30 – 35% ) وفيها يتلقّى الطالب المعارف العلمية التطبيقية الأساسية والعلوم والمهارات الهندسية الأولية والتي تمكّنه في الحصول على القاعدة الرياضية والفيزيائية والهندسية الضرورية التي تسمحُ له باستيعاب تخصّصه من ناحية وتطوير معارفه وملكاته مستقبلاً .
ج- متطلبات التخصّص ( 50%) وهي تحتوي على المساقات النظرية الضرورية واللازمة للحصول على أحد التخصّصات الأساسية المعروفة بالإضافة كما أشرنا سلفاً إلى الإطلاع على بعض التوجّهات التخصّصية.

أن الحيّز المُتاح هنا لا يسمحُ بالتقييم التفصيلي لهذه الوضعية ولكن نكتفي بالقول بأنه بالقدر الذي استطاع التعليم الهندسي في بلادنا من تحقيق الهدف المُناط به بصورة مرضية بدليل أن معظم المهندسين المؤهلين محلياً والذين يعملون حالياً في مختلف مرافق العمل والإنتاج قد استطاعوا القيام بمهامهم بالصورة المطلوبة، كما أن كلية الهندسة قد استطاعت أن ترسي تقاليدا ًعلمية مرضية مكّنتها من التغلب على الكثير من الصعوبات التي تعترضها مما أكسبها موقعاً متميزاً في تقديرنا في الجامعة وفي المجتمع بشكل عام.
إن الصفة العامة للأساليب المتبعة في تطبيق التعليم الهندسي هي أنها قد جاءت معتمدة على عدد من الوحدات الأساسية لتشكل تركيباً متناسقاً ومتكاملاً ولكنها مع ذلك لا تسمح بسهولة بالتغيير أو التبديل أو الاختيار بل أنها صورة نموذجية وحيدة لا تسمح بوجود بدائل أخرى أو أساليب مختلفة لتطبيقها في حدود معينة ومقبولة, ومع ذلك يمكن استشفاف الاتجاهات المستقبلية لتطوّر التعليم الهندسي في الفقرات التالية:

- الخطط والمناهج الدراسية
إن العملية التعليمية تجد طريقها للتطبيق عبر الخطط والمناهج الدراسية والتي يجب العمل على تطويرها بحيث تصبح :
أ‌- مستجيبة للواقع وللاتجاهات المستقبلية لاحتياجات الخطط التنموية الاقتصادية والاجتماعية.
ب‌- غير حاوية فقط للمساقات النظرية النمطية ولكن يجب أن تمتد لتشمل عدداً من المساقات العملية والتطبيقية والتي أثبتت الاتجاهات الجديدة في التعليم ضرورة وجودها في الخطط الدراسية الجامعية.
ج- قابلة للتغير والتعديل المستمر لتتناسب مع ما يفرضه التقدم العلمي والتكنولوجي بما في ذلك استحداث تخصصات جديدة ملبية للاحتياجات الفعلية للاقتصاد الوطني.

- هيئة التدريس
نرى أنه من الشروط الأساسية التي يجب الأخذ بها في اختيار عضو هيئة التدريس هي:
أ‌- العمل في أحد المواقع الإنتاجية لفترة محدّدة يجتاز بعدها تقويماً موضوعياً لمعارفه المكتسبة
ب‌- يجب ألا تكون هيئة التدريس مقتصرة على الكادر التدريسي الجامعي ولكن لا بد أن تشمل المهندسين المبدعين وذوي الخبرة في المرافق الإنتاجية.

- التدريب العملي
أصبح من المعمول به في معظم الدول العربية أن لا يمنح الطالب لقب مهندس إلا بعد أن يجتاز متطلبات المرحلة الدراسية في نطاق التعليم الجامعي بالإضافة إلى خبرة عملية بعد التخرج لا تقل عن عامين.

- ربط التعليم الهندسي بالمؤسسات ذات العلاقة
إن الفهم السائد هو أن التعليم الهندسي من مهام الجامعة كمؤسسة مستقلة قائمة بذاتها ومعتمدة على إمكانياتها المادية والبشرية وهذا الفهم عكس نفسه سلباً على إمكانية التأهيل وعلى مستوى الخريجين وهو مالا ينسجم مع أهداف التعليم الهندسي بشكل عام, ولهذا فإنه من الضروري أن تقوم المؤسسات ذات العلاقة والقطاعات المستفيدة الأخرى بدور فاعل ومؤثر في التعليم الهندسي ليس فقط في عرض مواضيع البحوث العلمية وتمويلها ولكن المساهمة في العملية التعليمية وفي توفير بعض المستلزمات المختبرية، وتدريب الطلاب ولخلق وتمتين هذه العلاقة فإنه لابد من وجود ممثلين لتلك المؤسسات في مجلس كلية الهندسة, وذلك سيؤدي في التحليل الأخير الى تحقيق الأهداف المرجوّة من التعليم الهندسي خاصة فيما يتعلق بالمسائل والمشاكل الموضوعية في التطبيق العملي أمام المؤسسات الصناعية والإنتاجية.

كما إن هناك فقرات أخرى يمكن التنويه عنها في خطوط عريضة دون التطرّق لتفاصيلها تقديرا لضوابط النشر في هذا الموقع الموقّر ومنها: التعليم الهندسي المستمر, وتعريب التعليم الهندسي, وسياسة البحث العلمي ومراحل الدراسات العليا في التعليم الهندسي, ربما يُتاح لنا مناسبة أخرى للتطرّق لها ببيان التفصيل.



المكلا في 1 يوليو 2024م


* نائب رئيس جامعة حضرموت السابق
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter