|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  16  / 6 / 2020                                 سعد السعيدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الجيش العراقي بعد الغزو الامريكي

سعد السعيدي
(موقع الناس)

في كل مرة يجري طرح امر اخراج القوات الامريكية من العراق نرى تقديم من يؤتى به ليقرأ علينا اسطوانة التبريرات المهيئة سلفا حول حاجة الجيش الى التدريب والخبرة الاستخبارية، وكذلك الاعتدة التي يسمونها تضليلا بالدعم اللوجستي. وتطرح هذه الامور للتهويل على الرأي العام لتخويفه من تبعات خروج تلك القوات. وطبعا لا يناط القيام بكل هذه المسرحيات إلا الى الابواق التي يحرص على اختيارها بعناية. فتارة هو من يصوّر بالمحلل الاستراتيجي وتارة هو عسكري من الاعلام الحربي عدا عن بعض الوجوه الجديدة.

ويجب عدم الظن بتعلق الامر فقط بالنقاط الآنفة كما تردده الحكومة. فهذه ليست إلا خداع. إذ ان ثمة امور اخرى كثيرة قد تدخل بها الامريكيون في الجيش ما يكون من حق العراقيين معرفتها.

إن ما حدث بعد حل الامريكيين للجيش هو انهم قد اعادوا تشكيله لكن ليس اعادة بنائه. إذ قاموا بتطبيق خطتهم المبيتة قبل غزوهم للبلد في تحجيمه خلافا لما كان عليه في السابق. وهو ما كانوا يرددونه قبل وبعد الغزو دون اعطاء اية تفاصيل. لكن مع ما رأيناه لاحقا قد فهمنا ما جرى. إذ فرضوا على الجيش من ضمن خطتهم هذه انواع الاختلالات مع إلغاء وحذف الكثير من تشكيلاته. فحذفوا منه التشكيل الذي يعني بالتدريب ليحصروه بانفسهم فقط. ثم سمحوا له في سياق اعادة التشكيل بتسليح محدود جدا مثل الدروع والدبابات وكذلك من الطائرات. كذلك فرضوا عليه حظر اقتناء انظمة تأمين الاجواء كالرادارات والدفاع الجوي. اي انهم قد الغوا وحذفوا كل الصنوف الساندة للمشاة وابقوا فقط على الاخيرة مع اسلحتها. وللابقاء على هذه الحالة وعرقلة اعادة تجهيز الجيش قام الامريكيون باجبار العراق على حصر هذا التجهيز بهم هم فقط بعدما قاموا بتدمير معظم معداته العسكرية ذات المنشأ الشرقي.

ولم يكتفوا بهذا فقط، بل قاموا بتحجيم صنف المشاة نفسه وذلك بتشتيته بين رئاسة الوزراء التي ربطوا بها القوات الخاصة ، ووزارة الداخلية التي ربطوا بها جزء من المشاة نفسها. ايضا في سياق اعادة التشكيل اجبروا الدولة على شطب قوات الاحتياط. وقد لوحظ حجم هذا الخلل عندما حصلت نكبة الموصل حيث لم تتمكن القيادة العسكرية من تنظيم عمليات استرجاع اراضي البلد ودحر الارهاب إلا بعد حصولها على دعم من جهة لا علاقة لها بالجيش ولا بالدولة ممثلة بالسيستاني.

ولا بد من اضافة امر آخر ايضا لا يقل اهمية. وهو انه لن تقوم جهة خارجية بالتدخل بامور الجيش من دون زرعه بعملاء لها لضمان ولائه وتبعيته لهذه الجهة وهو ما شوهد في اوقات مختلفة. إذ يقوم هؤلاء بضمان بقاء قوات الاحتلال تلك بطريق التصريحات الاعلامية التهويلية. وقد لوحظ وجود علاقات لهؤلاء مع وجوه عالمية معروفة من ادوات التدخل الاجنبي من ذوي السجل السياسي الوسخ.

من خلال كل هذه الفرائض الآنفة يمكن لايا كان من حدس الهدف من ورائها. وهو اضعاف الجيش العراقي لاجباره على اعادة الجيش الامريكي الى البلد. ولا يمكن تحقيق هذه الاعادة من دون خلق اعتمادا من الاول على الثاني. بهذه الطريقة يفرض هؤلاء انفسهم كشريك للدولة بحجة محاربة الارهاب، ومعه ضمان عودة واحتلال دائم لهم في البلد. ولن تأتي الاعادة هذه طبعا من دون اثمان كالابتزاز والاملاءات.

ولدى مطالبة الامريكيين بالخروج بعد فرضهم لعودتهم يلجأون للابتزاز مرة اخرى لمبادلة خروجهم باتفاقيات تفرض على البلد ضمان مصالحهم دائما على حساب مصالحه، وهو ما جرى العام 2008. ثم مرة اخرى مع عودتهم العام 2014 بحجة داعش حيث يراد الآن اعادة العوبة العام 2008 مرة اخرى. وكما يرى فإن لهم في كل هذا خبرة طويلة ناتجة عن تاريخ طويل من التدخلات.

لقد جرى منح كل هذه التنازلات للمحتلين من قبل مجلس الحكم وحكومات اياد علاوي وحزب الدعوة بمعية برلمان فاسد متواطيء. إذ صار يُحرص في كل لحظة مفصلية على الاتيان بمن يردد لنا الاسطوانة التهويلية المهيئة سلفا والتي صار يعرفها الجميع حول حاجة الجيش الى التدريب والخبرة الاستخبارية الاجنبية للتصدي للارهاب. وقد حاول احد ابواق الحكومة من العسكريين ومن يقف خلفه المبالغة في ادعاءات التهويل فذكر في مكان ما شيئا عن الحاجة لميزانية ضخمة لتطوير القوة الجوية، وتورط في مكان آخر بنكتة مفادها وجود اكثر من 70 الف ارهابي في معسكرات بسوريا قريبة من الحدود العراقية.

ويأتي كلام هذا البوق العسكري الجديد بعد محاولات امريكية سابقة للابتزاز بالتخويف. ففي شباط الماضي قام فرانك ماكنزي الجنرال في مشاة البحرية الأمريكية والقائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، بزيارة سرية إلى العراق التقى فيها مسؤولين عراقيين. وقد حاول هذا الجنرال خلال زيارته تهديد المسؤولين العراقيين من ان الانسحاب الأمريكي الشامل سيؤدي إلى نكسة كبيرة في القدرات العسكرية العراقية خاصة تلك القوات التي تحارب داعش. بعده ادعى مسؤول عراقي بان القوات العراقية غرب العراق تحتاج إلى دعم جوي مستمر واعتدة سماها تمويها بالدعم اللوجستي. واضاف بان هذان تؤمنهما قوات التحالف خاصة الولايات المتحدة. فإن اخرجوا، سيشل الجيش. لكن لسبب ما تناسى كل هؤلاء ذكر اعترافات اركان النظام الامريكي انفسهم والموثقة على اليوتوب حول وقوفهم هم خلف خلق تنظيم القاعدة وعلاقات سياسييهم الوثيقة بداعش والتي لم يبقى احد في العالم يجهل امرها.

نعيد التذكير بالاهداف الامريكية من احتلالهم الدائم للعراق. وهي تحقيق المصالح الامريكية فيه وفي باقي الشرق الاوسط مثل سوريا وفي ضمان امن اسرائيل وحماية الاقليم الكردي وسياسته النفطية وللتجسس على دول المنطقة. كذلك فالعراق هو الاداة التي يستخدمها الامريكيون للتحكم باسعار النفط. ويمكن لكل الترتيبات التي هيئت ارضيتها منذ عقود وبنيت بالغزو والاحتلال ان تنهار بتلاشي الاخير مهما كان شكله. بهذا الاحتلال يكون العراق واقعاً تحت استعمار امريكي غير مباشر. وبدعوى التعاون الامني يتعرض للابتزاز والضغط لابقاء هذا الاستعمار.

ونعيد ايضا التذكير بما قلناه سابقا وهو ان الدول الحريصة على استقلالها تقوم بتدريب قواتها الامنية بنفسها، مع الحرص على الا تكون هذه القوات ناقصة التجهيز كيلا توضع بالتالي رقبة امن البلد باكمله تحت مشيئة ايا كان خصوصا مع توصلنا في حزيران العام 2014 لمعرفة القيمة الحقيقية لاتفاقيات التسليح الامريكية. فالهدف الواضح من ترديد النظام العراقي الحالي لاقاويل الحاجة للدعم الامريكي هو توفير الحجة لهؤلاء للبقاء في البلد واحتلاله مرة اخرى (والشرق الاوسط بالتالي) الى ما لا نهاية. ويكون من حق كل عراقي ان يوجه السؤال الى حكوماته عن سبب تقاعسها كل هذه السنوات عن مواجهة الضغوط الامريكية وحماية الجيش وتجهيزه بما يحتاجه من خبرات واسلحة.

مرة اخرى نشير الى صمت مجلس النواب واذرع العمالة الايرانية على اوضاع الجيش هذه. بيد ان امر هذا المجلس واضح. إذ يُحرص دائما على وضع صديق للامريكيين على رأسه لضمان عمله وفقا لرغباتهم. وهذا إن لم نضع في الحساب اصدقائهم المتواجدين من ضمن النواب انفسهم. اما الاذرع الايرانية، فدولتها الداعمة تريد هي ايضا الاحتفاظ بالعراق رهن مشيئتها. وهو ما لا يمكن تحقيقه من دون اضعافه. لذلك فهي آخر من سيعترض على تقليص وتكبيل الجيش العراقي الذي وقف بوجهها واذاقها المرارات غير ذي مرة. وهي تستغل هذا الوضع لملء البلد بميليشياتها واذرعها. وحيث نرى تلاقٍ لمصالحها في هذا الامر مع مصالح الجهة الدولية المقابلة لها.

هذه هي الطرق التي يتبعها المحتلون لضمان استمرار احتلالهم للبلد وسيطرتهم عليه. لذلك نطالب الدولة وقطعا لسنا الوحيدين باتباعها للخط الوطني مع الجيش بالكامل وانهاء الاختراقات المعادية له والابتعاد عن خيار التسليح الامريكي. فقوة سلطة الدولة والقانون هما من قوة جيشها، وضعفهما من ضعفه. وسنحكم على ضوء النتائج على الارض.

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter