| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأربعاء 22 / 5 / 2024 سعد السعيدي كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
بالمطلق لا يجوز للمحكمة الاتحادية من اصدار القرارات السياسية
سعد السعيدي
(موقع الناس)تورطت المحكمة الاتحادية العليا عدة مرات لدى اتخاذها لقرارات سياسية غير قضائية. وذلك خلافا للتعريف الذي جاء به الدستور حولها في المادة (92). فالدستور حول عمل الاتحادية تحت بند السلطة القضائية يقول بان المحكمة هي جهة قضائية. وهو ما يعني انها لا تصدر تفسيرات سياسية ولا يجوز لها ذلك. فلا يجوز لها اعطاء تفسيرات تعسفية للمواد الدستورية. وإلا فستعتبر محاولة للتلاعب بالدستور لصالح إقصاء او تفضيل اية جهة اخرى. وتكون هذه مخالفة لهذه المادة الدستورية الآنفة ومن ضمن محظوراتها. فالدستور كالقانون قد وضع لتقديم الحلول ولتنظيم العلاقة بين المواطنين ودولتهم ونشر العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، لا العكس. وقد استغل سياسيو العراق الحاليين جهل الناس بهذه التفاصيل عندما راحوا يطلبون من المحكمة تقديم التفسيرات لمواد الدستور بشكل مناف لنص وروح الدستور.
وكانت اول مرة لفت فيها الانتباه الى قرار سياسي قد اتخذته الاتحادية هو في العام 2014 بعد انتخابات تلك السنة. إذ قامت النائبة شروق العبايجي بتوضيح قرار المحكمة الاتحادية المتخذ العام 2010 بشأن تفسير المادة (76) من الدستور حول الكتلة الاكبر. إذ اوضحت بان تفسير المحكمة القائل بان تلك الكتلة هي تلك التي تتشكل في مجلس النواب من قبل الفائزين في الانتخابات هو قرار سياسي. وهو مما يفهم منه انه يصب في مصلحة جهات دون اخرى. واضافت قائلة بان الدستور قد حدد عمل المحكمة الاتحادية بكونه عملا يتعلق بالقضاء، لا بالسياسة التي لم يذكرها، كونه قد حدد في المادة (98) بوجوب ابتعاد القضاة عن السياسة. واضافت قائلة بان هذا يعني بان الدستور عندما قال بالكتلة الاكبر فانه قد عنى بكونها تلك التي تتحقق بالفائز بالانتخابات، لا تلك التي تشكل في مجلس النواب.
وقد تحقق الجميع من صواب هذا التوضيح عندما رأى في التطبيق العملي استحالة الحصول على هذه الكتلة الاكبر من خلال اتباع تفسير المحكمة الاتحادية. وكان على المحكمة احترام الدستور بدلا من النزول عند الضغوط التي تعرضت لها، إلا انها لم تفعل. بهذا تكون هذه المحكمة قد تعمدت التلاعب بالدستور نزولا عند رغبات السياسيين متسببة بتعريض البلد الى ازمات متلاحقة ادت في النهاية الى لجوء الناخبين الى مقاطعة الانتخابات برمتها. وتفسير المحكمة الاتحادية هو تفسير كما يرى غير متوافق مع روح الدستور والديمقراطية. ونرجو الا يكون للنائبة الآنفة اجندات مخفية غير وطنية حيث نلاحظ صمتها المطبق عن اعادة تأكيد توضيحها الآنف لبند الدستور قبل عشر سنوات حول الكتلة الاكبر مع تكرار الازمات المتعلقة بنفس هذا التفسير السياسي.
وقد انتبهنا الى حالتين اخريين قامت بهما المحكمة الاتحادية بالتجاوز مجددا على الدستور حين وفرت تفسيرات للسياسيين لضمان تمشية مصالحهم الذاتية على حساب مصالح البلد. احدى هاتين الحالتين هو التفسير الذي قدمته بشأن المادة (140) من الدستور.
ففي العام 2019 اقدمت المحكمة الاتحادية على تقديم التفسير السياسي لهذه المادة حين قالت بانها (وجدت بان المادة (140) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 قد اناطت بالسلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لإكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها والتي لا زالت نافذة استناداً لأحكام المادة (143) من الدستور). والتفسير الذي طلب من المحكمة كان يتعلق بامد تطبيق المادة نفسها، وهو ما اجابت بشأنه المحكمة. بيد اننا كنا نتوقع من القاضي المحمود ان ينتبه الى وجود مشكلة في المادة مما اوضحناه في مقالة سابقة عدا موضوع الامد وان يمتنع عن اجابة طلب التفسير او ان يلحق تفسيره بلفت الانتباه الى تلك المشكلة. لكن هل كان يمكن الاعتماد على شخص فاسد مثله كان قد كشف عنه في السابق عن انتحاله لعدة صفات دون ان يقال من منصبه ؟
ومشكلة المادة (140) هي في احتوائها على مادة من دستور سابق ملغى. إذ لا يجوز في مواد دستورية الاتكاء على مواد ملغاة مثل هذه ليؤدى بنا الى نتائج ملتبسة. فما استند اليه في قانون ملغى يكون منتهيا وساقطا ولا يمكن اعتماده والعمل به. بهذا لا يمكن العمل بالمادة (140) وتسقط من تلقاء ذاتها. ومن يقول غير ذلك يكون مخادعا. وهذا الكلام اوضحناه في مقالات سابقة احدها العام الماضي بعنوان (للمرة الرابعة مع المواد غير الدستورية في الدستور العراقي)، اوضحنا فيها تناقضات المادة الدستورية مما يتجنب كل السياسيين قوله للمواطنين. لا بل ويذهبون لغاية التضليل الى امور اخرى.
إن المحكمة الاتحادية في قرارها هذا كانت قد قدمت تفسيرا مغايرا للمنطق مثلما ذكرنا اعلاه. وقرارها هذا الذي يثبت المادة (140) في الدستور كان قطعا قد جاء كمفاجأة للكثيرين. هذا التفسير المغاير للمنطق هو ومثل قرارها الاول حول الكتلة الاكبر هو قرار سياسي يهدف الى افادة جهة او جهات سياسية على حساب جهة اخرى. اي انه ينشيء للتمايز بين الاطراف لا على اساس المقدرة او الفكرة، انما على اساس هائم غير واضح يؤدي الى الخلافات بدلا من الاتفاق. وتمايزات مثل هذه هو ليس من اهداف الدساتير. وإنما هو تنظيم العلاقة بين المواطنين وبين دولتهم. وما نراه هنا مع تفسيرات الاتحادية هو العكس تماما.
الحالة الثانية التي نرى فيها تورط المحكمة الاتحادية في اتخاذ قرارات سياسية هو ما قام به قاضي المحكمة الاتحادية نفسه عندما اضاف العام الماضي بنودا الى النظام الداخلي للمحكمة حدد فيها من له الحق في اقامة دعاوى الحق العام ومن لا يحق له ذلك !! وهو ما اثرناه في مقالتين العام الماضي احدها كانت بعنوان (عودة الى قرار تعديل النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية قبل ستة اشهر).
إن ما اضافه القاضي من بين ما اضافه هو البند التالي (أن يكون للمدعي في موضوع الدعوى مصلحة حالة ومباشرة ومؤثرة في مركزه القانوني أو المالي أو الاجتماعي، على أن تتوافر ابتداء من إقامة الدعوى وحتى صدور الحكم فيها).
لدى قراءة هذا التعديل يكون واضحا للجميع انه قد ابتكر خصيصا بهدف حصر الدعاوى القضائية وتقييدها لإبعادها عن قضايا الشأن العام. إذ منع هذا التعديل ايا كان من رفع الدعاوى ضد نهب المال العام والتجاوز على القانون... ما لم يثبت ضرره الشخصي المباشر منها ! وهو محاولة لإبطال المادة (19/ ثالثاً) من الدستور القائلة بان حق اللجوء إلى القضاء مكفول للجميع. وهو لا يكون هنا إلا محاولة لاجراء تعديل دستوري ! إن هذا التقييد هو تصرف غير مشروع، وما قامت به المحكمة هو تعدّ على الحق العام. وهو لا يكون إلا حرف لدورها في حماية هذا الحق. وواضح بان هذا التعديل قد جرى لصالح حماية مصالح البعض ممن تضرر سابقا من دعاوى قضائية. إذ قد اضيف بعد نجاح النائب باسم خشان بدعوى له في إبطال قانون الامن الغذائي. وواضح ان هذا التعديل قد اجري خصيصا لمنع نفس النائب او اي شخص آخر من تكرار الامر نفسه مستقبلا.
إن هذا العمل الذي اقدم عليه قاضي المحكمة هو تصرف سياسي بالدرجة الاولى. إذ ان وضع حدود على حرية الناس في اللجوء الى المحاكم باي شكل من الاشكال هو قرار سياسي يهدف الى افادة جهة او جهات سياسية على حساب جهة اخرى. وهنا تكون الجهة التي حُددت حرية حركتها هو عموم الشعب.
انه من المثير للعجب عدم انتباه مجلس النواب ولا الناشطين لهذا الامر. وكان عليهم تنبيه المحكمة الاتحادية على هذه التجاوزات على الدستور. فالدستور يقول حول عمل الاتحادية تحت بند السلطة القضائية بان المحكمة هي جهة قضائية. وهو ما يعني انه لا يجوز لها ان تقدم تفسيرات سياسية. بالنتيجة تكون اية تفسيرات مثل هذه تقدمها المحكمة غير مشروعة ولا يجوز العمل بها او اعتمادها حتى لو جرى الاتكاء على الدستور الذي يقول بكونها ملزمة. هكذا نرى بان قرارات المحكمة السياسية او ذات الطابع السياسي قد خربت النظام الديمقراطي في العراق وعممت الفوضى والفساد فيه.
انه من الواضح بان الاحزاب السياسية تريد البقاء في السلطة مهما كانت نتائج الانتخابات مستغلين جهل الناس من جهة يساعدهم تقاعس وتخاذل العالمين من السياسيين المستقلين من الجهة الثانية.