|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأحد  27  / 4 / 2014                                 سعد السعيدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

محافظ بغداد يتنازل عن بغداد

سعد السعيدي

كان الاجدر بالتميمي محافظ بغداد إضافة كلمة "اطراف" الى بدلته الزرقاء لتكون الجملة "خادم اطراف بغداد" , اي المحافظة دون المدينة. ليصبح العنوان بهذا اوضح ويكون الرجل اكثر صدقآ مع نفسه ومع اهالي مدينة بغداد ومحافظتها. وليبدو ايضآ اقل نفاقآ وتزلفآ بعيدآ عن التلاعب باسم المدينة واستغلالها لاغراض انتخابية واضحة , ولكونه بعيد عن خدمتها حقآ.

ليست قائمة مشاكل مدينة بغداد غير معروفة للملأ. فالكل على علم بها كون المدينة مرآة لما يحدث في البلد. فمن المجاري الطافحة..الى اكوام الازبال... الى انعدام ماء الشرب.. الى انقطاع الكهرباء.. الى الامن المفقود.. الى العشوائيات.. الى ازمة السكن.. الى التلوث البيئي.. الى الازدحام المروري... الى... الى.. الخ. جبال المشاكل المتفاقمة هذه دفعت مؤسسة ميرسر الرقابية العالمية في احدث تقاريرها (في شباط الماضي) الى اعتبار بغداد احد اسوأ مدن العالم لمستويات المعيشة حيث تحتل كما في كل تقرير , ذيل القائمة.

من المسؤول عن إدارة مدينة بغداد وتأمين الخدمات فيها ؟ إنها امانة العاصمة.
لمن تجيب هذه الامانة عن مسؤولية (سوء) إدارتها للمدينة ؟ .... لا احد !

توافد على امانة العاصمة خلال عهد ما بعد السقوط بضعة امناء لم يرد ايآ منهم لها اعتبارها ولم تر منهم اي انجاز. فهم اتوا ليأخذوا منها لا ليعطوها , فاساؤا اليها ايما اساءة. هؤلاء البضعة هم صابر العيساوي والمرشدي والحالي نعيم عبعوب. كلآ منهم جرى تعيينه بشكل مباشر من خارج المحافظة بمرسوم جمهوري قسري بعيدآ عن اية خيار ديمقراطي حر للمدينة. وسواء كانوا وكلاء ام اصلاء فان سنوات "امانتهم" لم تكن إلا صنوآ للفساد وانعدام الخدمات والارتجالية في الادارة. وما هذا بغريب كونهم جميعآ قد جرى اختيارهم لغرض دعم رئاسة الوزراء , لا لخدمة اهالي المدينة. وبهذا جرى اختطاف المنصب الإداري والمدينة رغمآ عن اهاليها لتحويلهما الى ادوات نفوذ سياسي.

ان وظيفة إدارية مهمة مثل امانة بغداد هي مسؤولية كبرى كونها تقوم على إدارة شؤون اكبر مدن العراق واكثرها اكتظاظآ بالسكان , وتأمين الخدمات لاهاليها وتوفير الامن. لهذه الاسباب لابد ان تخضع هذه الادارة للرقابة الشعبية والمسائلة لا ان تكون فوق القانون. وبهذا يضمن بقاء المنصب خدميآ بعيدآ عن السياسة.

والرقابة على الامين يجب ان تكون من خلال اعلى سلطة في المحافظة : مجلس المحافظة المنتخب والمحافظ المنتخب منه (فالاول هو السلطة التشريعية والرقابية , والثاني هو السلطة التنفيذية حسب قانون المحافظات غير المنتظمة باقليم). اما وظيفة وكيل الامين فهو منصب وهمي من امهات افكار رئيس الوزراء كما يعرف الجميع وغير شرعي كونه "يستند" الى ثغرة في التشريع.
هذا الوضع الشاذ , اي وجود سلطات منتخبة مع مناصب وهمية معينة من جهات من خارج المحافظة كان يتوجب تصحيحه بقانون. قانون يعيد عملية اختيار الامين الى اهالي بغداد عن طريق سلطاتهم المنتخبة , يشرعه مجلس النواب. وهنا نتسائل اين هي المجموعة البرلمانية التي ينتمي اليها التميمي المحافظ والمكونة من 40 نائبآ صدريآ من الدفع تجاه إصدار مثل هذا القانون الذي ينتظره اهالي بغداد.... منذ العام 2008 ؟ ما يكون هذا الصمت المريب الذي يحيط تشريع هذا القانون المهم ؟

لا يبدو ان احدآ من الكتل البرلمانية مهتمآ فعلآ بإصدار القوانين الديمقراطية التي تحدد وتوزع مسؤوليات ومهام رؤوساء البلديات مع سلطات المحافظة فيما بينهم وتؤمن الرقابة والمسائلة الشعبية على اعمالهم. اي تعيد زمام المبادرة الى الشعب كونه مصدر السلطات حسبما ورد في المادة 5 من الدستور. فهل نفهم ان الكتلة البرلمانية التي ينتمي اليها التميمي لا تبالي بإقرار هذه القوانين بالمرة وغير مهتمة باستعادة الشعب لحقه في اختيار رؤوساء بلدياته , وانهم بتنازلهم عن امر تعيين امين العاصمة وتركه بيد رئاسة الوزراء يفضلون بقاء الاحوال السائدة على ما هي عليه ؟

ليس بخاف على احد قوة الصدريين في البرلمان. فهم ليسوا بعاجزين عن التأثير. فعلى اكتافهم يستند التحالف الوطني الحاكم وبيدهم استمراره من عدمه. فلم الإهمال والتغاضي عندما نصل الى تشريع القوانين الضامنة للممارسة الديمقراطية والمسائلة الشعبية والرقابة , وبالتالي ضمان العمل الديمقراطي في العراق... إن كانوا غير جادين بالمرة عن التوجه لهذا المنحى ؟ بماذا نستطيع تفسير سكوتهم وتراجعهم عن تشريع هذه القوانين التي تبعدنا عن الدكتاتورية ؟

إن التقاعس المتعمد عن العمل باتجاه تصحيح آلية انتخاب الامين والتنازل عنها وتركها بيد المالكي هو دليل واضح على عدم جدية الصدريين (ومعهم محافظهم) لتصحيح الاوضاع القائمة. وهو يصب في خانة تكريس الدكتاتورية. والتساؤل المنطقي هنا ما فرق هؤلاء الصدريون ومنهم المحافظ عن المالكي نفسه ونهجه في العراق ؟

عودة الى المحافظ وبدلته.... ان من يريد خدمة بغداد المدينة ومحافظتها حقآ عليه الدفع لتشريع القوانين التي تنظم عمل مؤسساتها بشكل مسؤول , لا بالطريقة الارتجالية الحالية. وهو بذلك سيضع سلاح الخيار والرقابة بيد اهاليها بعيدآ عن الاهواء الشخصية والتلاعب السياسي. وسيفك ارتباط الامين بالجهات السياسية خارج المحافظة ويعيده الى رقابة الجهات الادارية المنتخبة التشريعية والتنفيذية في مركز المحافظة اي مدينة بغداد. وبذلك سيتمكن الاخيران من مراقبة عمل الامين ومسائلته. وهذا هو جوهر الديمقراطية والعمل الاداري الصحيح. فلماذا لا نرى إلا العكس ؟ فاية خدمة تكون هذه عندما يشكو اهالي بغداد من سوء الادارة والسرقة والفساد وهي ما نراه من نتائج غياب الرقابة والمسائلة ؟ وهل ان خدمة بغداد يا محافظ بغداد تتحدد فقط ببدلات زرقاء وإعلانات وحركات استعراضية ؟



 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter