|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  30 / 9 / 2021                                 سعد السعيدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هيبة الدولة

سعد السعيدي
(موقع الناس)

لطالما كان وجود هيبة الدولة اي فرض سلطتها على الارض محط اهتمام ومطالبة الكثيرين خصوصا ممن تذوقوا نتائج غياب هذه الهيبة. ربما لم ينتبه هؤلاء الى ان ثمة علاقة واضحة بين تراجع الدولة وانتشار العشائر واوضاع ما اصطلح على تسميته باللا دولة. وقد تعمد الاعلام بهدف التجهيل بالامر تغييب هذه العلاقة الواضحة. وحيث يعرف الجميع بان هذا الاعلام هو ليس إلا متاجرة وارتزاق.

تتحمل الدولة العراقية بالدرجة الاولى انتشار الفوضى في البلد وتقدم العشائر على حسابها. فهذه الدولة هي من يتعمد ضرب وإضعاف سلطتها بنفسها بهدف فسح المجال لكل قوى اللا دولة مثل العشائر من الحلول محلها والتسلط والهيمنة بالنتيجة. هذا التراجع المتعمد هو ليس إلا اعلان حرب على الشعب ومجتمعه. فهما المستهدفان من اضعاف الدولة وإحلال العشائر محلها وتسليطها عليهما. والدولة هي من يؤمن الامن والنظام والحماية للبلد وشعبه ومعها الخدمات. إن الدولة وهيبتها وقوانينها وسلطتها هي ضمان حماية المجتمع. وتراجعها يعني إضعاف المجتمع وتركه مكشوفا بلا حماية.

ومع تراجع الدولة ظهرت بالتوازي مع صعود العشائر الميليشيات المسلحة وتمددت. وطبيعي ان تتقوى وتتسلط وتتغول كل هذه الاطراف مع كل تراجع آخر إضافي للدولة. وقد اثرنا امر الميليشيات في مقالة سابقة عندما اوضحنا بان الدولة قد صارت تقوم بتمويلها وهو ما يوازي حمايتها امريكيا. ومع هذه القوى الصاعدة صعد ايضا البديل الديني ، ومعه الطائفية.

ومع تعمد الدولة ضرب هيبتها وسلطتها في نظام ما بعد 2003 صارت تتعمد ايضا التقاعس عن ردع النزاعات العشائرية المسلحة وغيرها من التصرفات مثل ما يعرف باسم (الدكة العشائرية) التي انتشرت اكثر فاكثر. ومع ازدياد هيمنة العشائر تبدأ هذه بالتنافس مع بعضها للحصول على المنافع ولتتمدد حتى الى داخل المدن وتفرض قوانينها فيها. وصارت بعض الجهات السياسية والدينية تدخل معها في تحالفات. وهو استعادة لاوضاع ما قبل ثورة تموز. ومع هذه الفوضى المفتعلة تنتشر اوضاع الانفلات الامني وتتوسع بالتوازي مع التهاون الحكومي المتعمد في تطبيق القانون ومنع انتشار السلاح. وهذه الاوضاع تؤدي الى استمرار تمدد العشائر مع زيادة في الميليشيات والعصابات المسلحة. وكلما ازدادت سطوة كل هؤلاء تتعمد الدولة التراجع اكثر وهكذا دواليك. وكل هذا هو بهدف خلق الانطباع بعجز الاخيرة. ولا بد ان الجميع قد لاحظ تفضيل الامريكيين التعامل فقط مع العشائر. فهي الجهة التي يرغبون تسيدها المشهد السياسي في العراق اسوة بباقي حلفائهم في المنطقة.

تعمد الدولة التراجع عن فرض سلطتها ، ومعها تراجع اجهزتها الرقابية ثم اهمال حتى القوانين التي تشرع في مجلس النواب ، يهدف لادامة شل البلد واضعافه. من نتائج هذه الفوضى المفتعلة التي سماها احدهم ليس عن جهل ، بالخلاقة والتي استمرت مع الاحزاب الاسلامية لدى تلقفها للفكرة هو ظهور اشكال التطرف الذي اتت منه داعش.

كل هذا ينبع كما يمكن حدسه من رغبة امريكية لمنع العراق من استعادة قوته وعرقلة عودته الى وضعه الطبيعي. وهي بالمجمل حربا على العراقيين. ويجري تطبيق تراجع الدولة مع هذه الفوضى المسماة بالخلاقة بمعية العملاء الماسكين بالسلطة في البلد. وهؤلاء هم ممن يحرص الامريكيون على حمايتهم بمعية قواتهم المحتلة. وبالتأكيد فانه لو جرى عكس هذا الوضع بحيث تبتعد الدولة عن هذه التصرفات الشاذة ، لاختفت كل هذه الظواهر.

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter