| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الثلاثاء 8 / 3 / 2016 سعد السعيدي كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
كيف تقوم الحكومة بضمان أمن المواطن ؟
سعد السعيدي
(موقع الناس)
للمرة المئة بعد الالف تجري عملية إرهابية في بغداد يسقط فيها عدد كبير من الضحايا. فالعملية الارهابية الاخيرة في سوق مكتظ بمدينة الثورة خلفت عشرات الشهداء واضعاف هذا العدد من الجرحى. وللمرة المئة بعد الالف تقوم عمليات بغداد الفاشلة بتسجيل الحادث ضد مجهول ، ولا احد في مجلس النواب يتجشم "عناء" استدعاء الفريق الشمري ولا الآخر العبادي او اي من وزرائه للاستجواب حول هذا الفشل المتواصل والاستهتار بأمن المواطن. فلهؤلاء مهام اسمى من مثل التعارك حول تسمية العمليات العسكرية او نهب البنى التحتية...
كيف يدخل الارهابيون الى العاصمة لتنفيذ جرائمهم هذا إن اعتبرنا بان ورش التفخيخ تتواجد خارج العاصمة وليس داخلها ؟
للتأشير على حجم الفشل والتخبط الذي تغرق فيه عمليات بغداد وباقي الاجهزة الامنية المكلفة بأمنها جاءتنا الاخبار منذ مدة بفكرة إقامة ما سمي بسور عازل لاحاطة بغداد ، تبين فيما بعد انه مجرد خندق يحفر حول المدينة ! ولم نعرف من القائمين على "المشروع" كم من المدة سيستغرق بنائه ولا عن مقدار الامان الذي سيوفره لاهالي العاصمة. فليست هذه التفاصيل على ما يبدو من واجبات الحكومة ولا غرفة العمليات التابع لها. وكالعادة تحول الموضوع الى مادة للتناكف والتجاذب في مجلس النواب. والآن قرأنا في الاخبار عن استدعاء القوات الخاصة !.. للمساعدة في حماية العاصمة وهو خبر مضحك واضح انه موجه للاستهلاك المحلي.
لكن لننتقل اولا الى مكان آخر من هذا العراق... الى اربيل عاصمة اقليم كردستان. لنرى كيف وفي وسط كل هذه الفشل الحكومي المريع لم نسمع إلا لمرة او اثنتين فقط عن حدوث تفجير إرهابي فيها ؟
كنت اتكلم للتو مع احد اصدقائي على الهاتف من العراق عندما مدني بمعلومات حول الطوق الامني الذي تتمتع به العاصمة الاقليمية الشمالية والذي انتج مستوى الامان هذا فيها. انهى صديقي الكلام قائلا بأن "اختراق كردستان صعب ولهذا ترى فيها الامان". اما عن الكيفية التي نجحت فيها سلطات الاقليم على عكس حكومة المركز في الحفاظ على امن اربيل ، اوضح بأنه لم توضع حواجز السيطرة الكبيرة داخل اربيل كما في بغداد ، بل جرى وضعها عند مداخل المدينة من الجهات الاربع : فهناك نقطة سيطرة رئيسية لكل من جهات كركوك والموصل ودهوك والسليمانية حيث يجري فيها تفتيش السيارات. وقبل هذه السيطرات نصبت اخريات ثانوية على طول الطرق الواصلة مع المدن الاخرى خصوصا عند الجهات غير المؤمنة مثل الموصل وكركوك ، وامتدادا الى قضاء الطوز حيث ان عدد السيطرات مضاعف. لذلك يُرى ابتداء هذه السيطرات من الاخير لتنتهي باربيل مرورا بكركوك ! عند هذه الحواجز يجري فقط تدقيق الهويات.
على المداخل الرئيسية لمدينة اربيل تكون كل نقطة سيطرة مزودة.... بسيارات سونار كاشفة بمعية كلاب بوليسية مدربة. كلها مكلفة بكشف الاسلحة وتفتيش السيارات الداخلة بشكل صارم ودقيق. وللدلالة على الامان الذي تنعم به اربيل مع هذه الاجراءات مقارنة ببغداد نذكّر بانه لم يحدث فيها خرق امني واحد حتى في احلك اوقاتها العام الماضي عندما تقدمت داعش نحو المدينة في الهجوم الواحد اليتيم الذي قامت به. وقد امدني صديقي بمعلومة اخرى فقال بانه لا تستخدم في هذه السيطرات الجهاز المزيف إياه (سماه جهاز الكلاوات!!) ذو الهوائي المستخدم في سيطرات بغداد !
هذا هو النظام الصارم المطبق في كردستان. لننظر الى النظام المتبع في باقي العراق.
فيما بين الحديث ارسل لي صورة خبر يعود تاريخه الى العام 2014 عندما اعلن وقتها عن وصول سيارات سونار لكشف المتفجرات حيث اشيع بانه سيتم نشرها في نقاط التفتيش في عموم مناطق العراق. فهل فعلا اوتي بهذا السونار للمحافظة على الامن في العراق ام ان الخبر كان للاستهلاك المحلي ؟
فعن حاجز السيطرة لمدخل بغداد من جهة ديالى اوضح لي صديقي بقوله بانه بدل سيارة السونار يستخدم الجنود... جهاز الكشف المزيف ! واضاف موضحا بأن القليل من حواجز السيطرة مجهزة بكلاب التفتيش. وبالنتيجة تترك السيارات تمر هكذا من دون تفتيش !!!
وفيما عدا السيطرة الرئيسية عند مدخل بغداد هذا توجد سيطرات اخرى ثانوية كثيرة قبلها من جيش وحشد وومكافحة الارهاب مثل ما يوجد في إقليم كردستان.
لكن ماذا عن السيطرات على مداخل بغداد الاخرى ؟
عن جهات بغداد الاخرى قال لي صديقي بانه ذات مرة لدى عودته الى بغداد لاحظ غياب سيارة السونار في سيطرة مدخل بغداد من جهة الحلة جنوبا. إذ لم يكن يوجد إلا مجموعة من الجنود فقط تقوم بتدقيق هويات الداخلين بمعية الجهاز المزيف. ونتساءل نحن... لماذا لا تستخدم سيارة السونار هناك ايضا ولماذا لا يجري التفتيش بمعية الكلاب المدربة ؟ ام انه لا يمكن ان يتسلل الارهابيون من هذه الجهة ؟
عندما سألت صديقي إن كان ثمة فرق بين نظامَي السيطرات قال لي بان السيطرات الاتحادية لن تكون ابدا مثل سيطرات الاقليم نظرا لكون الاخيرة... منضبطة. وعندما سألته بقلق عن ما يعنيه بهذه الجملة ؟ اعطاني إجابة اصابتني بالقشعريرة. قال بانه لا تحصل فيها تجاوزات من مثل التفرقة بين الشيعة والسنة ! وعندما اعدت عليه السؤال اضاف قائلا بأن من يتأكد على حاجز السيطرة من كونه شيعي وكذلك عشيرته او منطقته يترك يمر من دون اي تفتيش. بينما يعرّض السني للاهانة تقريبا !!!... وإن سيطرات بغداد غالبا ما تترك السيارات الداخلة تمر وقليلا ما تفتشها !!... ويعتمد جنودها في قراراتهم على امرين اثنين : إما الجهاز المزيف إياه... او المزاج الشخصي (اي التفرقة الطائفية) !
واضاف لي معلومة اخرى ايضا اصابتني هذه المرة بالغثيان. فقال "وازيدك علما مما قد يضحكك. انه يجري بسهولة تمرير اغلب السيارات.... التي تضع شعائر حسينية على المسجل !!!
وكأن كل هذا بغير الكاف ، فقد اضاف لي صديقي معلومة اخرى اشد إثارة.. قال لي بأن من يحمل هويات الحشد التعريفية (او ما يسمى بالباج) يتركونه يمر من خلال الحواجز من دون اية إجراءات... ولا حتى تفتيش ! والهويات هذه هي مجرد صورة عادية للشخص ملصقة على ورقة الحاملة للاسم والجهة الامنية ، يجري كبسها.. لمنع التزوير ! علما ان اكثر ما يزور من الهويات هو من هذا النوع.
ويضيف صديقي قائلا بأن داعش قد استغلت هذه الثغرة فقاموا بتزوير هويات الحشد هذه بسهولة وصاروا يستخدمونها في اختراق الطوق الامني. ويضرب مثالا على تفجير شهربان الاخير في محافظة ديالى حيث دخل الانتحاري من دون تفتيش بعدما استخدم هوية تعريفية مزورة حتى وسط القاعة قبل ان يقوم بكل هدوء بتفجير نفسه.
وهذه هي طريقة اختراق اية منطقة في ديالى او اية منطقة اخرى في العراق. إذ يكفي لان يكون الشخص منتسبا سواء للعصائب مثلا او الجيش او الشرطة او اية جهة مليشياوية او امنية اخرى ليسمح له بالدخول ومن دون تفتيش ! وقد انتشرت صورة الهوية المزورة هذه في مواقع التواصل الاجتماعي لاهالي ديالى حيث ان الاجراء "الامني" المتبع هو ان يترك الشخص هويته لدى الحاجز الامني كضمان لحين خروجه من المنطقة التي دخل فيها.
الى هنا انتهى كلام صديقي في الهاتف واظن ان ما قاله واضح ولا يحتاج الى تحليل.... وها نحن الآن نتوجه بالاسئلة.
ابهذه الاساليب إذن يا رئاسة الوزراء ويا غرف العمليات والحشد يجري ضمان امن المواطن ؟ هل جرى صرف ملايين الدولارات على الجيش والاجهزة الامنية الاخرى (واستيراد سيارات السونار وبضعة كلاب مدربة قبل بضعة سنوات) لننتهي بالنتيجة الى عمليات إرهابية شبه يومية وفساد واستهتار لا آخر لهم ؟
اين مجلس النواب واين هي المفوضية العليا لحقوق الانسان الحكومية من كل هذا ؟ هل هم على علم بهذه التجاوزات والخروقات التي تقوم بها الاجهزة الامنية ام لا ؟ ماذا لو اوصلنا امر هذه التجاوزات الى منظمات حقوق الانسان العالمية مثل العفو الدولية يا ترى ؟ الن تكون هذه فضيحة مدوية لحكومة العبادي ولكل ما يمثلها ؟
تتساقط الناس يوميا بالعمليات الارهابية والحكومة واعضاء مجلس النواب يلوذون بالصمت واللامبالاة التامان ازائها. لكن لعل انتقاداتنا هذه متأخرة كون الحكومة وهذا المجلس قد تقبّلوا ومنذ سنوات طويلة وصمهم المستمر بالفساد الشديد. فلم يعترضوا على التوصيف مرة واحدة حيث ان من شيم المفسدين ليس فقط اللامبالاة ازاء مصائب البلد بقدر اهتمامهم بنهب المال العام والسرقة.
لن نطيل بالكلام. فاظن بأن ما ذكرناه اعلاه معروف للجميع تقريبا.
ننتظر تقديم العبادي استقالته...