|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  27  / 9 / 2015                          شذى توما مرقس                                   كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 
 

 

كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً
(مُضَافاً إِلى ذَلِك فَنّ التَأْلِيف المَسْرَحِيّ وكُتَّابَهُ ، وأَدَب الطِفْل)
(الجزء الثاني)

شذى توما مرقوس

(6)

طَابِع المَوْضوع :
بِطاقَة تَعْرِيفِيَّة بِكُتَّاب وكاتِباتِ القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً مِنْ الوَسَطِ المَسِيحيّ العِراقيّ ، مُضَافاً لِذَلِك فَنّ التَأْلِيف المَسْرَحِيّ وكُتَّابَهُ ، وأَدَب الطِفْل .
الجزْءُ الثَاني ( 6 ) مِنْ هذِهِ السِلْسِلَة سيكونُ عَنْ صاحِب قِصَّة ( شِجار ) المَنْشُورَة عام 1957 م ، والمأْخوذ عَنْها فِلْم ( سعيد أَفندي ) والمُخْتَار كأَفْضَل فلم عِراقي ، إِنَّهُ القَاصّ ادمون صبري .

شُكراً لِكُلِ المُتَابِعين والمُتَابِعات .
 

د ــ كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً .

(ادمون صبري)

ولِدَ ادمون صبري عام 1921 م لأُسْرَة مُتَوَسِّطَة الحال ، يَنْحدِرُ والِداهُ عَنْ قَره قُوش التَابِعة لِمُحافَظَةِ نَيْنَوى ، ويُعدُّ واحِداً مِنْ أَبْرزِ أَعْلامِ الأَدَبِ العِراقِيّ في القَرْنِ العشْرِين لِما قَدَّمَهُ خِلال مَسِيرَتِهِ الأَدَبِيَّة الطَوِيلَة مِنْ نِتَاجاتٍ غَزِيرَة في مَجَالِ القِصَّة والمَسْرَح والتَرْجمَة ، بِحَيْث أَغْنَت الحيَاة الأَدَبِيَّةِ العِراقِيَّة ، وحازَتْ على الإِعْجابِ والاهْتِمام .

قَرَأ لِجبران خليل جبران ومصطفى لطفي المنفلوطي وعبدالرحمن بدوي ، كما قَرَأ لِلأُدَبَاءِ العالَمِيّين : فكتور هيجو ، أميل زولا وآخَرِين ، غَيْرَ أَنَّ أُدَبَاء الوَاقِعيَّة الرُوسِيَّة مثل غوغول ، مكسيم غوركي ، دوستوفسكي وغَيْرهم ، كانَ لَهُم الأثَر العمِيق في مِنْهَجِهِ وأُسْلُوبِهِ .

حاصِل على ليسانس التِجارَة والاقْتِصاد مِنْ جامِعةِ بَغْداد عام 1951 م (كُلِيَّة الإِدارَة والاقْتِصاد حالِيَّاً) .
عاشَ في الأَحْيَاء الشَعْبِيَّة بِبَغْداد بَيْنَ عقْدِ النَصارى والسنَك .
كتَبَ في مَجَالِ القِصَّة والمَسْرَح ، كما أَخَذَت التَرْجَمَة نَصِيباً مِنْ اهْتِمامِهِ .

أَوَّل قِصَّة نُشِرَتْ لَهُ كانَتْ بِعُنْوانِ (ماكو جارَة) عام 1948 م ، في جَرِيدَةِ (صَوْتُ الأَحْرَار) ، والَّتِي كانَ يُصْدِرُها لطفي بكر صدقي.
نَشَرَ أَوَّل مَجْمُوعَة قِصصِيَّة عام 1952 م بِعُنْوانِ (حصاد الدُمُوع) .
نَشَرَ عام 1957 م قِصَّة (شِجار) المأْخوذ عَنْها فِلْم (سعيد أَفندي) والمُخْتَار كأَفْضَل فلم عِراقي .
كتَبَ عام 1958 م قِصَّة فِلْم (مَنْ المَسْؤول) .

كانَ ادمون صبري يُغْطي نَفَقَات الطَبْع أَوْ بَعْضاً مِنْها مِنْ الإِعْلانَات الَّتِي كانَ يَنْشُرَها داخِل كُتُبِهِ ، وهو تَقْليد لَمْ يَتَبِّعهُ مُعْظَم الكُتَّاب ، لكِنَّ ادمون كانَ عملِيَّاً ، وكانَ هَدَفَهُ الأَسَاس إِيصال قِصَصِهِ إِلى النَاس .

عَمِلَ ادمون صبري في الصَحافَةِ العِراقِيَّة بِضْع سنَواتٍ قَبْلَ أَنْ يَنْشُر أُولَى قِصصِهِ بِعُنْوان (ماكو شَاغِر) عام 1948 م .

في شِباط 1963 م تَعرَّض لِلاعْتِقالِ والفَصْلِ مِنْ وَظِيفتِهِ في البَنْكِ المَرْكزِيّ العِراقِيّ على يَدِ السُلْطَةِ الانْقِلابِيَّة بِسَببِ مَواقِفِهِ ، وتَوَقَّفَ عَنِ النَشْرِ حَتَّى عام 1967 م ، ثُمَّ عادَ لِمُتَابعةِ نَشَاطِهِ فكتَبَ مَسْرَحِيَّة (أَيَّام العطالَة) الَّتِي قُدِمَتْ لاحِقاً على قَاعةِ المَسْرَحِ القَوْميّ في بَغْداد ، حَيْثُ كانَ في حِيْنِها قَدْ عادَ لِلعمَلِ في قِسْمِ التَرْجمةِ في وزارَة الإِعْلام .

اسْتَطَاعَ ادمون صبري أَنْ يُقِيمَ علاقَة طيّبَة مَعَ المُسْتَشْرقين مُنْذُ عام 1960 م ، فتَرْجَمَ لَهُ (عثمانون) مَسْرَحِيَّتَهُ (السِت حسيبة) إِلى الرُوسِيَّة ، وقَامَ عبدالكريم جرمانوس الهنغاري بِالتَعْرِيف بِأَعْمَال ادمون صبري في بِلادِهِ ، وأَخَذَ هذا القَاصّ يَتَصِّلُ بِالمُلْحقين الثَقَافِيين في العِراق ويُعْطِيهم نَمَاذِج مِنْ كُتُبِهِ لِتُرْسَل إِلى جامِعاتِ بِلادِهِم ، وكانَ يَتَلَقَّى رسائلَ كثِيرَة مِنْ بلجيكا واسبانيا وباكو وطاشقند وبخارست .

تَواصلَ عطاءً مُثْمِراً حَتَّى وفاتِهِ في 28 / آذار / 1975 م إِثْر حادِث سيْر قُرْب مدِينَةِ تكْرِيت في طَرِيقِ عَوْدتِهِ مِنْ سَفْرَة إِلى شمالِ العِراق .

تُرْجِمَتْ أَعْمالَهُ لِلعدِيدِ مِنْ اللُغاتِ / الانْكلِيزِيَّة ، الروسِيَّة ، الأَسْبانِيَّة .

أَعْمالَهُ /

في مَجَالِ القِصَّة :
 
1 ــ
حصادُ الدُمُوع / أَقاصِيص / 1952 م / مِنْ قِصَصِ المَجْمُوعَة : حصادُ الدُمُوع ، النِسْيَان ، ........... وقِصَصٌ أُخْرَى ، مَعَ الأَسف لَمْ أَتَمكَّن مِنْ الحصُولِ على عنَاوِينها .

2 ــ المأْمُور العجُوز وقِصَصٌ أُخْرَى / مَجْمُوعَة قِصَصِيَّة مَعَ مُقَدِمة لِلدكتور صلاح الدين الناهي / تَضُمُّ سَبْعة قِصَص قَصِيرَة ، وهي: شِجار ، المَأْمُور العجُوز ، على حقِيقَتِهِ ، صدِيقان ، طبِيبٌ بِالمَجان ، مِرآةُ النَّاس ، في القَرْيَة / النَاشِر : مَطْبَعة دار المَعْرِفَة ــ بَغْداد / تَارِيخ النَشْر : 1953 م / عَدَدُ الصَفَحات : 88 صَفْحة / سِعْرُ النُسْخَة في حِينِها : 60 فِلْسَاً .

3 ــ قافِلَة الأَحْيَاء / أَقاصِيص / 1954 م / مِنْ قِصَصِ المَجْمُوعَة : مُؤَامرَة أَوْ الأَهالِي ، زَواجُ مَصْلَحَة ، رَجُلٌ بِلا وَجْه ، الشَّخْص المَدْعُو ، قافِلَة الأَحْيَاء ، ........... وقِصَصٌ أُخْرَى مَعَ الأَسف لَمْ أَتَمكَّن مِنْ الحصُولِ على عنَاوِينها .

4 ــ كاتِب وارِدَة / أَقاصِيص / 1955 م / مِنْ قِصَصِ المَجْمُوعَة : كاتِب وارِدَة ، حلاّق اللحى البِيض ، ........ وقِصَصٌ أُخْرَى مَعَ الأَسف لَمْ أَتَمكَّن مِنْ الحصُولِ على عنَاوِينها .

5 ــ خَيْبَة أَمْل / مَجْمُوعَة قِصَصِيَّة تَضُمُّ قِصَّتين / 1956 م .
النَاشِر : مَطْبَعة سلمان الأعظمي / بَغْداد .
عَدَدُ الصَفَحات : 52 صَفْحة .

6 ــ شِجار (سعيد أَفندي) / مَجْمُوعَة قِصَصِيَّة / /صَدَرَتْ عام 1957 م / النَاشِر : مَطْبَعة الأُمَّة ــ بَغْداد / عَدَدُ الصَفَحات : 44 صفحة / المَجْمُوعَة تَضُمُّ ثَلاثَة قِصَص ، وهي : شِجار (المُقْتَبَسَة عَنْها قِصَّة فيلم سعيد أفندي) ، غَرام كسِيح ، في سبِيلِ الأُفق .

7 ــ في خِضَمِ المَصائب / أَقاصِيص إِنْسَانِيَّة / صَدَرَتْ عام 1959 م / النَاشِر : مَطْبَعة الأَسْواق التَجارِيَّة ــ بَغْداد / عَدَدُ الصَفَحات : 52 صَفْحة / تَوْزيع دار الأَهالِي / سِعر النُسْخَة في حِينِها : 50 فَلْساً / في خِضَمِ المَصائب تَضُمُّ سِتَة قِصَص ، وهي : في خِضَمِ المَصائب ، رَجُلٌ مُضْطَهَد ، حُلُمُ رَجُلٍ أَعْمَى ، إِبْنَةُ العمّ ، مِثْقَالٌ مِنْ ذَهَبٍ ، عائدٌ مِنْ السِبَاق .

8 ــ هارِبٌ مِنْ الظُلْم / أقَاصِيص إِنْسَانِيَّة / سَاعدَتْ وِزارَة المَعارِف على نَشْرِهِ / النَاشِر : مَطْبَعة النُجُوم ــ بَغْداد / عَدَدُ الصَفَحات : 76 صَفْحة / صَدَرَتْ عام 1960 م / وهي مَجْمُوعَة قِصَصِيَّة تَضُمُّ إِحْدَى عَشرَ قِصَّة قَصِيرَة : هارِبٌ مِنْ الظُلْم ، يَوْمٌ عسِر ، هُنا وهُناك ، لِقَاء ، حامي الأَسْيَاد ، خاسِرَة ، عقْلِيَّة الأَمْس ، أَعْجُوبَة العذْراء ، سَارِقُ الكِلاب ، مِنْ مَبَاهِجِ العِيد ، عامِل قِير .

9 ــ لَيْلَة مُزْعِجة / أَقاصِيص ظَرِيفَة / صَدَرَتْ عام 1961 م / / النَاشِر : مَطْبَعة الثَقَافة ــ بَغْداد / عَدَدُ الصَفَحات : 56 صَفْحة / تَضُمُّ المَجْمُوعَة سَبْعةَ قِصَص ، وهي : بَعْدَ فواتِ الآوان ، جارٌ شَهْم ، لَيْلَة مُزْعِجة ، ثَمَنُ القُبَل ، المَخْدُوع ، لَيْسَتْ هي ، الحبِيبَة المُشْتَركة .

10 ــ خُبْز الحكومَة / مَجْمُوعَة قِصَصِيَّة / صَدَرَتْ عام 1961 م / النَاشِر : مَطْبَعة الثَقَافة ــ بَغْداد / عَدَدُ الصَفَحات : 56 صَفْحة / ثَمَنُ النُسْخَة في حِيْنِها : 70 فِلْسَاً / تَضُمُّ المَجْمُوعَة عَشْرَة قِصَص وهي : يَوْمُ الطِفْل ، خُبْزُ الحكُومَة ، هكذَا يَعِيش ، عَوْدَة إِلى الفجُور ، في الحانَة ، الأَب والابْن ، مُؤَامرَة ، زَواجُ مَصْلَحَة ، ضَاعَت الفُرْصَة ، رَجُلٌ مِنْ الصرَائف .

11 ــ عِندَما تَكونُ الحيَاةُ رَخيصَة / مَجْمُوعَة قِصَصِيَّة تَضُمُّ سَبْعةَ قِصَص مِنْها : أَكلَتْ الكِلابُ مِعْطَفي ، كُلّهم أَوْلادِي ، مُغامَرَة في عِيدِ المِيلاد ، ....... وقِصَصٌ أُخْرَى مَعَ الأَسف لَمْ أَتَمكَّن مِنْ الحصُولِ على عنَاوِينها / صَدَرَتْ عام 1968 م / النَاشِر : وزارَة الثَقَافة والإِعْلام العِراقِيَّة / عَدَدُ الصَفَحات : 94 صَفْحة .

12 ــ حِكايات عَن السَلاطين ــ ج 1 / مَجْمُوعَة قِصَصِيَّة / صَدَرَتْ عام 1969 م / النَاشِر : مَطْبَعة دار الجاحِظ ــ بَغْداد / عَدَدُ الصَفَحات : 56 صَفْحة / ثَمَنُ النُسْخَة في حِيْنِها : 60 فَلْسَاً / حِكايات عَن السَلاطين ــ ج 1 مَجْمُوعَة قِصَصِيَّة تَضُمُّ أَرْبَعة قِصَص ، وهي : دَرْسٌ في السِياسَة ، فَرْوَةُ الأَسَد ، جنُودُ السُلْطَان ، السِجْنُ الجدِيد .

13 ــ أَقاصِيص مِنْ الحيَاة / مَجْمُوعَة قِصَصِيَّة / صَدَرَتْ عام 1970 م / النَاشِر : مَطْبَعة أسعد ــ بَغْداد / عَدَدُ الصَفَحات : 68 صَفْحة / تَضُمُّ المَجْمُوعَة إثْنتا عَشَر قِصَّة قَصِيرَة ، وهي : مايكل ، عِنْدَما يَلْتَقي الأَضْداد ، الحدِيقَةُ العامَّة ، حِكايَة عَن السُلْطان ، شيزوفرينيا ، ورَاء سِياجِ المَرْقَص ، حُبُّ الاسْتِطْلاع ، مِثْقَالٌ مِنْ ذَهب ، رَجُلٌ مِنْ الصَرائف ، في سَبِيلِ الأُفُقِ ، رَجُلٌ مُضْطَهد ، حُلُمُ رَجُلٍ أَعْمَى .

14 ــ حِكايات عَن السَلاطين ــ ج 2 / مَجْمُوعَة قِصَصِيَّة / صَدَرَتْ عام 1973 م / النَاشِر : مَطْبَعة السعدون ــ بَغْداد / عَدَدُ الصَفَحات : 60 صَفْحة / رَقْم الإِيداع في المَكْتَبةِ الوَطَنِيَّة بِبَغْداد (558) لِسَنَة (1973 م) / تَضُمُّ المَجْمُوعَة ثَمانيةَ قِصَص ، وهي : رَسُولُ السُلْطَان ، حِكايَة عِنِ السُلْطَان ، مِهْرجانُ السُلْطَان ، نَبُوءَةُ لِلسُلْطَان ، مدَافِعُ السُلْطَان ، أَرْضُ السُلْطَان المَفْقُودَة ، شُعراءُ السُلْطَان ، تكيَة السُلْطَان .

15 ــ الخالَة عطية / قِصَّة طويلَة / تَرْوي مأساة أُسْرَة مَحْرومَة مِنْ انْجابِ الأَطْفَال / صَدَرَتْ عام 1958 م / النَاشِر : شَرِكة التِجارَة والطِبَاعة ــ بَغْداد / عَدَدُ الصَفَحات : 68 صَفْحة / مُتَعهد التَوْزيع داخِل العِراق وخارِجه : مَكْتَبَة الأَمْل (لِصاحِبِها : توفيق محمود حلمي) .

16 ــ زَوْجةُ المَرْحوم / قِصَّة طويلَة / صَدَرَتْ عام 1962 م / النَاشِر : مَطْبَعة الوفاء ــ بَغْداد / عَدَدُ الصَفَحات : 44 صَفْحة .

في مَجَالِ المَسْرَح :

1 ــ الهارِب مِنْ المَقْهى / مَسْرَحيَّات / 1955 م .
2 ــ الست حسيبة / مَسْرَحِيَّة / 1959 م .
3 ــ أَديب مِنْ بَغْداد / مَسْرَحِيَّة مِنْ أَرْبَعةِ فصُول / 1962 م .
4 ــ مَحْكومٌ بِالإِعْدام / مَسْرَحِيَّة ذات فَصْلين / 1963 م .
5 ــ أَيَّامُ العطالَة / مَسْرَحِيَّة / 1967 م .
6 ــ يَوْمِيَّات النَّاس / مَسْرَحِيَّات / 1971 م .

في مَجَالِ التَرْجَمَة :

قامَ ادمون صبري بِتَرْجَمَة مَجْمُوعَة قِصَص لِلكاتب البلْغاريّ الين بلين / صَدَرَتْ عَنْ وزارَةِ الإِعْلام عام 1972 م .


(ادمون صبري ، دِراسَة ومُخْتَارات) /

بَعْدَ وفاتِهِ قَامَتْ وِزَارَة الثَقَافَة والفنُون ــ الجَمْهُورِيَّة العِراقِيَّة ، وضِمْنَ سِلْسِلَةِ القِصَّة والمَسْرَحِيَّة (89) بِإِصْدارِ كِتَاب (ادمون صبري ، دِراسَة ومُخْتَارات) ، لِلمُؤَلِّف : فوزي كريم / حَجْمُ الوَرَقِ المُسْتَعْمَل : 21 سم × 14 سم / عَدَدُ الصَفَحات : 466 صَفْحة / عَنْ دارِ الحُرِيَّة لِلطِبَاعةِ في بَغْداد / سَنَة الإِصْدَار : 1979 م / تَوْزِيع : الدارُ الوَطَنِيَّة لِلتَوْزِيع / وقَامَ المُؤَلِّف فوزي كريم بِنَشْرِ مَجْمُوعةٍ مُخْتَارَة مِنْ قِصَص ادمون صبري ، وعلى النَحْوِ التَالي :

1 ــ ثَلاثَةَ قِصَص مِنْ مَجْمُوعَة (أَقاصِيص مِنْ الحيَاة) ، وهي : الحدِيقَةُ العامَّة ، مايكل ، مِثْقَالٌ مِنْ ذَهب .
2 ــ خَمْسَةَ قِصَص مِنْ مَجْمُوعَة (قافِلَة الأَحْيَاء) ، وهي : مُؤَامرَة أَوْ الأَهالِي ، زَواجُ مَصْلَحَة ، رَجُلٌ بِلا وَجْه ، الشَّخْص المَدْعُو ، قافِلَة الأَحْيَاء .
3 ــ أَرْبَعةَ قِصَص مِنْ مَجْمُوعَة (خُبْز الحكومَة) ، وهي : رَجُلٌ مِنْ الصرَائف ، في الحانَة ، خُبْز الحكومَة ، يَوْمُ الطِفْل .
4 ــ قِصَّتين مِنْ مَجْمُوعَة (كاتِب وارِدَة) ، وهي : كاتِب وارِدَة ، حلاّق اللحى البِيض .
5 ــ قِصَّة واحِدَة مِنْ مَجْمُوعَة (في خِضَمِ المَصائب) ، وهي : في خِضَمِ المَصائب .
6 ــ قِصَّة واحِدَة مِنْ مَجْمُوعَة (خَيْبَة أَمْل) ، وهي : خَيْبَة أَمْل .
7 ــ ثَلاث قِصَص مِنْ مَجْمُوعَة (عِندَما تَكونُ الحيَاةُ رَخيصَة) ، وهي : أَكلَتْ الكِلابُ مِعْطَفي ، كُلّهم أَوْلادِي ، مُغامَرَة في عِيدِ المِيلاد.
8 ــ قِصَّتين مِنْ مَجْمُوعَة (حصادُ الدُمُوع) ، وهما : حصادُ الدُمُوع ، النِسْيَان .
9 ــ ثَلاثَ قِصَص مِنْ مَجْمُوعَة (لَيْلَة مُزْعِجة) ، وهي : بَعْدَ فواتِ الآوان ، جارٌ شَهْم ، المَخْدُوع .
10 ــ قِصَّة واحِدَة مِنْ مَجْمُوعَة (حِكايات عَن السَلاطين ــ ج 2) ، وهي : حِكايَة عِنِ السُلْطَان .

كما تَضَمَّنَ الكِتَاب القِصَّتين الطَوِيلَتين : (الخالَة عطية) و (زَوْجةُ المَرْحوم) .
أَيْضاً تَضَمَّنَ الكِتَاب مَسْرَحِيَّة (الهارِب مِنْ المَقْهى) ، وكذَلِك الفَصْل الثَالِث مِنْ مَسْرَحِيَّة (أَديب مِنْ بَغْداد) وبِمَسَاحةِ إِثْنينِ وعِشْرِين صَفْحَة .

مُخْتَصَرات :

مِنْ كُلِّ ما مَرَّ ذِكْرَهُ في المَوْضُوع نَسْتَخْلِص التَالِي :
أَصَدَرَ ادمون صبري (14) مَجْمُوعةٍ قِصَصِيَّة ، وقِصَّتينِ طَوِيلَتين ، وأَنْجَزَ سِت مَسْرَحِيَّات ، وتَرْجَمَ عَدَداً مِنْ القِصَصِ لِلكاتِب البلْغارِي .
عَدَدُ القِصَصِ القَصِيرَة الَّتِي كتَبَها يَرْبُو على الـ (75) قِصَّة المَذْكُورَة في المَوْضُوع أَعْلاه والَّتِي تَمكنْتُ مِنْ جَمْعِ عنَاوِينها .

المَصادِر المُعْتَمدَة /

(1)
عنكاوا كوم ــ مِنْ طَرَفِ المُشَارِك كيفان .
المَوْضوع / مُؤلَّفَات الأَدِيب العِراقِيّ الراحِل ادمون صبري ، خَيْبَة أَمْل وفي خِضَمِ المَصائب .

رابِط المَصْدَر /
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=203294.0

(2)
عنكاوا كوم ــ مِنْ طَرَفِ الشَّماس يوسف حودي .
المَوْضُوع / نَيْنَوى والمَوْصِل المسِيحيَّة الحلَقَة السَابِعة والعشْرِين ــ سِيرَة حيَاة العلمانيين .

رابِط المَصْدَر /
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=647672.0


(3)
الأَخ الصدِيق يونس متي مُدِير مَوْقِع النَّاس والَّذِي زَوَّدَني مَشْكُوراً بِصُوَرٍ لأَغْلِفَةِ مُؤَلَّفَاتِ ادمون صبري ،وكذَلِكَ الكثِير مِنْ مَجْمُوعاتِهِ القِصَصِيَّة . جزِيل الشُكْر لِتَعاونِهِ واهْتِمامِهِ .

(4)
مَوْضُوع / ادمون صبري ... قَاصّ الأَجْيَال المَاضِيَة .
الكاتِب : باسم عبد الحميد حمودي
مَوْقِع مَرافئ

الرَابِط :
http://www.marafea.org/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=17936

(5)
الأُسْتَاذ يعقوب افرام منصور .
مَعَ الشُكْر لِتَعاونِهِ .

(6)
مَوْضُوع / ادمون صبري والثَقَافَة العِراقِيَّة المُعاصِرَة .
مَوْقِع : ملاحق جرِيدَة المَدَى اليَوْمِيَّة .
الكاتِب : ابراهيم خليل العلاف .
في الأَرْبِعاء 6 / 5 / 2015 م .

الرَابِط :
http://www.almadasupplements.net/news.php?action=view&id=12768#sthash.6ABxF2wd.dpbs
 

ضَاعت الفُرْصَة
ــ قِصَّة قَصِيرَة ــ

بِقَلَمِ : ادمون صبري

(عَنِ المَجْمُوعةِ القِصَصِيَّة ـ خُبْزُ الحكُومَة ــ لادمون صبري ، ص 50 ــ ص 52)

... كان أحمد يمضي في سبيله عبر الأزقة الغائصة في الوحل ، فاضطر حفاظاً على سرواله الوحيد من التلوث إلى رفعه بكلتا يديه ، مما جعل سيره مترنحاً مهدداً كل لحظة بالانكفاء على الأرض .

كان يقصد صديقه مصطفى وهو فراش دمث الخلق يعمل فراشاً في وزارة الأشغال له بعض الدالة على مرموق يعمل مديراً في إحدى الشُعب ، كان حامي مصطفى وشفيعه في الوزارة ، وقد التمسه غير مرة أن يحشر صديقه في وظيفة كتابية متواضعة تناسب ثقافته وتحصيله دون الثانوي .

وحال أن بلغ أحمد الوزارة أرتقى درجاتها العراض الضحلة ، ومضى في اتجاه صديقه مصطفى وهو على شبه يقين أن وعداً جديداً سيضاف إلى الوعود الماضية ، وأن تسويفاً آخر سيلحق بالتسويفات التي خلت ، رغم إنه أمرؤ عاطل منذ ستة أشهر يعاني برحاء البطالة بكل ثقلها ومحنتها ، قال مصطفى في تأمل :
ــ انتظر قليلاً إنني سأتحدث إلى المدير كرة أخرى .
وهمّ أحمد أن يوقفه ويوصيه بشيء ما ، إلا أنه ما عتم أن تلعثم وصمت ، ولاحظ مصطفى حيرته وتردده فأخذه الإشفاق على صديقه ، جالت في خاطره فكرة إلا أنه كتمها مخافة أن يجرح عواطفه ، فغاب بضع دقائق عاد بعدها وعلى محياه سيماء التفاؤل والارتياح .
ــ وعداً مفعولاً بعد بضعة أيام ستحصل الشواغر ، إنك من غير ريب ستنال أفضلها .

تردد أحمد مرة أخرى ، وهمّ أن يقول شيئاً فتلعثم وأرتج عليه ، ولاذ بالصمت على مضض ، كان يود أن يُفهِمَ صديقه إنه يقبل وظيفة فراش ، غير أنه لم يجرؤ ، حاسباً أن صديقه سيدهش لهذا التنازل الفجائي الدال على الاتضاع والمسكنة ، فمصطفى فراش بسبب أميته وجهله وافتقاره إلى أي من الشهادات، بينما هو في الصف الثالث المتوسط يقرأ ويكتب فالوظيفة أجدر به وأليق ، تنهد أخيراً :
ــ ماكو شاغر ، ربما يكتشفون علاجاً للسرطان والسل ، ولن يكتشفوا علاجاً لماكو شاغر ، هذهِ البصقة السرمدية يقذفونها دوماً في وجه طالب العمل .

غلبه الحزن وذهب بمزاجه ، فحاول مصطفى أن يرفه عنه ولم يفعل في هذا السبيل سوى أن دس درهماً في جيب صديقه قائلاً في ثقة وعزم :
ــ تريث إن الأمور تنتهي إلى الأحسن .
وهمّ مصطفى أن يضيف شيئاً ما إلى كلماته فتردد ولاذ بالصمت مثلما فعل صديقه قبل دقائق ، وقال في آخر الأمر بنبرة حزينة مواسية :
ــ مستقبلك أفضل من مستقبلي ، إنك أمرؤ متعلم تحمل شهادة ما ، وتقرأ وتكتب كما يقرأ ويكتب العلماء ، وثمة ألوف في دواوين الدولة يتناولون خبزهم عن طريق الوظائف تسندهم الوساطات ، كل الأمور تجري على هذا الوجه .
في المساء لقي صديقه مصطفى في المقهى ، كان الأسى قد بلغ بأحمد حد الألم ، ولم يعد في قوس صبره منزع ، واعتزم أن يصارح صديقه بقبول عمل فراش ، وجد مصطفى مقتعداً إحدى مصاطب المقهى يقرقر بنارجيلة موضوعة أمامه ، وينشر من فمه الدخان ، كان مهندماً بعض الشيء ، ولم تكن عليه بذلة الفراشين ، تدانى أحمد قليلاً ثم استجمع أطراف شجاعته وقال :
ــ قل للمدير إنني أقبل وظيفة فراش .
فانشده مصطفى وألقى النارجيلة جانباً هاتفاً في شبه غيظ :
ــ هكذا إذن ، لما لم تقل ذلك في هذا الصباح ، كان بإمكانك أن تتعين هذا اليوم ، شغرت وظيفة فراش ، ولكنني استحيتُ أن أجابهك لئلا تتكدر ، فترددتُ وأثرتُ الصمت .
غمغم أحمد في يأس :
ــ استحيتُ أن تهزأ بي .
هتف مصطفى في ندم :
ــ هممتُ أن أقول ولكن ؛ خيطاً غير منظور اعتقل لساني وأسكتني ، ربما قد يكون سوء الحظ نفسه .
ردد أحمد في شبه ذهول وهو يتخذ سبيله عبر الأوحال التي تهدده بالانكفاء على الأرض :
ــ أجل إنه سوء حظ .
ــ انتهت ــ

//////////////
 

سَارِق الكِلاب
ــ قِصَّة قَصِيرَة ــ

بِقَلَمِ : ادمون صبري

(عَنِ المَجْمُوعةِ القِصَصِيَّة ــ هارِبٌ مِنْ الظُلْم ــ لادمون صبري ، ص 58 ــ ص 64)

لم يكن حسن مولعاً بتربية الكلاب ، ولم يكن يحلم أن يأوي ذات يوم كلباً في بيته ، غير أنه صادف في إحدى تجولاته في أرجاء المدينة كلباً صغيراً ، قصير الأقدام ، أبيض الشعر ، ناعم العينين تطوق عنقه جلدة رثة مذهبة بمسامير من النحاس .

كان هذا الكلب البائس المرتجف من الخوف قد وقع في قبضة صبي زقاقي حاف ، أرمد العينين ، غولي الخلقة ، راح يجره بحبل رفيع ، ويركله بقدمه فيجري وراءه الكلب المحتمل عذاب الهوان والقسوة في ثقل واعياء .

كان حسن عاطلاً ليس منذ أسبوع ولا منذ شهر ، وإنما منذ ستة أشهر ، وهو التاريخ الذي أنجز فيه بناء مدرسة الهندسة حيث كان حاسباً لمواد البناء .

كان يقرأ في بعض الأحيان جرائد مجانية تقع بين يديه في المقهى فيستخلص من سطورها أخبار الجرائم والأحداث البارزة في البلد ، وكان قد رأى صورة ذلك الكلب منشورة في صحف الصباح ، وقد دهش حسن لاهتمام الناس بأمر كلب من الكلاب ، وهو حيوان مرذول تقتل منه الحكومة المئات كل سنة ومئات أخرى يقتلها الجوع والجرب ، ودهش أكثر من هذا أن تكون للكلب صورة كما تكون للآدميين ، فالآدميون ملزمون بتقديم تصاويرهم للصقها على جوازات سفرهم وشهادات عدم محكوميتهم وسواها ، فهل يمكن أن تكون للكلب حاجة من تلك الحاجات .

كان الإعلان قد نشر بهذا الشكل ــ فقدان كلب ــ
يرجى ممن يعثر على كلب أبيض صغير من نوع سبلث الموجودة صورته أعلاه والمفقود في شارع أبي نؤاس ، دار رقم كذا ، أن يعيده إلى صاحبه ، وله مكافأة قدرها خمسة دنانير .

إذن عثر حسن على الكلب المفقود وهي فرصة طيبة تدر عليه بعض الربح للتخفيف عن عسر حاله وخواء جيوبه .
كان معه أربعون فلساً فقط ، كانت في الصباح الباكر درهماً فضياً استحال بين يدي القهواتي إلى أربع عشرات ، إثنتان حمراوان وإثنتان بيضاوان ، تقدم نحو الصبي مصطنعاً الشدة والحزم :
ــ ايه أنت أيها السارق ، من أين لك هذا الكلب ؟
فتبجح الصبي في غير مبالاة :
ــ إنه كلبي ، ما شأنك أنت ؟
ــ ليس كلبك أيها السارق ، إنه كلب الناس ، كلبنا نحن .
خطف حسن الحبل من يدي الصبي ، ولوح له بيده مهدداً بلطمة موجعة فأذعن الصبي بعض الشيء وقال :
ــ إن كان هذا صحيحاً فيجدر بك أن تعطيني أربعين فلساً فقد اشتريته بعشرين ، وأطعمته رغيفين من الخبز ، إنني لا أبالغ .

وجد حسن إن الإرهاب والوعيد لن يجديا نفعاً مع هذا الصبي ، فهو إن غامر في الدفع والشد فلن تكون النتيجة أكثر من تدخل الشرطة وضياع الكلب وضياع المكافأة بالتالي ، فالأربعون فلساً أجدى نفعاً وأضمن سلامة وأدعى إلى التستر والحيطة ، فرش بها وجه الصبي حتى تبعثرت على الأرض .
قال في تفضل :
ــ خذ ولا تثر جدلاً آخر ، وإلا أبلغت أمرك إلى الشرطة فيضعونك في السجن .
وإذ غاب الصبي في المنعطف ، أمسك حسن بزمام الكلب وراح يمعن فيه النظر ويدرسه في تفحص وعناية ، فلم يقم في ذهنه أيما شك في هويته ، فهو نفسه الذي نُشِرت صورته في صحيفة الصباح ، فحمله تحت أبطه سالكاً به أضيق الدروب خشية أن يتعرف عليه أحد الناس فينازعه فيه .

وفي البيت هبت في وجهه عاصفة احتجاجية تمثلت في غضب أمه التي تكره الكلاب كلها وتتحامى صحبتها ، فهي في زعمها عدوة المؤمنات لقلاقة بأوعية الطعام ، موسخة حاملة البراغيث والقراد ، ولا يصح أن تقام أمامها الصلاة ، فأكد حسن لأمه إن هذا ليس كسواه من الكلاب فهو ثمين محبب لقيه صدفة ، ولسوف يحمله إلى أصحابه فيكافِئونه بخمسة دنانير ، فانبسطت أسارير الأم بعض الشيء ورجت إن كان لا مناص من استبقاء الكلب بضع ساعات فالأفضل أن يربطه بإحكام عند الباب ، ويبعد عنه الأوعية والملاعق والفرش والأغطية ، فأذعن حسن لتعليمات أمه وأخذ بها جميعاً ، ثم اضطجع في الطرار مولياً وجهه شطر الباب لمراقبة حركات الكلب والايماء له .
قالت الأم حال أن تهيأ حسن لمغادرة البيت مع الكلب :
ــ لا تنس السكائر والقهوة والسكر .
فأجابها حسن :
ــ ولسوف ابتاع قميصاً وسروالاً وحذاء .
فسرت الأم ورجته بحرارة المؤمنات المقيمات للصلاة أن يكثر من غسل يديه وجسده بالماء ، وليفعل ذلك في حمام عمومي حتى يتطهر من أرجاس الكلب ، فوعدها حسن أن يمتثل لأمرها .

وفي شارع أبي نؤاس تبدت القصور الشاهقة وترف الموسرين وقد لقى حسن ضالته في غير عناء ، كان قصراً ذا طابقين مشيداً بالآجر الأصفر ، وعلى النوافذ ستائر معدنية ، وكان الباب الحديدي موارباً بعض الشيء وكذلك الباب الخشبي الكبير المفضي إلى جوف القصر ، ولاحظ حسن أن ثمة إمرأة تتأرجح في المجاز النظيف المفروش بالبسط على كرسي هزاز يتجرجر من حولها فستانها الحريري ذو لون وردي جميل ، وما أن أحس الكلب أنه في مأمنه ومكان أهله وصاحبته حتى صار يتململ ويهر ويريد الإفلات بقوائمه الصغار ، فهتفت المرأة في شبه خبل :
ــ اواه بوبي العزيز .
فتقدم حسن نحوها ، فتلقفت المرأة الكلب من بين يديه ، وضمته بقوة إلى صدرها المرمري الناصع البياض ، وراحت تلاعبه في حنان بالغ دون أن تضيرها وساخته ، قال حسن في فخر وخيلاء :
ــ لقيته في أسوأ حال ، كان تحت رحمة صبي شقي راح يجره بالحبل ويركله بقدمه فيلهث المسكين تعباً وجوعاً وعطشاً ، وكاد يفتك به لولا أن أتداركه من بين يديه وأحمله إليك ...
فلطمت المرأة كفيها في أسى راثية لحال كلبها العزيز ، لقد اتسخ وجاع :
ــ أنظر إنه يلهث من الأذى ، يا فرحتي ، يا سروري ، كنت أعيش من دونه أشبه بالأم التي أضاعت إبنها .
كان يبدو إن المرأة مقعدة تشكو داء في ساقيها ، مع إنها فاتنة القسمات ، عامرة الصحة ، متوردة الوجه ، تفيض استقراطية وترفعاً وبذخاً ، فكر حسن إنه من غير ريب كلب محظوظ ، لكم يسره ويبهج جوارحه لو نال عشر معشار هذا الحظ ، وهو حسن الإنسان الرجل المفعم حيوية ونشاطاً .

أمرت المرأة وصيفتها أن تمنح حسن خمسة دنانير وتسقيه قدحاً من الماء البارد وتودعه عند الباب ، فخرج حسن إلى الرصيف مبرد الجوف تقبض يده على ورقة خمسة دنانير ، فنفذ ما اعتزم عليه ، ابتاع لأمه السكر والشاي ونحو مئة سيكارة ذات عقب ، كما ابتاع لنفسه سروالاً من قماش الخاكي ، وقميصاً امريكياً قصير الأكمام ، وحذاء صيفياً ذا سيور .

مضى نحو شهران وعطالة حسن آخذة في التمادي دون أن يدركها منقذ ومخلص ، فالقميص تداعى فوق كتفيه ، وتشقق الحذاء بفضل حرارة الصيف ، وتملصت بعض سيوره ، وغدا سرواله رثاً بالياً .

كان يقرأ الصحف بانتظام مؤملاً أن يعلن الناس عن كلب ضائع فيجرد للبحث عنه حملة قوية حتى يعثر عليه ويفوز بالمكافأة ، وكان أحياناً يجتاز بشارع أبي نؤاس في الأمسية القائظة فيجد فستان المرأة مهدلاً على الأرض النظيفة ، وهي فوق كرسيها الهزاز محتضنة كلبها العزيز تلاعبه وتداعبه ، وقد أقفلت الباب الحديدي على سبيل الحيطة ضد اللصوص ، وقد فكر حسن لو أن هذا الكلب سرق مرة أخرى فليس بوسعه أن يعيده إلى صاحبته لأنها قد تظن به الظنون وتحسبه هو السارق في المرة الأولى وتبلغ عنه الشرطة ، وفكر أيضاً أن بإمكان رجلين أن يتعاونا في تنفيذ مثل هذهِ الخطة ، يسرق أحدهما كلباً من الكلاب المدللة ، وينتظر بضعة أيام ريثما يُعلن عنه في الصحف فيحمله الآخر إلى أصحابه وينالا المكافأة .

كانت أزمة الجوع آخذة بخناق حسن ، فهو في هذهِ الأيام مفلس تمام الإفلاس ، وغدت ذكرى الخمسة دنانير أشبه بحلم ماتع لن يتكرر بغير تدبير عاجل وجهد سريع ، فإن لم يفقد الناس كلابهم المدللة فلا بأس أن يعمل هو بأي طريق متيسر كيما يجعلهم يفقدونها ، فإن لم تقع المعجزة فتدبر أنت أمرها كما يقولون في الأمثال .

كانت أمام حسن قضيتان ، هما تعيين الكلب اللائق للسرقة ، وتعيين الشخص اللائق لمعاونته ، أما القضية الأولى فقد حُلت بيسر ، إذ لقى في إحدى جولاته في جهة المسبح كلباً مدللاً غاية الدلال ، غزير الشعر غريقاً بصوف حليبي من خطمه إلى براثن أقدامه ، كان هذا الكلب المنعم الغاطس في حشايا الحرير والدمقس ، والمتقلب في أحضان شحيمة ناعمة ، والمُمسد بأنامل رخصة عاجية كان أصغر من كلب ابن نؤاس ، وأدق منه قواماً وأخفضُ بطناً ، وأفتن جمالاً وأروع شكلاً .

كان هذا الكلب في صحبة إمرأة أيضاً ليست عراقية ، ولا عربية ، قد تكون في الغالب أمريكية ، وهي فارعة الطول ، ممشوقة القوام ، تنتعل حذاء عالياً تضرب به الأرض في وقع رتيب متساوق ، قال حسن لنفسه إن المكافأة هذهِ المرة لا تقل عن خمسة عشر ديناراً ، إذ بهت لهيام المرأة بكلبها ، فقد تكون ليلى قريبة إلى قلب قيس ، ولكن ذلك الكلب كان أقرب منها إلى قلب صاحبته .

كان مطوقاً بحزام جلدي يلتف حول بدنه كله ، مشدودة به سلسلة من الحديد ، تنتهي بعروة تدخل في معصم المرأة كلما اصطحبته في نزهتها المسائية المحتومة في كل يوم .

أما المعاون المنشود فلم يُوفق حسن للعثور عليه ، كان يستحي بفكرته من أن تقابل بالهزوء والسخرية ، وانتهى به الأمر إلى قرار ، هو أن يخطف الكلب بنفسه ، ثم يبحث عمن يعيده إلى صاحبته زاعماً لها إنه عثر عليه بالصدفة ، فتكون المسألة في غاية السهولة .

قرر حسن أن يترصد الكلب ويسرقه ، وفي خلال تردده المستمر لبضعة أيام في جهة المسبح لاحظ أن المرأة تترك كلبها موثقاً إلى شباك النافذة بين الساعة السادسة والسابعة والنصف حيث تستقبل ضيوفاً كثراً ينهمكون في رقص سريع تصحبه موسيقى جاز صاخبة تصم الاذان .

كان مساء معتماً من غير قمر ولا نجوم ، فترصد حسن المرأة نحو نصف ساعة حتى أقبلت من نزهتها المسائية ، فأوثقت الكلب إلى النافذة ، ومضت إلى ضيوفها لتراقصهم على نغمات الجاز ، وهدرت الموسيقى وأخذ الرجال بخصور النساء ، ودارت الحلقات أشبه بالدوامات العنيفة ، وتملك القوم حال من الوجد الصوفي ، فتسلل حسن عبر الحديقة مخففاً الوطء محترساً محاذراً حتى بلغ النافذة ، وحل وثاق الكلب وحمله تحت ابطه ، وهم أن يعود إلا أن الحظ خذله في آخر لحظة ، فقد أبصره أحد الضيوف ودفع عنه مراقصته في الحال ، واندفع إلى الحديقة هاتفاً في غيظ :
ــ أحدهم يسرق الكلب .
وخف من ورائه جمع من الرجال ، وأقبلت المرأة في أعقابهم مهلوعة الفؤاد مصعوقة ، فأطبق جمعهم الكاسر على حسن كما يطبق الفرسان على ابن آوى ، ورفسته المرأة في خاصرته ، وتبرع له آخر بلكمة خلخلت أسنانه واسالت من فمه الدم .

إن حضارة الجاز الامريكية ورقصات السامبا لم تخفف من ضراوتهم ، فاقتادوا حسن إلى المركز ، وقد رثت أسماله أكثر من ذي قبل ، وتضرج وجهه بالدم وعلاه الطين فأُوقف هناك ، فإذا بسرقة أخرى تنسب إليه هي سرقة كلب أبي نؤاس ، وفي المحكمة بعثت المرأة المقعدة بمحاميها لرفع شكواها أمام الحاكم فغُرِم حسن خمسة دنانير وحكم عليه ثلاثة أشهر بالسجن .

ــ انتهت ــ

//////////
 

الهارِب مِنْ المَقْهَى
ــ مَسْرَحِيَّة ــ

بِقَلَمِ : ادمون صبري

1955 م
[عَنْ كِتَابِ (ادمون صبري ... دِراسَات ومُخْتَارات) لِفوزي كريم ، ص 425 ــ ص 439]

أشخاص المسرحية
عبد المعين ــ معلم ابتدائية في الأربعين .
سعدية ــ زوجته في الثانية والثلاثين .
نبيل ــ ابنه في الثالثة .
سامية ــ ابنته في الخامسة .
المكان ــ غرفة نوم الزوجين ، سرير ومنضدة وكرسيان وكنبة ومرآة ، وملابس على المشجب ، أحذية تحت السرير وأشياء نسائية فوق الكنبة .
الزمان ــ الساعة الرابعة بعد منتصف الليل .

عبد المعين : (يستيقظ من النوم وهو شبه حالم ، يضع عوينات فوق أنفه ويتمايل ، ويستحيل عليه أن يواصل النوم ....) ، إنه الأرق هذا الداء الذي أقض مضاجع الملوك والأباطرة واللصوص والسفاكين ... ولكن أنا ما لي ، أنا الحشرة الصغيرة الذي ينظرني رؤسائي المحترمون بزجاج المكروسكوب ، بل أنا لا أكاد ابين على الأرض ، ومع ذلك فأنا اتقاضى راتباً ، فالمحاسب الطيب القلب يدعوني في نهاية كل شهر ... همهم همهم تقدم أيها المسكين الفقير إلى الله ياعبد المعين السنداوي واقبض راتبك ... إن هذهِ السنداوية قد غدت علماً فوق اسمي كما تغدو العمامة علماً على رأس المؤمن ... قد تكون منحدرة إليّ من بلاد الهند أو أتى بها أحد أجدادي من ضفاف السند ... لا أريد أن أخوض كثيراً في هذهِ المسألة فهي من اختصاص المؤرخين ، ولذا عملت كثيراً على تسهيل مهمة هؤلاء النفر .
نبيل : ماما ... ماما ... ماما (بكاء) .
عبد المعين : لا لا لا لا لا هوه هوه بابا بابا نام نام ....... .جمعتُ أوراقي كلها في الخزانة وهي تتعلق بنقلي وترفيعاتي والفات نظري الضعيف مع التوبيخات ، إذ قد يخطر لأحدهم ذات يوم فينبش في مخلفاتي وعلى أرنبة أنفه عوينات أغلظ من عويناتي فيزيح الستائر ويقلب الوسائد وينفش الريش ضارباً على صلعته في حسرة .......
هنا مخلفات السيد عبد المعين السنداوي ضحية العلم والثقافة والفات النظر ، إن الناس سينصفونني ، فما عساي أنا فاعل تجاه خمسين شيطاناً ... شيطان واحد أغرى شاعراً وفيلسوفاً وعالماً وجعله يعشق صبية وهو قد نيف على الثمانين ، إنه فاوست وقصته تباع في المكتبات .
سامية : ماماه ، ماماه ، ماما (بكاء) .
عبد المعين : لا لا لا لا يا بابا هاه هاه .
سامية : ماما ، ماما ، أريد ماما .
عبد المعين : تريد أمها ، والآخر يريد أمه ، حسناً ... حتى أولادي جذبتهم إليها ... تباع قصته في مكتبة نسيبي ساطع المهندي ، سيحسن المثقفون صنعاً لو ابتاعوا ما عنده من كتب ، فإن زوجتي ستفرح بنجاح تجارة أخيها فتمنحني عطفها وتسمح لي باستعادة أدواري في المنزل .... أما الخمسون شيطاناً الذين أروضهم وأزقهم بالعلم فقد بلغت شيطنتهم مدى بعيداً ، وإذا قدم مفتش إلى صفي وهذا كثيراً ما يحدث ، حتى صار يبدو لي أن المفتشين ذوو ولع باجتلاء محياي الجميل ، أقول إذا قدم مفتش وشرع يسأل شياطيني الخمسين تحولوا في غمضة عين إلى بله ، خرس ، مناكيد ... سأل أحدهم ذات يوم : "من حفر قناة السويس ؟" فأجاب بخيلاء : "إنه حمورابي ." ، وسأل الآخر : "من بنى برج بابل ؟" ، فأجاب بارتياح وثقة : "إنه اخناتون ." ، ومن حسن الحظ إن المفتش لم يوجه هذا السؤال الأخير إليّ وإلا لكانت الطامة أكبر ، وهكذا على مدار السنة تردني كتب التوبيخ من الوزارة وغالباً أعثر على واحد منها بيد ابنتي سامية تلوكه بلعابها ، لا ، لا عفواً محفوظة جميعاً بالخزانة (يتقدم إلى الفراش ، ويتفرس في وجه زوجته النائمة) ، إنها نائمة ، نائمة نوماً عميقاً والله أدرى أية أحلام تراود جفنيها تستعيد معاركها مع الجيران وزعقاتها مع ابننا نبيل ، وأكاذيبها الجسيمة معي ... إن البقة تتجسد في أحلامها إلى تمساح ، والبرغوث إلى ذئب .... حسناً ليأكلها التمساح والذئب فذلك أفضل من ايقاظها ، فلو إنها استيقظت لالتهمتني وأفسدت الجو الشعري الذي يكتنفني ......
نبيل وسامية : ماما ، ماما ، ماما (بكاء) .
عبد المعين : لا لا لا لا قربان قربان هش هش هش بابا بابا عيب عيب لا لا لا ...... إنها تحب الهرج والمرج وتعشق العربدة ولها باع طويل في المسك بالمخانق .... إنها نائمة وأنا في أمان (يفرك يديه) ، حسناً استطيع أن استعيد أدواري التمثيلية .... أنا تلميذ أيضاً وهذهِ محفظتي (يشير إلى المحفظة) ، أضع فيها أوراقي ودفاتري (يهمس) طالب في معهد الفنون الجميلة أدرس التمثيل ...... إن ملاحظة هامة ينبغي التنويه إليها ، والحق إنها ليست ملاحظة بل مشكلة أو بالأحرى ورطة فإن أستاذنا اطال الله عمره قد اكتشف بي في الآونة الأخيرة عبقرية كامنة ونبوغاً لا يدانيه نبوغ ، وليس هذا بعجيب فطالما ظهر من صفوف معلمي الابتدائية عباقرة أفذاذ ونابغون لامعون ... دائماً أسمع الأستاذ يناديني : "سيد عبدالمعين .... هاملت يليق بك ، شيلوك خلق لسواد عينيك ، وأنت هرباغون نفسه" ، دائماً عبد المعين ، رئيس بلدية ، موزع بريد ، زوج مغفل وأحياناً غير مغفل ، وعشرات من أدوار حوذي وجزار وحمال وبواب وساع ، كل الأدوار تلائمني ، وكل الكتاب كتبوا لأجلي ، وكل الأنبياء أُرسِلوا لهدايتي ، وكل النساء خلقن ليغرمن (بصوت خافت) ، نعم ليغرمن بي (يتقدم نحو الفراش) ، إنها نائمة وأنا في أمان (يفرك يديه) .
نبيل : ماما (بكاء)
عبد المعين : لا لا لا عيني لوي لوي نام نام ... وأحياناً في ظروف شبه شاذة كان المسرح من الفرسان أمثل دور العاشق الولهان ، فأقف تحت الشرفات المسدفة وأنفخ بالهارموني ، وأناجي حبيبتي في هدأة الليل والنجوم ساطعة فوق رأسي .... أستعيد بها شبابي الذي ولى ، وأيام غرامي بهذا التمساح النائم (يشير إليها) ، وطالما تغنيتُ بحب ماركريت وشارلوت وصوفيا وكونستانس (همساً) وهمستُ في آذانهن مقاطع عسلية خلابة أحاذر من تكرارها لئلا يسمعها رقيع ويغازل بها زوجتي .
نبيل : ماماه ، ماماه (بكاء) .
عبد المعين : لا لا لا قربان قربان لوي لوي نام نام ..... (ينام) ، نام الجميع (يفرك يديه) ، خلا لي الجو ، ما الذي سأفعله ، ما الذي سأفعله الآن ، سأتمرن على دور هرباغون ، تعال إيها المولييري المضحك ولقني علومك وفنونك ، لكم كان حري بك أن تلقن زوجتي ..... اواه خمسة أزواج من الأحذية ، وصوان كبير للبدلات ، وأشياء للزينة وبذخ كثير ، لا داعي للخوف إنها نائمة وهذا شخيرها يعلو بصخب مفسداً السكون وجمال الليل ..... دائماً يعطون الدواء للمعافى ويطعمون المريض بالعنبة والطرشي (يمثل هرباغون) ، إلى اللص ، إلى اللص ، إلى الجاني ، عدلك إيتها السماء العادلة ، لقد انهدمت ، لقد سفكوا دمي ، سرقوا مالي ، أين السارق ؟ ماذا حل به ؟ أين هو ؟ في أي مكان يختفي ؟ ماذا أعمل لأهتدي إليه ؟ قف ، قف ، أرجِع مالي يا لص ... آه هذا أنا ، لقد فقدت شعوري ، أجهل في أي مكان وماذا أعمل ، اواه ، يا دراهمي المسكينة .
سعدية : (تفيق من نومها بذعر) ، اوه ، لصوص لصوص ، النجدة يا جيران ، النجدة ، النجدة ، لصوص ، لصوص ، مجوهراتي ، مصوغاتي .
عبد المعين : (يتوسل) سعدية ، سعدية ، أنا ، أنا ، أنا عبدالمعين .... إهدئي أنا ، أنا كنت اتمرن على دور هرباغون ، يا إلهي سيأتون مرة أخرى .
سعدية : انقذوني يا ناس متى استريح ، متى انجو من المجانين .... متى يتهدم معهد الفنون .... ووه ليت النار تحرقه وتجعله هشيماً ... انفاسي تتقاصر ، نبضي يزداد ، وفي حلقي تيبس ، وأضلاعي جميعاً تتشنج .
الجيران : ماذا حل بكم ، سعدية افتحي الباب (ضجيج عند الباب) .
عبد المعين : وخ وخ تبهذلنا ، لم تعد لنا كرامة .
الجيران : افتحي الباب سعدية ، افتحي لا تخافي ... لعنة الله على هذا الأستاذ المجنون ، في النهار ينطق بالسفاسف ، وفي الليل يتفلسف بالفصحى ، ليس من يدري أي شيء يقول .
عبد المعين : اخرجي إليهم ، كمي أفواههم ... يشنعون عليّ أشرار ، نفايات .
سعدية : مستحيل ، مستحيل ، اخرج أنت إليهم ، هيا أخرج (تدفعه) ، فهمهم شيئاً عن سخافاتك ، قلْ لهم أنا فنان وممثل وتلميذ وعمري أربعون سنة ، ولي خمسة أطفال ، اهرج وأعربد في الرابعة بعد منتصف الليل ، وأجعل أطفالي يبكون ويصرخون ، قل لهم هذا كي لا يتجمهروا علينا ليلة بعد أخرى .
عبد المعين : هدئي روعك ، اغيثيني أغاثك الله ، كفي عني شرهم رحمة بي قبل أن ألقي بنفسي من الشباك .
سعدية : ما الذي استطيع أن أفعله لأجلك ، تعبت من خلق الأكاذيب ، تعبت من غش الناس ، تعبت من الدفاع عنك ، لا طاقة لي للاحتمال ، اذهب إلى مكان آخر ومثل ، أصعد إلى السطح ، قف على رصيف الشارع .. الناس يظنوننا نتعارك نهرج ، قد سطا علينا لص ، أكلتنا التماسيح ، هاجمتنا الذئاب ، أي حال هذا ؟ أي حال ؟
عبد المعين : (بندم) اعينوني في مصيبتي ، كنت شبه نائم ، في حلم ، لم تعد تشفيني الأدوية .... آه هرباغون تخل عن عبدك وأسيرك ، حررني ، فك عني اللجام ، آه ينصحونني " تقمص الدور ، كن إنساناً غير عبد المعين " ، أما مرضي وأعصابي المنهارة والأرق الذي يعذبني فلم يفكر فيها أحد ، اختلطت الأسماء في ذهني ، صرت أمثل دون وعي ، اختلط هاملت بهرباغون ، وهرباغون بعبدالمعين ، وهذا ما ينصحونني به .... أن أمثل أي دور ، وألبس مسوح أي راهب .
سعدية : حسناً أشفق على حالك ، ولكن تذكر اليوم هو الخامس والعشرون ، خمسة أيام أخرى لقبض الراتب ، افهم جيداً ثوب جرسيه وحذاء جلد الحية .
عبد المعين : نعم لك ما تشتهين ، حذاء جرسيه وثوب جلد الحية .
سعدية : أنت تهزل .... حذاء جلد الحية وثوب جرسيه .
عبد المعين : (يصحح بسرعة وخوف) ، حذاء جلد الحية وثوب جرسيه ، حذاء جلد الحية وثوب جرسيه .
سعدية : (تخرج للجيران) ، ماذا تريدون ؟ أليست لنا حرية للكلام ، ألسنا أحراراً في بيوتنا .... أن صرخ طفل تجمهرتم وإن تسامر رجل مع زوجته تجمهرتم ، قولوا أي شيء تريدون كي نكون على علم ، هذهِ مضايقة زهق أرواح .
أحد الجيران : هذهِ مداعبة فيلة لا مداعبة أزواج ، إن صراخكم صم آذاننا .
عبد المعين : هذا الخزي العظيم ... تحطمت ، ولو خرجتُ أنا إليهم لصفروا في وجهي ولطخوا الباب بالوحل .
سعدية : انصرفوا كالقطيع .
عبد المعين : إذا هجم الذئب .
سعدية : ماذا هل يعجبك أن أجمعهم مرة أخرى ؟ صرخة واحدة تكفي .
عبد المعين : اريحوني قليلاً ، إن الفجر يكاد ينبلج وأجفاني مثقلة بالنعاس ، نعاس كاذب يتبخر حالما أضع رأسي على الوسادة لا أستطيع النوم لا أستطيع ، مجبر على اليقظة كحارس في قلعة ، اريحوني اريحوني .
سعدية : (برفق) خذْ منوماً .... هذهِ الأقراص التي كنت تحشو بها فمك .
عبد المعين : لم تعد تجديني نفعاً ، لم يشفني شيء ، أنا مريض ، صرت أخرف ، وأنت تستغلين مرضي وتضاعفين عذابي .
سعدية : زوجة تعذب زوجها وتستغل مرضه ، في أية رواية قرأت هذا ؟
عبد المعين : ليس كل شيء أقرأه بالرواية ، تذكري الحذاء وثوب جرسيه ، نسيت ذلك .
سعدية : أنت السبب ، أنتَ الذي تلجئني لمثل هذا ، أنت ، إنك تغيرت كثيراً ، لم تعد أنت نفسك (فترة صمت) ، أسألك لِمَا تركت المقاهي ؟ لِمَا هجرت أصدقاءك ؟ لما غيرت أسلوب حياتك ؟ كل شيء تغير فيك ، أنا مندهشة ، الناس يتحدثون بحديث لا يليق .
عبد المعين : وأنتِ آسفة لأجل هذا .... المقهى والأصدقاء وأسلوب الحياة ... آسفة أم تخشين أمراً ؟ تخشين أن أكون قد عشقت إمرأة فطاردتها إلى هناك .
سعدية : يجوز هذا ، لقد أوجست خيفة منذ البدء ، قلتُ إن هذا المعهد سيقوض أسرتنا ويخلق لنا المتاعب ..... عبد المعين (برجاء) ، استحلفك بكل مقدس أن تعود إلى المقهى .
عبد المعين : ألا تكفي عشرون سنة وأنا أسير ؟ المقاهي قعدتُ فيها على خشبة يابسة غليظة ، عشرون سنة تكفي لتخريج أربعة أطباء وخمسة محامين ، ولو أضع كل يوم حجارة في وادي لطمرته ، ولو أتعلم كل يوم كلمة لاتقنتُ خمس لغات ، ولكن تأملي في زوجك وشريك حياتك ، تأملي في نصفك المتعب المريض ، أية خرقة بالية هو أنا ، أي عبث لا نفع فيه .... أصدقائي ..... يأتون بمواظبة كأنهم يؤدون خدمة مشكورة أية مضيعة للوقت ، وأنتِ زوجتي ومستودع أفكاري لا تفهمينني ، بعيدة عني منشغلة بعالمك الصغير التافه ، لكم وددت أن اثقفك ، دائماً نشكو ندرة ساعات الصفاء موحلين بالقذارات تنتظرنا السفاسف ، اواه لشد ما يؤلمني ويحز في نفسي .
سعدية : تجول في الحدائق العامة ، اذهب إلى مكان آخر ، تنزه على ضفاف النهر ....
عبد المعين : لا مكان آخر لي ، لدي فراغ كبير ، الحدائق العامة تغلق أبوابها مساءاً ، وقد غدت مصاطبها في هذهِ الأيام مستشفى وفندقاً للمرضى والمشردين ، وليس لدي قدمان حديديتان لاذرع بهما الطرقات خمس ساعات ، أتساءل لو كانت لنا اوبرا ، مسارح ، دور لهو ، حدائق حيوانات ... لا شيء لا شيء ....
سعدية : ما هذا الذي تقوله ؟ تسأل عن تسليات ومتع وهذهِ الأشياء الأخرى المفسدة ، إنك قد بلغت الأربعين اخلد للبيت ، تدبر شؤون عائلتك .
عبد المعين : وأي ضير أن أكون قد بلغت الأربعين ؟
سعدية : ليست سناً ملائمة لمثل هذهِ الالاعيب ، مضى الوقت .
عبد المعين : مضى الوقت ... مضى الوقت ، يشيعوننا للقبر قبل أن نموت ... السن الملائمة ... دائماً أجد من يذكرني بالسن الملائمة ، طبيب في سن ملائمة ، محام في سن ملائمة ، أين يذهب من تجاوزوا سن الأربعين ؟ أين يذهب هؤلاء ؟ أين يجدون قبرهم ؟ أين يجدون إنساناً يحسن البصق على وجوههم ؟ قلت لك إما معهد وإما مقهى .
سعدية : اخترت المعهد اذن .
عبد المعين : المعهد بلا ريب .... هذا لا بد منه يجب أن استيقظ وأعمل شيئاً .
سعدية : وأنا أية حال هي حالي ، هل تجدني منعمة ؟ كلا التفاهات نفسها تحيط بي وترهق أعصابي .
عبد المعين : كانت ليلة حافلة بالمزعجات .... لم يتبق لانبلاج الفجر سوى ساعتين .... لانظر في جدول الدروس (يُخرج الجدول) ، رياضة بدنية للصف الأول ، ثم حساب وقراءة وتاريخ .... لقد نام جميعهم (يتلفت) سأتمرن بصوت خفيض لا يسمعني إنسان (يُمثل بصوت خفيض يرتفع رويداً رويداً) ، إلى اللص ، إلى اللص ، إلى القاتل ، إلى الجاني ، عدلك أيتها السماء العادلة لقد انهدمت ، سفكوا دمي ، سرقوا مالي ، أين اللص ؟ ما حلّ به ؟ أين يمكن أن يكون ؟ إلى أين أركض ؟ إلى أين أركض ؟ (بكاء سامية) ...... سيتيقظ الأشرار مرة أخرى ، يطرقون بابي بعنف أكبر ، سيتجمهرون ويعربدون ويفعلون كل شيء ليتجاهلوا به حاضرهم التعس ليتلذذوا بمشهد جار يتعذب ، ولكنني سأمثل على هواي وأرفع الكابوس عن صدري ، ايه هرباغون تقدم والهمني كلماتك الخالدة ...... لكأنني أواجه حشداً من الجماهير ، والإنارة الساطعة تسقط عليّ من كل جانب وقد تقمصتُ دوري في روعة والجمهور يصفق في جنون لقد غدوت بطلاً ..... إلى اللص ، إلى اللص ، إلى القاتل ، إلى الجاني ، عدلك أيتها السماء العادلة لقد انهدمت ، سرقوا مالي ، سفكوا دمي .... أجل سفكوا دمي داسوني وسحقوني ، سرقوا عمري وحريتي ، اضاعوني في خضمهم ، مزقوني بجمودهم وببلادتهم ، أجهل في أي مكان أنا ، ومن أنا (بكاء الأطفال وصراخ الجيران يعلو بعنف) .
سعدية : (تستفيق فزعة) ، ماذا أنت فاعل ؟ رحمة بالأطفال إهدأ قليلاً ، خفض صوتك .
عبد المعين : سأخرج أنا إليهم ، سأسوي حسابي معهم .
الجيران : استدعوا الشرطة ، قتل المجنون زوجته وأطفاله ، إنه يذبحهم هيا هيا حطموا الباب (طرق شديد على الباب) .
سعدية : (بتوسل) ، دع الأمر لي يا عزيزي ، سأخرج أنا إليهم ، أنا أفضل ستسوء العاقبة ، يا إلهي رحمة بنفسك .
عبد المعين : بل أنا الذي أخرج ولن أعود إلى هنا مرة أخرى .... أيها الجيران ، أيتها الفئران الكسالى الحمقاء .... فئران ، كلكم فئران ولن أخشاكم (يتجه نحو الباب) .
سعدية : عبد المعين ما هذا الذي تفعله إنك أضعت رشدك ، لن أطلب منك شيئاً بعد اليوم ، لا أريد أحذية ولا قمصان لا شيء ، دعني أنا أخرج إليهم .
عبد المعين : دعيني أتحرر من القيد ، دعيني أتحرر من القيد ، دعيني دعيني ، سفكوا دمي ، سرقوا عمري وحريتي ، عمري وحريتي .
سعدية : كلا يا عبد المعين ، لا تفعل هذا ، انتظر انتظر ، اترك الأمر لي ، رحمة بنفسك وأعصابك ، لن أطالبك بعد اليوم بشيء ، افعل ما تريد فعله ، عزيزي زوجي والد أطفالي .
عبد المعين : لن تصدني قوة عن سبيلي ، ولن أخنع لإرادة أحد ، ولن أكون كبشاً في القطيع التائه البائس ، إنما أنا عبد المعين السنداوي خالق العالم الجديد ، متمرد على الفساد والأذى والظلم ، رافع راية العصيان ..... دعوني أتمرد ، دعوني أثور ، دعوني أكون سبارتاكوس محطم الأغلال ، دعوني أكون شمشوماً لأحطم أعمدة الهيكل ... لا يُصلح هذا العالم الفاسد المضطرب غير أمثالي ، ولن يأتي بالخبز للجياع غير أمثالي ، ولن يعيد الصواب إلى عقول المجانين غير أمثالي .....
(يدفع سعدية وينزل السلم)

سِتار .
ـــ انتهت ـــ

 

شُكراً لِكُلِ المُتَابِعين والمُتَابِعات ........
نَتَواصل لِمَرَّةٍ قَادِمَة ........

يُتْبَع ..........


مَواضِيع ذات صِلَة :

- القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً (الجزء الثاني) (5)
- القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً (الجزء الثاني) (4)
- القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً (الجزء الثاني) (3)
- القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً (الجزء الثاني) (2)

- القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً (الجزء الثاني) (1)
- القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً / الجزْءُ الأَول



الخميس 1 / 5 / 2014 ــ والعَمَل مُسْتَمِّر

 




 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter