|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  21 /  5 / 2020                                         ﺸﻪﻤﺎﻝ عادل سليم                                كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

انصار الشيوعي العراقي يقتحمون مدينة كويسنجاق
(2)

شه مال عادل سليم
(موقع الناس)

الجزء الثاني
في الثمانينات من القرن الماضي لعبت سرية كوي (كويسنجاق) التابعة لقوات الشيوعي العراقي دوراً بارزاً في الانتصارات العسكرية وضرب السلطة البعثية في عقر دارها وكسر شوكتها ولجم تحركاتها في المنطقة حيث كان الشارع الذي يربط بين اربيل وكويسنجاق تحت سيطرة قوات البيشمركة باستمرار, اضافة إلى اقتحام الربايا العسكرية في حدود عمل وتحرك الفوج 31 .

مع انتهاء حملة الانفال الاولى بدأت التحشدات العسكرية وتقدم الجيش والجحوش في محاور عديدة باتجاه منطقة سماقولي وحفاظا على سلامة النصيرات (فتحية محمد , عيشي كروكة , روناك) , اتخذ الحزب قرار ارسالهن إلى مدينة اربيل إلى ان تتوضح الامور وتهدء نوعنما , وفعلا نزلت النصيرة ام شوان بصحبة عيشي كركوكة والنصيرة روناك إلى مدينة اربيل .

مع اشتداد هجمات النظام العراقي واستخدام الاسلحة الكيمياوية بشكل اوسع والتي شملت جميع المناطق التي كانت تسمى بالمحظورة في قاموس حزب البعث ,تم تغيير اسلوب عملنا كوحدات ضاربة متحركة باستمرار وتم تكوين قيادة موحدة للعمل الانصاري .

تركنا مقرنا في (كلي كفري) واستقرينا في جبل (اوه كرد ـ احدى قمم جبل سفين وكان معقلا لقوات بيشمركة الشيوعي العراقي منذ الستينات من القرن الماضي) .

في 16 نيسان 1988 كنا في جبل اوه كرد عندما سمعنا بنبا اعتقال النصيرة عيشي كروكة في مدينة اربيل من قبل مديرية امن اربيل.

وبعد اسبوع تقريبا تحركت مفرزتنا باتجاه قرية (جناران ) (1) بقيادة محمد الحلاق وبقينا هناك لفترة مع رفاق سرية بتوين , اما شقيقي الاصغر النصير (هه فال) تحرك مع مفرزة كبيرة بقيادة قائدين عسكريين بارزين (ماموستا رزكار ومام جوامير) باتجاه منطقة كرميان وحوصروا هناك بسبب هجمات الانفال على المنطقة , وانقطع الاتصال بيننا وبينهم نهائيا رغم محاولاتي اليومية لتأمين الاتصال عبر الجهاز اللاسلكي مع المفرزة ولكن دون جدوى .

لقد ترك اهالي القرى بيوتهم خوفا من الاسلحة الكيمياوية , بقينا نحن لوحدنا نواجه شراسة النظام واسلحته الفتاكة بعد ان قرر النظام البعثي حرق كوردستان رضاً وشعباً في حملات دموية سميت بالانفال .

وفي احد الايام ونحن في قرية جناران وصل خبر شفهي من مدير امن اربيل مع احد معارف محمد الحلاق يقول بان : مديرية الامن العامة جادة باهتمامها بأطلاق سراح والدته (عيشي كروكة) مقابل استجابة الحلاق لطلبهم والموافقة على ارسال رسالة تحريرية يطلب من المديرية اطلاق سراح والدته والعفو عنها . ضحك الحلاق وقال للرسول : (قل لهم , عيشي كروكة علمتنا ان لا ندوس المقدسات وأن لا نخون ولا نساوم على مبادئنا الوطنية الثابتة مهما كلفنا الامر , ارجوك لا اريد ان اناقش في هذا الموضوع) .

وبعد ان رجع الرسول , جلس الحلاق بالقرب من نبع ماء متدفق ونابع من بين صخور جبل كوسره تظلله أشجار جنار العملاقة وعيناه على الطريق , وفجأة انفجر دفعةً واحدة باكياً بحرقة وحضن شقيقه الاصغر ريبوار الحلاق وثم حضنني وقال : (اتمنى لو كنت أستطيع إنقاذ عيشي من مصيرها المحتوم) !

لم استطيع ان اسيطر على نفسي بكيت بحرقة وبكى شقيقه النصير ريبوار ايضا . وبعد مرور اسبوع تقريبا وصلت رسالة من شقيقة الحلاق تطلب منه وبالحاح ان يستجيب لطلب السلطة من اجل اطلاق سراح والدتهما , إلا ان الحلاق لم يبدى اهتماما بالموضوع لانه كان يعرف جيدا بان السلطة تريد الإيقاع به ليس اكثر .

وبعد ان رفض الحلاق طلب السلطة , طلب مدير امن محافظة اربيل من مديرية أمن منطقة الحكم الذاتي بتنفيذ حكم الاعدام على والدة الحلاق (عيشي كروكة) حسب الوثيقة التالية والصادرة في 6 / 7 / 1988:

الوثيقة الاولى :

توضيح الوثيقة الاولى
(رئاسة الجمهورية
السكرتير
مديرية الامن العامة
مديرية امن اربيل
الشهداء اكرم منا جميعا
سري وشخصي
العدد / ش1 / 10538
التاريخ 6 / 7/ 1988
إلى / مديرية أمن منطقة الحكم الذاتي / ق2
م / عائشة كَل
كتابكم 7023 في 21 / 5 / 1988 ولاحقا لرسالتنا 6894 في 30 / 5 / 1988 واشارة للمداولة الشفوية فقد تم الاتصال بالمجرم محمد حمد امين حلاق ولم يبدى اهتماما لموضوع التساوم عن والدته . وبالنظر لقيام المذكور بارتكاب جريمة بشعة بقتله السيدة مليحة حميدي (2) رئيسة اتحاد النساء في كويسنجق والقاء جثتها على قارعة الطريق نقترح الموافقة على تنفيذ حكم الشعب بحق المذكورة تماشيا مع مبدأ السن بالسن والعين بالعين والبادي اظلم واعلامنا مع التقدير
التوقيع
عميد الامن
مدير امن محافظة اربيل ).

بعد استشهاد (عيشي كروكة) بثلاث سنوات بالتمام والكمال , وفي اثناء انتفاضة اذار 1991 , وقعت وثيقة امنية اخرى بيد الشيوعي العراقي والتي اثبتت الوثيقة بان انصار سرية كوي وتحديدا الذين شاركوا في اعتقال الطالبة البعثية (ايمان جبار) كانوا محقين ومصابين عندما عارضوا اطلاق سراح البعثية (إيمان جبار) بكفالة وتعهد شفهي فقط لانهم كانوا يعرفون بأن (ذيل الكلب ما ينعدل ولو علقوا فيه قالب) , اذ تبين ان المجرم (جبار) (3) شارك مع جلادي الامن في تنفيذ حكم الاعدام رمياً بالرصاص بحق المناضلة الشيوعية عيشي كروكة في اب / 1988 عقابا على اعتقال ابنته البعثية (إيمان) حسب الوثيقة التالية والصادرة من مدير أمن محافظة اربيل :

الوثيقة الثانية :

توضيح الوثيقة الثانية
(رئاسة الجمهورية
السكرتير
مديرية الامن العامة
مديرية امن اربيل
سري وشخصي
العدد / ش1 /
التاريخ 8 / 1988
إلى / مكتب تنظيم الشمال ـ السكرتارية
م ـ تنفيذ حكم الشعب
برقيتكم سرية وفورية 2057 في 16 / 8 / 1988 تم اشعار الرفيق جبار بان هذه المديرية القت القبض على المجرمة عائشة قادر يونس الملقبة عائشة كل والدة الشيوعي محمد الحلاق الذي كان قد خطف ابنته الطالبة ايمان ومكثت ليلة مع والدته المجرمة اعلاه . وعرضنا عليه موضوع الاشتراك في التنفيذ (تنفيذ حكم الشعب) وقد اعلن استعداده للحضور الى مكان التنفيذ وبالنظر للظروف الامنية الخاصة التي كانت سائدة قبل تاريخ 8 / 8 / 1988 وتحسبا من قيام الشيوعيين وباقي زملا التخريب للتثقيف المضاد واعتبار اعدام المذكورة مادة دسمة للتثقيف وعلى هذا الاساس تم تنفيذ حكم الشعب بها بعيدا من عن الانظار للتفضل بالاطلاع
مع التقدير
التوقيع
مدير امن محافظة اربيل) .

حقائق يجب التوقف عندها وأخذ الدروس والعبر منها :
1 ـ بعد اطلاق سراح البعثية إيمان جبار , لاحقت اجهزة الامن عوائل الانصار البيشمركة في مدينة كويسنجاق وخاصة بعد ان ذاع صيت بعض الانصار البيشمركة وشاع اسماؤهم في المنطقة جراء نشاطهم العسكري و تأديب عناصر السلطة البعثية ومرتزقتها داخل وخارج مدينتة كويسنجاق . وقامت السلطة بإعتقالات عوائل انصارنا واصدرت اوامر مصادرة بيوتهم وفصلهم من وظائفهم واحتجاز عدد منهم .

2 ـ لقد ترك جبار وعائلته مدينة كويسنجاق ليس إستجابة لطلب مكتب فوج 31 الذي تفاوض مع رئيس الوفد واشترط إطلاق سراحها بمغادرتها مع عائلتها إلى مدينتها في جنوب العراق وإنما خشيةً من كلام الناس وخاصة ان اختطاف ابنتها اثرت على سمعة العائلة في كويسنجاق بعد ان مكثت ابنتها ليلة واحدة في مقر (الغرباء والمخربين والوحوش) حسب تعبير جبار وابنتها إيمان !

3 ـ تكشف الوثيقة رقم 2 بان قيادة مكتب تنظيم الشمال لحزب البعث امرت بتنفيذ حكم الاعدام بحق (عيشي كروكة) أمام عامة الناس ولكن بسبب شعبية وجماهيرية وقوة الشيوعي العراقي انذاك وخوفا من رد فعل غاضب من قبل اهالي اربيل , تم تنفيذ الحكم من قبل مديرية أمن اربيل بحق المناضلة (عيشي كروكة) بعيدا عن الانظار كما هو موضح في الفقرة الاخيرة من الوثيقة رقم 2) وعليه كتب مكتب تنظيم الشمال ﻋﻠﻰ ﻫﺎﻤﺵ الوثيقة عبارة : (لا نقبل بهذا التبرير وما هكذا نتفاعل مع توجيهات الحكم) !

بدلة البطلة عيشي كروكة تظهر فيها (7) ثقوب ظاهرة للعيان وهي اثر الطلقات
حيث نفذت السلطة البعثية حكم الإعدام رميًا بالرصاص بحقها في أب 1988 .

بعد انتفاضة اذار1991 تم العثور على رفات عيشي كروكة و(بشدار الحلاق) (4) في مقبرة معمل قيرو التي تبعد عن مركز مدينة اربيل بـ 2 كم جنوب المدينة وتم نقلهما في مراسيم جنائزية مهيبة إلى مقبرة أل الحلاق في مدينة كويسنجاق .


انتهى

 

(1) قرية جناران : تقع على سفح جبل كوسرت المطل على بحيرة دوكان ,سُميت القرية بهذا الاسم نسبةً لوجود شجرة جنار ـ ادلب ـ بكثرة فيها, احتضنت مقر سرية بتوين لانصار الشيوعي العراقي .
(2) مليحة حميدي حسن , مواليد ناصرية , بعثية وسكرتيرة الاتحاد النساء فرع كويسنجاق .
(3) جبار , المعروف بـجبار كويي بين اهالي مدينة كويسنجاق , من ازلام البعث الخطيرين ومسؤول في مديرية الامن . وهو من جنوب العراق , استقر مع عائلته في مدينة كويسنجاق , كان متخصص بمتابعة واعتقال عوائل البيشمركة والمعارضين للسلطة .
(4) الشهيد بشدار حمد امين الحلاق : شقيق محمد الحلاق الاصغر ، مواليد كويسنجاق 1971 ، استشهد في عام 1986 مع عدد من بيشمه ركة الحزب الشيوعي العراقي بالقرب من سد بيخمة .
(5) ذُكر اسم النصيرة عيشي كروكة بـ(عائشة كُل) في الوثائق الصدامية .
(6) للمزيد من المعلومات عن الشهيدة عائشة قادر يونس المعروفة بـ (عيشي كروكة) انقرعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=594777&r=0
(7) للمزيد من المعلومات عن الشهيد (محمد حمدامين الحلاق) راجع الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=283914&r=0  
(8) للمزيد من المعلومات عن المناضلة (فتحية محمد مصطفى ـ ام شوان) راجع المقال التالي :
http://www.doxata.com/aara_meqalat/3903.html



ملاحظة : يمنع نشر او نقل هذا المقال أو اي جزء منه بأي وسيلة من الوسائل الورقية او الالكترونية إلا باذن مسبق من الكاتب .

 




 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter