زهير كاظم عبود
الأحد 28/5/ 2006
شلت اليد التي تريد السوء بالمندائي
زهير كاظم عبود
النقاء والطهارة يتلازمان مع ارواحهم الهائمة عند ضفاف الأنهار الأزلية ، وطيبتهم النابعة من صفاء الماء الجاري ، وأغتسال الروح التي تسبح لله دوماً بقلب طاهر ، تسبح أرواحهم بقلوب نقية ، ومباركة أرواحهم الطاهرة التي سكنت ضفاف الأنهار ليس لهم سوى النقاء والطهارة والعدل والطيب الذي ينبع من بين أصابعهم وافواههم ، فلا تشعر أنهم غير روحك المنفلقة .
أحبوا الناس كما يحبون أنفسهم وتزودوا لأخرتهم بالعمل الصالح ، لبسوا ألأبيض رداء الضياء الصافي وصارت لهم أكاليل بيضاء يتباهون بها ، ومن يتخذ الطهارة في الطقوس بالماء الجاري تعم تلك الطهارة روحه التواقه لها .
مع بدء جريان الماء كان المندائيون يقيمون ويعيشون معنا وبيننا ، بل قل نعيش معهم وبينهم ، نأكل سوية ونجوع سوية ونعبد الله سوية وندافع عن الخير والعراق ، موسومين بالعبق العراقي والسكون يعطون للأرض وللناس ، فكأنهم ملح العراق .
شاهت الوجوة التي تريد بالمندائيين السوء ، وشلت اليد التي تريد ترويعهم وترحيلهم عن مدننا التي لامست ملحهم وذاقت طهارتهم وتقاسمت طيبتهم .
الصابئة المندائية الذين عرفناهم كما عرفنا الفرات ودجلة والأهوار والمشرح والكحلاء ، الصابئة المندائية الذين سكنوا هذه البقاع قبل أن يصلها غيرهم ، والصابئة المندائية التي تتداخل في مدن الجنوب والفرات وفي بغداد ، يبيتون في بيوتنا وتهدأ ارواحنا في بيوتهم ، لعل حياتهم كل هذا الزمن تسجل مقدار هذا النقاء الصافي ، فكيف تسول لأحد نفسه إن يهددهم أو يرهبهم وفوقهم ( منداد هيي ) يحرسهم ويرعاهم .
كيف يشعر المسلم وهو يشاهد المندائي يلملم اغراضه راحلاً الى أين لايدري ؟ ربما يهاجر الى مدن أخرى ، وربما يهاجر الى بلدان تختلف كلياً عن بلداته الدافئة ، ومياهه الجارية لكنه لن يترك وصايا ( الكنز ربا ) ولا تعاليم الحي الاول .
(( يا أصفياء الصدق أستقيموا وسبحوني وأعطفوا على القلوب ، يامن أضأتكم بأنواري ، أضيئوا كما تضيء الحياة التي ليس لها غروب )) .
شلت اليد التي تهددكم وتريد بكم السوء ، فما حصد منكم العراق غير العطاء والفن والجمال ، وما حصد منكم الشعب غير التضحيات والمواقف المساندة لمحنة الفقراء والضعفاء والمظلومين ، ولم تكونوا يوما مساندين للطغاة والجبابرة بل كنتم دوما في صفوف الضعفاء وأهل الحق وتحملتم جراء هذا ، واعطيتم قوافل من الشهداء ، وسجلتم للتأريخ صفحات جديرة بالأعتزاز والتقدير ، فكيف يمكن إن نسمح لملوث ومارق أن يخرب أخوتنا وطيبتنا وتأريخنا ؟ وكيف يمكن لمتعصب حد الجنون إن يحملنا مالانريد وما لانفكر فيه فأنتم اهلنا وبكم يفتخر العراق .
نوارسكم المضيئة في العلم والفن والأدب ، وشموسكم التي تضيء حالك ايامنا لم تزل في ذاكرة الشرفاء من اهل العراق ، فكيف يستقيم العراق إن تقطعت اوصاله ، أو إن مزقوا له تأريخه ؟
هم علاماتنا التي نتباهى بها ، والرداء النقي الذي لم يزل لم تلوثة السنين ، وهم غرس العراق الذي شاركوا بعرقهم وبأعمار رجالهم ونسائهم في اعماره ، وهم من يشمر السواعد لأعادة ترميمه من خراب الدكتاتورية ، نغمض عيوننا وهم بيننا وسيبقون بيننا مادامت الأنهار جارية ومادام العراق باق ، فهم يشبهون الماء الجاري لن يستقيم الأرتواء من ماء واقف .
الأديان السماوية ليست وحدها من ترعاهم ولاتعاليم الأنبياء والرسل ، بل تعاليم ووصايا اهلنا وامهاتنا ، العراقي المسلم الذي اختلطت دماءه وعرقه وجهاده مع المندائي والأيزيدي والمسيحي واليهودي العراقي ، لايمكن إن يستطيع احد إن يفصل هذه الأجناس عن غيرها في العراق .
الا شاهت الوجوه التي تريد السوء بالعراق من خلال السوء بكم .
الا شاهت الوجوه وشلت اليد التي تريد أن توقف جريان الماء ليتعفن ماء العراق .
الا خسأت الروح التي تريد إن تلبس الباطل بالحق ، وتخلط الحلال بالحرام .
يقولون في كتابهم المقدس أن رأس الأيمان أن تؤمن بأن الله مقيم في الفضائل جميعاً .
ورأس ثباتك الا تغير كلمتك
ولكن رأس الصدقة إن تطعم الجائع وتسقي العطشان ورأس فضائلك إن تنتصر على نفسك .
وفي تأريخ العراق القديم والحديث ، لم يكن الصابئة المندائيون الا معلمين وحرفيين وصناع مهرة وعلماء وفنانيين .
وفي تأريخ العراق الحديث والقديم لم يكونوا الا عونا له ضد الغزاة والأعداء .
فكيف تسول لأحد نفسه وتحت أية ذريعة أن يهددهم ويقرر ترحيلهم وهم من عروق هذه الأرض .
ربما ترحل الأرض والأنهار معهم .
وهم من نبع هذه الأرض التي صاروا من عجينتها وانتسبوا اليها والى عشائرها وكتبوا تاريخها منذ النبعة الأولى والشرارة التي بهرت العيون بالنار وظهور الخطوط والكتابة .
ومادام العراق يبقى بهيا مهيبا يبقى المندائيون سندا لهذا الأرتفاع والمهابة .
ومادام العراق بيتنا فلم يزل يحضن اخوتنا بالله من المندائيين والمسيحيين والأيزيديين واليهود ، ومن أراد بهم السوء فأنه يخون العراق وينتهك شرفه الرفيع .