|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  28 / 7 / 2020                                 زكي رضا                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الكاظمي وتراث بهجت العطية

زكي رضا
(موقع الناس) 

يعتبر رئيس الوزراء "العراقي" مصطفى الكاظمي إبنا شرعيا لنظام المحاصصة التي إجتازت ببلادنا جميع الموانع وهي تتجه بها نحو الهاوية، ولم يتبوأ منصبه الّا بتوافقات سياسية منها ما هو علني ومنها ما هو "سرّي". الا أنّه بالمحصّلة النهائية يعتبر رجل إيران بالعراق، وحتّى لو حاول أن يُظهر عكس ذلك فأنّ حصوله على الضوء الأخضر من الميليشيات الشيعية لتبوأ مركزه تعني أنّ ولاءه ليس للعراق، فالميليشيات الشيعية ومعها الأحزاب الشيعية لم تخجل يوما من إعلان ولاءها لدولة وليّ الفقيه، كما وأنّ الحكومات التي تقودها الأحزاب الشيعية لم تخرج منذ الإحتلال لليوم عن فلك إيران ومصالحها.

الكاظمي ليس سياسيّا عاديا، وليس من الأسماء التي كانت معروفة لجماهير شعبنا كما ساسة آخرون. فالرجل رئيس جهاز مخابرات دولة، وهو بحكم منصبه هذا يتحكم بملفّات أمنية وغير أمنيّة. وهو يعرف جيدا تحركات الميليشيات والإرهابيين وأوكارهم وتسليحهم والدول التي تدعمهم، وهو على دراية كبيرة بملفّات الفساد وزعمائها، والّا لكان اسوأ رئيس جهاز مخابرات على مرّ التاريخ الإنساني وليس العراقي فقط. لكنّ الأمر المثير "للإستغراب" من أنّ الرجل لم يقدّم فاسدا واحدا من الرؤوس الكبيرة التي يعرفها أبناء شعبنا للمحاكمة ليومنا هذا، ولم يفتح ملفات عقود الكهرباء والطائرات والنفط والموانيء والمعابر الحدودية والمدارس الهيكلية وعقود وزارة الصحة والتربية وغيرها المئات إن لم تكن الآلاف، ولم يتقرب مطلقا من ملفات سبايكر وإحتلال الموصل ولم يتحرك للحد من سطوة الميليشيات، بل ما أن حاول إعتقال مجموعة منهم وبالجرم المشهود حتى رأيناهم ليس مطلقي السراح فقط بل يحرقون صوره وداسوا عليها بأحذيتهم إمعانا في إهانته وتحذيره في أن يعرف حدوده المرسومة اليه من قبلهم وراعيهم الإيراني بدقّة.

رجل المخابرات هذا لم يكن خيار الجماهير المنتفضة لليوم، على الرغم من طرحه شعارات برّاقة لم ينفّذ منها لليوم أي شيء. فالرجل تراجع عن كل ما جاء به في خطابه وهو يتسنم منصبه بمباركة إيرانية أمريكية، فلا ملف للفساد قد فُتح مثلما ذكرنا قبل قليل ولا مسؤول عن قتل مئات المتظاهرين قد قدّم للمحاكمة ومنهم من صدرت بحقه مذكرة إعتقال من قبل القضاء العراقي كجميل الشمّري، وليس هناك في الأفق ما يشير الى تنفيذ تعهده بإجراء إنتخابات مبكّرة وفق مطالب المتظاهرين وليس وفق تدوير نفس النفايات التي رشّحته لمنصبه من جديد.

الأمر الوحيد الذي لم يحدث في عهد الكاظمي القصير هذا، هو عدم وجود قتلى في صفوف المتظاهرين كما سلفه، ولا حرق لخيام المتظاهرين كما سلفه، ولا إختطاف ناشطين كما سلفه، ولا إغتيال كما سلفه، كل هذا كان لفترة قصيرة جدا. أمّا اليوم فهناك قتلى وجرحى بين المنتفضين، وهناك حرق لخيام المعتصمين، وهناك حالات إغتيال وإختطاف، حتّى أنّ هناك حالة إختطاف لمواطنة المانية تمّ إطلاق سراحها لاحقا دون أن تُعلن حكومة الكاظمي الجهة التي نفّذت الإختطاف!

الكاظمي وهو يتنصل عن وعوده وأجهزته القمعية تلاحق الناشطين، والميليشيات تغتال وتخطف تحت مرأى ومسمع الشعب العراقي، يستلهم تراثه من أسلافه ومنهم بهجت العطيّة رئيس التحقيقات الجنائية (الأمن العامّة) في العهد الملكي والذي كان يلاحق الشيوعيين والوطنيين والمناوئين للعهد الملكي، والمسؤول عن إعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي بعد نجاح وثبة كانون في إسقاط معاهدة بورتسموث كونهم قادوا وثبة شعبهم وهم داخل سجن الكوت. لكن يبقى هناك فرق جوهري بين الأثنين، فالعطيّة لم يقل من أنّه في طريقه لمحاربة فساد رجالات العهد الملكي وتقديمهم للمحاكمة ولا لمحاربة الإقطاع وإضطهادهم للفلاحين البسطاء، ولا منح الشعب حقّ التظاهر، ولا محاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين في وثبة كانون وغيرها من الإنتفاضات والتظاهرات والاعتصامات، ولم يعمل على حصر السلاح بيد الدولة، ولم يحدد سقفا زمنيا لإنتخابات ديموقراطية عادلة، كون العطيّة كان صادقا مع نفسه وهو يمارس "حقه" في قتل السياسيين وملاحقتهم كونه كان إبنا شرعيا لذلك النظام. أمّا الكاظمي فهو صادق أيضا مع نفسه ومع من أوصله للسلطة، كونه ينّفذ الأوامر "السريّة" للقوى التي توافقت فيما بينها على ترشيحه والتصويت لصالحه وحكومته، كونه إبن شرعي لنظام فاسد ومجرم.

الفرق الوحيد بين الأثنين هو أنّ العطيّة لم يكذب.


الدنمارك
29/7/2020

 


 






 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter