|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  6  / 3 / 2015                                 زكي رضا                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هل البعث بريء من جريمة ضياع الموصل ؟

زكي رضا 

هل الحديث عن الطائفية اليوم هو شكل من أشكال الترف الفكري؟ هل الأشارة الى موقف المثقف أن نحى منحى طائفي أو قومي جريمة؟ هل الأحزاب الطائفية الشيعية وحدها المسؤولة عن هذا الكم الهائل من الخراب؟ هل الأحزاب الطائفية السنية شريكة في إزدياد رقعة الدمار؟ هل الأحزاب الكردية من صنف الملائكة؟ هل البعث بريء براءة الذئب من دم يوسف في أعراس الدم التي بدأت بأنهياره لحد هذه اللحظة؟

أسئلة عديدة علينا أن كنّا نريد حقيقة أن نقف الى جانب شعبنا ووطننا بصدق، تكمن في أن نفتش معا عن أجابات للمصائب والمصاعب والآلام التي مرّت وتمر ببلدنا ونشير اليها دون أن تأخذنا ولو للحظة أية أحاسيس قومية أو دينية أو طائفية أو عشائرية أو مناطقية. فمن المعيب على المثقف وهو يرى ما يحل ببلده من خراب أن يعمل على تحميل وزر هذا الخراب على جهة قومية أو دينية أو طائفية معينة دون طائفته أو دينه أو قوميته وإن حمّلها شيئا يسيرا فعن خجل بسيط ليس الا، فنظام المحاصصة سيء الصيت والسمعة ، هذا النظام العاهر هو من أوصل البلد الى ما هو عليه اليوم، هذا النظام السياسي الذي يتقاسمه الشيعة والسنّة والكرد منذ بداية الأحتلال لليوم هو الذي علينا أن نحاكمه بجميع أركانه، لا أن نهرب للأمام لنسير على غير هدى كون هروبنا هذا سيكون كالمعول الذي دمّرت به عصابات داعش تاريخنا الذي لم نحافظ عليه كالرجال.

عليّ أن كنت مواطنا عراقيا "على الرغم من سلبي جنسيتي العراقية منذ 35 عاما" القول على كره من أنني كردي شيعي، ليس أنتقاصا من الكردية كقومية ولا من التشيع كمذهب مطلقا، بل كون ساسة الطرفين كان ولايزال لهم دورا كبيرا في تفتيت النسيج الوطني العراقي ونهب ثروات البلد لحزبية ضيقة كون فقراء الكرد زادوا فقرا وكذلك الشيعة مقابل غنى القطط السمان من أعضاء أحزابهم وميليشياتهم، ولأنهما لعبا دورا كبيرا في ضياع ثلث مساحة البلد بيد تنظيم داعش لأسباب طائفية وقومية. فالأحزاب الشيعية وعلى الأخص حزب الدعوة الأسلامية الطائفي بزعامة "المالكي" في دورتين أنتخابيتين متتاليتين عمّقت بممارساتها الطائفية جراح شعبنا وساهمت بشكل فعّال في تفتيت ما كان قد تبقى من نسيجه الأجتماعي، أضافة الى ضعف أجهزتها العسكرية والأمنية المختلفة نتيجة شيوع الفساد في مفاصلهما وتجييرهما لصالح حزب وطائفة معينة بعد أحتكار هذا الحزب لوزارت الدفاع والداخلية والأمن الوطني. هذا الضعف قاد الى هزيمة منكرة أمام عصابات داعش وبسرعة لم يصدقها حتى أعداء العراق ناهيك عن أصدقائه. أما الأحزاب الكردية فأنها ومن أجل أحكام سيطرتها على مساحات أكبر من الأراضي المتاخمة لحدود كردستان سمحت بتمدد أرهابيي داعش في عدد كبير من المدن والبلدات المسيحية والأيزيدية بعد أنسحاب قوات البيشمركة أمامهم، لتعود هذه القوات وبمساندة الطيران الغربي وأمدادات الأسلحة بتحرير العديد من المناطق وليصرح الكثير من الساسة الكرد على ان العراق قبل حزيران 2014 ليس كما العراق بعد حزيران2014 في أشارة الى التغيير الجيوسياسي أثر أعلان القيادة الكردية ضمّها للكثير من الأراضي المحررة الى أقليم كردستان لاحقا. ولم يحسب الطرفان وهما يمرران هذه السياسة الكارثية ما حلّ بالأيزيديين والمسيحيين والتركمان من جرائم ستكلل جميع المسؤولين المباشرين وغير المباشرين عنها بالعار.

من خلال المقدمة أعلاه أكون قد تناولت بالنقد مواقف ضلعي نظام المحاصصة الطائفية التي أنتمي اليهما أي الجانبين الكردي والشيعي، وكنت أتمنى من بعض الكتّاب السنّة "أقولها عن كره" أن ينتقدوا الضلع الثالث "الجانب السنّي" وهم يتناولون ما حلّ بمدن عراقية عديدة من تلك التي دنّستها عصابات داعش الأرهابية ومنها مدينة الموصل "رأس العراق" كما وصفها أحد أبناء المدينة نقلا عن المؤرخ "لونكريك"، من خلال مقالة تحت عنوان "نحر مدينة الموصل : قطع رأس العراق". فالكاتب ونحن معه يشعر بالحزن العميق على تاريخ بلاده وهو يراه حطاما أثر معاول أرهابيي داعش أعداء الحياة، وأنا واثق من أنه ومعه كل الخيرين "كما العالم المتحضر أجمع" كانوا يشعرون بثقل هذه المعاول على أرواحهم وهم ينظرون الى تاريخ بلدهم الموغل بالقدم يتحول الى ركام خلال لحظات، حين هوت معاول التخلف والهمجية تلك على تماثيل أبدع صنّاع الحضارة قبل أن يظهر دينهم في صنعها والتي كانت جزء من التراث الأنساني.

لقد تناول الكاتب وهو مؤرخ في مقالته المدينة "الموصل" من وجوه عدة وإن دون الخوض فيها بعمق " لقصر المقالة على ما يبدو "، فنراه قد تحدث عن تاريخها وتناول حضارتها وخصوصيتها الاجتماعية "تشترك معها مدن عديدة بالعراق"، ليصل الى تاريخها السياسي الحديث وما جرى بها من أحداث " أبّان عهد ثورة الرابع عشر من تموز. وتناول الكاتب في مقالته ايضا مأساة الأيزيديين والمسيحيين وتهجيرهم من المدينة بعد سلب أملاكهم، ليتوّجها أعداء الحياة بسبي النساء والاطفال وبيعهم. لينتهي الكاتب بوصف واف عن المتحف الحضاري للموصل وأقسامه ومحتوياته النفيسة التي سنبكيها الى آخر الدهر.

يتناول الكاتب واقع المدينة بعد مرور أشهر على الاحتلال الامريكي للبلاد وهي تعيش أقسى حالات التمزق والرعب حسب وصفه لتنتهي مرتهنة بيد الارهاب ولتعاني من " مخاض التحديات الجديدة التي فرضتها اجندة الحكم المشبعة بالكراهية والاحقاد لتنتج ردود فعل دموية مع تفسخ متبادل بين الاطراف وكان ضحاياه الابرياء من الاهالي ". ليصل الكاتب الى الأحداث الأخيرة أي سقوط المدينة بيد عصابات داعش، وهنا بنظري يكون الكاتب قد بدأ بمجاملة طائفية " لا نقول نزعة طائفية" وهو يحمّل حكومة بغداد "الطائفية بنظري" وأجهزتها العسكرية والأمنية "تتحمل مسؤولية كبرى" لوحدهما سقوط المدينة بيد "داعش" حين يكتب " ولعل الهجمة البربرية التي تعرضت لها مؤخرا جراء استهتار الحكومة العراقية المركزية السابقة ، واستهتار القيادة العامة للقوات المسلحة وكل من قيادات وزارتي الدفاع ومسؤولي الداخلية ببغداد .. قد ادى الى سقوطها بيد تنظيم متوحش لا صلة له بحياة العصر ، وقد اطلق عليه اسم ( داعش وهو مختصر : الدولة الاسلامية في العراق والشام ).

لنرى من خلال توضيح بعض الامور إن كان للكاتب وهو يتناول الوضع الراهن للمدينة " مجاملة طائفية " أم لا؟ لنتفق أولا على تقصير ومسؤولية الحكومة المركزية السابقة "عهد المالكي الفاشل" ولنتفق على أستهتار القوى العسكرية والأمنية من قيادات وزارتي الدفاع والداخلية كما أشار اليه الكاتب، ولنضيف اليهما وهو ما لم يتطرق اليه الكاتب أستهتار وطائفية الميليشيات الشيعية، وعدم جدية البيشمركة بالتصدي لداعش وانسحابها من مواقعها داخل وخارج المدينة.

والآن وبعد أتفاقنا مع الكاتب على كل ما جاء به فهل من حقنا أن نسأله عن دور البعث العراقي وتحالفه مع داعش ليس لأحتلال الموصل وحدها ولا المحافظات السنّية فقط بل تهديدهما بأحتلال بغداد وأعادة عقارب الساعة الى حيث دكتاتورية المجرمين البعثيين، ولماذا لم يتطرق اليهم بالأسم كما تطرق للحكومة المركزية؟ وهل من حقنا أن نسأله عن دور العديد من العشائر العربية في أحتضان داعش كما القاعدة قبلهم وتوفير الملاذ الآمن لهم ودعمهم لوجيستيا وأمنيا وبشريا ولماذا غضّ الكاتب النظر عنهم؟ هل يستطيع الكاتب أن ينكر عدم مقاومة المدينة لداعش وقبلهم للمحتلين الامريكان ولو برصاصة واحدة؟ وهل يستطيع الكاتب أن يجد تفسيرا واحدا مقنعا لمقاومة المدينة للحكومة المركزية بأجهزتها ومنها الشرطة الأتحادية الذي شكّل أهالي المدينة غالبيتهم العظمى بعمليات عسكرية لسنوات وعدم مقاومتهم للدواعش، حيث لم تنقل لنا وسائل الاعلام أخبارا عن أية عملية نوعية ضد هؤلاء القتلة كما كانت تفعل قبل دخول الدواعش للمدينة!؟

إن من يشمت بما حصل في الموصل مثلما أشار اليه الكاتب وهي التي صوّتت للبقاء ضمن العراق عند تشكيل الدولة، وغيرها من مدن العراق ليس في داخله الا مرض كون الموصل كما غيرها من المدن عزيزة على قلوب كل العراقيين، ولكننا وكما ذكرت في بداية مقالتي علينا ولكي نصل بر الامان ان نبتعد عن التأثيرات القومية والدينية والطائفية والمناطقية ونحن نتناول وضعا سياسيا معقدا كوضع العراق السياسي اليوم وذلك في أن نقف ضد كل أشكال الطائفية التي أورثتنا شعبا ممزقا ووطننا مرهونا عند الاجانب ونشير اليها دون أستحياء .

كما ذكر وسيذكر التاريخ بفخر مدينة ستالينغراد وملحمتها البطولية بأعتبارها رمزا للمقاومة، وكما سيذكر التاريخ بأعتزاز مدينة كوباني الصغيرة وهي تقاوم آلة داعش الجهنمية بأعتبارها رمزا للصمود، فأن التاريخ نفسه وللأسف الشديد سيذكر الموصل "العزيزة على قلوب الشرفاء" كونها المدينة التي بيعت فيها نسائنا كسبايا وأطفالهنّ وسيظل التاريخ يشير اليها وللأسف الشديد أيضا على أنها المدينة التي ذبحت أو التي ذُبِح فيها تاريخنا الحضاري.

متى نتحلّى بالجرأة ونسمّي الاسماء بمسمياتها


الدنمارك
6/3/2015
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter