| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الخميس 11/3/ 2010

 

نعم نحن مجانين !!

فالح حسون الدراجي
falehaldaragi@yahoo.com

يتهمنا الكثيرمن الأخوة العرب بالمبالغة في حب بلدنا، والتطرف في الوطنية، حتى أن بعضهم وصفنا (بالمجانين) في حب العراق. وقطعاً فأنا لا أنكر هذا الجنون، ولا أكذِب أحداً في إتهامه هذا، فهو لعمري ( أحلى تطرف، وأجمل جنون )! فنحن مجانين فعلاً بحب العراق، ولمَ لانجنَّ بحبه، وهوالجميل، والنبيل الأصيل، إذ كيف لايجَّن بوطنه من كان له وطن قديس مثل العراق؟ قالت جُننِّتَ بمن تهوى، فقلت لها ... العشق أعظم مما بالمجـــانين!

نعم فقد جُننا بحب وطننا العزيز، وطننا المُضيء كالشمس، والعَطِرٌ مثل حقول الياسمين. فالجنون في حب العراق عقلٌ، وحكمة، وصواب، وياليت غيرنا يجنُّ بحب وطنه مثل جنوننا!! ففي مساء الأحد (البنفسجي) ذهبت الى صالون الحلاقة العراقي في (منطقتي) التي أسكن فيها بمدينة ( ساندياكَو ) الأمريكية، فوجدته مغلقاً، ولم أسأل أحداً عن السبب، فقد فكرت أن الرجل مثلي قد ذهب الى المركز الإنتخابي، ليشارك في العرس الوطني العراقي، ولأن شعري طويل، وإن يوم غد عطلة الحلاقين (يبدو أن يوم الإثنين، يوم عطلةٌ أممية لجميع الحلاقين في العالم )! لذا فقد ذهبت الى صالون حلاقة أمريكي، أعرف فيه حلاقاً عربياً، وما ان جلست على كرسي الحلاقة، حتى سألني الحلاق العربي عن الصبغ البنفسجي الذي يلون إصبعي، فقلت له بفرح :- إنه صبغ الحرية يا صاحبي!! ثم قلت له ضاحكاً : أتمنى أن يرزقكم الله بمثل ما رزقنا، فيفتح لكم أبواب الحرية، كي تختاروا حكومتكم بأنفسكم، بعد أن يندحر النظام الشمولي الذي يجثم على صدور شعبكم منذ عشرات السنين .. وإن الله على كل شيء قدير ..

صمت الحلاق أولاً، ولم ينبس ببنت شفة، فظننته لم يفهم كلامي، فقلت له شارحاً، وموضحاً : إن هذا الصبغ البنفسجي دليل على مشاركة المواطن العراقي في الأنتخابات البرلمانية. فألتفت لي الرجل بدهشة قائلاً :- وهل ما زلتم تشاركون في الإنتخابات العراقية؟
قلت له : نعم.. وما المدهش في الأمر؟!
فضحك وقال : مالكُم ومال العراق، ألا يكفي أنكم تعيشون الآن في أعظم بلد في العالم، وعلى من يعيش في أمريكا العظيمة، أن ينس تلك (الزبالات)، التي تسمى بلداناً عربية، فوطنك، وبلادك اليوم أمريكا، وليس غيرها، فهي الحرية إن كنت تبحث عن الحرية، وهي الأمان إن كنت تبحث عن الأمان حقاً، وفيها الفرص المستقبلية الكبيرة التي يحلم بها كل إنسان في الدنيا، فماذا ستجد في (عراقك ) غير الموت، والخراب، والسجون، والعوز، والرشوة؟ فإنتبه لنفسك، ومستقبلك، ومستقبل أولادك، ولا تصدّقِ بكلام السياسيين، فأنسَ ( يازلمة )؟!

وللحق، فإني لم إستطع تحمل الرجل اكثرمن ذلك، فرفعت يده عن رأسي بغضب، ونهضت بقوة، وقبل أن أغادر محل الحلاقة، قلت له : - من حسن حظي أنك لم تبدأ بقص شعري بعد، وإلاَّ لما كنت قد أستطعت أن أغادر محلك هذا.. ولكن لي كلاماً قصيراً معك أود أن تسمعه :- إن كان بلدك (زبالة) من زبالات الأمة العربية كما تقول أنت، فإن بلدي تاجٌ على رأس الدنيا، وشمسٌ ساطعة فوق سماوات العالم، وهو قبلة المشرق والمغرب معاً، وحديقة الكون التي ينسِّم عطرها على الأزمان رغم كل الوساخات المحيطة به.

إن بلدي العظيم هو العراق، فهل تعرف من هو العراق؟ وحين أردت مغادرة المحل، وقف الرجل في طريقي راجياً متوسلاً أن أسامحه وأغفر له خطأه، مبرراً ذلك الخطأ بعدم معرفته بعراقيتي، وإنه لم يكن يقصد العراق قط!! قلت له : سأغفر ذنبك الكبير بحقي، وحق بلدي، وشعبي، لكني أريد لك فقط أن تعرف شيئاً عن العراقيين، وعن حبهم للعراق، وعشقهم للحرية، وإلا فلن تراني هنا مرة ثانية..
قال لي تفضل : وسأسمعك بكل جوارحي ..
قلت له : لن أحدثك عن التأريخ العراقي العظيم، فهو تأريخ يحتاج سرده الى وقت طويل، كما إني لن أحدثك عن أمجاد شعبنا، التي تسطرت على مر المراحل والأزمان، بل سألتقط لك فقط حالتين من إنتخابات العراقيين أمس، لتقيس عليهما آلاف الحالات الأخرى التي تعبر عن حب، وإعتزاز العراقيين ببلدهم الغالي.

الحالة الأولى من داخل العراق، والثانية من إنتخابات الخارج فالحالة الأولى أرويها لك عن تلك العائلة التي تسكن البناية التي تعرضت الى الإنهيار في حي أور ببغداد صبيحة يوم الإنتخابات، والتي أستشهد فيها بعض السكان، وأصيب البعض الآخر بجروح، وحين خرج أفراد هذه العائلة من المستشفى بعد أن تلقوا علاجاً أولياً، مضوا مباشرة الى أحد المراكز الإنتخابية ليشاركوا في الإنتخابات رغم جراحهم النازفة، ولما سألهم الجيران عن سبب توجههم نحو المركز الإنتخابي، ولم يبقوا في المستشفى كي يكملوا علاجهم. قالوا : إن الرد الوحيد على الإرهاب، والإرهابيين، هو في المشاركة بهذه الأنتخابات.. فالبقاء في المستشفىى، وعدم المشاركة في الإنتخابات، هو الهدف الذي يسعى له الإرهابيون، ونحن لا نريد أن نمنح الإرهابيين أدنى فرصة لإفشال مشروعنا الحضاري، والوطني الكبير ..

أما الحالة الثانية، فهي منقولة عن إنتخابات العراقيين في الولايات المتحدة، وتحديداً عن ما حدث للشاب العراقي جورج، المولود في أمريكا قبل عشرين عاماً، والذي لا يملك أية وثيقة عراقية، سوى جواز السفر الأمريكي، وهو الجواز الذي يستخدمه الأمريكيون بدلاً عن الجنسية الأمريكية.. فحين علم جورج بموعد، ومكان الإنتخابات العراقية، حمل جوازه الأمريكي، وذهب الى المركز الإنتخابي العراقي، لكن المشكلة التي واجهته كانت في شروط المشاركة الإنتخابية التي لا تسمح بالإقتراع لمن لا يحمل وثيقة عراقية، فضلاً عن أن جواز جورج الأمريكي لم يدوَّن فيه شيئاً عن عراقيته، فحتى ولادته لم تكن في العراق، كما هو حال العراقيين الآخرين، فكيف سيتأكد المشرفون على الإنتخابات من عراقيته، وهو لا يملك أية وثيقة..

وعبثاً حاول جورج المشاركة في هذا العرس بما يحمل من وثيقة أجنبية، وعندما فشل في إقناع المشرفين بذلك، عاد الى بيته الذي يبعد عن المركز مسافة تستغرق أكثر من ساعة، دون أن ييأس، ففكر في والده، وبإمكانية مساعدته في هذا الموضوع، فذهب الى مركز عمله الذي يبعد أكثر من نصف ساعة عن البيت، رغم رداءة الجو، وهطول الأمطار الغزيرة، ثم عاد جورج الى المركز الإنتخابي بعد ساعتين مصطحباً معه والده، وحين قدَّم الوالد الى المسؤولين جميع الوثائق العراقية التي تثبت عراقيته، والوثائق التي تثبت أصول ولده العراقية، وبمساعدة طيبة من المشرفين على الإنتخابات، تمكن ( جورج ) من الإدلاء بصوته العراقي، واضعاً إصبعه بالحبر البنفسجي الجميل، ليرفعه عالياً بزهو وفرح أمام الجميع، صارخاً بأعلى صوته، والدموع تبلل وجهه : يعيش العراق. يعيش العراق! فردَّ عليه المشاركون جميعاً، وبعضهم مخنوق بدمعه وعبرته : يعيش العراق .. يعيش العراق ..

إبتسم الحلاق العربي، وهو يسمع روايتي عن الحدثين المعبرين، قائلاً لي بصوت خفيض :- وهل ستزعل يا صديقي مرة أخرى، لو قلت لك بأن العراقيين مجانين بحب بلدهم؟

قلت له : لا، فمن قال لك إنني أزعل من ذلك، فنحن مجانين بحب العراق رسمياً، وشفهياً، وتحريرياً، ولا يكفي بذلك، بل نقول، إننا نتشرف بهذه ( السواديِّن ) يا شبل ذاك (الأسد)؟!


كاليفورنيا

 

free web counter

 

أرشيف المقالات