موقع الناس     http://al-nnas.com/

رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الوزراء

أخرجوا وزارة الثقافة من المحاصصة!

 

فاضل ثامر

الأثنين 12/6/ 2006

من نافل القول ، وربما من المعاد أيضا ، ان وزارة الثقافة هي من الوزارات ذات الخصوصية " المعقدة " وهي قد تتفوق في ذلك على وزارتي الدفاع والداخلية ، اذْ يمكن بسهولة حسم قضية اختيار وزيرين من خلال ضمان اتفاق ممثلي القوائم الانتخابية الثلاث أو الأربع على المرشحين المطروحين ، أما وزارة الثقافة فهي الوحيدة التي لا يمكن حسم قضيتها من خلال اتفاق ممثلي القوائم الرئيسية ذلك أولاً لأنها وزارة تنتمي الى شريحة واسعة من مكونات الشعب العراقي هي شريحة المثقفين العراقيين التي تضم فيما تضم نخباً ثقافية ذات صلة مباشرة بإنتاج المعرفة وتداولها وتسويقها أمثال الأدباء والفنانين والصحفيين والإعلاميين والأكاديميين وشرائح تكنوقراطية مثقفة أخرى يمكن إلحاقها بهذه الشريحة مثل المعلمين والمهندسين والأطباء . ومثل هذه الوزارة بحاجة قبل كل شيء الى ان تحظى بموافقة هذه الشريحة الواسعة أو ممثليها على الأقل ، فالمثقفون العراقيون يرغبون دائما في إنتقاء وزير للثقافة يحمل مواصفات خاصة ويمتلك لغة قادرة على أن تستوعب هموم الثقافة العراقية وإشكالياتها المعقدة ويفترض في مثل هذا الوزير ان يكون مقتنعاً بالرسالة التي تؤديها الثقافة بشكل عام ويؤمن ـ وهذا أمر في غاية الخطورة ـ بحق المثقفين في ممارسة أنماط وأشكال وأساليب وأنواع فنية وأدبية وموسيقية وغنائية وفولكلورية مختلفة ، وان لا يكون عائقاً امام تطور أي نوع فني لاعتبارات أيديولوجية او دينية او أخلاقية تقليدية ، وإضافة الى ذلك فعلى وزير الثقافة ان يلم اولاً باهم الجوانب الثقافية ويعرف كيفية وضع سياسة ثقافية استراتيجية لضمان تحقيق حراك ثقافي شامل يتجاوز حالة الشلل التي يعيشها الوضع الثقافي ، وأخيرا فمثل هذا الوزير لا بد ان يكون على معرفة بممثلي الثقافة العراقيين من كتاب وشعراء وروائيين ونقاد ومترجمين وفنانين تشكيليين ومسرحيين وسينمائيين ، ولا شك إن مواصفات معقدة كهذه لا يمكن ان تتوفر في وزير تقليدي ـ قد يكون سياسياً وناجحاً في إدارة وزارة أخر ـ لإدارة وزارة حساسة مثل وزارة الثقافة ، كما إن الحقيقة التي لا يجرؤ على الاعتراف بها معظم ممثلي الكتل النيابية أنهم لا يعبأون بهذه الوزارة وقد يعدّها البعض وزارة تافهة ـ كما سبق لأحد ممثلي الكتل الطائفية وان وصفها في دورة سابقة ـ كما ان البعض يتجنبها وكأن بها صاعقاً أو مّساً فهي بالنسبة للبعض تثير إشكالات خاصة ذات طبيعة " شرعية " أو دينيةـ فهذا " حلال " وذاك " حرام " ـ ومن يتسلم مثل هذه الوزارة ربما سيجد نفسه في صدام مباشر مع شريحة كبيرة ومؤثرة من شرائح ومكونات الشعب العراقي ، ولنقل بصراحة ان مثل هذا البعض قد يفضح نفسه ويفضح التيار الذي ينتمي اليه اذا ما استخدم أسلوب الهراوة والفتاوى وقائمة الممنوعات ، لأن الثقافة العراقية لا تقبل أن تذل بأيدي إرهابيين من طراز جديد بعد ان استباحت كرامتها سياسة التدجين الفاشية التي مارسها نظام صدام حسين الدكتاتورية طيلة اكثر من ثلاثين عاماً ، كما نعلم جيداً بان معظم ممثلي التيارات الدينية ـ سنيةً وشيعيةً ـ لا يرغبون ـ مرحلياً ـ في الاصطدام بالمثقفين العراقيين ، وهذا قرار حكيم إن وجد حقاً ،ولهذا فوزارة الثقافة يجب ان تؤول الى المثقفين العراقيين .
ولا نزعم هنا بان ذلك ـ هو الآخر ـ بالأمر اليسير ، فالمثقفون العراقيون مشاكسون ومتمردون ورافضون ومن الصعب ان يتفقوا بسهولة على شيء مشترك كهذا ، لكن ترك الخيار لهم أفضل بكثير من فرضه عليهم من الخارج .
في لقاء سابق مع الأستاذ الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق طرح وفد الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق هذه القضية بصراحة وإعترف السيد رئيس الوزراء آنذاك بأنه كان مضطراً لمثل ذاك الاختيار الذي فرضته اعتبارات المحاصصة المعروفة ، وانتهت ولاية السيد وزير الثقافة السابق بالإخفاق لأنه لم يكن ينتمي الى هموم الثقافة العراقية ، ومن المحزن ان يتكرر المشهد مرة أخرى هذه المرة مع حكومة السيد نوري المالكي عندما إستوزر وزيراً للثقافة هو السيد أسعد الهاشمي قيل إنه وفقاً لتصريح تلفازي للسيد ظافر العاني ممثل جبهة التوافق التي يمثلها لم يكن يعلم باستيزاره ، كما لم يكن راغباً في وزارة الثقافة أصلا ونحن لا نشكك مقدماً بنوايا السيد الوزير الجديد ولا بقدراته ، فذلك أمر مبكر ،لكننا نشعر مرة أخرى بان الأمر قد فرض على المثقفين العراقيين من الخارج ولم يتم من خلال الاتصال بهم أو الاستئناس برأيهم ، ولا شك ان مثل هذا المشهد المتكرر لا يضمن نجاح أي وزير للثقافة على وفق هذه السياقات الحصصية او المحاصصية ولا نقول الطائفية ، في لقاء السيد الجعفري أورد احد أعضاء المكتب التنفيذي للإتحاد هو الزميل شوقي كريم تجربة معروفة من فرنسا ، فبعد الحرب العالمية الثانية كلف الجنرال شارل ديغول باختيار مجلس للوزراء ، وبعد ان انتهى من اختيار الوزراء توقف أمام اسم وزير الثقافة ( تماماً مثلما توقف السيد نوري المالكي امام اسمي وزيري الدفاع والداخلية ) وعندما سئل عن السبب قال بانه يحس بالرهبة امام عظمة الثقافة الفرنسية وأمام الأسماء الكبيرة في الثقافة الفرنسية وهو لا يستطيع ان يفرض على المثقفين الفرنسيين إسما من الخارج ، ولذا طلب من المثقفين أنفسهم ان يختاروا ممثلاً لهم ليكون وزيراً للثقافة وفعلاً تم اختيار أول وزير للثقافة بعد الحرب العالمية الثانية وهو الروائي الفرنسي المشهور أندريه مالرو بهذه الطريقة الديمقراطية .
ولكي لا يدخل المثقفون العراقيون في إشكالات ومتاهات لا مقبولة مع السلطة السياسية العراقية ـ لأنهم أصلاً جزء من المشروع الديمقراطي التغييري لإعادة بناء الدولة العراقية والمجتمع العراقي ، يرون أن يؤخذ رأيهم في إختيار وزير للثقافة ينتمي ـ وهذا هو الأفضل ـ الى الشرائح المستقلة والليبرالية او حتى العلمانية المستقلة لان مثل هذا الوزير يمتلك القدرة والمرونة للتعامل مع الإشكاليات المعقدة التي يطرحا البرنامج الثقافي لوزارة الثقافة ، ومثل هذا الوزير سوف يعفي ممثلي التيارات الدينية والسياسية من تحمل نتائج " الحلال " و " الحرام " في الثقافة.
ولكننا هنا نقول بان العراق ليس افغانستان وبغداد ليست كابل او قندهار او قم ، فلن يسمح المثقفون العراقيون ـ في الداخل والخارج ـ بامرار اية سياسة " طالبانية " تأديبية ضدهم ،فهم يفخرون بتوجهاتهم الوطنية النظيفة وبإدراكهم العميق لمسؤوليتهم الجسيمة التي ينطوي عليها اسم المثقفين كما يفخرون بمقارعتهم لكل الدكتاتوريات وأنظمة التعسف ومساهمتهم في بناء ثقافة وطنية منفتحة على روح العصر والتسامح والوحدة والوئام بين مختلف أبناء الشعب العراقي ، ثقافة تؤمن بالهوية الوطنية المركزية التي تسمو على كل الهويات الثانوية الطائفية والقومية والدينية على الرغم من أهميتها فالعراق ، عبر تاريخه لم يعرف بأسماء ساسته ووزرائه بل بأسماء مبدعيه الكبار ومثقفيه وكتابه وفنانيه أمثال الجواهري ، جواد سليم ، فائق حسن ، فؤاد التكرلي ، عبد الملك نوري ، بدر شاكر السياب ، نازك الملائكة ، عبد الوهاب البياتي ، سعدي يوسف ، إبراهيم جلال ، يوسف العاني ، عبد الله كوران ، شيركو بيكس ، جواد علي ،علي جواد الطاهر ، محمد خضير ، فاضل العزاوي ، علي الوردي ، زينب وناهدة الرماح وعشرات غيرهم .
ولذا نقول لرجال السياسة العراقيين ـ وقبيل فوات الأوان ـ وقبل ان ينفرط عقد الوئام بين المثقفين العراقيين والسياسيين العراقيين ، آن الأوان لأن تسمعوا صوت المثقف العراقي وتحترموا خياراته ـ ونقولها بصراحة خذوا كل الوزارات لكم ، واتركوا وزارة واحدة فقط للمثقفين العراقيين ، خذوا وزارات الدفاع والداخلية والنفط والمالية وكل الوزارات السيادية والخدمية واتركوا لنا وزارتنا السيادية الوحيدة : وزارة الثقافة ، فوزارة الثقافة لا تصلح الا لأهلها .
أما إذا ما ضربتم بعرض الحائط بمطاليب المثقفين العراقيين فلن تحصدوا سوى تجربة فشل مريرة لوزير الثقافة تلقي بظلالها القاتمة على برنامجكم الوزاري .