| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 14/9/ 2008



السياسة الإيرانية
ثنائية السيف والعقيدة

ياسر المندلاوي
Falun92@hotmail.com

إن جدل الحاضر والماضي في السياسة الإيرانية يجد تبريره في المقاربة أو المفارقة بين الآليات والوسائل والأهداف في عهدين (الصفوي والخموي) *، تجمعهما - في حدود معينة - إشكاليات تمذهب الدولة ، وتفرقهما إشتراطات الواقع السياسي والإقتصادي - الإجتماعي المتباين . وما بين الجمع والتفريق مساحة تثقلها معالجات يجنح أصحابها إلى الترائي برأي الغير فيما درجوا عليه، لاسيما في مجال علاقة الصفوية بالتشيع، ولاحقا، بدولة التشيع المذهبي في كلا العهدين. ومن دون الخوض في ماهيّة هذه المعالجات، وأسماء مشيّعيها من السابقين والمعاصرين، وهي معروفة ومتداولة، نحصر إهتمامنا في تقديم رؤية في جوانب من العلاقة بين الصفوية والتشيع والدولة المتمذهبة، نحسبها تخالف، جزئبا أو كليا، السائد من الآراء والشائع من الأحكام.
الثابت لدى المعنيين بهذا الشأن، إن الصفوية ما كانت تشيعيّة إبتداءً، وإنما حركة تصوفيّة شافعيّة في أردبيل (أذربيجان)، ما لبثت أن تحولت إلى حركة سياسية – عسكرية في لبوس تصوفي، إتخذت من أردبيل مركزا لها، وتمكنت لاحقا (منتصف القرن 15م ) من توسيع نطاق سيطرتها على أجزاء من إيران بالتزامن مع تحول الطائفة الصفوية إلى التشيع، وتشكيلها وحدات عسكرية خاصة عرفت ب(القزلباش - الرؤوس الحمراء) بدلالة العمامة الحمراء ذي إثني عشرة دورة ترمز إلى الأئمة المعصومين في مذهب التشيع. ومع تولي إسماعيل الصفوي لزمام الإمر في الطائفة، إبتدأت مرحلة إستكمال السيطرة الصفوية على كامل بلاد فارس وتوحيدها سياسيا بعد فرض مذهب التشيع على سكانها بإعمال السيف في الرقاب.
إن صوفية الصفوية تشير إلى توافر الصفويين على عناصر إحتجاجية رافضة للأوضاع السياسية والإجتماعية السائدة آنذاك، بالإضافة إلى التوجه الإيماني إلى الله، شأنهم في ذلك شأن جميع التجمعات الصوفية التي إنقسمت في التعبيرعن إحتجاجها، إلى طريقتين: إعتزالية وحركية. والصفوية كانت حركية، سياسيا وعسكريا، قبل تشيعها، وحركيتها هي التي قادتها إلى التشيع لا الرؤيا الشيخية لشيخ من شيوخها. ولن يكون في مقدورنا فهم الدوافع الحركية لهذا التحول من التسنن إلى التشيع بغير رصد فكرة الإمامة في المتحول عنه في زمن التحول. وإذ نقول في المتحول عنه وليس المتحول إليه، فلأننا نعتقد بأن العامل الحاسم في التحريض على التحول يكمن في الأهداف السياسية المحاصرة بمثالب الإمامة في الإسلام السني بعد مفارقته للإسلام المحمدي، ولا يكمن في مناقب لا وجود لها في نظرية الإمامة في الإسلام الشيعي بعد مفارقته للولاء التشيعي المعارض.
الإمامة في الإسلام المحمدي تقوم على الشورى والإختيار، ومعصومة بعدم إجتماع أمة محمد على باطل وفق الحديث النبوي، أي أن الإمامة منصب ديني ودنيوي يحفظ من الزلل والإنحراف بعصمة إجماع الأمة لا بعصمة الإمام أو الخليفة أو السلطان أو الفقيه العادل. ولكن هذا المفهوم للإمامة سرعان ما أخلى السبيل لمفاهيم سنية وشيعية تقوم على تغليب الديني في مفهوم الإمامة، إما لشرعنة الدنيوي كما في الإسلام السني، أو لتبريره بغيبة الإمام المعصوم وإنتظار ظهوره كما في الإسلام الشيعي. والحال، إن الإمامة في مذهب التسنن تحولت إلى إمامة الغلبة بعد شرعنة إمامة الخليفة أو السلطان بعلة الغلبة لا بعلة توافر الشروط ومنها وفي مقدمتها شرط العدالة. الأمر الذي سمح بتجريد المعارضين من مشروعية مناوئة الخليفة أو السلطان وإن كان جائرا. وتاليا، تجريد المعارضين من حق الوجود المعارض. ولما كانت الصفوية حركة سياسية معارضة، لا سبيل لها إلى تحقيق أهدافها في توحيد إيران بغير التصادم مع الخلافة العثمانية، فما كان لها غير أن تتحرر من قيود نظرية الإمامة في الإسلام السني بالتحول من التسنن إلى التشيع، الذي كان، هو الآخر، أسير مفهوم ثيوقراطي للإمامة، يعتمد النص بدل الشورى والإختيار، وينهج منهج الإنتظار السلبي للفرج على يدي الإمام الغائب. ولكنه كان يمتاز على المفهوم السني بجعله الدولة الدينية أوالزمنية بغير قيادة الإمام المعصوم، دولة مغتصبة لحق الإمام الإلهي في الولاية، وهو ما تم تجاوزه لاحقا بالتزاوج بين سيف الصفويين وفقاهة الكركي، الذي أجاز للسلطان الصفوي التصدي للحكم وفق صيغة النيابة الملكية العامة التي تحولت فيما بعد إلى النيابة العامة التي تجيز للفقهاء التصدي للحكم بأنفسهم من غير وسيط ملكي، ثم الإنتهاء، في مرحلة لاحقة، بالنيابة العامة إلى ولاية الفقيه الكبرى المضاهية للإمامة الكبرى، على يد الشيخ النراقي، الذي تجاوز شرط العصمة والنص والسلالة الحسينية، مكتفيا بشرط الفقاهة والعدالة. وبالعودة إلى طموح الصفويين في إنشاء إمبراطورية كهنوتية، فإن تجاوز العائق الشرعي المفهومي للإمامة السنية بالتحول إلى التشيع، وللإمامة الشيعية بالإستخدام الوظيفي لفقاهة الفقهاء ورجال الدين من مثل الكركي والمجلسي ، ما كان له أن يحقق هدف الصفويين في توحيد بلاد فارس والإستجابة لنداء إغراءات المصالح السياسية والإقتصادية للإمبراطورية الصفوية، في تضادها مع الإمبراطورية العثمانية، من دون الخوض في دماء الإيرانيين بحد السيف وقوة العقيدة الدينية. وفي هذا السياق، ليس لنا من بد سوى التصريح بأن الصفوية لم تعمل على تعجيم التشيع كما يشاع، إنما العكس تماما، حيث تم تشييع الفرس بقوة السيف بعد أن قتل إسماعيل الصفوي خلقا كثيرا منهم. والأمر الذي له دلالته في هذا الشأن، هو أن سيف الصفويين في فرض التشيع كان في مجمله سيفا تركمانيا، وعليه فإننا لا نميل إلى رأي الدكتور علي شريعتي في إعتماد الصفوية على ثنائية المذهب والقومية الفارسية، ونرجح ثنائية السيف والعقيدة في غياب الشروط التأريخية لتبلور النزعة القومية في مجتمع إقطاعي شرقي تقاسمته الطوائف المحلية بعد إنهيار الدولة التيمورية. وإن أقصى ما يمكننا إدعاءه في هذا المجال، وجود نزعة إيرانية في الحركة الصفوية مبنية على إشتراطات سياسية وإقتصادية-إجتماعية وجغرافية وربما إثنية، ولكنها ليست قومية بأي حال من الأحوال. إن ثنائية السيف والعقيدة لم تكن بدعة صفوية، فهي ملازمة للمجتمعات التي تعاني إنفصال العناصر المكونة لها بعضها عن بعض في الموضع، وتمتاز بإستقلال ذاتي في نظم إقتصادية وثقافية وسياسية وإثنية، تجمعها خاصية التركيب غير العميق في نظم كبيرة تحافظ على تقسيم العمل بين الشعوب الزراعية والرعوية بعلة العزلة المكانية والتوزع الإثني أو القبلي. وبكلمة، إن ثنائية السيف والعقيدة تعويض عن غياب الإقطاعية المركزية في المجتمعات الشرقية الساعية الى تشكيل أو إعادة تشكيل الكيانات الكبرى بضغط من عوامل التطور السياسي والإقتصادي-الإجتماعي والثقافي. ولنا في التجربتين العثمانية والسعودية نموذجين لشواهد سابقة ولاحقة للتجربة الصفوية في إيران.

وللحديث بقية..

 

free web counter

 

أرشيف المقالات