| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 14/7/ 2012

 

العشائرية في العراق بين عهدين (عبد الكريم قاسم وما بعده) !

خضير الاندلسي

ان الحديث عن مجتمع مدني تحكمه مؤسسات قانونية يوازي حديثنا عن دولة تتمتع باقتصاد رصين وسياسة مستقرة ومجتمع متمدن, والعكس صحيح, فغياب المؤسسات القانونية ينتج مجتمعا يسلك الحياة بصورة فوضوية لانعدام الاستقرار الذي يولد انعدام شعور بالمسؤولية وبالتالي ضياع البلد وأهله. قصدت دائرة حكومية في الاسابيع القريبة الماضية لغرض تسهيل بعض الامور, وقفت في طابور طويل كما الناس, لكن فاجئني بعض المراجعين ممن يجري تسهيل امورهم دون ان يكلفوا انفسهم عناء الانتظار متجريدين من ادنى واعز ضميري او حياء من الواقفين. اقتربت قليلا وسألت احد المنتظرين عن السلوك الذي قام به المراجع المقصود فأجابني"عمي هذوله اقارب من نفس العشيرة" بمعنى ثان ان الموظف المقصود يعد عملية تسهيل امور اقاربه قبل الجميع عادلة جدا وفق مبدأ "الاقربون اولى بالمعروف" وبالتالي فأنه فقد المهنية المدنية التي نتظر الناس بعين المواطنة لا غير. المؤسسات القانونية تحكم المجتمع المدني, مؤسسات المحسوبية والمنسوبية تحكم المجتمع العشائري!

لهذا نجد ان الزعيم عبد الكريم قاسم اسس لبنات المجتمع المدني عن طريق اعتماده المدنية وأنهاء الاقطاع ودور رؤساء العشائر, فهم يؤمنون بعادات قبلية, ذات نزعة تعصبية تناقلوها عبر اباءهم واجدادهم وأعتمدوها في واقعهم اليومي, فنراهم يحتكمون للثأر والفصل في حل مشاكلهم مع الاخرين وليس القانون, كما ان العدالة بمضمونها الجوهري ليست موجودة داخل المجلس العشائري, فمثلا نجد ان النسب والهيبة والسطوة هي معايير اختيار رئيس العشيرة وليس الخبرة والكفاءة والعلم.

حضرت يوما مع جدي مجلسا عشائريا كان يناقش قضية تطالب بالثأر من قاتل احد افرادهم, فارتأى احدهم التوافض مع رئيس تلك القبيلة, فبعد ان جرى تحديد يوما للتحاور ,اتفقت قبيلة القاتل على دفع دية مقابل طمر القضية والتنازل عنها وعقد اتفاق صلح فيما بينهما. الفدية تضمنت مبلغا مالية وفصليّة (امرأة تزوجها العشيرة المعتدية الى الشخص المعتدى عليه او احد اقاربه لانهاء الصراعات العشائرية وحقن الدماء).

مثل هذه الامثلة لايمكن ان تبني مجتمعا يقوم على اساس المواطنة وحرية الاختيار. ان افراد العشائر العامة يمتازون بطيبة انفسهم وحسن كرمهم, لكن اخلاق كبارهم غرست فيهم تعاليم مشوهة بداعي الحفاظ على شرف العشيرة وتأريخها بينما الصحيح ان رئيس العشيرة يقيم في مجالس فخمة ويتمتع بأمتيازات خاصة ويتبوء مكانة اجتماعية يهابها الجميع , بينما هي ,على الاغلب, ذو جوف فارغ, فيما افراد العشيرة البسطاء نراهم محرومين من ابسط مستلزمات العيش الكريم.

استغل نظام البعث دور رؤساء العشائر, باستثناء قلة منهم, في التأثير على ابناءهم فمنحوهم امتيازات وحصانات كثيرة بغية كسب ودهم والتعاون معهم كي تُدار الامور بشكل جيد, وأنعكس هذا جليا في الاجتماعات الدورية التي كان يقوم بها رؤساء العشائر مع كبار رجال الدولة قبل 2003. اما بعد تغيير النظام العراقي في 2003 لم يشهد الواقع تغييرا ملحوظا في دولة دستورية يُفترض ان تعتمد المدنية اساسا لاداءها, لا القبلية التي ازداد تأثيرها ليس فقط على الحياة العامة بل تعدى الى المستوى السياسي, والتسويق بالتحديد, فأضحوا ادوات مسخرة لخدمة طرف على حساب اخر وخصوصا في الانتخابات الاخيرة, ولان نزعة العشائر ثأرية مسلحة فقد مُنح اغلب رؤساها اسلحة صغيرة ومتوسطة تثمينا لجهودهم في دعم وأسناد الطرف الفائز.

 لهذا عُدّ إصدار قانون الإصلاح الزراعي في العراق بتاريخ 30 أيلول 1958 ثورة اجتماعية حقيقية في أبعادها الإنسانية، لانه اوقف نهج الاستغلال الذي كان تفرضه بطون متخمة على حساب اخرى هاوية.

ولإيمان رئيس جمهورية العراق الاولى  بان الدولة المدنية لايمكن لها ان تُبنى الا عن طريق انهاء الاقطاع وأستغلال جشع بعض رؤساء العشائر المسيطرين على اغلب الاراضي, اصلح نظام العراق الزراعي عبر تشريع قانون الاصلاح الزراعي المُرقم(30) لسنة(1958) يُلخص المؤرخ السيد (حامد الحمداني) تفصيلات القانون يهمنا في موضعنا الاتي:,

1.فرض القانون على جميع المالكين استغلال الأرض وزراعتها لحين إكمال إجراءات الاستملاك والتوزيع، وتقرر البدء باستملاك الإقطاعيات الكبيرة، وأوضح القانون أن دفع التعويضات للإقطاعيين، سوف يجري حسب القيمة الحالية للأرض، تسدد على مدى 20 سنة بفائدة سنوية مقدارها 3 % سنوياً..

2. القانون أختص بأحكام تأسيس الجمعيات الزراعية التعاونية وتنظيمها من أجل رفع كفاءة الفلاح العراقي وزيادة الإنتاج، ولتسهيل الحصول على المعدات الزراعية الضرورية، والأسمدة والمبيدات الحشرية.

3. تحديد حصة الفلاح من الزراعة ما بين 55 ـ 60 % من الإنتاج السنوي.

 ينبغي على الدولة العراقية ان تتخذ حكمة الراحل(الزعيم عبد الكريم قاسم) في انهاء سطوة رؤساء العشائر, الذين يمارسون الاقطاع بطريقة اخرى, فهم يسرقون اصوات المستضعفين والفقراء من افراد قبيلتهم مقابل حفنة امتيازات تمنحها الحكومة لهم في اغلب الاحيان وعبر كافة مراحل التي مرّ بها تأريخ العراق الحديث, لكن ما العمل اذا علمنا ان الداعم الاول لعملها هي الحكومة العراقية. بمعنى ثان, ان الاخيرة لايهمها بناء مجتمع متمدن قدر مصالحها السياسية التي تجعل من رؤساء العشائر وسلية للوصول الى أهدافهم.

رحم الله شاعر العرب الاكبر:,

ومن عجب ان الذين تكفلوا \ بإنقاذ اهليه هم العثرات.

 

free web counter

 

أرشيف المقالات