| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 14/6/ 2008

 

مآل الاتفاقية الامنية بين العراق وامريكا .. والبديل!

سلم علي

اعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في مؤتمره الصحفي في عمان امس (13 حزيران 2008) ان المفاوضات بشأن "المسودات الاولى" للاتفاقية الامنية الطويلة الأمد مع الولايات المتحدة وصلت الى "طريق مسدود" بسبب المطالب الامريكية التي "تنتهك السيادة العراقية". لكنه اضاف، مستدركاً، ان المحادثات مستمرة وان هناك "افكاراً بديلة يمكن ان تتحرك" وان "بدائل بدأت تتحرك"، من دون ان يوضح ما هي تلك الافكار والبدائل, ومن نيويورك، في اليوم نفسه، قدم وزير الخارجية هوشيار زيباري صورة اكثر تفاؤلاً بكثير، وتوقع التوصل الى اتفاق في وقت قريب، ملمحاً الى "تحسن" في الموقف الامريكي، ومؤكداً ان الاتفاقية المرتقبة لن تعطي أي حصانة للامريكيين.
يمكن القول ان تصريحات المالكي تشكل منعطفاً مهماً في مسار المفاوضات التي بدأت في نهاية شباط (فبراير) الماضي. ولذا تبرز الحاجة الى وقفة جدية ومراجعة فاحصة لتشخيص مكامن الخلل في استراتيجية التفاوض من الجانب العراقي، والاهداف التي يسعى الى تحقيقها، اذا كانت تتمثل فعلاً باستعادة السيادة الوطنية الكاملة لبلادنا والتعجيل بانهاء الوجود العسكري الاجنبي.
لقد جاءت تصريحات المالكي بعد ما يقرب من اسبوعين من الجدل السياسي الحاد داخل العراق حول هذه الاتفاقية التي يفترض ان تنجز بين الطرفين قبل 31 تموز 2008، حسب "اعلان المبادىء لعلاقة طويلة الأمد من التعاون والصداقة بين جمهورية العراق والولايات المتحدة"، الذي وقعه المالكي والرئيس الامريكي جورج بوش في 26 تشرين الثاني 2007.
وبعد التعتيم والتكتم على سير المفاوضات التي بدأت في 27-28 شباط الماضي، وفي اعقاب تسرب مضمون مسودات امريكية للاتفاقية ونشر بعضها في وسائل اعلام غربية، اضطرت الحكومة، او بالأحرى القوى السياسية المتنفذة فيها والتي تدير فعلياً عملية التفاوض مع الجانب الامريكي عبر المجلس السياسي للامن الوطني، الى الكشف عن بعض خفايا المفاوضات ونقاط الخلاف الجدية. واطلع الشعب العراقي، الذي كان مغيباً بالكامل عما يجري، للمرة الاولى على حقيقة ما يدور وخطورة المفاوضات على حاضر العراق ومستقبله، والمساعي المحمومة للادارة الامريكية لفرض شروط تعني تكريس انتهاك السيادة العراقية، وشرعنة الوجود العسكري الامريكي واستمراره بشكل مفتوح، من دون سقف زمني، وجني ثمار الحزب والاحتلال عبر تكبيل العراق بالتزامات طويلة الأمد تحوّله الى دولة تابعة لعقود طويلة مقبلة، وتضمن عملياً السيطرة على ثرواته الوطنية، وفي مقدمتها النفط، وتهدد بابقاء العراق ميداناً لصراع دولي - اقليمي لا ينتهي، يكون الشعب العراقي، كما كان حتى الآن، الضحية الاولى له.

انصاف حقائق!
وبالرغم من كل ما حدث، يبدو ان هناك اصراراً على تقديم انصاف حقائق ومواصلة التعتيم على جوانب أساسية في مسار المفاوضات، بينما يجري الخوض بتفاصيل تتعلق أساساً بما يسمى اتفاق "وضع القوات" الذي ينظم بقاء القوات الامريكية ووجودها الذي ينتهي تفويضه في نهاية السنة الحالية. وكل نقاط الخلاف التي تحدث عنها المالكي في مؤتمره الصحافي الاخير في عمان تتعلق بهذا الاتفاق تحديداً (الذي تقول واشنطن انه لن يكون مختلفاً عن اكثر من 80 اتفاقية مماثلة سبق للولايات المتحدة ان وقعتها مع دول اخرى!). ومن بين تلك النقاط:
- الاعتراض على اصرار واشنطن على تمتع عسكرييها العاملين في العراق بالحصانة الكاملة من المقاضاة بموجب القوانين العراقية،
- وبالحرية في القيام بالعمليات العسكرية دون الرجوع الى السلطات العراقية
- الاعتراض على السماح للقوات الامريكية باعتقال العراقيين او القيام بعمليات مكافحة الارهاب بشكل مستقل،
- او التمتع بالحق الحصري في استخدام اجواء العراق ومياهه الاقليمية
- رفض مطلب الولايات المتحدة بأن يتمتع جنودها ومقاولوها (الشركات الامنية) بالحصانة.
وفي اعقاب التصريحات المتشائمة نسبياً لرئيس الوزراء في عمان، سارع وزير الخارجية العراقي من نيويورك للتخفيف من حدة الخلاف بين الطرفين، معلناً عن قرب التوصل الى اتفاق وحدوث تطور ايجابي في الموقف الامريكي يتمثل بأن الاتفاقية "لن تعطي أي حصانة للامريكيين"، من دون توضيح من المقصود بذلك: العسكريون الامريكيون ام منتسبو الشركات الامنية الامريكية؟

قواعد "غير دائمة"؟
اما بشأن مصير القواعد العسكرية الامريكية في العراق، فيجري تقديم تطمينات للعراقيين فحواها تكرار الموقف المعلن للرئيس الامريكي ووزير دفاعه بأن الاتفاقية لن تتطرق الى قواعد او معسكرات "دائمة". وبدوره يردد الجانب العراقي الرسمي بأنه يرفض التواجد "الدائم" للقوات الاجنبية، او وجود قواعد "دائمة". وهو ما يعني ضمناَ، طالما أن الجانب الامريكي يرفض الالتزام بجدولة زمنية لسحب قواته، القبول بوجود "غير دائم" لهذه القواعد او استمرار الوجود العسكري الامريكي لفترات طويلة (10 سنوات، 20 سنة، 50 سنة .. او اكثر!). ويكفي القاء نظرة على اتفاقات مماثلة عقدتها الولايات الولايات المتحدة مع بلدان اخرى (مثل اليابان وكوريا الجنوبية والمانيا وغيرها) لنرى كيف جرى تكريس الوجود العسكري الامريكي على مدى عقود.
واحدى الذرائع التي استخدمتها واشنطن حتي الآن، وستواصل استخدامها في الفترة المقبلة، لتبرير استمرار وجودها العسكري وابتزاز الجانب العراقي، هي عدم جاهزية القوات العراقية للنهوض بمهامها الامنية، وبالتالي حاجتها الى استمرار الدعم والتدريب ..الخ. ويشار بهذا الصدد، على سبيل المثال، الى تصريح ادلى به وزير الدفاع العراقي في مطلع العام الجاري، اثناء زيارة الى واشنطن، بأن حاجة العراق الى القوات الاجنبية لضبط الامن الداخلي قد تمتد حتى 2012 ، ومن اجل الحفاظ على امن الحدود قد تمتد حتى 2018.
لذا فان استعادة السيطرة على الملف الامني جزء بالغ الاهمية من توفير المستلزمات الامنية للتعجيل بانهاء الوجود العسكري الاجنبي. وهي تتضمن أن يكون الطرف العراقي هو المسؤول عن بناء القوات المسلحة، وان يمارس القيادة والسيطرة على كل القوات. وهذا يستوجب بالطبع اعادة بناء هذه القوات على اسس وطنية ومهنية بعيداً عن نهج المحاصصة والولاءات الطائفية والقومية.
ويشار هنا الى ان بعض هذه المطالب تضمنتها رسالة رفعتها الحكومة العراقية في فترة سابقة الى مجلس الامن التابع للامم المتحدة. الاّ ان هذه المطالب لم تنفذ، ربما بسبب التحديات الامنية وضعف القوات المسلحة العراقية آنذاك. لكن العامل الاساسي الذي يقف وراء عدم تنفيذ تلك المطالب، وهو عامل بالغ الاهمية في الصراع الدائر والمعركة الكبرى لانتزاع السيادة الوطنية الكاملة، هو غياب الموقف الوطني الموحد وضعف الارادة الوطنية المستقلة.

ماذا بشأن إخراج العراق من "الفصل السابع"؟
بينما تركز النقاش والجدل السياسي الساخن مؤخراً حول تفاصيل اتفاق "وضع القوات" المشار اليه اعلاه، لم يجر التطرق الاّ نادراً الى مسألة بالغة الاهمية استندت عليها الاطراف العراقية التي بررت الدخول اصلاً في التفاوض مع الجانب الامريكي حول اتفاقية التعاون الطويلة الامد. وهي المسألة المتعلقة بربط الاتفاقية بإخراج العراق من أحكام الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة باعتبار انه لم يعد " يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين ". فالقرار 661 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في آب 1990 وضع العراق تحت أحكام الفصل السابع، ما جعله عملياً تحت الوصاية الدولية، اذ تتخذ القرارات بشأنه من قبل مجلس الامن وليس بالتفاوض مع العراق. ولا يمكن انهاء هذا الوضع الاّ عبر قرار صادر عن هذا المجلس يلغي القرارات السابقة المقيدة لسيادة العراق. هذا على الرغم من ان القرار 1546 (8 حزيران 2004) قد نصّ على انهاء الاحتلال وسلطته "رسميا".
وينبغي التذكير بأن "بيان القادة السياسيين" العراقيين الصادر في 26 آب 2007 تضمن ما يلي في النقطة (2) من الفقرة الثالثة في نهاية البيان:
"
كما أكدت القيادات أهمية وجود القوات المتعددة الجنسية في الوقت الحاضر وتقديرها للتضحيات التي تقدمها لمساعدة العراق في حفظ أمنه واستقراره.. وتطلع القادة إلى أهمية أن يربط بين تجديد قرار مجلس الأمن 1723 لمدة سنة وإنهاء خضوع العراق لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة واستعادة العراق كامل وضعه الطبيعي كدولة كاملة السيادة والصلاحيات، واسترجاعه لوضعه القانوني الدولي، أي الحالة التي كان عليها قبل صدور قرار مجلس الأمن 661 في عام 1990. وفي هذا السياق يؤكد القادة ضرورة الوصول مع الجانب الأميركي - وغيره إن اقتضى الأمر - إلى علاقة طويلة الأمد تستند إلى المصالح المشتركة وتغطي مختلف المجالات بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأميركية، وهو هدف يفترض تحقيقه خلال الفترة القصيرة القادمة."
وهي الفقرة المهمة (التي لم تحظ باهتمام حينها!) التي استند عليها "اعلان المبادىء" الموقع بعد ذلك بثلاثة أشهر بين بوش والمالكي.
وجاء ايضاً في نهاية نص "اعلان المبادىء" ما يلي بهذا الشأن:
"
إن الحكومة العراقية، تأكيدا منها لحقوقها الثابتة بموجب قرارات مجلس الأمن القائمة، ستطلب تمديد انتداب القوة المتعددة الجنسيات في العراق وفقا للفصل السابع للأمم المتحدة لمرة أخيرة. وكشرط لهذا الطلب، عقب انتهاء التمديد المذكور أعلاه، سينتهي وضع العراق بموجب الفصل السابع وتصنيفه كتهديد للسلام والأمن الدوليين، وسيعود العراق إلى الوضع القانوني والدولي الذي كان يتمتع به قبل صدور قرار مجلس الأمن رقم 661 (في آب/أغسطس، 1990)، مما يعزز الاعتراف ويؤكد كامل سيادة العراق على أراضيه ومياهه، وفضائه الجوي، وسيطرته على قواته وإدارته لشؤونه".

تنصل امريكي
والتزاماً منها بـ"اعلان المبادىء"، ابلغت الحكومة العراقية مجلس الامن في نهاية العام الماضي طلبها تمديد التفويض لـ"القوة المتعددة الجنسيات" في العراق لمرة أخيرة. أي ان هدفها كان ربط التوصل الى اتفاق مع واشنطن قبل 31 تموز 2008 بانهاء خضوع العراق للفصل السابع.
ولكن سرعان ما بدا واضحاً، قبل ان يجف حبر التوقيع على "اعلان المبادىء"، ان للادارة الامريكية أجندة وغايات اخرى تتعارض مع الالتزام والتعهد الذي قطعته، وتنسجم مع خططها السياسية للعراق ومصالح الامن القومي الامريكي. فقد رفض الطرف الامريكي القبول بمطالب في الجانب الامني كانت الحكومة العراقية تنوي تضمينها في الرسالة التي تقدم الى الامم المتحدة وتكون بديلاً للرسائل السابقة المتبادلة بهذا الشأن بين الحكومة الامريكية وحكومتي اياد علاوي وابراهيم الجعفري.
وبدا واضحاً في الاسبوعين الماضيين ان الادارة الامريكية تريد فرض شروط لا يمكن قبولها من الجانب العراقي، بالرغم من موقفه التفاوضي الضعيف، لانها تتعارض بشكل صارخ مع السيادة الوطنية للبلاد التي اصبحت "خطاً أحمر" لا يمكن المساس به بعد تصاعد حدة الانتقادات على المستوى الشعبي وتصدع جدار التعتيم والكتمان وتكشّف جملة من الحقائق دفعة واحدة.
ان تراجع واشنطن عن تعهدها بمساعدة الجانب العراقي على ترتيبات الخروج من احكام الفصل السابع يعني ان الادارة الامريكية تريد استخدام ذلك ورقة ضاغطة قوية في المفاوضات الجارية لفرض شروطها. فعدم تجديد قرار مجلس الامن في نهاية العام الحالي (كما جرت العادة، تلقائياً، في السنوات الاربعة الماضية) يعني عدم تجديد الحصانة على الاموال العراقية المودعة في "صندوق التنمية" وجعل العراق عرضة لمطالب الدائنين بتسديد ما عليه من التزامات.
كما اتضح ان ادارة بوش لا تريد الالتزام بتقديم تعهدات كبيرة للعراق، حتى بموجب التزاماتها حسب "اعلان المبادىء"، لان ذلك يستوجب طرحها على الكونغرس الامريكي الذي يتمتع فيه الحزب الديمقراطي المعارض بأغلبية. ومعروف ان الادارة اكدت مراراً، رداً على منتقديها، ان الاتفاقية مع العراق ليست "معاهدة"، وبالتالي لا تحتاج الى عرضها على الكونغرس لإقرارها.
وقد اصبح واضحاً ان ادارة بوش تريد توظيف إبرام الاتفاقية الطويلة الأمد مع العراق لتعزيز مكانتها داخلياً، وعرض هذه الاتفاقية مع النجاحات الامنية المتحققة في العراق باعتبارها نجاحاً كبيراً لاستراتيجيتها في العراق، واستثمار ذلك لصالح المرشح الرئاسي للجمهوريين، جون ماكين، في الانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008.

مراجعة مسار المفاوضات.. والبديل
يكشف مسار عملية المفاوضات بشأن الاتفاقية الامنية الطويلة الامد مع امريكا نقاط ضعف وخلل كبيرة من الجانب العراقي، بدءأً بما يعرف بـ"بيان القادة السياسيين" في 26 آب 2007. فلم تسبق هذا البيان أية مشاورات على المستوى الوطني بشأن هذه القضية البالغة الخطورة، وجرى تغييب الرأي العام العراقي عنها، اعلامياً وسياسياً، رغم الحديث المكرور عن "الشفافية"، ولم يتم إطلاع ابناء الشعب اولا باول على تطورات المفاوضات وتفصيلاتها. بل لا يوجد ما يشير الى ان مجلس الوزراء العراقي ناقش هذه المسألة بعمق وجدية، آنذاك وفي فترات لاحقة. وكما جرت الاشارة أعلاه فان المجلس السياسي للأمن الوطني هو الذي اصبح يشرف فعلياً على مسار المفاوضات مع الجانب الامريكي.
ويمكن الحديث ايضاً عن مدى كفاءة الوفد المفاوض، او انتقاد مستوى التهيئة والاعداد من جانب الحكومة العراقية. وكان ملفتاً، على سبيل المثال، ان يتوجه وفد فني الشهر الماضي فقط (بعد خمسة اشهر على توقيع "اعلان المبادىء"، واكثر من شهرين على بدء المفاوضات) الى بلدان مثل اليابان والمانيا وكوريا الجنوبية للاطلاع على تجربتها على صعيد اتفاقات "وضع القوات" مع الولايات المتحدة !
ومن الملفت للانتباه ان الطرف العراقي المفاوض لم يعر انتباهاً لتحولات مهمة داخل امريكا، وتصاعد المعارضة لاستمرار الوجود العسكري الامريكي في العراق واعبائه، واقتراب الانتخابات الرئاسية، وتزايد احتمال فوز الديمقراطيين الذين يظهرون استعداداً افضل لجدولة انسحاب القوات الامريكية في حال وصولهم الى البيت الابيض. فكان يجب، على الاقل، المبادرة الى فتح قنوات حوار مع الكونغرس واوساط الرأي العام الامريكي، وتوضيح المطالب العادلة للشعب العراقي وكسب التأييد لها.
ولابد ايضاً من اعطاء دور اكبر للأمم المتحدة في أي مسار جديد للتفاوض حول إخراج العراق من الفصل السابع وانهاء الوجود العسكري الامريكي.

الجدول الزمني للانسحاب
لكن المسألة الاساسية تكمن في ان جوهر أي تفاوض مع الولايات المتحدة يجب ان ينصبّ على التعجيل بانهاء الوجود العسكري الاجنبي، على أساس جدول زمني للانسحاب تضعه الحكومة العراقية لانجاز هذه المهمة ويأخذ بالاعتبار توفير مستلزماتها السياسية والامنية. اما بقية المسائل فهي ترتبط بذلك وتخضع له, فالهدف الرئيسي هو انهاء الاحتلال، باعتباره المهمة الوطنية الكبري التي تترابط على نحو وثيق مع المهمات الديمقراطية والاجتماعية، والتي لا يمكن من دون تحقيقها اقامة الدولة الديقراطية المدنية القائمة على حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية.
فمن دون ذلك، سينتهي الأمر، كما تدلل تجربة "اعلان المبادىء" حتى الآن، الى تكريس هيمنة القوة المحتلة بأشكال جديدة، وتحت ستار مسميات جديدة، مما سيعرّض السيادة الوطنية والاستقلال وأمن العراق الى مخاطر جسيمة، ويسلب الشعب العراقي حريته وحقه في تقرير مصيره بارادته المستقلة.
ويتطلب هذا البديل، الوطني، توفير مستلزمات وشروط سياسية في مقدمتها تحقيق اجماع وطني وتوحيد قوى الشعب العراقي بالاستناد على مشروع وطني متكامل. فوجود جبهة داخلية متينة، وتعبئة الشعب على اساس المشروع الوطني، شرط أساسي لا غنى عنه لتصحيح الاختلال الواضح في ميزان القوى بين الطرفين في ظل السيادة المنقوصة. وقد أظهرت التطورات الاخيرة عمق الانقسامات بين القوى السياسية بشأن المفاوضات لابرام الاتفاقية الامنية. ولا يخفي بالطبع ان دوافع بعض هذه القوى لا علاقة لها بالمصالح الوطنية العليا، بل تنطلق من حسابات سياسية ضيقة وتندرج في اطار الصراع الداخلي على السلطة والنفوذ، او الاستجابة لمصالح قوى اقليمية، بينما لا يخفي البعض الآخر رغبته في استمرار الوجود الامريكي باعتباره الضمانة لحماية ما حققه من مكاسب وامتيازات.
كما ان هذه الوجهة البديلة، التي تنطلق من ارادة وطنية مستقلة، تقتضي الشروع بتهيئة المستلزمات الامنية لانهاء الوجود العسكري الاجنبي، دون انتظار ما ستتمخض عنه المفاوضات. ويعني ذلك المضي قدماً، وبخطوات حازمة ومتسارعة، باستكمال بناء القوات المسلحة وأجهزة الأمن وحفظ النظام، وفقاً لمعايير وطنية ومهنية.
ان القوى السياسية العراقية، وبالأخص تلك الموجودة في مركز صنع القرار، مطالبة باجراء مراجعة عاجلة للمفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة، والعودة الى البرلمان لاطلاعه، والشعب العراقي، على ما انتهت اليه حتى الآن. وينبغي في كل الاحوال عدم الرضوخ لأي ضغوط من الطرف الآخر، الامريكي، مهما كانت المبررات، والامتناع عن توقيع أي اتفاق لا يضمن استعادة السيادة الوطنية او يبيح انتهاكها ويسمح، علناً او ضمناً، بوجود عسكري مفتوح وقواعد للولايات المتحدة في العراق.
ان خوض معركة استعادة السيادة الوطنية بالاستناد الى الشعب، وانطلاقاً من مصالحه العليا، سيعزز الهوية الوطنية والوحدة الوطنية، ويقطع الطريق على التدخلات الخارجية بالشأن العراقي، ويعجّل بمعافاة بلادنا وطي صفحة الماضي ولئم الجراح، والانطلاق بقوة وثقة لبناء العراق الحر المزدهر.


 

free web counter

 

أرشيف المقالات