| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 15/6/ 2008

 

أوراق أخرى عن "اتحاد الشعب" في عيد الصحافة

ابراهيم الحريري

لا اعتقد انه كان لـ"اتحاد الشعب" حين التحقت بها، أوائل 1959، هيئة تحرير (وارجوا ان يصحح لي من كان يعمل في الجريدة ذلك الوقت، ان كنت مخطئاً)، ومع أني لم أكن (محرر مبتدئ) في ذلك الوقت في موقع يسمح لي بالأطلال على الآلية الداخلية لعمل "اتحاد الشعب" الا انه يمكن القول ان الصحيفة كانت تصدر بجهود فردية (عزيز الحاج محرر أو رئيساً والراحل زكي خيري مشرفاً) وكانت الافتتاحيات تكتب غالباً في اللحظة الأخيرة، وفي المطبعة (مطبعة الرابطة، أصبحت فيما بعد، زمن سيطرة البعث على الحكم دار الحرية للطباعة والنشر) ويقوم على كتابتها أبو العيس أو عامر عبد الله أو أبو إيمان (سكرتير الحزب سلام عادل).

لم يكن ثمة صفحات تخصصية (دولية، عربية، عمالية، الخ..) انما كانت الصفحات الداخلية، خليطاً من ذلك كله، وكان من بين محرري هذه الصفحات الداخلية جعفر القاضي وطاهر محمد نسيم، اللذان ما لبثا ان رحلا الى صحيفة اتحاد النقابات (اتحاد العمال) وذلك عندما بدا يتنظم العمل في "اتحاد الشعب" وبدأت تتكون لها ملامح متميزة، ليس من حيث الطرح السياسي والفكري، وانما أيضاً، من حيث الفن الصحفي، بحيث يمكن القول، أنها كانت في هذا المضمار، في ذلك الوقت طليعية ورائدة.

وأما عن الصحف الأخرى، حزبية ومستقلة، كانت اقرب لأن تكون مشروعاً فردياً تعتمد على جهود محرر أو اثنين يعنيان، غالباً، بكتابة الافتتاحية وبترتيب المواد الواردة، من الوزارات والهيئات أما مباشرة، أو بواسطة "مختبر محلي" كان غالباً، يزود أكثر من صحيفة، وأحياناً صحف متنافسة، بحصيلة "مزوره" على الوزارات.

اما الأخبار الخارجية فكانت تعتمد أساساً، على وكالات الأنباء، أو على ما يتم اقتباسه من الصحف والمجلات العربية، ولم تكن "اتحاد الشعب" في بداياتها، استثناء.. حتى قدر لها ان تنتقل الى بناية واسعة رحيبة قدمها المهندس فريد الأحمر، ما لبثت ان ألحقت بها مطبعة ضخمة..

بدأ، في ذلك الوقت، يتنظم العمل في الصحيفة، تكونت نواة لهيئة التحرير (رحيم شريف، عدنان البراك). وبدأت تنبثق صفحات متخصصة التحق مسؤولوها بهيئة التحرير، فاتسعت واستقر قوامها، ودوام على الإشراف عليها زكي خيري وأبو العيس وعامر عبد الله، وكان أبو إيمان يحضر الجلسات العقدية، أي التي يحدث فيها انعطاف في حياة الحزب أو حياة البلاد، مثل معركة النفط التي خسر فيها الحزب كل صحافته العلنية من اجل تصليب الموقف الوطني لمفاوض العراقي، وهذا ما حدث فعلاً باتساق بين النشر وبين النشاط في الشارع.

سرعان ما تحولت "اتحاد الشعب" الى مؤسسة، خلية نحل، بالمعنى الحرفي للكلمة، بعمل، أو يشارك في العمل، فيها العشرات بين مترجم ومحرر، وبرزت الى جانب الصفحات التخصصية الرئيسية (أولى، عربية، عالمية، محلية، دولية) صفحات أكثر تخصصاً (الطلاب ، الفلاحين، الأدبية الخ...

وعرفت الصحافة العراقية من على صفحات "اتحاد الشعب" أنماطاً من العمل الصحفي لم تكن معروفة لديها (مع إنها كانت معروفة وشائعة في الصحافة العربية) مثل تعليق العمود الذي تميز فيه أبو سعيد (عبد الجبار وهبي) وبدايات الريبورتاج (فن يجمع بين القصة والمقابلة مع قدر من التعليق اذا لم أكن مخطئاً).. ومن بين ابرز هذه الريبورتاجات "خلف السدة بشر!" للمحرر المتدرب –ذلك الوقت – منذر نعمان الاعظمي، جرى فيه استخدام الصورة، و"كاورباغي – عندما أعلن العمال الاضراب لــ"ايار" (كما كانت أوقع كتاباتي ذلك الوقت) وولدت هناك بدايات القصة القصيرة جداً، التعليق على حدث سياسي بأسلوب قصصي).. صديق حمدان – وفيا برز بشكل جديد من أشكال العناوين (صادق الصائغ، الصكار).

في القلب من ذلك كله كان رحيم شريف رئيس التحرير الفعلي وعدنان البراك سكرتير التحرير، كانا روح الصحيفة ومدرستها التي لا تغلق أبوابها لا ليلاً ولا نهاراً.

وكانا الى ذلك انسانين رائعين.

ومع ان كل محرر في الصحيفة يستحق حديثاً طويلاً لا يتسع هنا مجاله، الا انه لا يمكن الا التوقف، ولو لبرهة، عند رحيم شريف وعدنان البراك.

تعود معرفتي برحيم شريف الى ما كنت قرأته له بداية التحاقي بالحزب في ربيع 1952، من "رسائل البعث" الصادرة عن حزب "الشعب" أواسط الأربعينات، هو ونورية شريف وغيرهما ممن ساهموا في إصدار "رسائل البعث".

حتى التقيته في صحيفة "اتحاد الشعب" رئيساً للتحرير.. لم أر في حياتي الا ما ندر، من هو أكثر تواضعاًَ وبعيدا عن بهرجة الأضواء.

كان يعمل بصمت. ومع ان أعباءه في الحزب والصحيفة كانت كثيرة بحيث تتطلب منه العمل ثمانية عشر ساعة أحياناً - كان أول القادمين وآخر المغادرين- الا انه كان يجد الوقت أحياناً للتبسط مع المحررين المبتدئين – أمثالي – ولتصحيح أخطائهم بدون ان يشعرهم بذلك.

كان شيوعياً معلماً وإنساناً بحق, كان قديساً!

اما عدنان البراك، فكان يبدو لمن يلتقيه أول مرة، جهما متحفظاً، صارماً ومصلباً، لكن أيضاً عاملاً متفانيا.

اذكر انه كان قاسياً معي ذات مرة، وحين أحس بذلك اعتذر، فأصبحنا صديقين.

وبدأت اكتشف فيه روحه الشفافة الصافية وميله للمرح وللنكتة، وان بحدود، وبساطته المتناهية، الصادقة، غير الاستعراضية الرخيصة.

كاناً، رحيم شريف وعدنان البراك، مثالاً للعفة، عفة القلم وعفة اللسان، ولا اذكر انني سمعت منهما أو عنهما قولاً بذسئاً نابياً.

أولئك المعلمين العظام، أحياءً وأمواتاً..

لقد تخرج من صفحات "اتحدا الشعب" العشرات، صحفيين وكتاباً ومترجمين، بعضهم واصل فيها، أو في أخواتها، أو صحف أخرى وانصرف آخرون الى أوجه أخرى من النشاط.

لكن، من بامكانه ان ينسى تلك المدرسة – الورشة التي خلقتنا – أو أعادت خلقنا – كتاباً، والاهم بشراً...

من اجل هذا كتبت في الذكرى الأول لصدور "اتحاد الشعب" مقالة بعنوان "اتحاد الشعب علمتنا" بتوقيع "ايار" ثم استعدت العنوان ذاته في كتابة "للثقافة الجديدة" عن اتحاد الشعب بعد حوالي الأربعين عاماً...

* * *

قديماً قيل: قف للمعلم وقه التبجيلا

ولا أستطيع، في عيد الصحافة، إلا أن أقف أجلالاً للمدرسة، وإلا أن انحني للمعلمين الكبار الذين وارتهم الهمجية، بعد انقلاب شباط عام 1963 وفي قصر النهاية، أحياءً أو تعذيباً، أو كسرت روحهم.. الا ان روح "اتحاد الشعب" تظل حية!

طريق الشعب - العدد 17 السنة 68 حزيران2003

عن موقع الطريق
 

free web counter

 

أرشيف المقالات