| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 15/1/ 2010



الأنتخابات - الوعي و العاطفة

كفاح عادل

تعتبر الأنتخابات و التصويت, سواء في الأنتخابات العامة او للحكومات المحلية, أحد وجوه الديمقراطية (حيث أن الديمقراطية بمعناها الحقيقي أشمل و أوسع و لا تختزل فقط بالتصويت). و قد تطورت هذه الممارسة المهمة و الحضارية مع تطور المجتمع البشري منذ ايام أثينا القديمة و لحد هذه اللحظة لتتماشى مع تطور المجتمعات البشرية و تعقد علاقاتها الأجتماعية و الأقتصادية.

ففي الدول الديمقراطية المتقدمة و مع تطور فكرة المواطنة و المواطن الفرد – الحر , بعد الثورة الصناعية خاصة, و المرور بالعديد من التجارب و الصعود و النكوص, أصبحت هذا الممارسة أكثر وعياً على العموم. حيث تعني حق الفرد بالأختيار و التصويت للجهة السياسية التي تناسب تصوراته و تلبي أحتياجته الآنية و بحسب البرنامج المعلن لتلك الجهة السياسية. و بحسب موقع الفرد الطبقي و درجة وعية و تأثره بتلك الفكرة و غيرها يتم التصويت و تلعب الظروف الأقتصادية- الأجتماعية في اللحظة الملموسة التي تجرى فيها الأنتخابات و متطلبات تلك اللحظة دوراً مهماً في تحديد قناعات الناخب و تحديد الجهة التي يصوت لها. من هنا نرى تغيير اللوحة السياسية بين فترة و أخرى (هنا يجب التأكيد على فعالية الجهات السياسية و كيفية الترويج لبرنامجها الأنتخابي بأعتباره العامل الحاسم الآخر في تحديد أتجاه التصويت). هذا لا يعني طبعا غياب العناصر (العاطفية) الأخرى في تحديد أتجاهات التصويت و غالباً ما تكون هذه العناصر متعلقة بشخصية المرشح و تاريخه الشخصي و غيرها. و لا يجب نسيان الدور الذي تلعبه وسائل الأعلام و أمبراطوريات النشر و الأحتكارات الكبرى في دعم هذا المرشح أو ذاك و الترويج له. غير أن هذه العوامل تعتبر مساعدة و لا تخدم المرشح الذي لا يمتلك المؤهلات اللازمة للوصول للبرلمان أو الحكومة المحلية.

في عالمنا العربي الصورة تختلف. أن درجة تطور المجتمعات العربية (الأقتصادية – الأجتماعية) و غياب المؤسسات الديمقراطية العصرية (غياب فكرة دولة المؤسسات و فصل السلطات أصلاً) أدى الى غياب الممارسات الديمقراطية الحرة بما فيها حق التصويت و الأختيار و الى أنتشار الأرهاب السياسي و الفكري و التسلط و غياب فكرة المواطن – الحر القادر على التفكير و الأختيار بدون وصاية من قبل الأب أو الشيخ أو أي جهة تتدعي أحقيتها الشرعية و التقليدية بأسم العشيرة أو الطائفة أو القومية في مجتمعاتنا البطرياركية. بالتالي فأن الفرد يكون تحت طائلة الخوف و العواطف و الأستنتاجات اللا علمية ناهيك عن عدم الثقة بالنفس و التردد وشيوع السلبية و العدمية و محاولة الركون الى جهة أكبر أو أعلى (أو أقوى) تفكر مكانه و ترشده الى الطريق السليم و ما عليه الا التنفيذ (ربما هذا يفسر الى حد ما تشرذم القوى العلمانية و دخول بعضها تحت مظلة أئتلافات طائفية كبيرة من أجل الكسب السريع في العراق أو لبنان) .

كذلك فأن هذه الحالة تولد أفراداً ينقادون بسرعة وراء الخطاب العاطفي, بدون التدقيق بمحتواه, و وراء الشعارات الفارغة و (العنتريات) و الوعود المعسولة بدون فهم عميق للأمكانية الحقيقية لتحقيق هذه الوعود على أرض الواقع و حتى ما هية صلاحية هذه الوعود للمواطن ( مثلاً يوعد الكثير من السياسيين , و من كافة الأتجاهات, بتحويل هذه المنطقة و تلك الى دبي خلال سنوات قليلة و تنطلي هذه الوعود على البسطاء بدون التدقيق بصلاحية هذه الفكرة اصلا لبلد مثل العراق أو ماهي الأمكانيات الأقتصادية المتوفرة لتنفيذ هذا الوعد في بلد يشكو من الديون و من بطالة و على الأقل 40% من سكانه لا يشربون ماء صحي و معقم!) و لكن الرغبة في التصديق و العيش خارج الواقع المر و الأيمان بأن من يطلق هذه الوعود و غيرها بأنه (قوي) و (وطني) و (له شخصية) و غيرها من النعوت المبنية أصلا على العاطفة و بدون فهم الأولويات و الأحتياجات يجعل من هذا الخطاب بضاعة رائجة بل و ضرورية للمرشح.

مع غياب الطرح العلمي (كونه لا يضمن الكرسي!) و ضعف التيارات التي ممكن أن تتبنى هذا الطرح و خفوت صوتها, فأن الركون الى العلاقات التقليدية (عشيرة – طائفة - قومية) أو الركض وراء (الصوت العالي) بدون التدقيق بمحتوى الخطاب و صلاحيته يمثل الحل الأفضل و الأسهل للناخب من أجل أختيار (الشخص الصالح) الذي يمثله!
وبذلك تُخلق حواضن للدكتاتورية و يعاد أنتاجها حتى لو تم ذلك بأسم صندوق الأقتراع ليرجع الناخب مرة أخرى يندب حظه و يتذمر و تستمر التراجيديا بدون مراجعة للذات و نقد علمي لماذا حصل ما حصل و ما هي مسؤولية الناخب في أعادة أنتاج المأساة؟.

السؤال الملح هو: هل ستتغير هذا اللوحة في الأنتخابات العراقية القادمة؟ الجواب , بتقديري, هو أن أحتمالية التغيير قليلة و محدودة.

فلم تشهد السنوات السبع الماضية منذ سقوط الكتاتورية البعثية أي تطور في البنية الأقتصادية – الأجتماعية في العراق بل تم تكريس الكثير من الممارسات السابقة و عدم النهوض بالقطاعات الأقتصادية و الخدمية (كون هذا الواقع المتخلف يخدم القوى المتنفذة) و سادت الفوضى و الأرهاب و الصراع على السلطة (المتبرقع بزي الطائفية و القومية) و أستمر غياب دور الفئات المنتجة و الطبقة المتوسطة المؤثر نتيجة التشرذم الطائفي و القومي أو نتيجة السفر الى الخارج للتخلص من شرور الحرب و التهجير و الفساد الأداري.

من جهة أخرى فأن الجهات و الشخصيات السياسية التي تتبنى الخطاب العلمي و الواقعي تأثيرها محدود و لا تملك قاعدة مالية قوية ناهيك عن خطابها الذي يجب أن يتطور (من حيث المفردات) ليلامس الوعي المتدني و أنعدام الثقة التي يعيشها الفرد العراقي.

و عليه يمكن تشخيص الملامح الآتية في اللوحة الأنتخابية:
1- أعادة أنتاج التحالفات التقليدية (طائفية – عشائرية – قومية) مع بعض (التجميل) الفوقي الذي لا يغير من جوهر الصورة.

2- أستمرار بحث الناخب عن (الفرد المخلص) و ذلك في صفوف العلاقات التقليدية التي يعيشها بدون بذل أي جهد في التفكير.

3- ضعف خطاب و تشرذم جهود القوى التي تحمل برنامجاً أنتخابياً علمياً و رؤية مستقبلية للعراق مبنية على معطيات الواقع العراق نفسه و محدداته (وليس بناءاًعلى رغبات و أجندات دول الجوار أو على رغبات شخصية و خيالية).

4- استمرار حظوة الخطاب العاطفي- الشعبوي و الصوت العالي و لغة التهديد و الوعيد و أعتباره معيار ل (قوة) المرشح و (وطنيته) و(قدرته) على صنع المعجزات (و كأننا لم نشبع من جعل قبة البرلمان مكان لتصفية الحسابات و لأطلاق الشعارات النارية و ليس لخدمة المواطن).

5- تنامي المشاعر السلبية و العزوف عن المشاركة في الأنتخابات عند العراقيين بأعتبار أن التجارب الأنتخابية السابقة لم تجلب (السعادة) أو (الجنة الموعودة) (بدون مراجعة الذات و البحث عن بديل آخر لغرض التصويت له من خارج الحلقة التقليدية للناخب).

أن الأمل في (التغيير) يأتي عندما يبدأ الناخب بمراجعة و تدقيق خياراته على أساس الحاجات و الأولويات و ليس على أساس الأنفعالات الآنية و الأحلام الخيالية و كذلك فأن (التغيير) يتطلب قوى لها برنامج علمي و يلبي حاجات الناس و يخدم تطور البلد و يعزز من مكانة (الفرد العراقي) و ثقته بنفسة و بأهميته و تثبيت حقوقه و الأهم أن تسعى هذه القوى من أجل أيصال صوتها و برنامجها ,و بلغة بسيطة و واضحة لتكشف زيف أدعاءات الذين يتلاعبون بمشاعر الناس من خلال الحقائق و الأرقام و الوقائع (وليس بلغة التسقيط و الأتهامات), الى جمهور الناخبيين.

بأختصار فأن (التغيير) و (الأصلاح) و (التحول الى الوطنية العراقية) يتطلب ناخب واعي و برنامج علمي و واقعي تتبناه جهة (حزب- قائمة- مجموع شخصيات) ,و ليس (فرد-سوبرمان), لبناء مؤسسة صالحة قادرة على تقديم خدمات متطورة و توفير فرص عمل و القضاء على الأرهاب و الفساد و تدعم قطاع خاص ديناميكي و منتج و قطاع عام غير مترهل. هل توجد مثل هذه الخلطة الآن؟ لننتظر قادم الأيام .

ملاحظة: التدخلات الأقليمية و الدولية (على رأسها الولايات المتحدة) لها دور في أنتخابات العراق و لكني أردت التركيز على العوامل الداخلية (الناخب – المرشح) في هذه المقالة


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات