| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 17/7/ 2011                                                                                                 

 

بلطجية القلم .. ولكن في خدمة من؟

عبد عون *
abidaoon@hotmail.com

ان يكتب الانسان أمر جيد، خاصة اذا امتلك فكراً نقدياً موضوعياً وقلماً يمتاز بالسلاسة والوضوح ويعتمد النوع في الانتاج بدلاً من الكم .
ولكن من سلبيات ما بعد ٢٠٠٣ عراقياً، هو تردي المفاهيم السياسية وغلبة الفكر التفكيكي والطائفي، واستبدال العمل من اجل التغيير والديمقراطية بالأساليب الميكافيلية التي أدت بالعديد من أدعياء الفكر والابداع ما بعد ٢٠٠٣ الى السقوط في هاوية "وعاظ السلاطيين" الذين يكرسون أقلامهم الصدئة للدفاع عن الحاكم المستبد والنخب التي لديها مقومات السلطة والقوة والجاه، عبر إعادة تعليب الحقائق والدفاع عنها في كل شاردة وواردة، صباحاً ونهاراً، وكل يوم.
وقد اصبح للإعلام اهمية خاصة في حروب القرن الحادي والعشرين، مع صعود "القرن الامريكي الجديد" المتغطرس. ففي النموذج العراقي مثلاً، قامت إلادارة الامريكية بتجنيد المئات من الصحفيين الأمريكان والأجانب الذين رافقوا العمليات العسكرية للمحتلين، بل وصرفت المليارات من اجل إعلام مساند للادارة الامريكية وسياستها الفاسدة والحمقاء في العراق. ومنها تمويل صحف ومراكز ابحاث عراقية، وشراء العشرات بمرتبات شهرية سخية ليكونوا أقلاماً تحت الطلب، وهو شكل مبطن من الفساد السياسي و المالي.
في نموذج التبعية و العمالة الجديد يتميز هؤلاء الإعلاميون الجدد عن المبدعين و اصحاب القلم و الفكر الحقيقي بوفرة الكتابة و النشر، وبمناسبة وبدونها، الى حد ان أحد الإعلاميين الظرفاء اطلق عليه مصطلح "الاسهال القلمي".
الغريب في الأمر ان طبيباً عراقياً متقاعداً التجأ الى السياسة بعد ان اتضحت معالم الدور الامريكي المتعاظم لاسقاط النظام البائد و سوّق نفسه سياسياً بتأليه النموذج القاسمي وفلسفته في ندوات عن ١٤ تموز والكتابة عنه، ولم يكن سوى ترديد لما سبق وان دوّن من قبل غيره. ولكنه بعد الاحتلال بدأ بالكتابة بشكل متزايد عن هموم السياسة العراقية.
وكلما زاد ناتجه الكتابي كلما وجد صعوبة في ايجاد موقف متوازن و موضوعي حول الوضع السياسي المعقد في ما يكتبه او يعمم من مقالات منشورة في صحف اخرى بعضها يثير الاستغراب. مثلاً، تلك المقالة التي تناولت معاناة النساء من نايجيريا ودول إفريقية اخرى جئ بهن من قبل مكاتب للتشغيل الى العراق ليقعن فريسة العبودية والاستغلال الجنسي من قبل أسيادهم العراقيين مما اثار حفيظة جندي امريكي ونخوته فقام بشملهن بحمايته وانقاذ بعضهن على طريقة فارس البقر الامريكي!
ولكن هذا الكاتب سقط في المطب بشكل مفضوح بعد ان نشر مقالاً تناول فيه، وبشكل عدائي و تحريضي، الانشطة التظاهرية للعراقيين في ساحة التحرير وفي المحافظات وغيرها كونها مرضاً نفسياً للشخصية العراقية المعقدة (وهو مستثنى من ذلك بالطبع!.. كونه من سكنة بريطانيا لعقود من السنين ولم تطأ قدماه ارض العراق الاّ بدعوات خاصة مدفوعة الثمن مسبقا).
واقترح في مقاله تحويل بعض الأمكنة العامة الى "هايدبارك" عراقي على غرار ما يوجد في لندن كي تنفّس العقد العراقية عن سمومها و تتخلى عن حقها في التظاهر السلمي، وكأن المواطن العراقي يعيش في بحبوحة لا يعاني من نقص الخدمات والبطالة و الترمل وأطفال الشوارع، مثلهم كمثل سكنة قصور المنطقة الخضراء والجادرية العائدة لرموز النظام البائد التي حولتها النخب الحاكمة الى ممتلكات شخصية .. وكأن الدخل السنوي للمواطن هو مثل ذلك التي استحوذت عليه الرئاسات الثلاث، والذي يقدر بمليارات الدنانير، عدا الرواتب الخيالية لاولئك القابعين تحت قبة البرلمان فيما يتغيب حوالي الثلث منهم ليتابع استثماراته في أوربا او لبنان او الامارات . وأما الفساد الذي استشرى في قمة السلطة ومافياتها العائلية فكأنه في بلاد الواقواق وليس العراق الجديد.

وعلى غرار الاعلام الحكومي، يردد الكاتب ان من يكمن خلف التظاهرات هم فلول البعثيين والقاعدة. وهنا يأتي بيت القصيد في اضافته للشيوعيين الذين لم يجرأ الاسياد في الاشارة اليهم بشكل صريح. والشيوعيون، حسب ما يستشف منه مباشرة وما بين السطور في مقالته، هم اصل البلاء في ما أصاب العراق من ويلات حتى جاء المنقذ الامريكي وحكومة المالكي التي أعادت الامور الى النصاب الصحيح ! ويتناسى ان البعثيين وبقاياهم متواجدون في كافة مستويات الدولة وبرعاية النخب الحاكمة، بينما يمنع الديمقراطيين من اصحاب الكفاءات من تبوء مواقعهم المؤهلين لها في إدارة الدولة والمجتمع والاقتصاد بحجج طائفية و حزبية. كما يغض النظر عن حقيقة ان فلول القاعدة يتم تهريبهم من السجون من قبل مسؤولين أمنيين كبار، بل والمبادرة مؤخراً الى إعادة بعضهم، وبالتأكيد مع امتيازات، بحجة "المصالحة الوطنية" التي لم يعد المتابع يعرف هي مصالحة لمن، ومع من، ولماذا.

واذا اريد ان الخص الامر، فان النخبة المستبدة الحاكمة بعد ان اطلقت العنان لبلطجيتها، وهم مسلحين بالعصي و الأدوات الحادة للاعتداء على الشباب والنساء، وبعد فشل وافتضاح أساليب الخطف والاعتقال، لجأت ايضاً الى استخدام "بلطجية القلم" الذين يدبجون المقالات والمقابلات لتبرير سياساتها وانتهاكاتها الفظة.
لم اكلف نفسي عناء الرد على تلك المقالة بعد ان اطلعت على ما تضمنته من رد عليها مقالات رصينة لعادل حبة وآخرين. و بدلاَ من ان يفهم كاتب المعني الرسالة التي تضمنتها تلك المقالات، واصل نهجه الاستفزازي في مقالة اخرى بنفس السياق وأسوأ في المضمون بعنوان "الديمقراطية بين الممارسة والادعاء".

أتناول هنا باختصار بعض ما ورد من ملاحظات:
١ - ان الديمقراطية بالتطبيق وليس بالادعاء:
ان واقع الأمر هو ان التطبيق العراقي للديمقراطية كدولة هش ومعطل بسبب سياسات النخب المتسلطة على العملية السياسية التي شلت كافة المؤسسات الاّ ما ينسجم مع مصالحها الحزبية والطائفية وفي مقدمتها المالكي.
اما اذا وضعنا الاحزاب السياسية تحت المجهر، فان عليها علامات استفهام كبيرة عن مصادر تمويلها وتبعيتها للدول الخارجية. والاّ فلماذا تعطل سن قانون، علمي وموضوعي حسب قول الكاتب، لانه ضد مصالحها ويكشف عن تبعيتها وسرقتها للمال العام وعدم تمثيلها لمن تزعق محطاتهم الفضائية بإدعاء تمثيلهم. ونجد ان الحزب الوحيد المتميز هو الحزب الشيوعي العراقي ببرنامجه السياسي العلني و نظام داخلي في متناول كل العراقيين وعقد مؤتمر عام كل أربع سنوات يدعى كافة العراقيين الى إبداء الرأي في وثائقه.
و أتحدى الكاتب ان يعطيني احزاباً عراقية عقدت مؤتمراتها بهذه الطريقة،عدا الكردية التي عقدت مؤتمرات لها في كردستان، وبضمنها الحزب الحاكم الذي يمسك بمفاتيح السلطة.
٢- بعد ان ينعت هذا الكاتب الشعب العراقي بأقبح الأوصاف ويغمض عيينه وعقله عن اكثر من ٧٠ سنة من النضالات والبطولات لبنات وابناء الشعب العراقي ضد الدكتاتوريات المتعاقبة، قدموا فيها مئات الآلاف من الشهداء من كافة التيارات العراقية، يستعرض "الثورة النفسية" التي انتفض فيها على تربيته اللاديمقراطية المريضة والتسامي بفعل التثقيف الذاتي والارتقاء الى السمو البريطاني في الديمقراطية! و هو في حقيقة الامر دعوة الى ما كان يطرحه كتاب من بلدان العالم الثالث من ان الامور لا تستقيم الاّ باستعمار بريطاني ينضج من خلاله المجتمع والوعي لكي تصبح مؤهلة لحكم نفسها. آمل ان يقرأ الكاتب التاريخ البريطاني والمجازر والعنف التي سادت بريطانيا، ومن ثم مارتكبته في كينيا وجنوب افريقيا وشمال ايرلندا وأخيرا في العراق.
٣- شخص الكاتب فعلا، بومضة قصيرة من البصيرة حسب التعبير النفسي، انه "عندما كنت في العراق كنت أخشى الحكام والآن أخشى الغوغاء"! انها في الواقع انتقالة من صفوف الشعب الى صف الحكام كأحد وعاظ السلاطين. فهل يعني ان حكام اليوم وما فرضوه من سياسات المحاصصة الحزبية والطائفية وجرائم المليشيات، والفساد المالي والاداري الذي لم يشهد له مثيل من الاتساع و حجم الاموال المسروقة، وتزوير الشهادات من قبل وزراء ومدراء عاميين ودرجات خاصة ونواب برلمان، وخطف الشباب بسيارات الإسعاف، كلها مقبولة لان هامش الكتابة و الكلام اتسع نسبياً. وهو ما يثير التساؤل حول دقة ومصداقية المعايير التي يتبعها هذا الكاتب في تقييم حكامه السابقين والجدد.

و لا اريد ان أعلق حول الفقرة الاخيرة في مقالته حول ما اذا كان للحزب الشيوعي مقعداً في الوزارة هل سيكون موقفه ذات الموقف. فهو بكل الأحوال سيعطى وزارة ليست ذات اهمية من ناحية المخصصات المالية والعقود (التي تحمل معها امكانات فساد و"كومشن" عالية)، على الرغم من ان الوزارة التي احتلها السيد رائد فهمي عضو المكتب السياسي للحزب هي واحدة من اهم الوزارات الاستراتيجية لو كانت هناك فعلاً حكومة ذات وعي معرفي بعيد النظر لحاجات البلد الحالية والمستقبلية.

وهنا اود ان أحيل الكاتب الى مراجعة اعداد صحيفة "طريق الشعب" المتوفرة في موقع الحزب على الانترنت، وكي يجري مسحا بما تناوله الحزب من تصريحات ومقالات و دراسات، والأهم من ذلك المعالجات لهموم الشعب المعاشية، والتعمق في صدقيتها وموضوعيتها وثبات الخط المطروح، مقابل التصريحات النارية لبعض النخب هنا وهناك فقط عندما تمس الصراعات اللامبدئية مصالحهم الحزبية او الطائفية او امتيازاتهم.
وعليه ان يراجع ما كتبه اذا كان صادقا مع نفسه وفي ما يكتبه.

ختاماً، اعتقد ان العنوان المناسب لمقالته الاخيرة كان الافضل أن يكون (الديمقراطية بين الدعاية والادعاء)، لانه كان ادعاءً بفهم الديمقراطية والتعبير عنها، ودعاية غير موفقة لنخب سياسية فشلت فشلاً ذريعاً في تقديم ما وعدت الشعب العراقي به في برامجها الانتخابية، وقوضت أسس الديمقراطية الناشئة بانتهاج أساليب العهد البائد ذاتها.

على الكاتب، في تقديري، ان يضم صوته و يسخر قلمه مع اغلبية الشعب العراقي المطالبين بسن قانون الاحزاب واعادة الانتخابات تحت إشراف ورقابة مفوضية للانتخابات نزيهة ومستقلة.


* كاتب عراقي
 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات