| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 17/7/ 2011

 

عبد الكريم قاسم

سلمان محمد شناوة
daviedsalem@yahoo.com

14 تموز ماذا يعني للعراقيين , هل هو يوم كباقي الأيام , أم له معني كبير طبع في وجدان كل عراقي , انه بلا شك يعتبر انعطافة مهمة في تاريخ العراق , بين مرحلة وأخرى , وكأنها بين حياة وأخرى , حياة مختلفة تماما بكل مآسيها وأفراحها , مختلفة حتى بأشخاصها وطموحاتها , مختلفة حتى بكل ما يمثله العراق سواء بالداخل أو الخارج .
ومهما اختلفنا بتحليل الذي حدث في يوم 14 تموز من سنة 1958 , ومهما كانت نظرتنا أو الأثر الذي تركته هذه الثورة بضمير ووجدان الشعب العراقي , سواء يمكن تعريفها بأنها ثورة , تشبه الثورات الكبرى والتي غيرت مجرى التاريخ مثل الثورة الفرنسية والأمريكية والروسية والصينية , أو يمكن تعريفها بأنها انقلاب قام به مجموعة من الشباب , وان هناك أيدي خفية هي التي حركت هؤلاء الشباب , وقلبت حياتهم العادية بعد إن صدرت لهم الأوامر بالتوجه للحدود الأردنية , وبدلا من ذلك , توجه الأول ليحتل وزارة الدفاع وتوجه الأخر إلى مبنى الإذاعة ليذيع البيان رقم واحد من عمر الثورة العراقية , وبعدها لم يعد العراق عراقا , وبعدها تشكلت شخصية أخرى للعراق مختلفة تماما .

وبعمق ما أثرت هذه الثورة على الشعب العراقي , بحيث بقيت لغاية اليوم تشع نورا من بعيد , كواحة صغيرة في لهيب العراق القائض , يرتاح عندها العراقيين , كلما أرادوا إن يقيموا مقياسا للرجال , أو مقياسا للحكم , والنزاهة , والإدارة المطلوبة لحكومة عراقية , أثبتت الوقائع والتاريخ والحقائق صعوبة تشكيل مثل هذه الحكومة في عراق موحد عبر التاريخ .

اثنان اتفقا على قيام الثورة , بعد إن تشبعت نفوسهم وأرواحهم , بالثورة المصرية والتي قامت في سنة 1952 , بل هم كذلك نتاج التحرك الوطني والتي كانت ثمرته جبهة الاتحاد الوطني 1957 , وبعد إن شاهدوا بعيونهم , مدى التخلف والفقر , والحياة البائسة في العراق , بعد إن أرادوا تحقيق عدالة اجتماعية يتساوى بها كل العراقيون , جنوبهم وشمالهم , المسلم منهم والمسيحي والصابئ , العربي منهم والكردي والتركماني , ابن البصرة , والسماوة وبغداد وكركوك والسليمانية والموصل , لا فرق بينهم , وفي محاولة لتحقيق الحد الأدنى من المساواة والعدالة الاجتماعية , أذن لا بد من قيام الثورة .....

يقول هاني الفكيكي في كتابه أوكار الهزيمة "إن التاريخ سوف يخلد اسم قاسم لأنه قاوم الاستعمار ولأنه بنى 35000 دار خلال عمر الثورة القصير ....وبرأيي لا يهم إن قاوم عبد الكريم قاسم الاستعمار , ولكن الأهم انه بني 35000 دار للفقراء في عموم العراق , المهم انه اصدر قانون الإصلاح الزراعي والذي أعطي حق للفلاح بتملك قطعة من الأرض , تعطيه كرامة هو وأطفاله , وانه وضع حدا أعلى للملكية الزراعية بحيث لا تتجاوز 2000 دونما في وقت , كانت الأراضي الزراعية يملكها الإقطاع وهو يمثل 10% فقط من مجموع الشعب العراقي بينما 90 بالمائة لا يملكون شيئا .

كثير من البيوت التي ادخلها يقول لي أصحابها , هذه هي البيوت التي بناها عبد الكريم قاسم ووزعها للفقراء والموظفين , في محاولة جادة وبسيطة لتحقيق ادني درجات العدل الاجتماعي , لأنه حين يوزع بيوتا على نفس الدرجة من البناء وكأنها محاولة لرفع الفقراء المعدمون إلى درجة من المساواة , يستطيعون بعدها الارتقاء كل حسب قدرته .

قبل 14 تموز 1958 , تشكل في العراق الحكم الملكي والذي استمر منذ سنة 1921 حين تم تتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكا على العراق , في صفقة أريد لها إن تتخلص الحكومة البريطانية من الإدارة المباشرة للعراق , واستمر الحال لمدة 37 سنة من الحكم الملكي المستقر نسبيا , وبظل ديمقراطية برلمانية شكلية , كان معظم رجالات البرلمان العراقي من الشيوخ والإقطاعيين والتجار , وهؤلاء كانوا يملكون كما قلنا ما نسبته 80% من الأرض العراقية , لذلك لو أردنا إن نسميها , فكانت ديمقراطية النخبة والذين يشكلون ما نسبته 10% من الشعب العراقي , وبطبيعة الحال كانت كل القوانين بعيدة عن الإرادة الشعبية , ولا تمس حياتهم إنما كان البرلمان لا يمثل سوى مصالح النخبة في الشعب العراقي , إما الفلاح والعامل , والمحتاجون , لم يكن لهم صوت حقيقي في البرلمان العراقي أبدا , وبرأيي كان هناك ترفعا من نواب البرلمان العراقي عن مجموع الشعب , نستطيع إن نرى صورته في مجالس الشيوخ والإقطاعيون , والتي تعتمد عليهم الدولة العراقية إثناء الحكم الملكي ولم يكونوا سوى استمرار للشكل الإقطاعي والذي اعتادت عليه الحياة الاجتماعية والسياسية إثناء الحكم العثماني في العراقي , اجل هناك ترفع من مخاطبة الفلاح والعامل , لأنهم بصورة أو أخرى اقل شأنا منهم أو هكذا كانوا يعتقدون .

الحقيقة إن انتقال العراق من الحكم العثماني إلى الحكم الوطني الملكي في العراق , لم يحدث إي اثر حقيقي في حياة الناس , فالحاكم البريطاني الجديد أقام حكومته على نفس الهيكلية الإدارية والتي كانت مستمرة إثناء الحكم العثماني , نفس الوجوه , الإقطاعيون والشيوخ والتجار , وأصحاب المصالح , إما عموم الشعب فلقد كان مستبعداً تماما عن الحكم والمشاركة الحقيقية في إدارة الدولة .

الحكم العثماني استمر 350 سنة من تجاهل الإرادة الشعبية , بل إن تعيين الولاة دائما يأتي من خارج العراق , من عاصمة الخلافة العثمانية والتي لم تكن تعرف شيئا عن الشعب العراقي ورغباته ولا إرادته ... كل الوجوه غريبة ولا تعرف كيف تتحدث العربية , وأحيانا يحتاج الحاكم العثماني إلى مترجم حتى يعرف ماذا يقول او ماذا سوف يفعل .

لماذا نحبه , تساءل أكثر من واحد ؟
لماذا نحب عبد الكريم قاسم , لماذا نشعر دوما إن الشعب يحب عبد الكريم قاسم أكثر من عبد السلام عارف مثلا وهما الشريكان في الحكم , وهما اللذان فكرا ودبرا وخططا لليلة 14 تموز من عام 1958 !!! .

اعتقد إن ملامح وجه عبد الكريم قاسم القريبة من وجه الفلاح العراقي والتي زادت في سمرته شمس تموز , وهي كذلك قريبة من ملامح العامل العراقي , والذي يتصبب منه العرق بغزارة من تلك الجباه السمراء , خلافا لصديقه وزميله في الكفاح عبد السلام عارف , والأقرب بهيئته وشكله , من الطبقة الارستقراطية الحاكمة والقريبة من السلطة الملكية قبل ثورة 14 تموز , وبغض النظر عن النسب الهاشمي للعائلة المالكة , إلا أنها كانت تشكل هي والسلطة الحاكمة من وزراء وإدارة حكومية بعيدة عن واقع الشعب , وكان المقربون من السلطة وهم شيوخ العشائر والإقطاعيون بعيدون دوما عن صوت الشعب , وهناك ترفع عن الاقتراب والاختلاط بالطبقات الشعبية من فلاحين وعمال , التطلع دوما إلى السلطة والتشبه الأجوف بها من قبل التجار وشيوخ العشائر والإقطاعيون دائما يؤدي إلى الابتعاد والتعالي عن الشعب , ربما هذا ما أدى فيما بعد إلى مذبحة قصر الرحاب , وكانت مذبحة مروعة بحق العائلة المالكة , ولكنها مذبحة كانت بإرادة شعبية تماما , مارسها ونفذها فئات تعتبر في السلم الاجتماعي الأدنى في بغداد , وربما الشخصية الارستقراطية هي التي أبعدت عبد السلام عارف عن البقاء والتشكل داخل الروح الشعبية العراقية .

عبد الكريم قاسم ولأول مرة مثل كل العراقيين فهو من أب سني وأم شيعية , من مدينة الفضل توفى أبوه وسكن مع أخواله في مدينة الصويرة , قريب من الناس , والناس قريبون منه يشعر بالفقراء بصورة مذهلة وعجيبة , قيل في إحدى المرات انه أوقف فتاة صغيرة تبيع الصمون الحار وكان بقربهم مجموعه من العمال , والذين هرولوا لملاقاته , فتحدث مع الفتاة , لماذا تبيع الصمون وهي الصغيرة , وأين أباها وما هي أحوالهم , فقالت ان أباها متوقف عن العمل منذ سبعة أشهر , فما كان منه إلا إن سحب ورقة ذات 10 دنانير وأعطاها للفتاة الصغيرة , وأعطاها ورقة بأسمه حتى يذهب والدها لملاقاته في وزارة الدفاع , حيث أعاده للعمل مع صرف مستحقات سبعة أشهر متأخرة له.
قيل كذلك إن قاسم حين كان يصلي كان يغلق الباب , وحين سئل في ذلك , قال انه لكل العراقيين , لا يريد من يشاهدوه , إن يشاهدوه على إي مذهب يصلي .

كثيرة هي حكايات قاسم الشعبية , ولو أردنا الإصغاء جيدا لوجدنا في الضمير والوجدان العراقي حكايات لا تحصى حول شخصية هذا الرجل , وكثيرة هي القصص والتي تحفظها الذاكرة والجدران وأوراق الكتب والصحف القديمة , عن هذا الرجل , والحقيقة أن تراكم هذه القصص والحكايات شكلت نوع من الأسطورة الشعبية والاجتماعية حول شخصية قاسم , ولا استبعد تماما , إذا طال الزمن , إن تتحول قصة عبد الكريم قاسم إلى إحدى الحكايات أو القصص والتي يتناقلها الناس شفهيا وفي كتب محفوظة عن شخصيات شعبية تشكلت في وجدان الشخصية العراقية .

لماذا نحب عبد الكريم قاسم , يقال بعد إن قتل عبد الكريم قاسم , اكتشفوا انه كان يوزع راتبه على اسر فقيرة , وقال احدهم كيف إن عبد الكريم قاسم كثيرا ما كان يقف على السدة وهي ألان على طريق محمد بن القاسم السريع , وينظر إلى الصرائف ثم اتخذ قراره بترحيلهم وتمليكهم أراضي , وهي مدينة الثورة والتي تسمى ألان مدينة الصدر , وبعد تلك الصرائف أصبحوا يسكنون بيوتا يستحق إن يسكن بها الإنسان وتحافظ على أدميتهم , وهؤلاء كانت أوضاعهم الاقتصادية صعبة جدا على الفلاح والعامل , وأدت إلى هجرتهم الأرض من مختلف المحافظات وسكنوا بيوت الصفيح والتي سميت الصرائف في منطقة الشاكرية وإطراف بغداد , وشكلوا مجمعات سكنية بعيدة عن الحضارة والإنسانية .

الشيوعيون هم أكثر من يحتفل هذه الأيام بذكرى 14 تموز وعبد الكريم قاسم , لان فترة حكم قاسم كانت العصر الذهبي للحزب الشيوعي في العراق , فلقد استطاعوا العمل والتوسع والانتقال بحرية لم تشهدها إي فترة من فترات الحكم في العراق , ومع إن قاسم لم يكن شيوعيا , إلا إن أهدافه تقاربت بشكل كبير مع أهداف الحزب الشيوعي , واعتبرته في تلك الفترات حتى الأوساط الدينية منهم , وحاربوه بشكل كبير , كثيرون هم من حاربوا قاسم ولعنوه في سرهم وعلنهم , ومع أن الشيوعيون حين يتحدثون عن قاسم يعددون كثير من الأخطاء بحق الرجل و كثيرة هي المواقف , والتي تقاطعت بها قراراته مع أرادتهم , إلا أنهم يعتبرون ثورة 14 تموز الانتصار الحقيقي لكل مبادئهم الثورية , وان منجزات هذه الثورة من الضخامة , والتي يجب الإشارة إليها وبقوة .

كثير من السياسيون تقاطعوا مع عبد الكريم قاسم , ومنهم صديقه وزميله وشريكه في الثورة عبد السلام عارف , والأحزاب التي تعارضت مصالحها مع عبد الكريم قاسم مثل حزب البعث العربي الاشتراكي , والتي أدت بالنهاية إلى مقتله , وحين قيل له وزع علينا السلاح للوقوف معه ضد أعداء اليوم , أصدقاء الأمس , رفض ذلك , وتبقى كلمته في حق خصومه " عفا الله عما سلف " مقياس لشخصيته وحبه لوطنه وأهله , حتى وان تحولوا أعداء له .

حين سقط النظام في 2003 , خرجت ألاف الصور , صور الزعيم عبد الكريم قاسم , وسارت مسيرات إعادة الاعتبار لاسم وشخصية الزعيم , وظهرت هوسات لا يعرف السامع كيف اختفت مدة طويلة وعادت فجأة للحياة , مثل " ماكو زعيم إلا كريم " وغيرها تنتشر على لسان الكثير من المواطنين , مهما فعلت السلطة السابقة إلا إن عبد الكريم قاسم عاد من الموت في بيت كل عراقي , وأصبح المقياس لكل شخصية حول النزاهة والإدارة والوطنية .

هناك الكثير الذي يحكى عن الزعيم , ولكن الذي نستطيع إن نقوله في قليل من الكلمات , إن عبد الكريم قاسم استطاع إن يجمع كل العراقيين في شخصه , ولأول مره تجتمع شرائح كبيرة من المجتمع العراقي على تقدير الرجل , إن لم نقل حبه وتعظيمه , لسبب أو لأخر ...أصبحت ثورة 14 تموز هي حكاية قاسم , ولسبب أو لأخر , أصبحت السنوات الخمس من عمر العراق من 1958 إلى 1963 هي سنوات قاسم , أو سنوات الشعب العراقي كله .
 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات