| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 17/11/ 2008

 

الوجه الآخر للمحاصصة السياسية

محمد فاضل نعمة
mfn1968@yahoo.com

كثيرة هي المصطلحات التي دخلت القاموس السياسي العراقي بعد سقوط النظام السابق مقترنة بالعديد من القيم المستحدثة سياسيا واجتماعيا ، محدثة ما يشبه الصدمة والترويع وفقا للشعار الأمريكي ، ولعل من أبرزها مصطلح المحاصصة السياسية الذي يعني عمليا تقاسم المنافع السلطوية بين مكونات العملية السياسية وفقا لثقل كل منهم من الناحية السكانية او القوة الانتخابية او التمايز القومي او الطائفي ،وطبعا هذه المحاصصة تشمل المنافع فقط ولا تمتد الى تحمل المسؤوليات الاخلاقية للفشل السياسي لاننا في هذه الحالة سنشهد تبرأ القوى المتحالفة من بعضها البعض ومحاولة كل منهم تحميل الطرف الاخر شرف المسؤولية، هذا المفهوم خلقه المحتل بعد عام 2003 في اطار بنائه للعملية السياسية في العراق من خلال استغلاله المكونات الاجتماعية التقليدية ،الطائفية والقومية الموجودة في هذا البلد منذ مئات السنين التي اختلطت فيما بينها على المستوى الاجتماعي من خلال المصاهرات والروابط العائلية والعشائرية او المستوى الجغرافي لاماكن إقامتها والتي لم تكن في يوم من الايام كانتونات منفصلة بل مناطق مختلطة اجتماعيا ، الجديد الامريكي في تعامله مع الواقع العراقي هو تسييس هذه المكونات الاجتماعية ودعم بعض قياداتها المتطرفة قوميا او طائفيا واستبعاد العناصر الليبرالية والوطنية او اضعاف دورها في العملية السياسية، وتأجيج حالة الخوف وعدم الثقة المتبادلة بين هذه المكونات من خلال التركيز المباشر على نقاط الاختلاف فيما بينها وتفعيلها لتغطي على نقاط الالتقاء والتفاهم التقليدية ،وقد شكل مجلس الحكم الانتقالي وهو اولى مؤسسات ادارة الدولة بعد الاحتلال وفقا لهذا المنظور الامريكي، فكان لكل مكون حصة من المقاعد تتناسب مع ثقله السكاني ،وقد اتخذ مبدأ التوافق السياسي اساسا لاليات العمل الجماعي لاتخاذ القرار متجاوزين كل الصيغ الديقراطية التقليدية لضمان التوازنات الجديدة للمصالح الفئوية للمكونات الطائفية والقومية،ولم تشذ المراحل اللاحقة التي اعقبت مجلس الحكم والمتمثلة بالحكومة المؤقتة والحكومة الحالية من هذا السياق لادارة الدولة، فاصبح من اولويات برامج القوى السياسية تعزيز قدراتها للاستحواذ على اكبر مساحة ممكنة من المصالح الحكومية التي يتم تقاسمها بين الكتل الرئيسة التي تشكل الحكومة وفقا لنسب محددة يتفق عليها بغض النظر عن الكفاءة والقدرة الشخصية لمرشحي الحقائب الوزارية او وجود برنامج واقعي وعملي لتطوير الوزارات ، وطبعا الصراع الكبير في الغالب يكون حول الوزارات التي يستطيع الكيان السياسي ان يحقق من خلالها اكبر قدر من الربحية الفئوية ، على عكس الوزارات الخدمية التي لا تشهد خلافات كبيرة حول التسميات،ونتيجة لواقع المحاصصة برزت ظاهرة احتكار الوزارات وفقا لاسس طائفية او قومية او حزبية ، فهناك وزارة شيعية واخرى سنية وثالثة كردية ،واحيانا تحتاج المسألة الى توضيح اكبر فنقول وزارة حزب الدعوة واخرى للمجلس الاعلى واخرى للحزب الاسلامي...الخ،وهذا التصنيف مهم بالنسبة للمواطنين عند تفكيرهم بالتعيين او انجاز معاملاتهم الشخصية حتى يدركوا نوع المرجعية الحزبية للوزارة وبالتالي البحث عن الاسلوب الملائم لانجاز مصالحهم .
المشكلة الاخطر في الوجه الآخر للمحاصصة التي لم تقتصر على رأس الهرم الوزاري حسب بل تعدتها الى هيكلية وبناء المؤسسة الادارية للدولة ، هذه المؤسسات التي يرجع عمرها الى بدايات تأسيس الدولة العراقية المعاصرة منذ تسعين عاما مضت ، فبعد ان حولت وزارات الدولة الى اقطاعيات حزبية بدأت عملية تحصيص الوزارة او المؤسسة الحكومية من الداخل على عدة مستويات اولها شن حملة استبعاد واسعة لشرائح كبيرة من الكوادر التخصصية والتي تشكل ثروة وطنية في مجالات عملها من خلال اتهامها بالتعاون مع النظام السابق باعتبارهم كانوا جزءا من المؤسسة الحكومية قبل عام 2003،فتم استبعاد شبه كامل لموظفي الدرجات الخاصة ( وزراء، وكلاء وزارات،رؤساء هيئات ومؤسسات ، مدراء عامين ) وكذلك لباقي مواقع المسؤوليات الادارية ( مدراء دوائر، اقسام، شعب ) ومن لم يتسنى اتهامه تمت مضايقته واحيانا بشكل عنيف لترك الوظيفة او تحجيمه الى المستوى الذي الغى لديه حافز العمل الجاد،لقد استفادت العديد من الدول من هذه السياسة باستقطابها الخبرات العراقية للعمل لديها وهم الان يشكلون عصب التنمية في العديد من هذه البلدان .
المستوى الثاني تمثل في الهجمة لاشغال المواقع الادارية التي شغرت نتيجة سياسة المستوى الاول ، على مستوى وكلاء الوزارات تمت محاصصتها مركزيا بين القوى السياسية للتحالف الحكومي اما باقي مواقع المسؤوليات فقد راعى الوزير ان تكون من حصة حزبه او طائفته او قوميته، بغض النظر عن الكفاءة او القدرات الشخصية واحيانا حتى عن التحصيل العلمي في ظل اتهامات متعددة بشان تزوير الشهادات الدراسية للعديد من المسؤولين، وكثيرا منهم لم يتدرجوا في السلم الوظيفي ولم تكن لديهم خبرة عملية في مجال عملهم ‘وقسم كبير منهم انتقلوا من بيئات عمل مهنية متواضعة تختلف تماما عن مهامهم الجديدة، المشكلة ان الاداء الحكومي وصل الى ادنى مستوياته في مختلف قطاعاته وعلى الاخص في مجال الخدمات المقدمة للمواطنين، نتيجة لعدم خبرة وضعف كفاءة الكوادر القيادية في وظائف الدولة المرشحين من قبل الاحزاب وفقا لنظام المحسوبية والصلات العائلية ، وبالتالي اصبح التخبط وعدم الانسجام بين القطاعات الحكومية السمة المميزة، حيث غالبا ما يتبادل الوزراء والمسؤولين الحكوميين الاتهامات بالمقصرية عن ضعف الاداء متناسين انهم عمليا فريق واحد.
وعلى مستوى آخر من التحصيص فقد اثقلت القوى السياسية المتحاصصة كاهل المؤسسة الحكومية المترهلة اصلا بكوادر فائضة بحملة تعيينات ضخمة شملت اعضاء حزب الوزير ومؤيديهم او أقاربهم حتى أصبح الانتماء إلى هذه الأحزاب أو قرابة قياداتها احد شروط التعيين غير المعلنة، ليضافون الى كم البطالة المقنعة التي تعاني منها دوائر الدولة حيث تزايدت اعداد العاملين في الوظائف العامة الى اكثر من ثلاث اضعاف منذ عام 2003 دون ان يقابلها اي توسع حقيقي في حجم العملية الانتاجية او زيادة في الموارد المالية مما ولد ضغطا هائلا على ميزانية الدولة نتيجة لزيادة النفقات العامة بشكل غير مسبوق مما اثرعلى مجمل العملية الاقتصادية في العراق، وقد ساهمت بعض القرارات غير المدروسة في زيادة الازمة ومن ابرزها اعادة المفصولين السياسيين، هذا القرار حمل بلا شك ابعادا انسانية افرغت من محتواها عند التطبيق لان حوالي 80% من المعادين الى وظائفهم بموجب هذا القرار ليس لهم علاقة بالفصل السياسي فهم اما متقاعدين سابقين او مستقيلين لاسباب اقتصادية بسبب ضعف الرواتب في ذلك الوقت او من الذين سبق فصلهم نتيجة لاحكام صادرة بحقهم من المحاكم بسبب استغلالهم او مخالفتهم الانظمة والتعليمات الوظيفية، في حين ان الكثير من المفصولين السياسيين ابان النظام السابق ما زالوا يعانون وعوائلهم من شضف العيش ويطرقون الابواب لانصافهم ولكن دون جدوى لانهم لاينتمون الى احدى الاحزاب المتحاصصة.
لقد افرز الوجه الاخر للمحاصصة قيما وظيفية جديدة ميزت سلوكيات القيادات الادارية ونمطية العلاقات القطاعية فيما بين الادارات الحكومية لم تكن مالوفة سابقا ،فقد اعتبر بعض الوزراء واعوانهم انفسهم فوق القانون في تجاوزهم للصلاحيات او تغيير الانظمة والتعليمات والتلاعب في توصيف الوظائف او تجاوز التراتيبية السلطوية للعمل الاداري في دوائرهم بما ينسجم مع مصالحهم الشخصية والفئوية، واصبح امرا معتادا ان يهمل الوزير توجيها صادرا من رئيس الوزراء بوصفه رئيسه الاعلى او من مجلس الوزراء بوصفها المرجعية الاعلى ، او ان يرفض احد المدراء العامين تنفيذ امر صادر من وزيره فكل مركز قوى في الادرة الحكومية اليوم يعتبر نفسه محصنا ازاء الاخرين ومدعوما من حزبه او كتلته البرلمانية يدعمهم في ذلك ان العملية السياسية برمتها وبضمنها العمل الحكومي قامت على اساس التوافقات والمساومات بين الكتل السياسية الكبيرة
إن تعداد السلبيات لا يعني حتما غياب الايجابيات عن المشهد السياسي او الحكومي وان قتامه الصورة التي رسمناها لانحرافات بعض القوى السياسية في تكالبها على كراسي السلطة لايعني غياب القوى الوطنية الواعية بخطورة المرحلة وهموم الجماهير ،لكن المشكلة تكمن في تقصير هذه القوى في محاربة ظاهرة المحاصصة و التحصيص أو التدمير الذاتي للدولة بشكل جدي ووضع حد لاستقلالية الأحزاب في إدارة الوزارات من خلال تفعيل آليات العمل الجماعي المتناغم والمتكامل لمجلس الوزراء ومنح رئيس الوزراء سلطة أكثر مركزية في التعامل مع وزاراته وان يختار طاقمه بعيدا عن صراعات الكتل البرلمانية التي يجب أن يبقى فعلها مؤثرا تشريعيا وداعم للحكومة كوحدة تنفيذية دون التدخل لصالح هذه الوزارة أو تلك أو أن يصر حزب معين على وزارة معينة دون سواها بشكل مثير للشبهة؟ ..وكذلك تفعيل أجهزة الرقابة على الحكومة، التشريعية منها والتنفيذية المتمثلة في مفوضية النزاهة والرقابة المالية والإدارية ، وان تعمد الحكومة إلى اختيار وزراءها من ذوي الكفاءة والاختصاص والنزاهة وان تتم الرقابة على تعيينات كبار الموظفين من قبل مجلس للخدمة يكون مسؤولا عن تحديد ضوابط ومعايير كل منصب ويتشكل من كبار الخبراء الإداريين والقضاة وممثلين عن السلطة التشريعية ..كما ان الحكومة ملزمة بمراجعة شاملة لمجمل التعيينات التي جرت خلال السنوات الخمسة الماضية وعلى الاخص للمراكز القيادية للتاكد من صلاحية الاختيارات واستبعاد العناصر غير الكفوءة، وان يشكل ذلك مدخلا لاصلاح حكومي اوسع يعيد الثقة المفقودة بالمؤسسة الحكومية.




 

free web counter

 

أرشيف المقالات