|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  18  / 1 / 2015                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

بعيداً عن التسطيح والشخصنة
مع الأستاذ جاسم الحلوائي

همام عبد الغني المراني

منذ الرابع والعشرين من كانون الأول الماضي , 24-12-2014 , حين قرأتُ رد الأستاذ جاسم الحلوائي , على مداخلتي حول السجال الذي دار بينه وبين الكاتب كريم الزكي , , وأنا أقلبُ الأمر , بين ان ارد على الأستاذ الحلوائي , أو أترك الموضوع لتقديرات القراء الكرام . بيد انني وجدت , ان الأستاذ جاسم , تناولني بشكل شخصي , لأنني لم أطلع على مذكرات بعض الرفاق " وهذة مصيبة , والمصيبة الأعظم " انني اطلعت ولم اميَّز بين النهج السياسي ووسائل واساليب الكفاح لتحقيق ذلك النهج !! . ولكي اروي فضولك يا استاذ جاسم في هذا المجال , أقول انني قرأت مذكرات المناضل باقر ابراهيم , والمناضل الفقيد صالح مهدي دكَلة , ولم اجد فيها ما يلفت النظر , كما قرأتُ المؤلَف الكبير والمنصف للمرحوم حنا بطاطو , وذلك في اواسط التسعينات في بغداد . أما كتاب الأستاذ عزيز سباهي " عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي " فلم احصل عليه لحد الآن , كما انني لم اطلع على مؤلفاتك لحد الآن , وبالتأكيد , سأقرأها حين احصل على أيٍ منها . وأنت والكثير من القراء , تعلمون , أن زمن القراءة الطويلة قد انحسر بشكل كبير , مع تطوروسائل الإتصالات والأنترنيت والكومبيوتر , ومع هذا , أقول لك سيدي , ليس كل ما يكتب دقيقاً ويجب الركون اليه . فعلى سبيل المثال , في الفصل المنشور في الحوار المتمدن , من مذكرات الفقيد ثابت العاني , والذي استندتَ لبعض فقراته , هناك خطأان , الأول, هو قوله " كان الرفاق عزيز محمد وكريم أحمد وباقر ابراهيم في موسكو , وما أن وصلت اليهم وثيقة " اجتماع 25 " حتى دعا الرفيق عزيز الى عقد اجتماع في براغ بحضور اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية الموجودين في الخارج , ولجنة تنظيم الخارج , في 18-19 تشرين الثاني 1965 وعرضت على الأجتماع التقارير المرسلة من بغداد . وتم في الأجتماع تخطئة " خط آب " . وفي الوقت نفسه حذر من التنافس على طرح الأخطاء , وانتقد الظروف الشاذة التي ادت الى عقد " اجتماع 25 " بما يعني إدانة " اجتماع 25 " . بينما تقول انت في ردك , ليس هناك إدانة . واظن أن رأيك هو الصحيح , لأننا لم نبلغ بتخطئة أو إدانة الأجتماع , وانما شعرنا بعرقلة قراراته ... أما الخطأ الثاني , فهو ان الفقيد ثابت العاني , حين ذكر اسماء الرفاق الجدد الذين أُنتخبوا لعضوية اللجنة المركزية , أغفل اسم المناضل الكبير كاظم فرهود ( أبو قاعدة ) , وأنا اعتقد انه خطأٌ غير مقصود , وانها مسألة نسيان ليس إلا , لكنه بالنسبة لمن لم يحضر الأجتماع , يضيع اسم احد اعضاء ل . م . ... كما انه , واعني الفقيد ثابت العاني , حين تحدث عن وثيقتي التقييم لسياسة الحزب , ذكر ان احداهما من اعداد الفقيد زكي خيري وعزيز الحاج , والأخرى اعدها بهاء الدين نوري , بينما تذكر أنت , بأنك ساهمت في كتابتها , وما ذُكر في حينه , انها من اعداد بهاء الدين نوري وعامر عبد الله .... المهم سيدي الكريم , ليس كل ما يكتب ويطبع , يعتبر وثيقة يجب الركون اليها كما ترى .

أما موضوع الأمانة في الأستشهاد, حيث اتهمتني بعدم الأمانة, لأنني لم انقل كلماتك حرفياً , فإنني اعتذر عن ذلك , ولم أكن اعرف انني اتعامل مع بحور الشعر العربي , بحيث ان تغيير حركة اعراب تخلُّ بوزن البيت الشعري , لكنني أسألك وأسأل القراء الكرام , ما هو التحريف في المعنى بين النصين؟ فأنت تقول " أن أبرز قادة ذلك الخط ما أن وطأت اقدامهم الواقع , واقع العراق وواقع المنظمات , حتى اخذوا يعيدون النظر بتقديراتهم الخاطئة " , بينما كانت صياغتي " ان المناضلين الذين رسموا خط آب , ما ان وطأت اقدامهم ارض العراق , حتى أحسوا بخطأهم وتراجعوا عنه " . ما هو الفرق في المعنى بين النصين ؟ , أم هو النقد من اجل النقد ليس إلا ؟ , ومع هذا فإنني اعتذر لك ثانية , لأنني لم اثبت كلماتك بأحرفها نصاً .

التخلي ... والأدانة :
لا أريد التوسع في مناقشة الفرق بين " التخلي عن خط آب " وبين إدانة ذلك الخط ... فهو واضح تماماً , "فالتخلي "عن خط آب , لم يرافقه موقف واضح لإسقاط النظام أو وسيلة الكفاح لإسقاطه . وفي الأستشهادين اللذين أوردهما الأستاذ جاسم الحلوائي , للتدليل على التخلي عن خط آب , لم يذكر بوضوح موضوع اسقاط النظام . فقد جاء في رد الأساذ الحلوائي ما يلي : " ان البيان , أو بالأحرى التقرير الذي صدر عن اجتماع اللجنة المركزية في نيسان 1965 قد تخلى فعلاً عن خط آب ... قالت ل . م . في تقريرها " ان الحزب الشيوعي " حامل الرسالة التاريخية للطبقة العاملة " وُجِدَ ليبقى , وان " تجربة الأتحاد الأشتراكي العربي "العراقي قد فشلت , ومع كل الضجيج المثار عن "الأشتراكية" , فإن سياسة السلطات , تتناقض سياسياً واقتصادياً وايديولوجياً مع أبسط مفاهيم ومتطلبات البناء الأشتراكي "ودعا الحزب الشيوعي الناصريين الى الأنسحاب من الحكم والأنضمام الى صفوف المعارضة الشعبية".

وفي الأستشهاد الثاني يقول الحلوائي " ففي بيان صادر من الحزب الشيوعي العراقي في 22 كانون الأول 1964 (اي قبل اجتماع نيسان 1965 - همام) لمناصرة المناضلين في " اللجنة الثورية " الذين اعتقلوا بتهمة تدبير انقلاب ضد الحكم جاء فيه " ان شعبنا يرى استمرار سياسة الأعدامات والمشانق , استهتاراً بلائحة حقوق الأنسان , وبجميع مبادئ العدل والقانون والقيم الخلقية , واستجابةً لإرادة الأستعمار والرجعية . ان شعبنا يتساءل: من المسؤول عن هذا الأستهتار بأرواح أبناء الشعب ومصادرة حرياتهم ؟ ان القوى القومية المشتركة في الحكم تسيئ الى سمعتها والى الوحدة نفسها اذا لم تتخذ موقفاً صريحاً وحازماً ضد هذه السياسة الهوجاء " ...

وهكذا فإن هذه اللهجة الحازمة , والأدانة التامة ل "سياسة الأعدامات والمشانق " تنتهي بدعوة القوى القومية المشتركة في الحكم للمحافظة على سمعتها , بالقول " ان القوى القومية المشتركة في الحكم تسيئ الى سمعتها والى الوحدة نفسها , اذا لم تتخذ موقفاً صريحاً وحازماً ضد هذه السياسة الهوجاء " . وهكذا أخي الكريم فإنك لم تأتِ بأية فقرة صريحة تشير الى ان الحزب آنذاك رفع شعار اسقاط السلطة في ذلك الأجتماع .

أما فيما يخص عدم صدور بيان أو بلاغ عن الأجتماع الموسع في تشرين الأول1965 , ونتائجه والقرارات المهمة التي اتخذها , فلنقرأ ما كتبه الأستاذ جاسم الحلوائي بهذا الصدد , " أما ادانة خط آب , فقد تقرر باجماع الحاضرين في اجتماع تشرين الأول 1965 , وكان كاتب هذه السطور حاضراً في الأجتماع وتقرر نشره , وقد نشر بمربع صغير في النشرة الداخلية المسماة " مناضل الحزب " التي صدرت بعد الأجتماع مباشرة " ....واستناداً الى هذا المقتبس , الذي ارجو ان أكون " أميناً " في نقله ولم احرف كلماتك , هل انت مقتنعٌ حقاً , بأن تغيير سياسة الحزب 180 درجة , من تأييد " اشتراكية " عبد السلام عارف و" اتحادهالأشتراكي العربي " الى إدانة هذا النهج ورفع شعار اسقاط السلطة بالقوة المسلحة , هذا التغيير الذي كانت كوادر وقواعد الحزب وجماهيره , تطالب به , ينشر " بمربع صغير في النشرة الداخلية المسماة " مناضل الحزب " التي صدرت بعد الأجتماع المذكور مباشرةً " !!!هل كان هذا يكفي لتعبئة قواعد وجماهير الحزب , لمساندة هذا التحول والتغيير الجوهري وليس " التخلي " عن خط آب ؟؟ . ان كل المناضلين يعرفون ان مناضل الحزب محدودة العدد والتوزيع , وهي لا تنزل الى الشارع وأصدقاء وجماهير الحزب ... أقول لك وللقراء الكرام , بأن فرسان خط آب كانوا وراء محاصرة قرارات الأجتماع , لأنهم لم يكونوا مقتنعين بها أصلاً , وانها فرضت عليهم فرضاً . أما قولك أن " ادانة خط آب , فقد تقرر باجماع الحاضرين في اجتماع تشرين الول 1965 " فإن ممارسات قادة خط آب بعد الأجتماع كانت تفند قولك هذا من الناحية العملية .

موضوعة الأنقلاب العسكري والعمل الحاسم :
أفرد الأستاذ الحلوائي جزءاً من رده لموضوعة " الأنقلاب العسكري " , وصيغة العمل الحاسم ,,,وأقول , وانا أحد الحاضرين في الأجتماع أيضاً , أن المناقشات دارت حول اسقاط النظام بالقوة المسلحة , وهذا يعني الأستفادة من تنظيماتنا في القوات المسلحة , في اللحظة الحاسمة التي تحددها قيادة الحزب , في ضوء نضج الظروف الذاتية والموضوعية للحزب وعلاقاته مع القوى الوطنية الأخرى , وإلا لماذا تعمل الأحزاب الثورية في القوات المسلحة ؟ . يقول القائد الشيوعي الكبير لينين في احدى اطروحاته " ان الحزب الشيوعي الذي لا يعمل في القوات المسلحة , هو حزب انتهازي " . وبالتأكيد , فإنه لا يريد ان تكون التنظيمات الشيوعية في القوات المسلحة مجرد "ديكور " للدعاية النظرية , ولكي تقع بين فترة واخرى بيد الأنظمة الرجعية ويجري اعدام اعضائها كما حصل في العراق اكثر من مرة وفي غيره من البلدان ...ان مساهمة المنظمات الثورية في القوات المسلحة في تنفيذ الثورة وانتصارها , لن يحول تلك الثورة الى انقلاب عسكري , طالما ان القيادة الحقيقية للثورة هي بيد الحزب الثوري الذي فجرها . فهل أن اطلاقات المدفعية التي وجهتها البارجة الحربية " اورورا " الى القصر الشتوي إيذاناً باعلان ثورة اكتوبر الأشتراكية عام 1917 وانضمام آلاف الجنود الروس الى الثورة وهم في ارض المعركة , هل حولت هذه الأطلاقات , الثورة البلشفية في روسيا الى انقلاب عسكري تقليدي ؟ . وهل ان منظمة الضباط الأحرار واللوائين الباسلين 19 و20 , حين وجهت الضربة الأولى للنظام الملكي يوم 14 تموز 1958 , ونزول ملايين العراقيين الى الشوارع لحماية ومساندة أبطال القوات المسلحة , وقطع الطريق على اي تحرك ضد الثورة , هل ان تلك الضربة العسكرية الأولى , قد حولت ثورة تموز الوطنية الى انقلاب عسكري , كما يسميها بعض اعدائها ؟؟! . ان الأجتماع لم يدعُ الى القيام بانقلاب عسكري تقليدي , بعيداً عن القوى الأخرى , إذ "قرر الأجتماع الحصول على تأييد ودعم القوى الأخرى , لاسيما القوى الكردية والقاسميين والقوى القومية التي تنادي بالأشتراكية , كما جرى التأكيد على ان لا يقدم الحزب على عمل بمفرده , إلا اذا تعذر الحصول على دعم الآخرين وان تكون قيادة الحزب قد تأكدت من ان الظروف مؤاتية تماماً لنجاح الأنقلاب " .

وفي الجزء الذي استند اليه الأستاذ جاسم من مذكرات الفقيد ثابت العاني , جاءت هذه الأسطر " فتحت الضغط والألحاح , استجاب المركز الحزبي الذي يقوده بهاء الدين نوري بالوكالة , الى عقد اجتماع حضره سبعة اعضاء من ل . م . وعضوان مرشحان وستة عشر كادراً حزبياً متقدماً , جميعهم من بغداد باستثناء اثنين أوثلاثة فأصبح المجموع 25 " .... وأنا أسأل المناضل الحلوائي , اذا كانت سياسة الحزب واضحة , وقد " تخلى " عن خط آب , ورفع شعار اسقاط السلطة , كما تقول , أذا كان كل ذلك قد حصل فعلاً , فلماذا هذا الضغط والألحاح ؟؟ , هل كانت سياسة الحزب واضحة ومقبولة حقاً ؟ .

لقد طرحت في مداخلتي السابقة على المساجلة بين المناضلين كريم الزكي وجاسم الحلوائي , سؤالاً للأستاذ جاسم حلوائي ولم يجبني عليه , واعيد طرحه الآن : حين تحول اجتماع تشرين الأول 1965 , الى محاكمة حقيقية لخط آب وقادته , وتحميلهم مسؤولية ما حل بتنظيمات الحزب من تمرد وارتباك وتشتت , لماذا لم يذكر أيٌ منهم , وبضمنهم الأستاذ الحلوائي نفسه , باعتباره مسؤول لجنة منطقة بغداد كما ذكر, لماذا لم يذكروا ان قيادة الحزب قد تخلت عن خط آب , ورفعت شعار اسقاط السلطة ؟؟؟...لماذا لم ينبس أي منهم بكلمة عن ذلك, حتى للدفاع عن انفسهم من المسؤولية ؟؟ بل ان انور مصطفى راح يتعكز على "تأثير النهج الأممي عليهم " . ان محاضر ذلك الأجتماع محفوظة في ارشيف الحزب بالتأكيد , وبإمكان من يريد الأطلاع عليها على وفق الأصول التنظيمية ان يطلع ليتأكد من صحة ما اقول .

ويختتم الأستاذ جاسم مقاله بالتعليق على الفقرة الأخيرة من مداخلتي السابقة , والتي تنص على " ان هذه الأحداث مضى عليها نصف قرن من الزمن , واصبحت تاريخاً , يفترض بمن يتعرض لها أو يتناولها ان يكون دقيقاً واميناً في تسجيلها , اذا كنا نريد فعلاً ان نصون تاريخ الحزب ونحافظ عليه من التشويه والأجتهادات الشخصية " , ويقر بصحتها , ولكنه يعترض على كونها جاءت في نهاية المقال وليست في المقدمة !!!

ان الأستاذ الحلوائي عضو نقابة الصحفيين كما ذكر , ولابد انه مارس الكتابة الصحفية , وانا عضو نقابة الصحفيين العراقيين منذ عام 1959 , واحترفت الصحافة بعد ذلك , فلم ارَ ان مقالاً صحفياً تُكتب خلاصته في المقدمة , ثم يسرد الموضوع . انني اعرف ان هذا الأسلوب , يمارس في البحوث الطويلة , التي تلقى في المؤتمرات أو في ورشات العمل الفكري وليس في مقال صحفي اعتيادي .

ان النقد من اجل النقد لا يوصل الى الحقيقة ولا ينفع القارئ المتتبع للأحداث . ان ما يليق بنا جميعاً , بعد هذا العمر والتجربة النضالية الطويلة , هو ممارسة النقد الموضوعي البناء لنقدم خلاصة تجربتنا المتواضعة . فالإخلاص للحزب الذي ربانا وعلمنا , لا يعني تبرير الأخطاء والدفاع عنها , بل استخلاص العبر من نجاحاتنا واخطائنا لتقديمها لرفاقنا الذين يواصلون المسيرة في هذه الظروف المعقدة .

 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter