| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

 

الأحد 18/11/ 2007

 

في أربعينية الفقيدة الدكتورة نزيهة الدليمي

بشرى برتو

لن أعيد تكرار ما قيل بحق فقيدتنا العزيزة الغالية وسأشط بعض الشئ في الدقائق القليلة المسموحة لي .

استطيع القول انني عرفت نزيهة طوال حياتي. التقيت بها لاول مرة وانا في سن الخامسة او السادسة عشرة وكانت بداية تكون شخصيتي المستقلة ووعي لواقع حياتنا بما يحمله ذلك من مثاليات واحكام. لم يكن اللقاء لقاء عمل وانما جلسة اجتماعية . وكان انطباعي الاول هو انها كانت مختلفة عن من عرفتهن من النساء الاخريات فحديثها يخوض في المواضيع العامة أكثر مما يتطرق الى قضايا الزينة والمودة ومشاكل وهموم العائلة. وكان ذلك محط اعجابي فقد كنت اطمح ان ارى النساء بهذا المستوى.

وبعد اللقاء الاول بفترة وجيزة التقيت بها على صعيد العمل النسائي الذي كانت تقوده لتاسيس المنظمة النسائية(جمعية تحرير المرأة) التي تحول اسمها الى رابطة الدفاع عن حقوق المرأة فيما بعد فاعجبت بها اكثر لمقدرتها القيادية المتميزة. ومنذ ذلك الحين وحتى مرضها وانا اعمل معها في مجالات مختلفة للعمل الحزبي والنسائي وعرفت فيها ميزات اخرى سآتي على ذكرها لاحقا.
عرفتها بشكل خاص في سنوات الغربة، التي عشناها على مرحلتين الاولى في الستينات بعد 1963 والثانية في السبعينات. ففي الغربة شاركنا في عدد لا يحصى من المؤتمرات والاجتماعات النسائية العالمية التي نظمها الاتحاد النسائي العالمي أو التي نظمتها منظمات عالمية اخرى طوال عقد كامل هو عقد المرأة في الثمانينات. واستطيع القول اننا عشنا سويا هذه الفترات وعملنا على تهيئة وفودنا والاسهام في اعداد التقارير الخاصة بهذه المؤتمرات. كانت تترك لي شؤون الوفد العراقي وتتفرغ هي للاسهام في قيادة المؤتمرمع التشاور الدائم فيما بيننا طبعا.

في الستينات احتلت نزيهة مركزا مرموقا جدا في الحركة النسائية العالمية، وكان لذلك اسبابه اضافة الى مقدرتها وكفاءاتها، ومن هذه الاسباب ما احتلته الرابطة في تلك الفترة من مكانة سواء على الصعيد الوطني او العالمي اذ كانت عضوا دائما في مكتب الاتحاد النسائي العالمي وبقيت لفترة طويلة المنظمة العربية الوحيدة في ذلك المركز.
كانت نزيهة تختار دائما عضوا في اللجان القيادية في كل المؤتمرات التي حضرناها وكانت فعالة حقا في تسيير شؤون المؤتمر المعين وفي انجاحه وكانت غالبا ما يوكل اليها برئاسة اصعب الجلسات واكثرها صخبا تعبيرا عن الثقة الكبيرة التي توليها لها الحركة النسائية في ذلك الوقت.

ونزيهة هي قبل كل شئ انسانة وامرأة عراقية قد لا تختلف عن غيرها من النساء العراقيات الا بوعيها واستعدادها للتضحية وقدراتها هذه التي أهلتها لتتبؤ المركز الفريد الذي ندر ان تبوأته امرأة غيرها سواء على الاصعدة الرسمية أم في قلوب وفكر من عرفها. فكمعظم النساء العراقيات حملت نزيهة في شخصيتها الصفات الانسانية المتناقضة، فالمناضلة فيها قاسية حاسمة والمرأة حنون ضعيفة، وهي بوعيها الفكري والسياسي كانت شيوعية غير متساهلة وعلى الصعيد الاجتماعي كانت مسلمة مؤمنة متمسكة طوال السنوات العشرين الاخيرة بصلاتها وصومها وقراءة القرآن. كانت معتدة برأيها وتطرحه بآمرية تتوجس منها الاخريات ان كن يحملن رأيا مخالفا، ولكن ان تجرأت احداهن وخاضت النقاش في نقطة الخلاف فستجد نزيهة سهلة الاقتناع بالرأي الآخر وسرعان ما تتراجع عن رأيها الاولي بضحكة محببة معبرة عن الاعتذار. وأخيرا وهي الرائدة بحق في النضال من اجل تحرير المرأة، لم يكن هذا التحرير يعني بالنسبة لها الحرية المطلفة للمرأة. فهي رائدة في اطار اجتماعي محدد هو المجتمع العراقي و في اطار عقيدتها، الخليط بين الماركسية والاسلام، وللاثنين حدود مقيدة دون شك.

هذه الشخصية التي عرفتها كانت محببة جدا وجليسة لا تمل وصاحبة نكتة تضحك للنكات كثيرا حتى وان كانت نكاتا جارحةأو ناقدة لشخصها ولكنها لم تقبل ابدا بسماع النكات الفاضحة. وهي عذبة الصوت وتحسن الغناء وطالما شاركت زميلاتها في الغناء الجماعي وحتى المنفرد.

وتبقى الدكتورة نزيهة التي ناديناها طوال عمرنا بهذه الكنية إحتراما، مثالا في التضحية فقد امتزجت المرأة بالمناضلة ليولد كيان واحد وهبته للحزب وللحركة النسائية التي كانت تعشقها ولا تجد نفسها الا في اطارها واعطت في ذلك امثلة من الشجاعة والرصانة والريادة وقد سجلت بذلك سفرا جعلها من الخالدين.

لندن 15/11/2007

 


 

Counters

 

أرشيف المقالات