| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 19/9/ 2010

 

العنف يبدأ عند توقف العقل عن التفكير السليم

صلاح الدين البياتي
ischtar@swissonline.ch

ألقاعدة الاساسية عند الجنس الآدمي تؤكد بأن العنف عندَ البشر هو أمر طارئ، أما ألاساس فهو ألامن والسلام. بهذه المقولة أودُ أن أبدأ كتابة مقالي الذي أرغب من خلاله التحدث عن الوضع الانساني للشعب العراقي وانعكاسه على مجمل الحياة اليومية للبشر بشكل عام والعملية السياسية المتعثرة في العراق بشكل خاص.

العنف
إن ظاهرة ألعنف المفرط التي عشناها في الفترةِ الماضيةِ هي دون شك كانت بسبب عدم التواصل الصحيح بين مكونات الشعب ولاْن لغةَ العقلِ كانت غائبةً وألانتقام من ألاخر كان هدفاً إستراتيجياً لكلِ القوى الفاعلة على الساحة.
أثبتت التجربة أن هذه الاستراتيجية قد كلفت الجميع خسارة إجتماعية ، نفسية وإقتصادية هائلة لا يمكن حسابها أو تخيلها وفقاً للقياساتِ ألاوربيةِ المتقدمة.

زيارتي الى العراق
عندما زرت العراق في شهر تموز من هذا العام أرعبتني الحالةِ النفسيةِ ألتي يعيشها أبناء بلدي. فكان سُلوكَهم يتصف بالبطئ الشديد، الحزن أللامتناهي و اللامبالاة.
هذا ألامر أكد لي إستناداً إلى خبرتي المتواضعة، أن العراقيين يمرون بحالةِ صدمة لم يفيقوا منها بعد. هذه الصدمة التي أرى أن من مسبباتها هو الخللِ الكبير في التركيبةِ ألاجتماعيةِ وألاقتصاديةِ وكذلك حالةِ الفوضى أللامتناهية. والتي أدت إلى خللٍ ذهني من هولِ الصدمة التي كانَ عليهم معايشتها في الزمن الماضي. ولتقريبِ ألأمر للقارئِ ألكريم أود سرد مثالين عشتها أنا وزوجتي وهذان المثالان يثبتان لي وبشكل قاطع أن ألامور في بلدي لن تكون مع الاسف في المستقبل القريب كما أتمنى وأرغب.

1. المثال الأول
بعد وصولي إلى بغدادي الجميلة دائماً وبعد غياب عنها دام َأكثر من 16 عاماً حاولت أن أحتضنها وأتودد إليها كما كنت في السابق ولكني أحسست مع ألأسف بأنها لم تبادلني نفس الشعور، ألأمر ألذي أصابني بالاحباط ِالشديد. ففي جلسة ٍعائليةٍ على سطحِ منزلِ عمي في منطقةِ اليرموك وقبل الخلود إلى ألنوم، أبلغتُ زوجتي بأنَ علينا ألاستيقاظ باكراً لأن هناك أمراً أودُ ألتأكدَ منه بوجودِ شاهدٍ أمين محايد يساعدني على فهم بعضِ ألامورِ ألتي تحتاجُ إلى توضيح، فَمن يكون هذا الشاهد غير زوجتي الغالية، في اليوم ألتالي إستقيظنا باكراً وإنتقلنا بسيارةِ أُجره إلى ساحة 14 رمضان حيث جلسنا على الرصيف وبدأنا النظر الى أبناء بغداد وهم يتوجهون الى أعمالهم. فقلت لزوجتي سنجلس هنا لساعتين وأود منك ان تنظري الى وجوه الناس فان وجدت أحد يضحك سأشتري لك قطعة ذهب من عند الصاغة في منطقة الكاظمية. فأمضينا نصف النهار نراقب الناس فلم نجد فردا ضاحكا أو حتى مبتسما. مرً الوقت و أقتربنا من فترة الظهيرة حيث بدأت حرارة الجوِ تُلهب رؤوسنا، و زوجتي ما زالت ترغب بالبقاء لكي لا تخسر ما وعدتها به. لتلطيف الجو طلبت منها ان تجد لي شخصا ماشيا غير منحني الظهر مسدلا رأسه للاسفل، فمرت ساعة أخرى و لم نجد ايً من العراقيين مرفوعا للرأس والهامة. بعد هذه التجربة شعرت بفرح كبير لأن الجفاء الذي شعرته في صدر أمنا بغداد لم يكن موجه ضدي وأنما هو بسبب حزنها على أبناءها المرضى فضحكت من كل قلبي. تَنَبًهت زوجتي الى هذه الضحكة وقالت ها أنا ذا اجد اخيرا شخصا يضحك في بغداد. هذه الضحكة الانانية سببت لي نزيفُ مالًي من جراء شراء ما وعدتها به.

2. المثال الثاني
أثناء تناولنا للعشاء في مطعم يقع في جزيرة الاعراس على ضفاف نهر دجلة ، سمعنا صوت انفجارين متتابعين في الضفة الاخرى من النهر،
فقلت لنسيبي وأنا خائف، ماهذا ؟
أجابني الرجل ماكو شي هاي جماعة ضربوا المنطقة الخضراء بالهاونات.
قلت له ولكن يمكن ان تصيبنا الهاونات ها هنا أيضا؟
اجابني الرجل ( أي شنو يعني الله ينطي الله ياخذ).
اصبت بالذهول وانا أسمع ما يقول!!!!
فقلت له اسمع اخوية اني عندي أولاد والتزامات في سويسرا وخايف عليها فرًجعني للبيت من فضلك.
في طريق العودة ذكر لي نسيبي حادثة أرعبتني وهي في ذهني الى اليوم ولا أستطيع نسيانها،حيث قال لي:
أنه قبل سنة من الآن كانت ابنتي الصغرى والبالغة خمس سنوات تطلب مني الخروج الى منطقة الاربع شوارع في اليرموك (وهي منطقة يعرفها أهل بغداد جيدا) لكي تلعب بجثث المغدورين الملقاة على جانبي الطريق. فقال يَمعَوًد الله نجانا من ذيج وراح ينجينا بالمستقبل من هاي الشغلات البسيطة الباقية ان شاء الله.

سيداتي وسادتي الاكارم ان ما ذكرته هو تجربة شخصية بسيطة رأيتها بعيني وسأحاول ان احللها واعرضها عليكم لكي تعرفوا ان ما يمر به العراقيون اليوم ، هو في تصوري يمكن يُمَثًل بأنسان أجريت له عملية جراحية كبرى يحتاج بعد أجرائها الى البقاء في غرفة الافاقة الى ان يستعيد القابلية على الادراك مرة اخرى ومازال الى اليوم يقبع هناك ويحتاج فترة غير قليلة للشفاء من جرًاء الجراحة أما علاج الجانب النفسي (فجيب ليل وأخذ عَتابه) كما يقول ابو المثل، فأذا كان هذا هو حال المواطن البسيط الذي عايش الامور في الشارع وبطريقة غير مباشرة. فما بال السياسيين الذين أمسكوا المشرط بيدهم وعايشوا الامور بصورة مباشرة واحترقوا بنارها!!!!!. ان ما تروه اليوم على الساحة السياسية هو أمر طبيعي بالقياسات التي ذكرتها سابقا، فحالة الفوضى واللامبالاة بمصالح الناس والبطء الشديد في التحرك للتفاهم بين المكونات السياسية المختلفة هو جزء من الحالة العراقية بشكل عام ولا يمكننا بكل الاحوال تجاوزها. ان التجربة الديمقراطية الوليدة (ولادة عسيرة) تحتاج الى شعب يفهم الديمقراطية وسياسي يستطيع ان يرى الامور المستقبلية بشكل أوضح من الآخرين بأعتباره صانع الديمقراطية والمدافع الرئيسي عنها، وهو أمر لا يمكنني تصوره في ظرفنا الحاضر.

أنا أعتقد ان الحالة الراهنة ( حالة ما بعد الافاقة) تحتاج الى ان تأخذ وقتها وبشكل كامل، كما ارى ان المناقشات التي يجريها سياسيوا العراق للوصول الى بر الامان معقولة بالمقاييس العراقية وحتى العربية. ولكنها مقارنة بالمقاييس الاوربية تدعوا الى الحيرة والتساؤل.

المستقبل
إستناداً إلى ما ذكرته سابقاً فأنا أرى صراع الاجندات وفكرة الانتقام من الآخر سيعمل بشكلٍ لا يقبل الشك إلى تأخير التقدم الذي نتمناه، في الحقيقة أنا لا أتمنى أن ينسى السياسيون الاخطاء التاريخية التي إرتكبوها بقصدٍ أو دون قصد بحقِ أبناء بلدهم، ولكني أدعوهم إلى التواصل مع بعضهم البعض والاعتراف بأن الجميع شاركوا في إرتكاب ألاخطاء وعليهم تصحيحها.

أيها القارئ العزيز رغم مرور قرابة العقدين على بقائي في الشتات ، لم أجد عراقياً لا يحب العراق ولا يتمنى الخير له، وهذا هو حال كل أبناء البشر إتجاه أوطانهم. فما بالك بسياسيينا الذين تصدوا للمسؤولية وحملوا أرواحهم على كفوفهم لانقاذ العراق من فتنة طائفية مرعبة وتنظيم القاعدة المجرم. علينا الاعتراف بأن مجمل السياسيين العراقيين هم أبناء مخلصين للعراق ويعملون جهدهم لخدمة بلدهم وأنفسهم وهذا حق، فلا يوجد من هو وطني أو غير وطني ولا متآمر وغير متآمر وإنما لُكلٍ منهم سياسة يرى أنها الافضل لتحقيق التقدم وبناء الوطن. لو فكر الجميع بهذه الطريقة فأنا أعتقد جازما أن الامور ستأخذ مجراها كما يتمناها الجميع. أخيراً وليس آخراً أدعو من الله القادر المقتدر أن يساعد العراقيين على استخدام عقولهم التي أنعم عليهم بها في الوصول الى أهدافهم دون اللجوء الى العنف الذي لا مستقبل له، وبهذا تعم الفائدة الجميع والله الموفق.
 

18.09.2010
 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات