| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 19/10/ 2012                                                                             

 

ذاكرة الفرات
" أيام حفرت ذاكرة التأريخ"

هكذا يرى الاعلامي
حيدر جعفر الحمداني

وصلنا انا وسليم الى بيتنا في محلة" الحويزة" ، كانت رائحة تنور امنا ترقص في الهواء ممزوجة بدخان سعف النخيل، دخلنا البيت فكان جميع الاهل ينظرون نحونا ويسألون "  ها ماهي الاخبار، هل وصلوا" يقصدون ثوار الاهوار" الذين كنا نسمع اخبارهم من الناس في المدينة.

كان ظهر ذلك اليوم المشهود لايمحى من ذاكرتي، الطقس كان معتدلا تتخلله نفحات آذارية وربيعية جميلة  وطلع  النخيل برائحته يملئ  الفضاء المنعش ممتزجا ببرودة الدافئة والشمس كانت عمودية في كبد السماء الواضحة والمفتوحة والعميقة في زرقتها ووسط هذه الاجواء الحميمية بين الاهل وبعدما انهى  المرحوم حجي ناصر المؤذن المعروف في جامع الحويزة الصغير في "دربونتنا" القديمة من أذانه. وفي تلك اللحظات سمعت اصوات طائرات الهليكوبتر العمودية تحلّق بشكل منخفض في سماء المدينة، ركضت مسرعا نحو سطح دارنا  لمشاهدة ما يحدث وصعدت درجات السلم بثواني" يعني اطفر بين درجة ودرجة" رأيت طائرة هليكوبتر حربية لمحت فيها رجل بالزي العسكري يخاطب الناس عبر مكبر صوت وصوته يلعلع في الهواء ويقول "لقد قضينا على صدام حسين، يا شعب العراق ويرددها اكثر من مرة" كانت لهجته كويتية او سعودية، هذا ما اتذكره حيث مرت المروحية من فوق روؤسنا بسرعة، لكن عليّ ان اوضح هنا بأن طائرة الهليكوبتر ومن كان فيها لم يك مَنْ حرّض على الانتفاضة، بل سكان المدينة كانوا مستعدين ينتظرون الثوار الذين يأتون من ناحية الطار وناحية كرمة بن سعيد اللتان استولى عليهما الثوار يوم 28 من شهر شباط العام 1991

نزلت الى باحة دارنا وكأني قفزت من اعلى درجة من سلم السطح الى الاسفل بسرعة البرق وفي قفزة واحدة  اصرخ بقوة" سقط صدام، ولكم سقط صدام....ولكم سقط صدام .....ولكم  سقط صدام...."

هكذا صرخت بأعلى صوتي معلنا عن سقوط نظام صدام!، الحلم الذي كان يراوني في كل لحظة في حياتي ويراود الجميع، متي واين وكيف؟... انتهى النظام، هل حقا ان النظام الدموي قد زال وتهشم؟

في باحة الدار اصرخ واهلي يرددون كلمات " لا مستحيل يسقط صدام لا بوية جذب "

كنت وبعنفواني الثوري اهم بالتوجه الى خارج الدار واهتف الموت للطاغية والبعث، كانت امي تمسك بي وبقوة وتقول" يمه وليدي اروح لك فدوة لاتطلع يمه اخاف عليك منهم يمه عفية ابقه بالبيت، يمة ذولة البعثية ما يرحمون" ومن جهة اخرى كانت اختى  المربية الفاضلة التي تدرس مادة اللغة العربية في المدارس، المدرسة نجلاء، كانت أيضا تمسك بي، كانت حاملا في شهورها الاخيرة بإبنتها البكر إيناس.

كانتا تحاولان ابعادي عن باب وحبسي ولكن دون جدوى.(قفلت اختي الباب بالسركي وهي تصيح عفية خوية لاتطلع عفية الله يخليك)

الحرية كانت على بعد امتار من باب البيت وانا على موعود معها والى الابد.( يمعودين كنت اشوف الحرية بعيوني كنت احلم واهلوس وانه اريد الزم طريق دربونته واركض) دفعت اختي الحامل بجنينها وابعدتها عني فوقعت على الارض، تصورا الموقف ..... وانطلقت مسرعا متجها نحو الشارع اهتف ،الموت لصدام ، الموت لصدام، في هذه اللحظات كان معي اخي الاكبر سليم وقبلها بقليل انطلق كالريح اخي الاكبر مصدق  الى الشارع واختفى في درابين الحويزة القديمة وهو يهتف الموت للطاغية........ لم استطع اللحاق به لسرعته،كان ينتظر تلك اللحظات لينتقم ممن احرقوا شبابه في جبهات الحروب العبثية.

في هذه الاثناء وصلنا انا وسليم الى شارع لطفي شاهدت سيارة نوع "مسيوبوشي" ذهبية اللون على ما اتذكر في وسط شارع "المدارس" يقودها شابا من محلة الفرهة اسمه عبد المنعم وكان في تلك الفترة في ناحي "الكرمة"، ترجل منها سيد شاكر عبد الامير البعاج وهو يقول:(بوية صارت الانتفاضة بالكرمة والثوار راح يوصلون للسوك)

هنا في تلك اللحظة بالذات دار حديثا بين سليم وعبد المنعم" قال عبد المنعم هاي ساعتها يالله خل نطلع ضد البعثية وسليم يقول ما عدنه سلاح وعبد المنعم يكول شلون ما عدك سلاح، السلاح بكل مكان، بس سليم يجاوبة والله ماعندي بس اني وياكم ، هسه وياكم نثور بس نريد بندقية،عدكم سلاح؟ يالله جميعنا نثور وحنه ثايرين بنص الشارع وما عدنة سلاح؟ جاوب عبد النعم وكال معقولة ما عدكم سلاح؟ كله سليم والله ماعدنه منين انجيبة؟ " كل كلمة اكتبها هنا تأكل من روحي يوميا وانا اكتبها بالم مضني لا يتصوره الا الذين شاركوا بايام الانتفاضة ولحظاتها وشرارتها الاولى في المدينة.

نحن مازلنا في شارع لطفي نهتف الموت لصدام الكافر، كنا نركض في الشارع متجهين الى ( سوك المسكف) حتى وصلنا قريبا من حسينية شارع لطفي واذا بي اشاهد بأم عيني محمد الحاج مهدي الحمداني وهو يمسك بحجر وجدوه في الشارع ولم يكن معه سلاحا ورماه بإتجاة صورة

المقبور صدام التي كانت معلقة على باب الحسينية ويهشمها، كان ذاك المشهد مطبوعا في ذاكرتي بكل تفاصلية وكان محمد يصحيح بأعلى صوته ( الله واكبر الموت لصدام الكافر) والهستيريا الثورية كانت مسيطرة على كل جزء من أجزاء جسده العشريني المملوء بالعنفوان والثورة.

كنا نبحث عن قطعة سلاح لحملها جميعنا مجردين منه لا نعرف كيف نحصل علية، بعد برهة قصيرة شاهدنا شابا وهو مازن عبد (عبيدة)  يركض في نفس الشارع ويلتحق بنا ويطلق عيارات نارية من سلاح الكلاشنكوف الذي كان يحمله، وبعد ذلك انضم لنا شابا آخرا وهو مؤيد جواد (قطامة) حاملا بعض العتاد.

الاصوات تتعالى في (سوق المسكف) الوقت يمر بسرعة مدهشة، هذه المشاهد التي اسردها هنا كانت عبارة عن دقائق قليلة جدا،بعدها وصلنا الى (الفلكة ) الساحة المدورة بالقرب من شارع البصرة والهتافات تعلو الى السماء (الموت لصدام الكافر، الله  اكبر).

كان هناك جمع كبيرا من الشباب القادمين من محلة الحويزة والبغادة و النجادة والحضر والفرهة والاسماعيلة والصلبة لاذكر اسمائهم لكني اتذكر الوجوه بصراخها المدوي وكلهم من ابناء مدينتي. بعدها صرخ بعض الاشخاص ( يمعودين لبدوا... لبدوا ولكم عبد الحسن حافظ من سطح بيته يرمي علينه) اختبئنا انا وسليم خلف محل المرحوم طالب الشاهر بالقرب من محل سعيد التيسي  والرصاص يعبر من فوق رؤوسنا قادما من بيت عبد الحسين حافظ"وزززززز.....وزززززز" في تلك اللحظات بالذات شعرت بمعنى المواجهة مع الموت كان قريبا جدا منا، وسليم  يحاول ان يغطيني بحنانه الاخوي ويبعدني عن مسار الطلقات، لحظات لن انساها ما حييت، لم نكن مسلحين في ذلك الوقت، الخوف والهلع والفرحة والنشوة مشاعر واحاسيس  تملئ المشهد في ذلك اليوم الاذري اللذيذ.... النظام بدأ يتآكل من الداخل والناس كانوا ينظرون الى الحرية وهم يمسكون بقرونها..... الحرية في تلك اللحظات كانت تنتزع من حوافر النظام وازلامه الهاربين كالكلاب المسعورة.

استمر اطلاق النار علينا من بيت عبد الحسين حافظ، والشباب يحاولون الوصول الى بيته والقضاء عليه، منهم جاسم الدجاني وهو يحمل بندقيته الكلاشنكوف ويخطوبحذر وهدوء كبيرين، يحتمي بحائط سوق القصابين ( المكصب) متجها نحو بيت عبد الحسين للقضاء عليه واسكاته، كان حذرا ويحاول الوصول ويطلق عياراته النارية بحذر شديد لكنه لم يتمكن من الوصول اليه.

فجأة خفتت الاطلاقات  ولكن البشرظلوا في هيجان ودوار مستمريين.

في خضم تلك الاحداث المتسارعة سقط شهيدا بطلقات البعثية القادمة من بيت عبد الحيسن حافظ الشهيد ( حربي) هذا كل ما اعرفه عن هذا الرجل الراحل، هل كان يشارك في القتال ضد البعثيين. في تلك اللحظات لا اعرف لم اشاهد ذلك ابدا لكنه كان الشهيد الاول في سوق الشيوخ يوم الانتفاضة المصادف الجمعة الاول من آذار العام 1991 حسب علمي الشخصي.

التفاصيل اكتبها من ذاكرة مليئة بالاحداث الدرامية لحياتنا وانا احاول استرجاع الماضي والتحدث في خلدي، لكن من الصعب ان يحدث هكذا حوار وانت في قلب الحدث التاريخي الكبير لوطن عاش الازمات منذ ان تشكل عبر الالاف السنين، تركمات الماضي السحيق تجذرت في نفوس البشر وجسَد فيها سلوكيات وطبائع شتى، منها السلبي ومنها الايجابي.

هنا في غمرة هذا الحدث يراودني سؤال هو لماذا كان عبد الحسين حافظ  يؤدي دور الشرطي لحزب البعث في مدينته سوق الشيوخ التي ولد فيها وتربى وعاش مع الناس؟. هل هو الاغراء السلطوي، المادي، التحكم بمصائر الناس الابرياء والبسطاء، هل كان يفكر بعقله ام بغرائزه.... لا اعلم؟ هل تورط ولم يستطع الخروج من حزب البعث خوفا من العاقبة والانتقام؟ّ

لماذا الهجوم على بيت عبد الحسين حافظ بالتحديد؟ هل لانه اطلق الرصاص على الثوار؟ هناك العديد من البعثيين الذي كانوا يؤدون دور الشرطي القمعي وكتّاب التقارير السلبية ضد الناس لكن لم يحدث أي تصادم بينهم وبين الثوار، العديد منهم طلب ان يكون(دخيل) لدى عشائر سوق الشيوخ والبعض الاخر فر هاربا من المدينة، وبعضهم ماتوا يوم تفجر الانتفاضة.

احد الثوار لا اعرف اسمة ولم اره في حياتي داخل المدينة  كان يحمل قاذفة صواريخ ار بي جي، اطلق قذيفة باتجاه بيت عبد الحسين حافظ، بعدها توقف صوت الرصاص فجأة، الناس من كل حدب وصوب يقتحمون بيته يبحثون عنه في كل ركن من اركان البيت، لكن لم يعثروا عليه وكأنه اختفى في رمشة عين، الى اين لا احد يعلم, لكن الاخبار والاشاعات بدأت تنتشر بسرعة البرق والناس يقولون انه قفز من داره الى دار السيد شهيد ريسان الذي يقع قريبا من بيته وطلب ان يكون دخيلا ( دخيل) بالمفهوم العشائري لدينا.

في ذلك المشهد رأيت بعض ضعفاء النفوس وهم يقتحمون بيته ويسرقون محتوياته، كانت تلك احدى اشارات الفوضى التي عمت المدينة.

" مرات ومرات أتسائل ليش وليش والف ليش..... شبيكم يا ناس تسرقون اموال الغير؟ حتى وان كان ظالما، حرام والله حرام. كنت احزن من تصرفات الكثير من هؤلاء البشر العديمي الاخلاق وهم يسودون وجه الانتفاضة التي كان مطلبها الوحيد والشرعي هو الحرية والخلاص من ظلم دكتاتور دمر البلد والشباب بالحروب وبالمغامرات مال الشقاوات. شوهتم وجه اهل المدينة الشرفاء الذين كانوا يسعون الى بناء مدينة خالية من التسلط والاضطهاد"

في نهاية هذه الاحداث رأينا مصدق وكان يلهث من التعب، فقد خرج من دارنا الى الشارع كالسهم رغم عوقه في ساقه الايمن.

(وهاي سالفة لازم اسولفها لكم لانها غيرت حياته بشكل كبير وجعلتني اكره الحروب) كان في لواء 421 واتذكر هذا الرقم جيدا، لا اعرف لماذا ترك في نفسي بغضا شديدا ضد الجيش والقتال والحروب، لكني اتذكر عندما يتنقل لواء 421 من جبهة واخرى ايام الحرب العراقية-  الايرانية،  وقلب اخي نتقل معه ،حيث كان في مقتبل شبابه، تخرج من كلية الادارة والاقتصاد وزج الى حرب ضروس لاطائل من ورائها وهو في ربيع عمره، كان في الثانية والعشرين عندما عجنته العسكرية والحروب.

في احد تلك الايام الغابرة من الحروب، كان فرحا بالاجازة التى منحها له آمر وحدته، وبسرعة انطلق الى ( كراج) السيارات في ناحية السعدية بمحافظة ديالى حيث كان يخيم لواء 421، انطلق من هناك للقاء اهله ومحبيه واصدقائه، لكن في الطريق اليهم يحدث ما كان غير متوقعا على الاطلاق، استأجر سيارة اجرة وهو بلباسه العسكري الذي جبر على ارتدائه  لمدة عشر سنوات (الخاكي) متجها الى بغداد ومن ثم الى سوق الشيوخ.

في منتصف الطريق الى بغداد ينام وكان جالسا في الصف الامامي لسيارة الأجرة، وإذا بالسيارة تصطدم بشاحنة (تركتر) وينتهي به الامر بهذا الحادث الى ان يكون جليسا في مستشفى الرشيد العسكري في بغداد مكسورا في الساق اليمنى ومشوها في الوجه حيث اصطدم وجهه بالزجاج الامامي لسيارة الأجرة والتي كان سائقها في ذلك الحين مستسلما للنعاس.

عندما زرته في المستشفى ورأيت حالته ومظهره في ذلك الزمن من ثمانينيات القرن المنصرم وكنت في ذلك الحين طالبا في اعدادية سوق الشيوخ، بعدها كرهت الحروب والضباط  وبدلتهم ذات اللون "الزيتوني" العسكرية والجيش ونظام صدام والبعثية والمفسدين منهم وكل ومن ورط بلادي في تلك الحرب الشرسة الضروس التي اكلت الملايين من البشر......

كان متعبا ويلهث قلت له( ها خوية شبيك.. ووووو وين جنت)

اجابني وهو يلتقط انفاسه ( بالشعبة، يم الشعبة مال جزب البعث) يقصد الشعبة البعث الحزبية التي كانت تقع بالقرب من نادي الفرات الرياضي وكان يترأسها عبد الباقي الراشد "السعدون" في تلك الفترة كما اعتقد.

قلت له ( شصار هناك)

قال( علكت كلش شباب من الحويزة والبغادة والحضر و الاسماعيلة وحي المعلمين والصلبة وشارع  القادسية والمناطق المحيط بها كلهم دخلوا وانا معهم هجمنا على الشعبة وكان هناك حراس بسطاء سلموا بنادقهم الى الثوار. ومن الاشخاص الذين هجموا على الشعبة اولاد عبد الرزاق سيف الملقب ب"سويف" ، واولاد سيد ناجي البعاج، والجميع قاموا بإحراق مركبات الرفاق الحزيين ولم يك هناك احد منهم فقد فروا مذعورين من  سخط الجماهير الثائرة كان معي صديقي مدرس التاريخ محمد كاظم وهنا رأينا بعض الجنود المنسحبين القادمين من الكويت ومعهم بعض من عناصر فرق الاعدامات التي كانت تحاصر الجنود من الخلف الجبهات ويقومون بإعدام الجنود المنسحيبن، كانت هناك وجوه مختلفة، لبشر غرباء وناس من اهل مدينتنا كلنا شهدنا سقوط رمز النظام البعثي في سوق الشيوخ)

في تلك الاثناء كنا نسمع طلقات العيارات النارية وصيحة الحق والثورة تهزان اركان الشوارع في قلب المدينة، الجميع يلهث من التعب و الركض للقضاء على اوكار الظلم والاضطهاد.

طبعا هناك احداث اخرى قام بها المنتفضون في اماكن عديدة من المدينة لكني لم اكن متواجدا في تلك الاماكن لتسجيلها ضمن سياق الاحداث وهي عديدة اذكر منها الهجوم على دائرة الامن العام ومركز شرطة الاجرام وبناية القائمقامية والمراكز البعثية مثل فرقة جفر الطيار والفرقة الاخرى في شارع القادسية. احداث كبيرة وعديدة وقعت يحتاج الى العديد من الكتاب لكتبتها وتسجيلها وهي مهمة كبرى لكن اتمنى ان يكون لدي الوقت الكافي لزيارة المدينة وتسجيل هذا التاريخ الكبير وكتابته عن لسان المشاركين فيه لكن هنا اسرد ما رأيته وشاهدته.

وانا قريبا من شارع البصرة رأيت فتاح جهاد العتابي ابن المرحوم جهاد المصور وبعض الشباب يحيطون به كان يمسك بكامرته المحطمة وهو يسب ويلعن، سألته ها فتاح ( شبيك ؟) رد عليّ وقال( واحد معيدي ما اعرفه اخذ مني الكاميرة عندما كنت التقط اللحظات التاريخية والصور للثوار وضربها بالكاع ونكسرت، بشرفكم شلون انه هسه اخذ صور....)  كان يبكي دما على آلته التصويرية.

الغريب في هذا المشهد المحزن المفرح، هو الثوار منا معظمهم يحملون الاسلحة ويبحثون عن المزيد وفتاح بكامرته يحاول توثيق لحظات تاريخية كبيرة من تاريخ مدينته، لكن جاء له ( معيدي وفلشله سلاحه التوثيقي) وانا علي يقين لو لم تتحطم تلك الكاميرة لكن توثيق الانتفاضة اكثر دلالة ومعنى من كل ما اكتبه لان الصورة وكما درستها في كيلة الاعلام تعبر عن المشهد بأكثر من مليون كلمة، لكن القدر ارسل ذاك الشخص لتحطيم تاريخنا او ( مثل ما يقولون اهلنا بخت البعثية).

اجتمعنا نحن الاخوة الثلاثة واتجهنا الى سوق (المسكف) متجهين الى شارع لطفي لمعاينة الاحداث والتطورات، كان هناك العديد من شباب المدينة يطلقون الصيحات ونسمع اشاعات هنا وهناك، سمعت من احدهم بان صدام رأس النظام هرب الى السودان.... كنت محتارا واحاول هضم الحدث الضخم واقول ( صدك بعد ماكو بعثية وامن ومخابرات وسجناء وحروب وما كو صدام، لا ما اكدر اصدك هاي السالفة) في الوقت نفسه كنت اتنفس عبق ورائحة الحرية في الهواء في ذاك النهار الآذاري المشمس مع برودة تتغلغل بين اعمدة ضياء الشمس، كان جسدي يرتجف من الحرية والبرودة الساخنة.

وصلنا بالقرب من حسينية شارع لطفي والثوار من اهالي المدينة مجتمعين امامها( والهوسات والاهازيج) في اللحظات الاولى للانتفاضة  كانت كل الشعارات عفوية ولم يك لها طابعا دينيا اوشيوعيا او عقائديا كان عفويا صافيا مثل سماء المدينة في ذلك اليوم الآذاري المشمس.

كانت الحسينية مقفلة بقفل حديدي والمفتاح لا اعلم من كان يملكه ( اتذكر يمكن كان بحوزة رشيد الكردي) ومن خلال ذلك الحشد الكبير خرج الشهيد حنظل حمادي الدلي من بين الحشود وبدأ يضرب القفل الى ان انكسر ودخلها الثوار، لتكون المركز الرئيسي الاول لقيادة الانتفاضة واعتقد كان هذا هو احد الاسباب في اغتياله وتصفيته من قبل البعثيين فيما بعد الانتفاضة.

في تلك اللحظات كانت صورة صدام مرمية عل الارض امام باب الحسينية بعد ما هشمها بحجر محمد مهدي الحمداني،إلتقطها مصدق ومزقها تمزيقا وكانه يمزق مرحلة من حياته التي قضاها في الخنادق وجبهات الحروب من شمال العراق الى جنوبه

free web counter

 

أرشيف المقالات