|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  19  / 3 / 2018                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

الدولة المدنية الديمقراطية
(حوار)

يوسف هادي صالح
(موقع الناس)

منهاج الحركات السياسية : هي أستجابة للظروف الذاتية والموضوعية لكل حركة ضمن أطارها الوطني ومحيطها الخارجي فهي متلازمة والفصل بينهما يؤدي الى الخلل في وضع الآستراتيجية الملائمة لنهوض هذه الحركة أو تلك . وفعل المنهاج السياسي يفترض أن يصار على أساس تحقيق نجاح منظور لمصالح الجماهير الشعبية المحسوبة عليه . لذا من الطبيعي أن تكون هناك تنازلات أو مساومات في الآمور العقدية التي تعرقل تحقيق الهدف في ظرفه المحدد وهذا يجد تعبيره في الحنكة السياسية وفي النظرة الديالكتيكية في تحقيق الآبرز أو الآهم الذي تستوجبه مجموع الحالة الظرفية ...

وعبر معاينة الحراك الثوري تاريخيا نجد شواهد كثيرة تظهر في حالات الآنعطافة الظرفية تبرز مهمات أنية تتجاوز الستراتيجيات وتصبح ضرورة شعبية ووطنية تفرض نفسها كأساس يجسد حالة مطلبية لا يمكن أغفالها أو تجاوزها كمهمة أولى تسترعي الآهتمام والدراسة ووضع الخطط الكفيلة لآنجازها ومنها على سبيل المثال الجبهة المعادية للفاشية التي جمعت بين قوى من أقصى اليسار الى أقصى اليمين بما فيها قوى دينية وذلك لآن الخطر الآساس هو الفاشية كمنهج مدمر للعالم لذلك أستوجب الخلاص منه. وعراقيا تشكيل جبهة الآتحاد الوطني في 1957 والتي ضمت أحزاب متناقضة فكريا وطبقيا وكان هدفها المركزي الخلاص من النظام الملكي الخاضع للآنتداب البريطاني وألغاء معاهدة 1930 الآسترقاقية التي كبلت العراق بقيود طويلة الآجل وبنفس الوقت أخراج العراق من حلف بغداد وأنجاز السيادة الوطنية وتحسين الظروف الحياتية للناس. وكانت تلك التحالفات تعبير عن حاجة الملايين من البشر وفرضت على الآحزاب تنازلات مهمة لآن الظرف الموضوعي رشح هذه المهام الى مهام المرحلة الآساسية ومن نفس هذه المنطلقات بدأت تظهر الحشود والآعتصامات والتظاهرات رافعة شعار الدولة المدنية الديمقراطية وعند البحث في هوية تلك القوى تجدها مختلفة منها قوى ديمقراطية وأخرى علمانية وليبرالية ويسارية وقومية وقوى جماهيرية شعبية ذات أطر أسلامية ...

السؤال هل يمكن تحقيق هذا المطلب على الساحة العراقية ؟ بأعتقادي أن هذا التنوع في القوى المختلفة التي تطالب بالمدنية يعبر عن أن هذا الهدف لم يجسد رغبة نخبوية سياسية فقط بقدر ما أن يكون معبرا عن حالة ظرفية موضوعية ألتقت معه أرادة الملايين من العراقيين لذا أستوجب البحث في كيفية وضرورة تحقيقه . كمدخل لهذا الموضوع علينا تفسير ماهية الدولة المدنية الديمقراطية كي نحدد القوى المختلفة معها والقوى التي تنسجم مع أهدافها لنقترب من أدراكنا لآمكانية تحقيقها من عدمه . المشروع يهدف لبناء دولة المؤسسات الدستورية وأستئصال نظام المحاصصة الطائفية البغيض الذي تسبب خرابا ودمارا للعراق . أعتبار شعار المواطنة أساسا للعدل والمساواة . رسم خطط واعدة لآقتصاد متنوع أستثماري أنتاجي بديلا للآقتصاد الريعي . القضاء على الفساد ومحاربة الفاسدين وتقديمهم للقضاء لآسترجاع أموال الشعب المسروقة . منهجة مؤسسة التخطيط لتوفير الخدمات الآساسية كالسكن والعمل والصحة والتعليم والماء والكهرباء... الخ تقوية الدولة عبر حصر السلاح المنفلت لدى المليشيات والمافيات وجعله بيد الدولة وهذا سيؤدي بدوره لآستقرار الآمن وترسيخ السلم الآهلي . تثبيت المنهج الديمقراطي وتحويله من مجرد شعار الى ممارسة حياتية مستندا الى تشريع قوانين تنظم سلوك الفرد على أساس ما مرسوم له من حقوق وواجبات وتكون عاملا فعالا لآلغاء ظاهرة العنف وطي صفحة الآنقلابات العسكرية وأعتماد صناديق الآقتراع كأساس للتداول السلمي للسلطة .

من خلال هذه القراءة المختصرة يمكن أن نشخص القوى التي ستتضرر من هذا المنهج نجدها تنحصر في النخب السياسية وذيولها الفاسدة التي قادت الحكم في العراق منذ 2005 لحد الآن . أما القوى المستفيدة من هذا المشروع فهم الغالبية العظمى من السكان من ديمقراطيين وعلمانيين ويساريين ولبراليين هذه القوى التي تجد بالمدنية هي المتنفس الصحي لعملهم والتعبير عن أرائهم وتحقيق منهجهم يضاف لهم الملايين وربما عشرات الملايين من العراقيين المتضررين من نظام المحاصصة الطائفية وهذه الجمهرة الواسعة متوزعة كما هو النظام الطائفي على كل طوائف العراق من شيعة وسنة وأكراد ومكونات أخرى .

حين نأتي على الشيعة نجد أن أحلامهم بالحياة الحرة الكريمة سرقت من قبل من أدعى تمثيلهم من أحزاب الآسلام السياسي الشيعي فلم يحصدوا سوى المزيد من الفقر والحرمان والخراب والتخلف والتفجيرات حتى أن صوتهم وأحتجاجاتهم أصبحت هي الآعلى ضد الآسلام السياسي والداعية لمدنية الدولة .

وفي الجانب السني أن نظام المحاصصة الطائفية الذي أفرز أولوية مكون على أخر أدى الى شعورهم بالحيف والدونية وحرمانهم من حق المواطنة المتساوية فأنتج حالة غضب ورفض وتعارض للنظام القائم وبلور شعور البحث عن بديل وظهر لهم أسلامهم السياسي السني كأداة لتغيير حالهم ولكن سلوك هذا البديل كان مخيب لآمالهم بسبب منهجه الساعي لحقيق مكاسب أحزابهم وشخوصهم على حساب المكون السني ونتيجة لذلك أستمر البحث عن بديل مرة أخرى وللآسف هذا المسعى جعلهم أن يكونوا حاضنة لقوى التطرف الديني متمثلا بالقاعدة وثم الدواعش وكان هذا الآسوأ والآخطر عليهم لآنهم لم يفقدوا مطالبهم الآنسانية فحسب بل أنهم دفعوا حياة عشرات الآلوف وربما أكثر من أبنائهم ثمنا لذلك على أيدي الدواعش وأذنابهم من الآرهابيين هذا الآنكسار وما ترتب عليه لن يثني سعيهم في البحث عن البديل القادر على لملمة جراحهم والسير بهم لبر الآمان وأخذ شيئا فشيئا ظهر البديل الديمقراطي كمرتجى لهم وذلك من خلال ولادة الكثير من النواتات المدنية الذي تمثل بتأسيس العديد من الآحزاب ذات المسعى والمنهج الديمقراطي رافضا الآسلام السياسي الفاسد.

أما الشارع الكردي فنتيجة السياسة الآنعزالية وسوء أدارة الحكم وضعف أو مضايقة الحريات وعدم وجود منهج أقتصادي أستثماري أنتاجي وأعتماد الآقتصاد الريعي مشفوعا بأنعدام الشفافية في أدارة شؤون الآقليم سياسيا وأقتصاديا وأجتماعيا أدى الى أستفحال ظاهرة الفساد ماليا وأداريا وسياسيا مما أفرز ظاهرة ثراء فاحش من قبل فئه على حساب عوز وفقر الغالبية العظمى من أبناء شعبنا الكردي مما أدى وفجر ظاهرة الغضب والآمتعاض سعيا لآعلان التمرد والتظاهر كوسيلة للتعبير عن روؤى الشعب بالبحث عن بديل وكان هذا دائما يصطدم بأطماع النخب المتصدرة للمشهد السياسي وبات هذا السلوك المتعجرف للحكام سببا لسعي الشعب لآيجاد بديل قادر على أن يمثلهم ويحقق مرادهم في العيش الكريم وكان لخيارهم هذا وضغطهم فعله في أحداث شرخ مهم في كيان القوى التقليدية حتى أصبح حزب الآتحاد الوطني أكثر من ثلاثة أحزاب أضافة لولادة تشكيلات جماهيرية جديدة وكل هذه المتغيرات ترتكز على فكرة الآصلاح والتصحيح وتدعوا للمدنية الديمقراطية رفضا للآستئثار بالسلطة .

اما مكونات الشعب العراقيه الاخرى فحدث ولا حرج فهي وبسبب صغر مكوناتها تعرضت لسياسه الاباده الجماعيه وشواهد السبي الايزيدي واجتثاث المسيحيين والصابئه المندائيين خير دليل على ذلك.. وكل هذه المكونات لا تجد الا في الدوله المدنيه الديمقراطيه الحاجه الحقيقيه لسلامتها وشق طريقها لتوفير حياه حره وكريمه تحفظ لها مكوناتها وتحميها من الانقراض...

المرأة...هذا الكيان الرهيب العجيب مصدر الحب والعطف والحنان. مبعث الحياة والآمومه والرقه والسعاده..الحضن الدافيء الكيان النحيل الفولاذي القوه والصبر الذي يحمل على كتفييه كل هموم الارض. الكيان الذي يجب ان يقدس وان تسجد له كل القامات مهما علت. هو الذي لامعنى للجمال الا به . وهي التي من فمها تمنح الحياة سر الوجود. ترى ما الذي أصابها وحل بها بسبب أرتهان سير حياتها بأيدي سياسيين لا يرون بها أكثر من عورة . من مجتمع ذكوري بدوي عشائري ديني لا يصفها الآ أن تكون بديلا عن الشيطان في الآرض فبالرغم من كل الاساءات التشريعية التي تنتقص منها أضيف لهمها هموم فأصبحت أم الشهيد وأرملة الشهيد وبنت الشهيد وأخت الشهيد وحبيبة الشهيد. هذا وهي نصف المجتمع ترى مالذي ينقذ المرأة غير نظام الدولة المدنية الديمقراطية . من كل ما تقدم نجد أن القوى التي يهمها نظام الدولة المدنية يشكل الغالبية العظمى الا أن هذه الغالبية عبارة عن تراكم كمي هائل فتراه متناثر ومتناقض يعيش حالة من الضبابية فهي تسير خلف قوى وتخضع لها وفي نفس الوقت متضررة منها ورافضة لمنهجها وهذه الصورة تشمل عموم الخارطة السياسية في العراق وهذا أمر غير مستغرب لبلد مثل العراق عاش أكثر من 40 عام من الحروب و الحصار والدكتاتورية أنتقالا الى تغيير فوقي جاء نتيجة أحتلال فارضا أجنداته في أخضاعنا لنظام مشوه ومتخلف وذلك لغاية في نفس يعقوب كما يقال ولكن هل من الممكن أن يتحول هذا التراكم الكمي الى متغير نوعي قادر على حمل راية النضال وتحقيق أرادة الشعب .

هنا علينا أن نسترجع تفسير ماركس لهذه الظاهرة حيث يقول أن قوى التغيير في المجتمع تتولد في رحم النظام السائد نفسه وهي عبارة عن طلائع سياسية تتطلع للتغيير وجماهير لحشود عاصفة ساعية لنفس الهدف ألا أنها تفتقر الى المعرفة والوعي اللازمين .

وهنا تأتي فراسة وحصافة الطلائع السياسية التي يجب أن تكون قادرة على تفكيك (الشفرة السياسية) ورسم البرامج وأتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة في الزمان والمكان المحددين لآن هذه هي مسؤوليتها . وفي هذا المنعطف يأتي دور اليسار وبما أنه يعتمد في منهجه على نظرية علمية متلاقحة مع كنز معرفي في ميدان الحركة الثورية وعلى تماس مباشر مع الحراك الشعبي . يكون أكثر قدرة من غيره في أدارة دفة العمل الثوري وكي يثبت قدرته ويستعيد دوره النضالي عليه أن يجتهد في وضع البرامج الساعية الى لملمة اليسار كقوة متجانسة وثم مد اليد للقوى الديمقراطية والعلمانية لتشكيل جبهة سياسية واعية مؤمنة بالمتغير المراد تحقيقه وتكون أداة فعالة في تجذير الوعي في الآوساط الجماهيرية وصولا لتحويل التراكم الكمي في مزاج القوى الغاضبة الى تحول نوعي وعند هذا المنجز يكون الفعل الثوري المنسجم مع تطلعات الناس قد أنجز الخطوة الآولى والآهم في التحشيد والتعبئة الشعبية وصولا لتحقيق الهدف.

وعلى هذا المنحى أتطرق الى ما ظهر في الآونة الآخيرة من تحالفات سياسية وبالذات تحالف سائرون الذي تم الآتفاق عليه من قبل ستة أحزاب منها خمسة مدنية على رأسها الحزب الشيوعي والحزب السادس هو حزب الآستقامة مدعوم من قبل تيار جماهيري شعبي هو التيار الصدري الذي تلتف حوله الملايين من كادحي وفقراء الشعب العراقي . أنا أرى أن هذا التقارب لم يكن معبرا فقط عن أرادة نخب سياسية معينة بقدر ما أنه يأتي منسجما مع أرادة جماهيرية تجسد عبر خوض نضال مطلبي دام أكثر من سنتين لعموم العراق كان مشتركا في المطالب ومتوحد في رفع الشعارات ومتحد في الدفاع عن المتظاهرين وكلاهم متفق مع الدولة المدنية الديمقراطية كمطلب شعبي لذا يفترض تكثيف الجهد لآتساعه وفتحه الآبواب لكل القوى الخيرة والمخلصة لهذا المراد وأن يشمل كل المشهد العراقي فهو نواة في حالة حسن أدارته يمكن أن يعول عليه لذا علينا أن نعتمد الواقعية والمنطق ونتجنب العواطف والمزاجية والجمود العقائدي الذي يتأمل بالخيال وينظر بفوقية غير منسجمة مع الحقيقة . كما علينا اليقظة والحذر الشديد لآن كثير من القوى من خارج التحالف وقوى أقليمية وكذلك المدعين للمدنية من داخل التحالف نفسه تزعجها هذه الخطوة لآنها تشكل خطر على مستقبلها السياسي فهي لن تلقي سلاحها ولن تستسلم بسهوله. كما أن مبدأ التحالف ليس بالجديد على الشيوعيين ألا أن أغفال أسس التحالف الصحيحة ومراقبة القوى المتحالفين معها والوقوف ضد مساعيها الهادفة للقفز على القوى الآخرى وأعتمادها أسلوب ركوب الموجة لغايات خاصة بها هو الخطر الذي تكتنفه مسيرة التحالفات فعلينا الآنتباه لذلك.

في الختام يمكن القول أن أنجاز مهام الدولة المدنية الديمقراطية سيكون المادة الصلبة بقاعدتها الشعبية الواعية ومؤسساتها الدستورية الراسخة في الآنتقال لتحقيق أهداف أوسع وتكون مدخلا لآرساء أسس دولة أكثر تقدما...

ملاحظة : أن القراءة في هذا الموضوع لم تكن مقتصرة على العراق فقط فهي موجودة بنفس القدر تقريبا في الدول المحيطة بالعراق أضافة لدول عربية أخرى لذا يمكن أعتبارها كمهام لعموم اليسار بالمنطقة.



 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter