| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

 

الخميس 21/12/ 2006

 

أرشيف المقالات

 

من مذكرات تربوي
 

معاداة العملية التربوية في زمن الديكتاتورية

كان هذا في ضواحي ناحية بني سعد
 


فلاح ضياء الانصاري

في مدرستي التي جئت اليها ( مكافئا ) بعقوبة ادارية من مدرسة الحكيمية لدوري التربوي والتبشيري في القرية والمدرسة، ونتيجة للمادة الصحفية التي نشرتها حول المدرسة في طريق الشعب انذاك ، جئت الي قرية الحبوبي التابعة الي ناحية بني سعد والتي تبعد عن مركز محافظة ديالى مايقارب 20كم. جئت الى مدرسة هذه القرية غير مرحبا به وشعرت بالاهمال والتهميش منذ اللحظة الاولى.عند صياغة ورسم الجدول المدرسي الجديد تم ابعادي عن كل الحصص والمواد الدراسية التي تهتم بالحديث عن التربية الاجتماعية والتاريخ واللغة العربية واصبحت مادة العلوم والرياضيات ومادة التربية الزراعية من حصتي والهدف من وراء كل ذالك واضحا.

استطعت ان اتقبل جزأ لايتجزأ من الواقع الجديد والصعب واستطعت ان استغل هذه المواد التدريسية رغم محدودية امكانياتها وتقديمها في منظورها العلمي التقدمي ومن منطلقات انسانية تقدمية معتمدة على الطريقة التربوية الصحيحة في التربية والتعليم ونجحت وخلال فترة قصيرة ان اكسب محبة وصداقة العديد من تلاميذ المدرسة رغم ان عددا منهم قد تم اضمامه عنوة الى الاتحاد اللاوطني لطلبة السلطة والقسم الاخر لطلائع البعث. كانت مراسيم رفع العلم من كل اسبوع وكلمة يوم الخميس التي يتم فيها قراءة كل مايعزز ماهو رجعي ويمجد الحزب القائد ورجالاته، وعند مجيء دوري فأن كلمتي تبتعد في شكلها ومضمونها عن كل المضامين اللذين يتحدثون بها في كلماتهم ومراسيمهم مما اثار حقد وكراهية المعلمين البعثيين ازائي .

اخذت مكاتب المعلمين البعثية تمسك بقبضاتها على كل مرافق العملية التربوية ابتداءا من رياض الاطفال مرورا بالمراحل الوسطية وانتهاء بالمعاهد والجامعات والمرافق التدريسية الاخرى، وتوجهت هذه المكاتب بالغاء الدور الطليعي لنقابة المعلمين في المركز والمحافظات وافراغ هذه النقابة وفروعها من دورها التقدمي والديمقراطي.وكان مكتب المعلمين في مدرسة الحبوبي لايختلف في جوهره عن الفروع الاخرى لمكاتب المعلمين في المدارس الاخرى.كانت احدى مهمات مكتب المعلمين في مدرستي هو مراقبتي وتحديد حركتي ومنعي من الاختلاط مع اولياء االتلاميذ وذويهم. ان واحدة من اهم مبررات نقلي الى هذه المدرسة هو وضع جميع العراقيل ومنعي من المبيت في القرية او المدرسة بعد ان اكتشفوا اهمية ذلك ودوره و تأثيره على اهالي القرية من قبلي، فكنت مضطرا ان اسافر يوميا من بغداد الى ناحية بني سعد وبعد ذلك الى القرية حيث هناك تقبع مدرسة الحبوبي الابتدائية للبنين.

سارت العملية التربوية في مدرستي بل وفي ارجاء بلادي بشكل متعثر وكان ذلك من خلال نتائج الامتحانات المدرسية والوزارية لسنة 1977\ 1978، وفي اجواء متلبدة بالرجعية والعداء لكل ماهو تقدمي حيث تتوارد الاخبار من كل حدب وصوب عن ما تتعرض له جماهير المعلمين التقدميين خاصة منهم الشيوعيون من قمع وارهاب.اخذ منتسبي مكاتب المعلمين بمضايقتنا وابتداع كل الاساليب والضغوطات النفسية القسرية ازاءنا وكان الهدف من وراء ذلك هو لوي ارادتنا وكسر قناعاتنا، وتصاعدت حرارة هذا المد الرجعي لتشمل ليس فقط جهاز التربية والتعليم بل قطاعات واسعة اخري من الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بل وكل مرافق الحياة الاخرى، وهكذا بدأت خفافيش الليل الكريهة تحوم على كل مدارس بلادي لتغطيها بظلام دامس.

بدأت مديرية تربية محافظة ديالى حملتها الواسعة باستدعاء المعلمين من غير البعثيين الى بناية المديرية والاجتماع معهم وتهديدهم اذا لم ينتسبوا الى مكتب المعلمين وبالتالي اسقاطهم وترويعهم وقد صرح مدير التربية في اجتماعاته هذه بأن جهاز التعليم سيصبح جهازا بعثيا وحكرا لحزب البعث فقط. لقد رفض العديد من المعلمين المجتمعين هذا التوجه الرجعي الخطير على العملية التربوية.

توالت الاخبار التي تلت هذه الاجتماعات عن قيام مفارز امن واسخبارات المحافظة بغزو المدارس واعتقال اولئك اللذين رفضوا الانضمام الى مكتب المعلمين. وامام هذا الوضع الكارثي لم يبقى امامي وامام الكثير من رفاقي واصدقائي المعلمين سواء في مدارس المحافظة اومدارس الناحية سوى مغادرة مدارسهم والاعتزال عن العمل والهروب الى مناطق وبلدان اخرى خشية من ملاحقتهم واعتقالهم واستشهادهم تحت التعذيب كما جري للبعض وانتظار فجر جديد ودون حزب قائد وواحد وديكتاتورية ، يؤمن ديمقراطية حقيقية في التعليم .