| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 22/7/ 2008

 

رسالة إلى قوى اليسار والعلمانية العراقية

عبد الباري الشيخ علي

المقدمة
أعتمد النظام العراقي الحالي على قوى سياسية عراقية معارضة لنظام صدام كانت تعمل في الخارج. تبنت مسألة اسقاط نظام صدام دون ان تمتلك رؤيا استراتيجية او برنامج سياسى اقتصادى اجتماعى شامل يحدد طبيعة النظام البديل والمطلوب تأسيسة فى العراق.

إن نظام صدام و المقاطعة ألـلا إنسانية التي فرضتها ومارستها أمريكيا ضد العراق بعد تحرير الكويت قادت إلى تحطيم القاعدة الاقتصادية وا لاجتماعية و إلى تجويع الشعب العراقي ذهب ضحيتها مئات الآلاف وقادت لأول مرة في تاريخ العراق المعاصر إلى الهجرة إلى لخارج لضمان متطلبات القوت اليومي ...... وغيرها من الظواهر في تفتيت الأمة العراقية الفتية مما جعلت من العامل الاقتصادي و الاجتماعي عنصرا اساسيا لمتطلبات التغيير وتشييد نظام بديل له.

إن غياب وجود برنامج مشترك شامل لدى المعارضة في الخارج يعبر عن المضمون الاقتصادي و الاجتماعي جعل منها قوى سياسية مرحلية لإسقاط نظام صدام وليس كبديل لتشييد نظام ديمقراطي سياسي و اقتصادي اجتماعي. لذلك انحصر خطابها السياسي في إطار كونه وسيلة مرحلية لإسقاط صدام وجعلها تؤيد الحصار الدولي - أمريكي و تأثيراته الإجرامية و اللاإنسانية وتخريب مكونات الاقتصاد الوطني و تحطيم النسيج الاجتماعي وغيرها من الجرائم التي دونتها تقارير هيئة الأمم المتحدة و استنكرتها غالبية المؤسسات و المعاهد الدولية و المنظمات غير الحكومية و تسترت عليها و أيدتها بدون شرف وطني غالبية القوى السياسية العراقية المعارضة في الخارج بحجة محاربة نظام صدام و أصبح شأنها شأن ذلك الشخص الذي حرق البساط( الزولية) من اجل قتل الحشرة(العثة).....إن مثل هذا الموقف لا يعكس أبدا الحرص على مكونات الثروة المادية و البشرية و بالأخص حياة الفرد ذلك الفرد العراقي الذي كان يعاني من هذه المقاطعة التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الأطفال , وليس صدام وحاشيته , كما أثبت ذلك بالحقائق الرسمية لهيئة الأمم المتحدة . إن هذا الموقف غير المشرف وطنيا أعتمد على القاعدة الإجرامية الغاية تبرر الواسطة, التي اعتمدتها أمريكا وعبرت عنها بوضوح وزيرة الخارجية لأمريكية مادلين أولبرايت عندما بررت موت أكثر من نصف مليون طفل عراقي جراء المقاطعة المذكورة .

مثل هذا الموقف لقوى المعارضة في الخارج ليس ناجما عن عدم رغبة لمعالجة البرنامج الديموقراطي الشامل فقط, وإنما يعكس بوضوح العقم في الفكر وغياب الوعى الاجتماعى لماهية النظام الديموقراطي المطلوب للعراق , مما جردها من أن تكون قوى سياسية تتمكن من تشييد نظام ديموقراطي بديل لنظام صدام , الأمر الذي قادها إلى أن تبارك بدون قيد أو شرط ابسط الاعتبارات و القيم الوطنية للمخطط الأمريكي لاحتلال العراق و الرضوخ المطلق لأهداف الاحتلال ومن ثم سيقت قيادتها كالأغنام في مؤتمر المحاصة الأول في لندن و الثاني في صلاح الدين الذي نظمته وقادته المخابرات لمركزية الأمريكية وزبائنها من المرتزقة و العملاء العراقيين ومن ثم استجابت بشكل مطلق لتوليفة مجلس الاحتلال ( المجلس الوطني) الذي أقامه حاكم العراق الأوحد بريمر.

الذي شكل القاعدة و الهيكل لتشييد نظام المحاصة الطائفية و العرقية و الإثنية و قبلت عن رضى حل مؤسسات الدولة الأساسية وتشريع شتى القوانين غير الطبيعية و اللاإنسانية ...... وغيرها التي لم يشهد مثيلها عهد مرحلة الاستعمار حتى أدانتها الكثير من المنظمات و الإعلام الدولي بأن ذلك يشكل خرقا للعرف و المقررات الدولية وتتنافى و طبيعة عصرنا.

إن فرض نظام المحاصصة على هيكل النظام العراقي الجديد وتبني هذه الأحزاب السياسية و السلطات العراقية المتعاقبة لهذا النهج و تعميقه بهيمنة المحاصصة على إدارة الدولة و المجتمع .... الخ التي تتنافى مع مقومات تشييد الدولة الديموقراطية , وتجاوزت حتى القيم و التقاليد العراقية التي كانت تؤطر النسيج الاجتماعي .... وغيرها شكلت القاعدة و السبب للكارثة التي يعيشها العراق اليوم .

إن استجابة هذه القوى السياسية لجريمة المحاصصة في مجلس الحكم واعتبرته بدون حياء نموذج الدولة الديموقراطية بالمنطقة لا يعكس العقم في الفكر الديموقراطي السياسي فقط و إنما أيضا انحطاط الشرف الوطني بتغليب المصالح الذاتية على مصلحة إعادة بناء الدولة بالأخص عندما مارس ممثلو هذه القوى السياسية هذا المبدأ المشين عمليا في مؤسسات الدولة وجعلت منه صيغة هيكلية للنظام الجديد , ذهب ضحيتها أكثر من مليون وشرد حوالي ستة ملايين عراقي تعيش الغالبية في فقر مدقع يتحمل مسئوليتها الطرفان الأمريكي و العراقي و ليس الجانب الأمريكي فقط كما تحاول هذه الأحزاب المشاركة في النظام طرحه لتبرير مسئوليتها من الجريمة كمنفذ لهذه الكارثة التي يعيشها الفرد العراقي اليوم.

إن من ابشع ما يمارسه هذا النظام الجديد منذ اكثر من خمسة سنوات هو تشويه الفكر الديموقراطي لحجب وجهة النظام الديمقراطي المطلوب لإعادة بناء العراق من خلال الدجل السياسي الذي تردده الأحزاب السياسية التي شاركت بنظام المحاصة بالإدعاء بأن مآثر النظام الحالي يتجلى في الانتقال من حكم شمولي إلى نظام ديمقراطي.

يكشف واقع السنوات الخمسة الماضية بأن ما حدث هو الانتقال من حكم شمولي إلى حكم أقلية طائفية وعرقية سياسية فرضت نفسها عبر قانون انتخابات غير ديموقراطي و فرض التكليف الشرعي و العرقي و انعدام اي برنامج اقتصادي اجتماعي شامل يعالج معانات الشعب العراقي و اعادة بناء العراق ليسمح للفرد حرية اختيار ممثلي مصالحه ومصلحة الوطن في الانتخابات. شكل مثل هذا النظام نموذجا جديدا لايختلف في جوهره عن النموذج القديم بهيمنة السلطة على إدارة المجتمع لمصالحها الذاتية و ليس العكس , مما سمحت لهذه السلطة التوغل ابعد في تفكيك النسيج الإجتماعي و الإبتعاد عن اعتماد الدولة على مقومات الأمة .

إن فرض هذا الشكل من النظام يعكس الاستجابة التامة لهدف الغزو الأمريكي كما أشار إليه عالم السياسة و الاقتصاد البروفيسور وليم روبنسن , بأن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في تشييد مثل هذا النظام في العراق أستهدف ثلاثة قضايا وهي:

1- تشجيع ورعاية نخبة محلية ذات توجه كوني تعمل وكيلة لتحقيق المصالح و الأهداف الأمريكية, وتسعى لدمج العراق بالنظام لرأسمالي الدولي , وأن تتمتع بالإمكانية و القدرة لإدارة الدولة "المحلية" التي أنشأتها ورعتها تحت وصاية قوة الاحتلال

2- تشييد وتعزيز أركان هيمنة و سيطرة هذه النخبة الحاكمة الو كيلة وفرض سيطرتها على المجتمع وإعاقة جماهير الشعب المعارض لهذه اللعبة السياسية في تنظيم صفوفه باستقلالية من خلال السعي إلى دمج جميع المنظمات , سواء أكانت سياسية أ و مدنية, بالنظام السياسي الذي ترغب أمريكيا تشييده بوسائل الترضية.

3- عزل القوى السياسية الوطنية التى ترفض المشروع الامريكى,خصوصا القوى التى تحمل اجندة ديمقراطية وطنية وتروم بناء عراق لاتتجانس اهدافة مع الهدف الامريكى يطلق وليم روبنسن على هذه الأنظمة اسم (بولي آرشي
Polyarchy ويعرفه "بأنه النظام الذي تحكمه نخبة تعمل بالنيابة أو بالوكالة عن الرأسمال الدولي وإن مشاركة الجماهير في اتخاذ القرارات العامة يجب إن تختزل وتختصر في الاختيار ما بين هذه النخب المتنافسة و المتصارعة في إطار عملية انتخابات ضيقة ومسيطر عليها و مدارة بطريقة محكمة .هذا ويتم تشجيع هذا النظام وإسناده من قبل النخب الكونية الحاكمة لإتمام إنجاز مبادئ الليبرالية الجديدة والتكييف الهيكلي ونهب الشركات" **

ونظرا لانعدام شريحة رأسمالية في العراق مرتبطة مصالحها مع سياسة الليبرالية الجديدة تعتمد عليها أمريكا كنخبة كما تم تطبيقها في أمريكيا اللاتينية وكما تم في استحداث الأنظمة الاستبدادية العربية المستجيبة للشروط الاقتصادية الدولية و لمشروع الخطاب الديمقراطي الأمريكي في المنطقة, راهنت أمريكيا في العراق على خلق مثل هذه النخبة بالاعتماد على قوى سياسية رجعية لا تعتمد على فكر سياسي حضاري وطني و إنما على انتماءات طائفية وعرقية وإثنية و قبلية وعشائرية, وهذا ما يتعارض مع بناء وحدة الأمة و الدولة الديموقراطية. ونتيجة لطبيعتها الفكرية و السياسية المتخلفة و ارتباطها المصيري بالمخطط الأمريكي سوف تعتمد هذه النخب على اقتصاد طفيلي غير إنتاجي يعتمد على الرشوة و سرقة أموال الدولة بشكل علني عن طريق توزيع الامتيازات فيما بينها في تنفيذ مشاريع الدولة وكذلك عبر قرارات رسمية عند تقديم العقود السخية للاستثمارات الأجنبية تضمن أرباح الشركات على حساب المصلحة الوطنية مستغلة قوانين الاستثمار الأجنبي الجائرة التي سنتها كقاعدة شرعية للنهب ... وغيرها التي تنصب جميعها في سلة الارتزاق غير الشرعي لتصبح قوة ذات نفوذ مالي تستخدمة كسلاح للابتزاز السياسي بعد تضخم التكاليف المالية عبر الرشوة وشراء الأصوات ووسائل الإعلام في إدارة المجتمع المدني و في عملية الانتخابات من أجل تهميش القوى اليسارية والعلمانية المناهضة لهيكل هذا النظام .والأدهى من ذلك سوف تتمكن هذه النخب تجريد المنظمات المهنية و غير المهنية من استقلاليتها و بالتالي تشتيت مصالحها المشتركة في المطالبة بتحسين ظروف عملها ومستوى معيشتها واحتمال تثبيت مبدأ المحاصة داخل منظماتها لتعميم وترسيخ نظام المحاصة في كل مؤسسات المجتمع العراقي.

إن مثل هذا النظام مهما تلوّن بالديموقراطية السياسية والدعم الخارجي يبقى غير ديموقراطياً و يرسي المقومات لانهيار وتلاشي مكونات الأمة و الحيلولة دون تشييد الدولة الديموقراطية وهذا ما تهدف إليه قوى خارجية وداخلية.

إن هذه الخاصية المتخلفة للنظام لا تتعارض ومشروع الهيمنة الليبرالية فحسب بل أيضا ومصالح إسرائيل في المنطقة. وسيستمر اللوبي الصهيوني الأمريكي (منظمة آيباك) يلعب دورا مهما في تسيير السياسة الخارجية الأمريكية مثلما لعبت دورها المؤثر في اتخاذ قرار الإحتلال الأمريكي للعراق كما أعلنت عنه الكثير من المقالات والدراسات الأمريكية. و الأكثر احتمالا استمرار تأثير هذه المنظمة الصهيونية الأمريكية على القرار الأمريكي لمرشحي الرئاسة الجدد الديموقراطي و الجمهوري فيما يخص الإستراتيجية الإسرائيلية –الأمريكية في المنطقة بشكل عام ومستقبل النظام العراقي بشكل خاص.

إن الأدوار و المصالح قد تختلف بين أمريكا إسرائيل وتظهر للبعض كظاهرة تناقض ولكنها في المحصلة تنصب في استراتيجية مشتركة وهي الهيمنة على المنطقة و إرضاخ شعوب و حكومات البلدان العربية في العمل ضمن هذا المخطط الإستراتيجي.

الرســالــة
لم تستوعب القوى اليسارية و العلمانية هدف وجوهر التحولات و القوانين التي فرضها ا لاحتلال على هيكل النظام الديموقراطي الجديد نتيجة هيمنة نشوة إسقاط نظام صدام على الإدراك السياسي و اعتقاد القسم الأعظم من هذه القوى بأن الديموقراطية السياسية التي طبل لها قد تشكل النموذج الأمثل للنظام الديموقراطي وقد تعطي ثمارها بمرور الزمن .

وعندما أخذت الإفرازات السلبية تبرز للعيان وتتفاقم التناقضات و الصراعات السياسية الداخلية على الساحة العراقية لم تسع قوى اليسار و العلمانية في تفسير ذلك بربط طبيعة هيكل هذا النظام بالتحولات غير الطبيعية . لذلك انحصرت توجهاتها الفكرية السياسية ومطالبها في معالجة للظواهر و التأثيرات السلبية وليس بكون طبيعة نظام المحاصصة الطائفية و العرقية و الإثنية تشكل السبب لهذه الظواهر و التأثيرات ثم الخلط بين العلة و المعلول.

إن من أحد الأسباب في ضعف التمييز بين السبب و التأثيرات عدم طرح السؤال التالي:

هل الديموقراطية نظام سياسي تتحدد أطره فقط في الحريات السياسية و الانتخابات البرلمانية أم إنه نظام اقتصادي- اجتماعي جديد؟ و إذا اجتمع الثلاث السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي ما هو الترابط بينهم و أيهم يحكم أو يؤثر على الآخر.

إن عدم طرح أشباه هذه الأسئلة وغيرها للوصول إلى مفهوم شامل عن ماهية النظام الديموقراطي المنشود للعراق ناجم ليس فقط عن تخلف في الفكر الديموقراطي بشكل عام وإنما أيضا عن تأثيرات الخطاب الديموقراطي الأمريكي منذ منتصف الثمانينيات وبعد سقوط المعسكر الاشتراكي الذي راهنت عليه بعض القوى لسياسية الليبرالية وغيرت مواقفها السياسية و الفكرية الوطنية على أمل أن تتمكن من احتلال مكانة في العملية السياسية الديموقراطية الجديدة مما أدى بها إلى أن تتخلى عن تثبيت المفهوم الديموقراطي الموضوعي الذي رسمه لنا مرشدو الفكر الديموقراطي العراقي على قاعدة كون لا ديموقراطية سياسية بدون ديموقراطية اجتماعية , أي الربط العضوي بينهما , وإن مصداقية الديموقراطية السياسية تنعكس أساسا بمقياس تلبيتها متطلبات الحاجات المادية لغالبية الشعب العراقي.

إن تبني هذه القوى السياسية للخطاب الديموقراطي الأمريكي جعلها عاجزة عن التمييز بين المفهوم الديموقراطي و المفهوم غير الديموقراطي و خصوصا فيما يتعلق بالمضمون الاقتصادي الاجتماعي و اندمجت نتيجة لذلك في العمل السياسي مع القوى التي خلقها الاحتلال و تحولت هذه القوى نتيجة لطبيعة العمل السياسي الذي يفرضه نظام المحاصصة إلى تكتلات سياسية عديمة الوضوح في فهمها للفكر الديموقراطي ومتناحرة فيما بينها من أجل البقاء على أمل الارتزاق من العمل السياسي وتغاضت عن تشخيص جوهر نظام المحاصصة كونه يشكل السبب في الكارثة .

بإختصار, إن تأثير الخطاب الديموقراطي الأمريكي على الفكر السياسي الديموقراطي العراقي و التشويه السياسي الإعلامي الجاري عبر الرشوة , التي تسمى المساعدات الأمريكية لمراكز الإعلام ..... وغيرها ساعد في الإبتعاد عن إيجاد صيغ واضحة حول ماهية النظام الديموقراطي الموضوعي المطلوب وتغليب التأثيرات والأحداث السياسية اليومية على مجرى المعالجات اليومية. أي حصر العمل السياسي بهذا المفهوم قد أبعد قوى اليسار و العلمانية عن طرح المفهوم الديموقراطي السياسي الإقتصادي الإجتماعي الخاص و الموضوعي للعراق , وبالتالي اضعف قدرتها على التمييز بين التناقضات الأساسية و الثانوية وعلى قدرتها في تفسير تناقضاتها مع النظام القائم و الخطاب الديموقراطي الأمريكي .

يشكل الهدف من أجل التنمية المادية و البشرية لإزالة أسباب التخلف و الفقر......الخ المعيار الأساسي لمصداقية نجاح الديموقراطية السياسية و ليس العكس . أي إن التوجه السياسي الديموقراطى ييجب أن يخضع لمتطلبات حاجات المجتمع الأساسية ليشكل القاعدة السليمة للنمو و الإستفادة القصوى من ثروات البلد المادية و البشرية و يضع الأسس السليمة ضد ظاهرة الفساد الإداري و الرشوة وهدر المال العام.

لذا فإن الحفاظ على ثروات البلد من أجل التنمية يتطلب الوقوف بحزم ضد نهب الشركات الأجنبية التي فُتح لها الباب على مصراعيه عبر وثيقة التفاهم المشينة بين النظام العراقي الحالي وصندوق النقد الدولي التي بموجبها جُرد العراق من سيادته الاقتصادية و المالية وتلاشى دور الدولة في التنمية الوطنية....التي من خلالها تر سخت جميع العوائق أمام نشوء اقتصاد وطني مستقل يعالج مشكلة التخلف و الفقر.

إن قوانين الإستثمار الرأسمالي الأجنبي و السياسة المالية في العراق التي فرضتها مذكرة التفاهم فتحت الطريق قانونيا أمام إحتمال بيع القسم الأعظم من القطاع النفطي في سوق النخاسة المالي الدولي (كما هو مخطط له في الخفاء) وتوزيع حصة كبرى من عوائده على النخب الحاكمة بغطاء توزيعه على الشعب وبذا سوف يجعل العراق إقتصاديا دولة تحت الإنتداب أو الوصاية التي تفرضها قوانين الليبرالية الجديدة و مؤسساتها الدولية.

إن الإعتماد على التنمية البشرية و المادية الوطنية في رسم جوهر النظام اليموقراطي المنشود يتطلب الإعتماد على منظور وتخطيط استراتيجي للحفاظ على منهجية العمل السياسي الديموقراطي كمرشد لمعالجة اسباب الكارثة.إن التخطيط للتنمية المادية و البشرية لايعتبر رفض أو يتعارض ونظام اقتصاد السوق و إنما مرشد للتوزيع الصائب و العادل بين التنمية الإقتصادية و التنمية البشرية و إعاقة فشل آليات السوق الذي يعتمد على العنصرالمادي وترك العامل البشري.

بالنسبة للعراق نتيجة تأثيرات نظام صدام و استكماله بنظام المحاصصة الطائفية و العرقية و الإثنية تم إشاعة الجهل بشكل عام وانحطاط في الوعي السياسي بشكل خاص في صفوف الشعب العراقي مما يستدعي عدم التوقف في التنمية الديموقراطية الوطنية فقط على الهياكل المادية و إنما بشكل ملح على إعادة مفهوم التنمية البشرية التي عرفت أبعادها الثلاث في تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 1993 على النحو التالي: *

1- التنمية هي تنمية البشر , بمعني الإستثمار في القدرات البشرية سواء التعليم أو الصحة أو تنمية المهارات بما يمكنهم من أن يقوموا بجهد منتج خلاق .

2- التنمية للبشر بمعنى أن يجري توزيع النمو الإقتصادي توزيعا عادلا يعم الجميع .

3- التنمية للبشر , بمعنى أن تتاح فرصة للجميع لكي يساهموا في الجهد التنموي.

إن ذلك يستدعي إعادة مفهوم التنمية البشرية التقليدي بمفهوم ومنظور جديد ديموقراي علماني يستهدف تطوير المجتمع كنسيج مستقل متكامل وعدم الإنغلاق فقط في إطار حرية الفرد بالإنتخابات و الحريات السياسية التي قد تكون معرضة للتأثيرات الذاتية لمصالح الكتل السياسية المختلفة.

إن هذا التوجه وغيره الذي يطرحه المناهضون لنظام المحاصصة الطائفية قد يحدد إطار تحالف مستقبلي بينها وسوف يشكل بمضمونه الديموقراطي الموضوعي نقيض لهيكل النظام العراقي الحالي وبعض القوى المشاركة في هذه العملية السياسية وقد يأخذ العمل المكثف بهذا النهج طابع صراع سياسي . ولكن هذا لا يعني ضمن تواجد القاعدة الديموقراطية السياسية إقصاء ا لآخر و إنما يكون هذا الصراع صراعا سلميا عن طريق الانتخابات أو الاستفتاء العام.

سوف يفرض على تحالف اليسار و العلمانية مثل هذا الصراع بحكم هيمنة الخطاب الأمريكي و الطبيعة الاحتكارية لأحزاب السلطة وتدني وعيها السياسي في الحوار المصيري , وقد تلجأ السلطة إلى اتهام قوى هذا التحالف بمعاداة الديموقراطية ( ديموقراطيتها) وقد تكفرها بكونها معادية للدين وتطبيق لشريعة و بالأخص عندما يطرح تحالف قوى اليسار و العلمانية في برنامجه أهمية فصل الدين عن إدارة الدولة وتحريم الطائفية و العرقية السياسية و التكليف الشرعي و العرقي في العملية السياسية بشكل عام وفي عملية الانتخاب بشكل خاص .لذلك على اليسار و العلمانية أن تعلن عن برنامجها أو توجهاتها المشتركة بشكل جريئ وواضح لاتساوم فيهاخوفا من شراسة الأحزاب الطائفية و العرقية التي تهيمن على المليشيات.

وضمن هذا الصراع السياسي على قوى اليسار و العلمانية في مجرى العملية السياسية نبذ القاعدة الانتهازية بكون " السياسة فن الممكن " و الانجرار أو إخضاع توجهاتها السياسية لتأثيرات السياسة الطائفية و العرقية المهيمنة على الساحة السياسية, و إنما يتوجب عليها الاعتماد في العمل على معالجة السبب(العلة) ليتمكن من التأثير على مجرى الصراعات السياسية الخاطئة لخلق المقومات لإنضاج الظروف الموضوعية للتغيرات الديموقراطية المطلوبة.

إن دروس التاريخ والتجارب تعلمنا إن من أحد الأسباب المهمة في إخفاق إنجاز مهام ثورة التحرر الوطني في الدول العربية و العراق خصوصا ناجم عن عدم تحول تراكم التغيرات الكمية الموضوعية التي كانت تطرحها مهام ثورة التحرر لوطني إلى تحولات نوعية تستجيب لمتطلبات التغيرات الضرورية في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية , و الإنجرار وراء مجرى الأحداث و العمل السياسي الذي كانت تفرضه قوى الحرب الباردة وسياسة الأنظمة العربية الانتهازية بين المعسكرين و التي حولت مسيرة نضوج التراكمات الكمية إلى توجهاتها ومصالحها في البقاء و بالتالي إجهاض التغيرات النوعية المطلوبة, وهذا ما يطلق عليه الكثير بضياع الفرصة التاريخية.

إن وضوح الهدف المشترك وعدم الإبتعاد عنه في مختلف أشكال العمل و المساومات السياسية هو الكفيل في توجيه التغيرات الكمية إلى تحولات نوعية جديدة أكثر تطورا تقود إلى خلق المقومات الصائبة إلى التحولات في عملية بناء الدولة الديموقراطية.

إن طرح الإطار العام لمثل هذا التوجه من قبل العراقيين في بلدان الخارج وتبنيه الحوار الواسعو الدائم (ليس بالضرورة التنظيم السياسي) لتضم غالبية الأطراف الرافضة لنظام المحاصصة للتوصل إلى النقاط المشتركة حول ماهية النظام الديموقراطي المطلوب قد يبلور عبر تكثيف العمل و الحوار ضمن الإطار العام حسب ما تقرره ظروف العراقيين في كل بلد , سوف يشكل بمضمونه المعيار الأساسي و المصداقية لإخراج القوات العسكرية الأمريكية وهيمنتها العسكرية و السياسية و إنهاء المسيرة الخاطئة الجارية للنظام الحالي في العراق.

بالطبع يشكل الوضع داخل العراق الأساس للعمل نحو هذا التوجه حيث تواجد الغالبية من المتضررين من هذا النظام الذي أخذ وزنه النوعي و الكمي في تزايد ليضم الملايين بما فيهم اللاجئين و المهجرين في الدول العربية المجاورة وفي خيم الصحراء . إن الوضع السياسي و المعاشي و الأمني للشعب وفقدان الثقة بالاحزاب و العملية السياسية و التكليف الشرعي و العرقي و الإثني وغيرها جعلها تفقد الأمل بالتحرك السياسي. لكن طبيعة الفرد العراقي سوف تدفعه للإستجابة لنداء برنامج تحالف قوى البيسار و العلمانية في الخارج بمقدار بلورة محتوى هذا النداء ونشاط من يعمل على نشره وتلمسها الفعلي بجدية ومصداقية القائمين بالعمل . هنا تكمن اهمية وجدية التحرك و العمل في الخارج للتأثير على التحرك الديموقراطي السياسي – الإجتماعي وخلق جبهة واسعة تشكل تيار فكري ديموقراطي سياسي موحد تقف ضد مبدأ المحاصصة وكسر قيود الإحتكار السياسي اللا ديموقراطي المفروض.

من المتوقع بروز بعض الإختلافات بين هذه القوى في إيجاد رؤيا مشتركة نتيجة للتباين في التمييز بين السبب والمؤثرات . لكن هذه الظاهرة لاتشكل اسبابها وجود تناقض فكري بينها يصعب حله و إنما كونه تباين ثانوي في الرؤيا ينصهر في وحدة التوجه و العمل المشترك مع بقاء إستقلالية الفكر المختلف ضمن هذا التحالف.
 


*
Amarican Israili public affair committe(AIPAC)
** William Robinson
 What to expect from us? Democracy promotion in Iraq  Nr.89AAPSO Jan.-Aug. 2005



 

free web counter

 

أرشيف المقالات