| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 23/9/ 2008

 

السياسة الإيرانية
السيف والعمامة والثروة

ياسر المندلاوي
Falun92@hotmail.com

إن دور العوامل السياسية والإقتصادية - الإجتماعية والثقافية في النزعة الصفوية نحو إعادة صياغة مجد بلاد فارس(إيران)، جليّ بما فيه الكفاية لمن لديه أدنى إطلاع على تأريخ هذه البلاد، ولاسيما التأريخ الإقتصادي في سنوات النهوض الصفوي. وفي تقييم قد يبدو إستباقيا للوهلة الأولى، نذهب إلى القول، بأن لمعان سيوف فرض العقيدة المذهبية مستوحاة من بريق الذهب الذي ما كان له أن يعبر عن نفسه، في تلك المرحلة التأريخية، بغير السيف والعمامة. ولكي نتجنب الخوض في تفاصيل الحالة الإقتصادية والإجتماعية، التي تقع خارج إهتمامنا في هذه المعالجة إلا بمقدار حاجتنا إلى إسناد فكرة أو تقويض أخرى، نشير، وبإختصار شديد إلى إن بلاد فارس، شأنها شأن العديد من بلدان الشرق، كانت تمتاز بقاعدة زراعية ونشاط تجاري، شكلا مدخلا مهما لقيام المدن ونموها، حيث كان 15% من سكان إيران يقيمون في المدن التي تمتعت بدور مركزي في الحياة الإقتصادية والإجتماعية. فهي منتجة ومصدرة للعلاقات السلعية-النقدية، وتاليا، مؤثرة في كامل النظام الإجتماعي بما فيه النظام الإجتماعي في القرى والأرياف، عبر شبكة الخدمات التجارية والضريبية والريعية وغيرها. خاصية المراكز المدينية الكبرى، في إيران وفي غير إيران في الشرقين الأدنى والأقصى، كانت السبب في الإستعصاء البنيوي للإقطاع الشرقي على عوامل الهدم الخارجية المحمولة على رماح نبلاء القبائل المحاربة الغازية، حيث كان هؤلاء سرعان ما يجدون أنفسهم جزء من البناء السياسي والعسكري والإداري والإقتصادي للمدن مع الحفاظ على السمات القبلية المحاربة والعادات والتقاليد الخاصة بهم. إن الحروب والغزوات، وإن إتخذت أشكال دينية ومذهبية وإثنية، كانت تعكس الحاجة للسيطرة أولا: على مصادر الثروة في المقاطعات والأقاليم المستهدفة عن طريق الإستحواذ على ريوع الأراضي الزراعية وتحويلها إلى ملكيات في المدن. وثانيا: السيطرة على النشاط التجاري بالتحكم في المواصلات البينية بين المدن وبينها وبين الأرياف، ناهيك عن السيطرة على طرق التجارة الدولية بين أسيا وأوربا، حيث كانت منتوجات الحرفيين الإيرانيين وغيرهم تجد طريقها إلى الأسواق الأوربية. إن غاية الصفويين في التمكن من أمر بلاد فارس، هي ذاتها غايتهم في التمكن من الثروة التي لا سبيل إليها بغير إخضاع دويلات الطوائف المتنازعة ومواجهة الدولة العثمانية لإنتزاع أكبر قدر ممكن من أراضي السلطنة، وأيضا تأمين طرق التجارة مع أوربا بالسيطرة على الخليج. ولما كانت مستويات التطور الإجتماعي بطابعه الإقطاعي الشرقي آنذاك غير ملائمة لظهور القوميات بعلة الإنعزال والتمايز الإثني والثقافي واللغوي، فإن شكل التعبير عن الحاجة إلى وحدة سياسية تشمل عموم بلاد فارس، كان في هيئة ثنائية السيف والعقيدة المذهبية، الأمر الذي ساعد على تجاوز عائق الشرعية الدينية التي تحتكرها الخلافة العثمانية، وعائق التشرذم الإثني البدائي. وعليه فإن فرض التشيع ما كان له أن يقيّم على إنه هدف بذاته لإداء فريضة يستوجبها الإنتماء العقائدي في مواجهة الإنتماء المغاير. وما كان له أيضا، أن يرد إلى نزعة قومية لم تتوفر شروطها في الواقع الإجتماعي، وإنما أداة لتحقيق أهداف سياسية وإقتصادية-إجتماعية حددت معالم دور التشيع في الصراع الصفوي ضد الكيانات المحلية من جهة، وضد العثمانيين من جهة أخرى.
وفي رأينا إن الملاحظة التي أوردها بعضهم بخصوص محاصرة العامل المذهبي والقومي في الجوار العربي ولإسلامي لطموحات الدولة المتمذهبة في إيران ما بعد 1979، تخص الدولة الصفوية المتمذهبة، ولكن ليس قبل إستبدال الأقوامي والإثني بالقومي. وهذا الأمر يعد عاملا إضافيا لسعي الدولة الصفوية لتحقيق أهدافها الإستراتيجية بعقيدة السيف، إن في الصراع الداخلي، أو في الصراع مع الدولة العثمانية المصنفة هي الأخرى في صنف الدولة العسكرية-الإقطاعية المتمذهبة. إن إنعدام أو ضعف التواصل الثقافي والسياسي بين الأقاليم الإسلامية، وبين مدينة وأخرى ضمن الأقليم الواحد، وما بين سكان المدن وسكان الأرياف، شكل عائقا جوهريا لتحقيق الأهداف السياسية والإقتصادية-الإحتماعية عبر الإستخدام الوظيفي للعقيدة المذهبية بغير عامل السيف، أي أن التمدد المذهبي بوسائل دعوية تبشيرية، لخدمة أهداف سياسية بمضامين إقتصادية وإجتماعية، كان يصطدم بواقع ضعف الصلات، قبل أن تزيده صعوبة، موقف إسلام الأغلبية من الفرق الموصوفة بالمنحرفة والخارجة على الإسلام، حيث كانت الإثني عشرية في عدادها إلى وقت قريب من الآن، قبل أن يتم إعتمادها مذهبا خامسا في الإسلام. ويبدو لنا إن عقيدة السيف حققت للصفوية، في مراحل متعاقبة، بعضا من أهم أهدافها محليا وأقليميا وإن كانت قد تعرضت للإنتكاسة في سعيها للحلول محل الدولة العثمانية سياسيا ودينيا، بعد هزيمتها في معركة تشالديران أمام العثمانيين في عام 1514م. وإذا ما إستقرأ المرء الواقع الإيراني في تلك الحقبة من التأريخ بعين المتجرد من الأهواء والنزعات القومية والمذهبية، يمكنه أن يلحظ إن الصفوية حققت لإيران وحدتها السياسية بعد أن كانت تتقاذفها النزاعات الداخلية، وتنهكها حالة الإنقسام إلى دويلات طوائفية. مثلما خلقت الأرضية المناسبة لإنطلاق التجارة البينية محليا، وكذا إزدهار التجارة مع أوربا بعد السيطرة على الخليج وصولا إلى البحرين. ولعل أحد أبرز الإجراءات الصفوية المثيرة للجدل، بعد فرض التشيع، جعل اللغة الفارسية اللغة الرسمية للبلاد.
إن الصفوية بقدر ما شكلت قوة دفع لبلاد فارس، كانت شاخصة كعامل هدم وإعاقة لغيرها في الجوار العربي والإسلامي. وفي هذه الجزئية تحديدا، تكمن المبررات الواقعية لتباين المواقف من التجربة الصفوية بين القوميين والإسلاميين من كل صنف ولون، تسنده، صراع الإرادات بين القوى الساعية للهيمنة على مقدرات شعوب المنطقة بإستخدام نفعي للتمايزات القومية والمذهبية الراهنة، بعد ردها إلى الصفوية، التي أودعت نطفة الكراهية بين العرب والفرس، وبين السنة والشيعة، في أحشاء الماضي الذي يابى إلا أن يكون حاضرا. وحيث إننا نتلمس مخاطر الصراعات الراهنة وتداعياتها الطائفية، ستكون لنا وقفة مع التشيع الإيراني في العهد الصفوي قبل الخوض في دروب الأوبة المعاصرة للدولة المتمذهبة في إيران...

وللحديث بقية.
 

free web counter

 

أرشيف المقالات