| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

                                                                                 الخميس 24/1/ 2013

     

رسالۀ من کاتب ایرانی إلی الدکتور محمد مرسی رئیس الجمهوریۀ المصریۀ

اَیاز آسیم

بسم الخالق العالم المدبر
السلام علیکم یا سیدی. وأرجو لکم العافیۀ و التوفیق!
منذ أن إنتخبکم شعب مصر لرئاسة الجمهوریة، کنت أتابع أخبار مصر و ما یجری حولک. و کنت اتوق للإطلاع علی مواقـفکم تجاه احداث و مشاكل مصر والعالم و لاسیما العالم الذي يعرف بالعالم الإسلامی .أراک یا أخی شدید الايمان بالدین الإسلامي، وتؤکد فی الکثیر من خطاباتکم على قدرة الإسلام عفي إدارة المجتمع و العالم. و تعتقد أن الإسلام دین جامع یتیح للإنسان کل ما یحتاج فی أبعاد حیاته ومن أموره الفردية و العائلية و الإجتماعية، وفی کل الميادين الروحية و المادية و المعنوية و التشریعية وفی جمیع نشاطاته الإقتصادية والسیاسية والعسکرية والصحية والثقافية والقانونية والحقوقية.

أیهاالرئیس! أنا مواطن من ایران؛ أرض ذات ثقافة و حضارة و دین قبل أن یفتحها العرب عند ظهور الإسلام فی أوایل القرن السابع المیلادي إن القرائن التاریخیة تشهد على أن هذه الدولة کانت ساقطة قبل أن یهاجمها العرب. لأن حکامها وزعماءها الدینيين الزرادشتیين قد عاثوا فیها الظلم و الفساد ویأس الناس من إصلاح امورهم. و لهذا فما أن شاهدوا العرب یؤذنون و یعلنون مبادىء الاخوة و العدالة و نفي المیزات الجنسیة و الطبقیة، فقد أیقنوا بأن نجاتهم من الظلم و التمييز المفروض علیهم في ید هذه القوة المهاجمة التي تدعو للعدالة و الاخلاق و الایمان.

نعم یا سیدی، نحن الايرانيون ( أي ايرانيون عصر غزو العرب) کنا قد استسلمنا للأصوات والوعود الفارغة والواهية . ولذا لم تسقط دولتنا بل سقطت هويتنا الوطنية. إن أجدادنا لم يكن على علم بمَن هجم علیهم، وما يريد هؤلاء المهاجمون وماذا يودون عمله؟؟.

لم یکن للشعب الایرانی أي هدف فی حياته في ذلك العصر. فقد كانوا ضحية لأحابيل زعماء الدين الزرادشتي وظلم الملوك الساسانيين. وفي ظل هذا الكبت اظلمت الدنيا في اعيننا واصبحنا ننتظر قوة من خارج البلاد لتقوم اانقاذنا. ولهذا استسلمنا للقوم المهاجم وقبلنا بدينهم. وما أن استقر العرب في بلادنا وبرزوا شخصيتهم وارسوا مؤسساتهم حتى تبين لنا مظهر آخر يقوم على العنف والظلم والقتل والخرافة والرشوة والأوهام والأحلام الخالية والدعوات الواهية والتافهة وتحميق الناس. ولم يقتصر هذا السلوك على ايران فحسب، بل شمل كل مدينة وبلد اجتاحه العرب.

لقد ظن أجدادنا في البداية أن هذا السلوك المشين يقتصر على الجهلة من المسلمين فقط، وإن الدين الاسلامي برىء منه. وإن هذا الدين، على حد زعم القوم المهاجم، هو دين الحق والعدل. ولكن ما أن شرعنا بالتفكير والنظر بعمق حتى رأينا أن التعاليم الاسلامية الأصلية هي نفس ما يقوم به هؤلاء الاتباع باستثناء بعض التعاليم الفرعية والجزئية الخاصة بالشؤون الاجتماعية والانسانية. إننا لا نلوم اليوم القوم المهاجم، ولكننا نبحث في عوامل القصور والتقصير الداخلية التي أدت إلى ذلك في بيتنا.

أيها الأخ الكبير والمحترم. إن بلدكم قد تعرض لنفس المصير. فإكم أيضاً كنت دولة ذات ثقافة وحضارة قديمة. واذا ما رجعتم إلى الوراء فقد كانت بلادكم قبل الفتح الاسلامي تتعرض للظلم واستباحة الفراعنة ورجال الدين الذي امعنوا في اذلال الشعب. وفي اوج تلك المعاناة بدء الشعب ينتظر تلك القوة التي تنقذهم وتنقذ وطنهم من هذا المصير. ولهذا استقبل المصريون المهاجمين على غرار ما فعله الايرانيون. وإذ راح المهاجمون يرددون شعار الاخوة والعدالة والتوحييد، فإنه طبقوا ذلك بأيشع صوره حيث احتلوا البلاد وأسروا الاطفال والنساء والرجال كسبايا وباعوهم كعبيد. ورأى المصريون أن هؤلاء كانوا يستهدفون الغنائم واستعباد النساء زالرجال. وأصبج جالهم حال الايرانيين عندما اكتشفوا الشخصية الواقعية للقوم المهاجم الذين استقروا في بلادهم. هذا ما ینبغی أن یتفحصه العلماء و کبار المؤرخین و علماء الإجتماع في تاريخ بلدنا وبلدكم.

أيها الأخ العزیز ما هو موقفنا و حالنا؟ وأقصد بذلك موقفي وموقفك، وحال بلدي ايران وبلدك مصر وعلاقتهما بالاسلام؟. ماذا أعطانی الإسلام و ماذا أعطاك. ماذا أعطی الإسلام لبلدی ایران و لبلدك مصر؟.

لعلك ستقول إن الکاتب لا يرى الحجم الكبير من الحضارة و الثقافة الموجودة فی العالم الإسلامي، أو هل قرأ الكاتب التاریخ، وهل له اطلاع علی مراحل التاریخ الإسلامي و الدول الإسلامية. إنني اخاطبكم بصدق وحسن نية وأقول لإنني على علم بكل ذلك، بل وقرأت الکثیر عن هذا التاريخ، وقضيت جل عمري في الاطلاع على الفترات السابقة من تاريخ المسلمین. وهذا ما أیقظ فيّ حالة من الفراغ والبطلان من ناحية، ومن ناحية زاد عندي من الحسرة والندم على صرف كل هذا الوقت على ذلك.

انني على علم اولاً بأن الثورۀ الثقافیۀ والإجتماعیۀ والعلمیۀ قد قامت فی البلاد التي تم فتحها کالعراق و ایران و مصر و الشام و الأُندلس. و ثانیاً أعتقد أن هذه الثورة الثقافية قد قامت في البلدان التي يطلق عليها اليوم بالعالم الإسلامي، ولکن هذه الثورة جاءت نتيجة لازدهار الخزين الموجود في هذه الدول، والذي قمع عبر قرون وآلاف سنين على يد الأكاسرة والمغان* والفراعنة والكهنة، رغم أنا قد وجدت الفضاء لاحيائها بعد الفتوحات. والشاهد على ذلك إن هذه الحركة الثورية قد نمت وتطورت الثقافة وازدهرت الحضارة في ابران ومصر والعراق قد استمرت حتى تم استتباب الأمر للاسلام. ولكن ما أن استتب الأمر للاسلام هناك توقفت هذه الحركة والنمو والتقدم، وحلت محلها الفوضى.

إننا إذ نشاهد اليوم في بعض الدول الاسلامية قدر بسيط من التقدم والنمو فهو لا يعود إلى الاسلام أولاً، وثانياً إن هذه المجموعة من الدول التي نشهد فيها حركة ونمو هي نفس الدول التي كانت تتمع قبل الاسلام بثقافة وحضارة استندت إلى الأصول والاركان وجذورها التاريخية الداخلية، وليس إلى التعاليم الاسلامية. وهو ما نشهده في مصر وماليزيا وايران والعراق.

فلو كان للاسلام القدرة على ایجاد التنمیۀ و التحول فی الإنسان وفي المجتمع، لكام من الأحرى أن يجري اليوم في مكة والمدينة موطن وأن تنتشر الثقافة والحضارة المناسبة فيها وفي الاراضي المجاورة لها. واضافة الى ذلك فلو كان للاسلام القدرة على اصلاح الانسان والمجتمع قلماذا لم نر أي تحول في شبه الجزيرة العربية منذ انكيار سيف العرب؟.

فهل فكرتم في أنه لو لم تمتلك الدول العربية المسلمة المعادن الطبيعية والثروات التي وفرها الخالق كالنفط، فماذا سيحل بمصير هذه البلدان؟. وهل فكرتم بحال هذه البلدان قبل اكتشاف واستخراج النفط؟. ولماذا لم يطرأ اي تحول من الناحية الانسانية والثقافية والصناعية في بلدان كالعربية السعودية واليمن والأردن التي كانت لفترة طويلة حاضنة الاسلام، ولكنها لم تستطيع خلق الحد الأدنى من التحولات في المجال الانساني والثقافي والصناعي؟.

إنكم على معرفة بقسم من عالمنا المعاصر وكيفية ادارته، واطلعتم ودرستم في المراكز العلمية العالمية، وتعرفتم على البناء السياسي التاجح والفاشل في العالم، ونسألكم ماهي العلاقة اليوم بين الأمم والدول في العالم الإسلامي؟.

فهل تجد في هذه البلدان غبر الحكام المستبدين والظلمة الذين لم يجر انتخابهم من قبل المواطنين؟أو أن لا تجد سوى الحكام الذين يسطون على ثروة المسلمين ويغرقون في الفسادواحتكار السلطة والنفوذ؟. كما لا تجد في هذه البلدان الاسلامية سوى الحكام الذين يمارسون الظلم والقتل والسجن ومحابة النخبة في المجتمع؟. أو أنك لا تجد سوى حكاماً مسلمين هم أشبه بالذئاب المفترسة التي تنهش في أجساد الناس وممتلكاتهم؟. وأن لاتجد سوى الرقابة على وسائل الإعلام ووسائل النشر والاخبار وفرض القيود عليها خوفاً من ازديار الوعي عند الشعب؟.وأين ترى في العالم الاسلامي من يتعامل من الحكام بسلام وتسامح مع شعوبهم؟. وهل تجد في هذا العالم حيث ينجو الشعب من تطاول الحكام على أمنه وراحته وسلامته؟. فهل هذا من نتائج الاسلام أم المسلمين انفسهم أو العامل الخارجي. أنني اقول أنه لا يوجد أي بلد اسلامي الآن ينعم بالسلام والأمن، حيث أن غالبية هذا العالم يعيش حالة من الفقر والازمات والحروب الداخلية والخارجية.

إن عزو مفاهيم التقدم و التأخر إلى أي دين من الأدیان، أي نرجعها إلى هذه الأديان، هو عزو قاصر لأن الأديان ليس لها إي دور في الحياة الاجتماعية للناس أو في المسيرة التاريخية للبشر. أننا نحن الذين ندعي بأن الاسلام هو الذي يهدي البشر والعالم وله أصول ستراتيجية. اما الدين الاسلامي نفسه فلا يدعي بمثل هذا الدور. ويقع في نفس المطب اتباع الديانات الأخرى الذين بعتبرون إن دينهم دين جامع يحل كل الأمور الانسانية ومشاكل العالم، فهو قانون واستراتيج، وبعبارة أخرى فإن اتباع هذه الأديان يدعون أن الأديان هي منبع وجود الثقافة المستقلة أو أن الأديان لها دور خاص إلى جانب الثقافة العرفية في المجتمع وإلى جانب المدارس الفكرية والمراكز العلمية والكتب والأدب، وأنهم عند تأسيس مراكز دينية خاصة يؤدون خدمات جليلة لاتباعهم .
 
أخي العزيز! وفي هذا الإطار من المناسب أن تعلم أن البشر قد مر بمراحل كثيرة فی تطوره التاریخی. ويقوم البشر خلال هذا التطور التاريخي أن ينظم حياته ويدبر أموره وتفكيره تارة على أساس الاسرار والرموز الموجودة في العلاقات بين العوامل الطبيعية حيث كان الانسان يعتقد بتدخل النجوم ودوران السموات في مصير الانسان والبشر وسلوكهم. وفي بعض المراحل التي مر بها البشر، ربط الانسان الحياة وعلاقاتها فقط بالسحر. وفي مرحلة أخرى عاش البشر على أساس الحكمة والبحث الفلسفي والعقلانية وتدبير الأصول. وفي مرحلة لاحقة اتكأ الانسان على الدين في ترتيب شؤونه، وسعى إلى أن يصبح الدين وسيلة لتنظيم الشؤون الجزئية والكلية في حياته. أما في مرحلة أخرى بنى الانسان حياته على أساس الحقوق وسعى إلى تفسير وتعبير كل مناحي حياته على أساس الحقوق. وما أن دخل الانسان في الفترة المعاصرة حتى تخلى عن الاعتماد على ركن واحد في بناء حياته ، بل اعتمد على أبعاد متنوعة وتكاثرت بنى الفكر والسلوك الانساني. فاليوم يقوم الفكر والسلوك على كل ما يحتاجه البشر والمجتمع والعالم. وباختصار فإن عالم اليوم يقوم على أساس الحكمة والعلم. وعلى هذا الطريق يحتاج الانسان إلى الاقتصاد والحقوق والتكنولوجيا والفن والأدب. وفي هذا السياق لا يتجاهل الانسان مباني واصول التيارات الاعتقادية لأسلافه، ولكن الانسان الحديث يعتقد أن الدين هوايمان داخلي واعتقاد قلبي باعتباره يعرف ويفسر منبع الخليقة ونهاية الانسان والعالم. أما من وجهة نظر الانسان المعاصر فإن الدين لا يضع القوانين لأي شأن من شؤون الحياة الفردية أو الجمعية.

إن التباين في التوجهات الايمانية في مختلف بقاع العالم كان متنوعاً في السابق، وبقي على هذه الشاكلة في العصر الراهن. فمثلاً مر زمن قام اعتقاد وسلوك الناس في العالم الغربي على أساس الأسرار و الرموز. ولعل الشرق عاش علی ذلك الأساس أيضاً، أو علی نهج آخر کالکهانۀ و الأساطیر. وفي فترة أخرى جرى العكس حيث عاش الشرق علی العقلانیۀ، وربما عاش الغرب في حينها علی الأساطیر. واستمر الأمر على هذا الحال حتى تغير التطور والتحولات الفكرية المجتمع. وادى هذا التغيير إلى تطور البشرية، دون أن يرتبط ذلك بأي دين ، بل له ىرتباط بدورة من دورات حياة البشر. إن البشر في الظرف المعاصر لا يولي للدين أية أصالة في حياته الفردية أو الجمعية ، وفي نفس الوقت لا يحذف الدين ولا يتجاهله.

إن ما يتمتع بالأصالة عند البشر في الظرف المعاصر هو الحكمة والعلم والتجربة، وثمارها في نشر الأخلاق والثقافة والاقتصاد والتكنولوجيا. إن الإنسان المعاصر يعطي الأصالة أيضاً للحقوق الانسانية والاجتماعية مقابل التكاليف الدينية والمذهبية، وفي نفس الوقت فإن هذا العلم والتجربة والجانب الروحي والايمان والعمل بدين على أساس الوعي والاختيار يسها أموره الحياتية.

من الممكن أن تستنتج بالاستناد إلى كل ما قيل أعلاه، أنه من الواجب انكار كل الأديان والرسل ومساعيهم طوال مراحل تاريخ البشر. أنني أجيب على ذلك بأنه ليست هناك حاجة للأنكار الكلي للدين والميراث الديني والزعماء الدينيين، لأن الأديان ومكتسبات الدين وميراث الدين تقف على قدم وساق مع كل الميراث الثقافي المدني للبشر. وإننا مثل سائر الأمم نحرص على حراسة ميراثنا الثقافي والمعنوي ولا نتجاهله. ولكن علينا أإن نزنه وأن نقيس مديات تأثيره. فإذا كان الميراث الثقافي والمعنوي والتاريخي مازال يتسم بالحيوية والتأثير فعلينا أن نستفيد منه، واذا لم يكن كذلك فعلينا الاحتفاظ به بأمل أن نستفاد منه في يوم من الأيام، أو من أجل الاطلاع على الهوية التاريخية لأسلافنا.

وإذ وصل النقاش إلى هذا البحث، فمن المناسب أن نوضح باختصار حول الجوهر الحقيقي للأديان: وينبغي أن نعرف بأن لا توجد أية علاقة بين الخالق وعبده سوى العقل والمكاشفة المعنوية. فالخالق خلث البشر وأعطاهم العقل وأشار لهم إلى طريق الحكمةوالتجربة والتوفيق، ومن خلال هذه العناصر الأربعة جعلهم لا يحتاجون إلى أيشىء أو إلى أي شخص.وأدرك كل فرد وكل أمة هويتها المعنوية، وعرفوا رسالة العبد، واستخدموا العقل والعلم وكدسوا التجارب وازدهرت حياته وفتح بوجهه طريق النجاح وبحث عن كل ما يصلح شؤون حياته وتفادى كل ما يوقعه في الضلال والخسارة. وضمن هذا السياق ينبغي القول أن مدعي النبوة ورسا الله خلال كل مراحل التاريخ كانوا علماء كبار وحكماء متمرسين، وعقول عميقة تبحث عن الحقيقة وشخصيات صالحة ومصلحة لها علم بمصالح الأمة والزمان ومفاسده. إنها شخصيات تسعى إلى البر والاحسان وتشتاق إلى تنمية الانسان وتعاليه، ويسعون إلى السلام والاستقرار في المجتمع الانساني عن طريق نشر العدالة والأمن والعلم والمل والاخلاق.

ولكن بما أن البشر عموماً لایؤمن بإله مرئی، ویمیل إلى الغیب و إن الغیبيات عند غالبية الناس لها مهابة خاصۀ، فلهذا یرجحون الغیب و الأمور الغیبية علی الحس والاشياء الحسية. ولذا فإن المصلحون الكبار الساعون إلى إصلاح المجتمع والأمة ، فقد توجهوا بخطابهم إلى هذه الأمة قائلين بأنهم مرسلون من الله، وإن كل يعرضوه هي تعاليم الهية أمروا بالتبشير بها. بالطبع لم يكن قصدهم خداع الناس والاستفادة من ذلك، بل السبب هو أن هذا الاسلوب هوالاسلوب الذي يجلب اعتماد الناس وقبولهم بافكارهم وبرامجهم. فلو قال الرُسل للناس إن هذه الافكار والبرامج هي أفكارهم وبرامجهم، وإنهم يودون اصلاح المجتمع والأمة وازالة المفاسد، فمن المؤكد إن الشعب سوف لايعترف بهم ويتجاهلهم. إنهم بهذا الاسلوب كانوا يسعون إلى تحقيق الاهداف الإصلاحية والخيرية ومصدر خدمات جليلة في التاريخ الانساني. ولكن بما أنهم انحدروا من مجتمعات مغلقة وبسيطة وأولية، فإن غالبية تعاليمهم فردية توضح روابط الانسان بالله والعلاقات الجزئية بين البشر وتستجيب لحاجات ذلك الزمان. وحتى لو كانت تلك التعاليم كافية لتلك الأيام أو أنها متقدمة عليه، فاليوم ومع كل التحولات المعقدة التي تواجه الانسان والمجتمعات الانسانية فإن العودة إلى تلك التعاليم في إدارة المجتمع المعاصر تعد خطوة خاطئة ورجعية لأن ماهية والمجتمع اليوم تختلف كلياً عن ماهية الانسان والمجتمع في تلك الأيام. ونتيجة لذلك فإن المكتسبات المعنوية وتعاليمهم لا تستجيب لحاجات المجتمع والانسان المعاصر لأنها تصلح كضوابط لاصلاح المجتمع في عصرهم، في حين أن الانسان المعاصر هو المسؤول عن بناء العالم والمجتمع بقدر ما يملك من عقل وعلم وتجربة تتناسب مع مقومات عصره.

وعلى فرض اننا نسلم بالحديث القائل بأن الله قد أرسل الرسل للناس ووضع الشرائع وأنزل الكتب. فإن تلك هي البداية فحسب، لأن الكثير من الشخصيات الدينية والبحاثة الديميين يعلنون أن تم تحريف الكتب السماوية عن أصلها. فاليهود ينكرون كل الكتب التي جاءت بعد التورات.ويعتقد المسيحيون بأن التوراة قد حرف. ويعتقد المسلمون أن الكتب السماوية السابقة التوراة والانجيل والكتب الأخرى قد تم تحريفها، ويضيفون أن جميع الكتب الأديان السابقة قد تم تحريفها. واذا ما دققنا في كيفية كتابة القرآن وجمعه في التاريخ الاسلامي، لوجدنا أن المسلمين وقعوا في نفس المشكلة التي طرأت على كتب الأديان الأخرى. وكما تعلمون فإن المسلمين من شتى التيارات المذهبية والعلمية والفكرية يستندون إلى القرآن والسنة. وباعتبارنا مسلمين علينا أن ننظر وندقق في تاريخ حياة نبي الأسلام، وماذا حل بتعاليم وقواعد الأسلام خلال وفاته وبعدها. فإذا ما قارنا بين الأسلام الموجود مع الاصول العامة الايمانية والاخلاقية والاجتماعية المندرجة في القرآن لوجدنا أن هناك فراق كثيرة بين الأثنين، ولا يوجد أي تناسب بينهما. إن هذا الابتعاد للأمة الاسلامية عن التعاليم الاصلية للاسلام يرجع إلى أنه بعد وفاة حضرة الرسول(ص) حدث ما كان يخشاه الرسول في حياته وهو عودة الأمة الاسلامة إلى سنن وآداب مرحلة الجاهلية. فبعد انقضاء فترة وجيزة على رحيل محمد (ص) عاد القريشيون وطرحوا مطالبهم وعقائدهم الباطنية وتجاهلوا القرآن وهمشوا الانصار القريبين من محمد وحرموهم من مراكز التأثير والنشاط الاجتماعي. ولم يكتف القريشيون بذلك، بل فرضوا بهمة وحماس السنن والآداب القبلية والتعصب القومي والعنصري كبديلة عن سنن الاسلام. واستمرت قريش وعرب الجزيرة على تحقيق أهدافهم باللجوء إلى أساليب مثل افتعال الرواة من الكذابين والحكام الذي يحافظون على مصالح القبيلة وحراس السنن التي كانت قائمة قبل الاسلام. وهكذا لم يمر إلا وقت قصير حتى شرع بتحريف الكتاب السماوي والسنن والتعاليم الاسلامية وبقي ما هو جار في ذهن القريشيين. وهكذا شاهدنا أن القرآن قد وضع جانباً وتم تحريف اهدافه وتعاليمه، واضمحلت سنن وسيرة الرسول بعد وفاته ، أي السنة المنقولة عن الرسول والتي تعتبر أحد أركان الشريعة التي جرى تحربف البعض منها ونسخ الجزء الآخر لمقتضيات مرور الزمان. إن المسلمين بالرغم من أنهم يولون أهمية للحكمة والعقلانية، إلا أنهم بذريعة امتلاكهم للكتاب والسنة طلقوا العقل والعلوم العقلية وحولوها إلى أمور شكلية. وما بقي للمسلمين ميراث ثقافي يعرض باسم الاسلام ويعلنونه أنه آخر الأديان.

أن سلوكنا تجاه الميراث واضح. فمن الممكن في هذا الميراث أن نجد عناصر مفيدة وصحيحة ومثمرة، أو أن نجد في هذا الميراث سلوك ومفهوم يعود إلى الماضي. وهنا فإنا موقفنا هو مواجهة ظاهرة السنة والحداثة، وعندها يجب أن نفتش عن العناصر المفيدة والحية والمثمرة في المواجهة بين السنة والحداثة، وأن نتمسكبالعناصر الايجابية ونتخلى عن العناصر السلبية. أي نقف ذات الموقف تجاه المواجهة بين الميراث الحديث والميراث الثقفي القديم.

صديقنا العزيز... لقد أشرت إلى مكانة الدين في عالم الانسانية. إن البشر يسيرون في طريق تم تحديده من قبلهم زعلى اساسالحكمة والعلم والتجربة، وليس الطريق الذي حدده الدين. فالبشر بدون أن يتوجهوا إلى الدين، فهم وصلوا إلى التقدم والتنمية التي حددوها بانفسهم. وإذا ما حدد البشر انفسهم بالتعاليم الدينية فلا يمكن أن نتوقع أي تقدم علمي ولا فني ولا صناعي ولا مدني في العالم. إذن فالانسان توصل إلى التنمية والتطور والحضارة بدون طريق الدين واستراتيجيته. فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من أن الأديان جميعها قد أشارت إلى الفقه وبعض الاحكام الحقوقية، إلاَ أن علم الحقوق المعاصر لم يتبلور نتيجة فعل أي دين من الأديان. وينطبق الأمر على العلوم الآخرى کعلم الإقتصاد و علم النفس و علم الإجتماع و والتجارة الدولية والسیاسۀ التي لم تأتي من الأحكام والتعاليم الدينية، بل أن رسالة الدين لم تكن تتضمن ذلك ولا يتوقع من الدين ذلك. وهكذا نلاحظ كلما قام البشر بتقييد حركتهم ضمن اطار التدين، فلا يمكن أن نتوقع أية تنمية وتطور علمي. ولكن ما أن يتم تحري المجتمع من قيد الدين حتى تفتخ أمامه أبواب التقدم والرقي.

أيها الأخ ... أربط بلادكم بجذورها التاريخية، وأمتكم بهويتها المصرية الأصيلة، وتركيبة حكومتكم بالحضارة الرفيعة لبلادكم.

إنی أرفع صوتی من بلد رفعت ثورتها و ثائروها شعار إحیاء الإسلام، وارتبطت كل آمالهم على أساس نظام ديني يحقق العدالة والدين والتنمية، مع وعود ببناء نظام خال من الفساد والخراب والتخلف. فهل فكرتم ببلادنا وماذا حل بها ومصير ثورتها؟ . وهل فكرتم ولو لساعة بحال بلادنا وثورتها وكل هذه الخسائر التي تحملها الشعب والحروب والقتل والحكم العسكري، فما1 قبض الشعب من كل ذلك؟. وما هي مكتسباتنا. لم نقبض من هذه الثورة سوى الحرب مع المواطنين في داخل البلاد واخواننا في الدين والحرب مع بلدان الجوار. أننا لم نحصل سوى على قتل الشبيبة المتعلمة في البلاد بتهمة معارضتها للحكومة الاسلامية، وقتل الشباب في الحروب العبثية، وهذا ما جنيناه من الثورة.

أننا لم نكسب سوى الجلوس على المصانع المهدمة في بلادنا، والحصول على القنبلة النووية التي تهدد السلم العالمي وسلامة البشر ياسم الاسلام. كما اننا لم نورث سوى نظام قائم على الظلم والعسف، نظام يقوم على أكداس من الخرافات والبدع والعنف. ولم نكسب سوى شعب غارق في الحزن والاكتئاب. إن حكامنا منهمكون في نقض حقوق الانسان ونشر السجون ويتشرد علماءنا وخبراءنا في البلدان الأجنبية ويسجن كتابنا ومحبي الحرية في بلادنا..فهل أن إله الرحمن هو الذي وعد عباده بذلك وصادق عليها رسله؟ وهل أن الله ورسوله هما الذين حددا هذا المصير للأمة الاسلامية؟

أخي المصري!! اطرح عليك هذا السؤال... هل هناك أي سبب للحرب بين الامم الأوربية والأمة الاسلامية؟ كما أسالك هل هناك أي داع للحرب بين الأمة الأمريكية والأمة الاسلامية؟ فلماذا يحملون حكام الدول الاسلامية كل هذه النفقات الخيالية على شعوبنا والشعوب الاسلامية.

اليوم فأي بلد اسلامي يعيش مواطنيه بسعادة وأمان ويتمتعون بثمرات العلم والأمن والسلام؟ إننا نجد أن شعوب جميع بلاد المسلمین الیوم تأن من وطأة الديكتاتورية والظلم والفساد والفقر والجهل والتخلف والعذاب والضغط على افراد الشعب.

أنظر إلى العربیۀ السعودیۀ باعتبارها أم القری في عالم الإسلام فی أی شان الیوم؟ فما هي تركيبة الحكومة وعلاقتها بالشعب؟ إن غالبية المسلمين فی حواراتهم الجاریۀ ینکرون أثر الدین فی تأخرهم و یقولون أن الإسلام لم يُفعل بشكل مناسب ولم یستخدم کما يجب؛ فالعیب و الإشکال لا یکون من الدین ذاته، بل من ناحیۀ المتدینون، لأنهم لایعملون علی اساس الدین.

حضرة رئيس الجمهورية أنت تعلم و نحن نعلم أن هذا الإدعاء جميل، ولكنه مجوف، وقد حرف ذهن الإنسان عن الحقيقة طوال التاریخ، وهي أن الدين لن يأت لتشكيل حكومة وليس له القدرة على ذلك.

و أخیراً أود القول إن معنی الحیاۀ لايعني وجوباً أن ینظمها الدین و إن الدین هو غیر العقیدة والجانب المعنوي. إن الدين لو تحول إلى دستور فهو یصبح من أکثر العوامل تدمیراً للحیاۀ الإنسانية، و أشد العناصر التي تهدم المجتمع. هي ذي تجربۀ مختلف الأمم طوال التاریخ. إن الانسان المعاصر يحتاج إلى الأمان والخدمات الصحية وسلامة البيئة والسلام والأمن والحرية والاحترام وحقوق الانسان والحقوق المدنية وحقوق المواطنة والعلم والاخلاق والحقوق الشخصية والثقة بشكل أكثر من حاجته إلى الديانة والايمان.

وفي هذه الحالة علی حکامهم واجب تهيئة كل ما يحتاجه الشعب. ومع الأسف نرى حكام المسلمین مشغولين بأمور لا يحتاج الناس الیها، فهم بصدد إشباع رغباتهم الشخصیۀ أو تعصبهم القومی أو المذهبی. فعلى سبيل المثال، ففی الوقت الذی یعانی الشعب الإیرانی من أزمات اقتصادية وتعليمية وصحية واخلاقية وعائلية، نرى حكامه منغمرون فی إنتاج القنابل الذریۀ و الصواریخ العابرة للقارات و التسلیحات الحربية الأُخری ليقوموا باشعال نار الحرب فی زاوية من زوايا العالم أو فی کله. وکذلك ينعم أمراء البلد السعودیۀ فی العیش و البذخ والإستبداد في حين الشعب صاحب هذه الثروات كالأسرى والعبيد ومحروم من الحاجات الانسانية الأولية . وعلى هذا المنوال تجري الأمور في بلدان اسلامية كسوريا والأردن والمغرب وقطر وعمان والكوبت والامارات العربية ومصر وجميع بقاع العالم الاسلامي بدون استثناء.

إن ما لبس له قیمة له عند حكام المسلمین هو الإنسان و دمه و حقوقه و احتياجاته ومطالبه. فهم یظفون على انفسهم لقب ممثلي الله وظله أو خدام الحرمين و ظل الله و آیۀ الله و الزعيم و المولی ورئیس الأمة. ولم يقدم هؤلاء الحكام لشعوبهم سوى الفقر والفاقة والمرض والتشرد والتخلف والحيرة والحرب والسجن والخرافة والجهل والموت والقتل الجماعي!.

إن هذا الوضع يأتي نتيجة لحقیقۀ أشرنا إليها وهي أنه كلما تحول الدین إلى دستور يخرج عن الذهن والقلب ويحدد إطار للانسان والمجتمع، أي يتحول إلى ايديولوجية بمصطلح اليوم. ومتى ما تحول الدين إلى ايديولوجية، فإن يتحول إلى ذريعة وتبرير ومجوز لكل نهج وسلوك ووسائل للوصول إلى الهدف. وهنا يبدأ الانحراف عن الدين وتعاليمه واللجوء إلى مقولة "الهدف يحدد الوسيلة". وهي القاعدة التي لجأ إليها الانتهازيزن والجظميون والمستبدون والمتعصبون طوال مراحل التاريخ الانساني. واستفاد من هذه القاعدة الكثير من خلفاء المسلمين في سلوكهم العادي وفي حروبهم ويستفاد منها النظام الاسلامي في ايران بزعامة خامنئي والخميني بشكل صريح من أجل التغطية على جرائمهم.

أخی العزیز! دع الدین عند تنظیم وبناء الشؤون الإجتماعیة و السیاسیة والثقافیۀ. وإذا ما ترك الدين في مكانه، أي في قلب الانسان، فإنه سيعيش ويهدي صاحبه إلى طريق الخير والصدق، وإذا ما مات هناك فلا يبقى أي أثر للحياة مهما علا صوت الانسان حول الصلاح والمصلح.

اخی... دع الدین وابني الوطن؛ دع الدین و وأشيع السلام بین ابناء الشعب؛ دع الدین و عمّر بلدك؛ دع الدین ووفر لمواطنیك الأمن و السِلم و الراحة و الصحۀ. إنك إذا فعلت هذا، فمن الیقین أن یتوجه الناس إلی الدین. و إلا سيبتعد الناس عن دينهم الفطري، وعندها ليس من الصلاح والمصلحة أن بستمر حكمك؟.

إن إصرارك على حشر الاحكام الاسلامية في الحكم، لا يجدي ولا يعود إلاّ بالفرقة والاختلاف بين شعبك. تماماً كما حصل على يد زعماء الثورة الاسلامية في ايران وما أدت إلى نتائج مدمرة كالفرقة والاختلاف والهروب من الدين بين الايرانيين، إضافة إلى الحقد والعداء بين المواطنين وسرقة بيت المال والأجرام والذنوب الأخرى.


الإثنین - العاشر من شهر دسامبر 2012م
المصادف 26 محرم 1434هجری
 

* رجل الدين الزرادشتي

 


 

free web counter