| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 27/6/ 2012                                                                                                 

 

نعيم الشطري عنوان عراقي كبير

خالد غني

نعيم العصفوري ، كما يعرفه ايناء مدينته ، إنسان رائع ، واله في الكتاب منذ نعومة أظفاره ، وداعية لتأسيس مكتبة في كل بيت لتتواصل العائلة العراقية مع المعرفة ، ولتواكب التطور الحاصل في العالم .

ويتمتع نعيم الشطري بصفات قل نظيرها في هذا الزمن الصعب ، فهو طيب القلب ، مرهف المشاعر والاحاسيس ، خجول ومتعاون مع الجميع بحيث يعطي الكثير من وقته وراحته لمساعدة القادمين من أطراف بغداد وبعض المدن العراقية القاصدين شارع المتنبي .

ولم يكن نعيم الشطري كتبياً فقط بل قارىء جيد ، ومتابع للحركة الأدبية والفنية وتربطه علاقات وطيدة بهذا الوسط ، يعشق الطرب ومتذوق للمقام العراقي والغناء الريفي ، ويبهرك عندما يغني لفريد الأطرش .

تربطني مع نعيم الشطري وبعض الأصدقاء علاقة تمتد لأكثر من خمسة عقود ، أمضينا معاً أسعد النهارات وأجمل المساءات على شواطىء دجلة الخير ، وفنادق وحانات بغداد وأماكن جميلة أخرى ، بالإضافة الى مساكننا التي هو كبيرها ، ولا تحلو اللقاءات دون أن يتوسطها أبا ربيع ليعطيها نكهة لذيذة من أغانيه ونكاته وطرائفه الممتعة ، وفي واحدة من طرائفه وأثناء وقوفنا معه أمام مكتبته في شارع المتنبي ، جاءه أحد معارفه ليقدم له الشكر والتقدير رداً للجميل على مساعدته له قبل فترة قائلاً لأبي ربيع : حقاً إنك شريف وتستحق الإحترام وقبل أن يكمل هذا الصديق كلامه ، قاطعه أبا ربيع قائلاً له : أرجوك ألا تعرفني أنا إسمي نعيم وأخي إسمه شريف فضحك الجميع وكانت في حينها مزحة جميلة .

هناك الكثير من الذكريات لنا مع أبا ربيع وخاصة نحن الغرباء !! والذكريات هوية الغرباء كما يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش ، الكل يعرف أبا ربيع بأنه كثير النسيان مسببةً له الكثير من الإحراجات ، لكن لم يزعل منه أحد .

وبقدر ما تراه سعيداً لكنه يتأثر بسرعة في المواقف المؤلمة ، وسرعان ما يذرف الدمع بغزارة ، كان ذلك واضحاً عليه في زمن نظام البعث المقبور وخاصة عندما تردى الوضع الإقتصادي للمواطنين وراحت الناس تبيع ممتلكاتها ومقتنياتها!! ولا أنسى ذلك اليوم الذي جاءنا به أبي ربيع متأثراً جداً وهو كعادته يذرف الدموع ، لأن أحد أساتذة الجامعة باع مكتبته الخاصة بأبخس الأثمان !! ويقول سألت الأستاذ : وماذا بعد المكتبة ؟ قال الأستاذ : رزمنا غرفة النوم للمرحلة الثانية !!! وبعدها ننتزع شبابيك المنزل من جدرانها لنبيعها كما فعل جارنا!!
كان ذلك في التسعينات من القرن الماضي وعلى أثر هذه المواقف المؤلمة تدهورت حالة أبا ربيع الصحية وأدخل مستشفى الكندي وأجريت له عملية كبرى بالجهاز الهضمي نجا منها بأعجوبة .

انا لا أريد أن أصدق نفسي بأنك قد رحلت عنا بهذه السرعة ، وبالأمس القريب وصلني منك بيد صديقنا وائل عند زيارته لنا في الدنمارك كتابين أحدهما بعنوان " دين السماء ودين الفقهاء " تأليف الدكتور صادق إطيمش .

رحيلك يا أبا ربيع سيبقى شارع المتنبي شارع الثقافة العراقية بلا رمز !!! ومن يستقبل القادمون من أطراف بغداد وأقاصي المدن العراقية القاصدين بيت المدى أو مقهى الشاهبندر القريبين من مكتبة الشطري ؟؟!!! نعم أنت العلامة العملاقة الدالة لشارع المتنبي الخالد .

لن أنسى ذلك الإتصال الهاتفي ليلاً بتاريخ 3/9/1997قبل سفرنا الذي لم نحدد موعده ، وكان ذلك الإتصال الهاتفي الذي أخبرتني به إبنتي لينا لم أسمع من المتصل غير النحيب إلا في آخره عبارة " مع السلامة " ومن خلال هذه العبارة عرفت بأن المتصل هو العزيز نعيم الشطري أبا ربيع !! وعن طريق لينا سمعت هاتفياً هذا الخبر المشؤم .. وشتان ما بين الاتصالين .

كان رحيله في بغداد التي هي من أروع مدن العالم ، ويشيع من قبل رفاقه وأصدقائه ومحبيه في شارع الثقافة العراقية ، شارع المتنبي الخالد .
 


حزيران 2012
 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات