|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  27  / 3 / 2019                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

العبّارة…وهموم الوطن

رحمن خضير عباس
(موقع الناس)

عبّارة الموصل التي التهمت الاطفال والنساء والشباب في يوم عيدهم ، لم تكن حادثة منفصلةً عن حالة الانهيار الذي يمرّ به البلد. فهي ترمز وبشكل تراجيدي لحالة العراق ، الذي يُشبه العبّارة التائهة في اليمّ ،والتي لا تتوفر على ربابنة ينتمون اليها ، من حيث حِرَفيّتهم ومهارتهم في قيادتها ، ومن حيث انتماؤهم لروحها .

غرقَ الاطفال والنساء من أهالي الموصل المعذبة ، أمام أنظار الناس ، والذين لا حولَ لهم ولاقوة ، سوى مهارتهم في استخدام أجهزة هواتفهم المحمولة لتسجيل المأساة ، ومن ثمةَ نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي. غرق الناس بلوعة وهم يحتمون ببعضهم ، وهم يؤدون طقس موتٍ لا ضرورة له ، وممكن تجنبه ، لو كان الامر في مكان آخر وفي زمان آخر بحيث أن المواطن هو اساس بناء السلطة.

غرقت عبّارة الفرح بعد أن تحوّلت الى تابوت للموت. في مدينة تخلصت من غرق الارهاب. حيث سيطر عليها قطيع من إرهابيي العالم  ليقبضوا على روح الموصل ، ويحوّلوها الى مدينة الحزن والمآسي بعد أنْ سلبوا منها روحها.

ولكن إرادة الحياة أقوى. فقد هبّ الكثير من شباب العراق وخاصة من جنوبه ووسطه ، ليحرروا الموصل وأهلها من سيطرة أعتى إرهاب عرفه التاريخ الحديث.

يُتهم البعضُ مالكي العبارة في عدم توفير وسائل الأمان فيها ، وعدم وجود عوامل الصيانة ، والالتزام بقانون الحمولة ، وعدم توفر (سترة الإنقاذ).
ويتهمهم البعض بالجشع ،الذي يجعلهم يضعون حمولة أكثر من المسموح بها.
ويتهم البعض الضحايا أنفسهم الذين تزاحموا دون أدراك فداحة الأخطار في اختلال الوزن .

ولكن التهمة الحقيقية القائمة :
عدم وجود (دولة) بالمعنى الحرفي للكلمة.
فليس هناك تطبيق للقانون ، بل مجموعة أعراف قابلة للأخذ والرد والمسامحة ، على قاعدة "عفا الله عما سلف" وليس هنالك رؤية واضحة لتسيير المجتمع وفق قواعد الحكم العادل.

فالعراق دولة فاشلة منذ أن قدّم السيد ابراهيم الجعفري ، حينما كان رئيسا للوزراء سيف (ذي الفقار) إلى وزير الدفاع الامريكي آنذاك (دونالد رامسفيلد) ،هو وحاكم العراق المطلق (بريمر) والذي أمر بتدمير كيان الدولة ، من خلال حلّ الجيش والشرطة والقضاء والسلطات جميعا. فأصبح العراق منذ تلك اللحظة (عبّارة) هرمة تتهادى في ظلمة الاحتراب المذهبي والعرقي ، وأصبح العراق عبٌارة غير قادرة على حمل مواطنيها الى برّ المستقبل كبقية شعوب العالم.

العراقُ عبّارة يقودها سياسيو الصدفة من الفاشلين الذين يكرهون الحياة ، منذ أصبح منصب المسؤول الحكومي والبرلماني يحوّل الفرد من شخص حافٍ ، إلى مليونير. لذلك لجأت عصابات الحكم في فرض انتخابات مزيّفة ، وشراء المناصب بملايين الدولارات.
العراق عبّارة يقودها بشرٌ لا ينتمون إليها. وانما ينتمون الى دول الجوارالقريبة. ودوّل العالم البعيدة.لذلك فجميع العالم يستفيد من غرقنا وضياعنا واحترابنا. وأغلب القوى الصناعية الكبرى تريد لنا أنْ نبقى عبّارة تائهة فقيرة جائعة .
تمخر عباب الفراتين ولكنها لا تصل الى ضفة الفرح .
سنبقى راكبين على عبّارة تسبح في نفط ليس لنا منه سوى النار التي تحرقنا . أماّ نحن كعراقيين فينبغي أن تبقى في ألم البطالة والفقر ، ما دام خطيب الجمعة يبشرنا بأنّ العمل في الدنيا غير مهم ، وانما المهم هو الجزاء في الآخرة!!
لقد كانت صور الضحايا صادمة للمشاعر الانسانية. هؤلاء الذين كانوا يستجدون المساعدة المستحيلة وهم يصارعون لحظة الموت على مرأى أحبّتهم.
صراخ الأطفال الرضّع وأمهاتهم اللواتي ظللن يدافعن باستماتة من أجل الحصول على الهواء ، في لحظة جهنمية ابتلعت الجميع .
بكاء الناس وتضرّعاتهم في معجزة تنقذ ما يمكن إنقاذه.
لقد كانت صورة محافظ الموصل وهو يضحك بملئ شدقيه بعد الحادثة ، والذي نقلته كاميرات الإذاعة الرسمية ،تعبّر ضحكته بشكل دقيق عن استهتاره بالموقف ، كما تعبّر عن حالة عدم الانتماء لأحزان الناس من قِبَل هؤلاء المسؤولين. الذين انفصلوا عن القِيٓم الانسانية ، وهم يعيشون في ترف الغنى والمباهج والامتيازات الأسطورية.
الطفل الموصلي يذوب في النهر اختناقا وهو في قاع لوعته.
والمسؤول الموصلي يضحك مسرورا وهو في قمة أناقته.

مأساة العبّارة لقنتنا درسا بليغا.
وهو أن شعبنا العراقي هو شعب واحد ، بغض النظر عن أعراقه ومعتقداته ولغته وأصوله.لأن ألمنا واحد ومصيرنا واحد .
فقد أبكت عبارة الموصل أهالي الجنوب جميعا ، كما أبكت كل بقعة عراقية ، لانهم وجدوا في الغرق رمزا مأساويا لحالة الفوضى التي يعيشها الوطن الذي أغرقه سياسيوه في قاع معضلاته.

لقد أثبتت لنا العبّارة بأنّ جميعنا في خندق واحد.
بينما حكامنا الذين يمثلون كتلهم وأحزابهم ، والذين يعيشون في أبراجهم العاجية. فهم خارج خندقنا العراقي الذي يجب أن نبذل جهودا كبيرة كي لا نغرق.

 

   

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter