| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الاربعاء 28/11/ 2012

 

 رسائل قصيرة من بغداد- 1

د. جاسم الصفار

جاء رد فعل الشارع العراقي قوياً وغير متوقعاً على قرار مجلس الوزراء بإلغاء ألحصه ألتموينية وتعويضها بمبالغ مالية. وقد كثر الحديث عن هذا الموضوع في الصحافة العراقية وعلى المواقع الالكترونية بمختلف اطيافها وانتماءاتها السياسية بحيث انها اصبحت اختباراً حقيقياً لمواقف النخبة ألسياسية والثقافية في ألعراق لموضوعة قربها او بعدها عن معاناة الشريحة الأكبر من الشعب. جميع من تسنى لي الاطلاع على آرائهم ألمكتوبة، انبروا دفاعاً عن الفقراء وذوي الدخل المحدود، مطالبين في ذات الوقت بزيادة ما يستلمه الفرد العراقي من حصة تموينية وتحسين نوعية مفرداتها. الا ان ألقليل من ألمهتمين أو الذين أبدوا رأيهم عرضاً، من تأمل في ملابسات قرار مجلس الوزراء، لعرض بدائل تتخطى السلبيات التي رافقت توزيع مفردات الحصة التموينية.

وهنا اوجه حديثي لليسار العراقي الذي كان يجب ان يكون موقفه متميزاً نوعياً في تناوله لموضوع الحصة التموينية الذي تفاعلت معه معظم طبقات المجتمع العراقي، حتى الميسورة منها، ليعرض وجهة نظر برنامجيه تسقط حجج اصحاب القرار المشؤم وتؤيدها شريحة واسعة من شرائح المجتمع العراقي. هذا مع الأخذ بنظر الاعتبار ان الحصة التموينية كإجراء لمساندة طبقات وفئات المجتمع الفقيرة هي اجراء عرضي ومؤقت ينتهي دوره بتوفير ظروف العيش الكريم لتلك الفئات الاجتماعية.

ومن حيث المبدأ فانه لا يمكن التفكير ببدائل اجرائية لحيثيات الحصة التموينية دون عزلها عن الفساد الاداري المستشري في جسم الجهاز التنفيذي الحكومي. أي أنه يجب أولاً اخراج موضوع الحصة التموينية بكل حيثياته من بؤرة الفساد في وزارة التجارة وابعادها عن تحكم أي من اللجان الحكومية في أمرها. على ان يسبق هذا الاجراء استحداث مؤسسة اخرى غير تجارية محكومة برقابة شعبية من خلال لجنة النزاهة في البرلمان العراقي، وتمول من الخزانة العامة اضافة الى مساهمات القطاع الخاص الذي يحصل مقابل ذلك على تسهيلات من قبل الدولة. هذا مع العلم بأن هذه ألمؤسسة هي مؤسسة طوارئ اجتماعية مهمتها الانية توفير مفردات البطاقة التموينية للمحتاجين ضمن حد أدنى معقول لدخل ألفرد العراقي. وتستمد هذه المؤسسة مبررات وعوامل ديمومتها حتى بعد ان تستنفذ الحصة التموينية اغراضها، وفقاً للمشاريع التي تعدا لدعم شرائح المجتمع المختلفة والتي تحتاج لمساعدة الدولة.

ولو بحثنا في شؤون مجتمعات اخرى واجهت ازمات اقتصادية واجتماعية اضطرت الدولة بسببها الى استخدام آليات غير حكومية أو ليست حكومية بالكامل لدعم فئات محددة من المجتمع لوجدنا بأن هذه الآليات قد استخدمت بنجاح ليس فقط في التخفيف عن كاهل الفقراء بل ولتقليص حجم البطالة ودعم المسنين والمتقاعدين وتأهيل ذوي العاهات المزمنة وغيرها. وحتى في المجتمعات ألمتطورة اقتصادياً تلجأ الدولة لمؤسسات غير حكومية وغير تجارية لتأدية وضائف اقتصادية اجتماعية تعجز اجهزة الدولة بنظام عملها الروتيني من انجازها بنفس القدر من الكفاءة. وتكتفي الدولة في هذه الحالة بتقديم الدعم المالي ألمشروط ومراقبة اوجه صرفه.

وأخيراً، فما استعرضته اعلاه ليس سوى دعوة لفتح نوافذ اوسع على مشاريع بديلة، تاركاً التفاصيل لذوي الاختصاص والقرار لمن يملكه. فما يسعى اليه أي مفكر اشتراكي واقعي هو طرح منهج صحيح لبناء الدولة العراقية وتطوير اقتصادها على قاعدة العدالة الاجتماعية والتطور الاقتصادي. ثم أنها دعوة من صديق للتخلي عن نهج الانتظار والاكتفاء بردات الفعل ألتي لا تتجاوز الاحتجاج وجمع التواقيع، فإننا بذلك لا نكشف عن عجزنا في ادارة الاحتجاجات الجماهيرية فقط لا بل ونكشف عن عجز خطير في التفكير الثوري المنهجي.


 

free web counter

 

أرشيف المقالات