| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

 

الأثنين 28/8/ 2006

 

أرشيف المقالات



شاهد على الزمن الردئ

 

عادل مراد
Adelmurad49@yahoo.com

صورة من مئات الصور المرعبة طبعت في مخيلتي ووجداني, صدى نواح البكاء وزخات الدموع لا زالت ترن في اذني.
مشهد بغل يحمل سبعة أطفال محترقين بالغازات السامة مربوطين بعظهم ببعض بحبال قاسية وخرق بالية وهم يبكون من شدة الام عيونهم المتقيحة وبطونهم الخاوية قد حفر حزن ابدي في وجداني.
تؤرقني تلك الساعات الثقيلة التي هي بحاجة لذاكرة تؤرخ وتضئ المخفي.
المئات من البغال والخيول والدواب كانت تنقل بتثاقل وصعوبة بالغة الاف الاطفال والنساء والشيوخ المسلوخة جلودهم, فارين من جحيم السيانيد والخردل, من قرى مهدمة نحو القمم الشاهقة في (قنديل ومامنده واسوس وبيتوش) هربا من سموم علي الكيمياوي ووحوشه الكاسرة وفيالقه وطائراته وسمتياته المخمورة بالسموم ,كانت تلك الصور المفجعة طوال ايام وليالي حتى نهاية اب 1987 تؤرقني في المنام.
المواكب الجنائزية تمر من إمامنا والحزن يمزق الأحشاء, والذاكرة المرهفة تلتقط صورا للتاريخ....كنت ارجع خطوات لابتعد عن موكب الاحزان لادخل غرفتي الريفية المتواضعة في مقر الانصار واسطر مشاهداتي لينقلها المذيع عبر الإذاعة ,ليسمعها الله جل جلاله قبل البشر . اشتكينا لله من ظلم الطاغية والكيمياوي ومدافع وحمم سلطان..فقالت السماء ان القتلة سيدفعون الثمن ولا مفر من القصاص. وهذه هي الدورة الابدية للعدالة.
وأنا أحاول تقديم الماء وقطعة رغيف بعجالة لبعض الأطفال الذين فقدوا إبصارهم من السيانيد والتوبون ,تذكرت مقالتي السابقة التي كتبتها عن اقتراب لحظات الطوفان, يوم تنصيب علي حسن المجيد في 29/3/1987 حاكما مطلق الصلاحيات في كردستان,حينها شممنا من بعيد رائحة الدم وأتربة التهجير والهدم وسمعنا صراخ الأطفال وعويل الاغتصاب قبل اعلان الانفال وحملة المسالخ البشرية المروعة ونثر السموم على النسل والحرث في ربوع كردستان بشهر.
صدر القرار من الطاغية باسم الشعب ,صدرعن عاشق للدم ومحترف مريض بمرض القتل الجماعي, محرر مراسيم الحروب الداخلية والخارجية, حروب الموت بلا حدود وبلا هدف الا لابادة الشعب وسماه ( الانفال) استهزائا بالقران الكريم الذي يحمله اليوم في قفص الاتهام متظاهرا بالشجاعة مرة ببرائة الاطفال الذين مروا بالقرب من مقرنا الجبلي الشاهق الى المجهول مرة اخرى.
وبقدرة قادر تحول الكيمياوي الحارق السام في محكمة الزلزال الى كيمياويا علميا ودبلوماسيا هادئا وديعا كالحمل الجبلي ,جالسا بخشوع شيطاني امام الشاهدة الحية نجيبة تقي صوفي والاخريات البريئات القادمات من قرى باليسان وشيخ وسانان وسيوسنيان وبركلو وسركلو, تلك القرى المتصوفة والوديعة النائمة في حينه على السفوح الخضر.
انها الاقدار فقد تحولن من شهيدات الى شاهدات,من طريدات الى فاضحات للحثالات المكدسة في قفص العدالة والحق المقدس.
فياترى اين المجيد الماجد المتجبر الذي فقع عيون الأطفال السبع الذين شدوا بالحبال والخرق البالية على ظهر البغل التائه.
أنها الحكمة الربانية وعقوبة يوم الحساب على الأرض قبل السماء.
فهل حل بهم ما حل بفرعون وأقرانه؟؟
هذا الحمل الوديع الخجول عندما شاهد عدي يبصق على جثة حسين كامل تبول إمام الملأ وبلا خجل على الجثة الممزقة بالرصاص في بغداد ليبرهن لسيده وولي إنعامه بأنه المقدام الجسور وأفضل حارق بخور للقائد حتى لو كان المقتول من عظام الرقبة ومن العائلة المصونة. اي نوع من البشر هذه الطغمة.انهم عار في جبين الانسانية واوسمة دموية في صدور المدافعين عنهم.
الذاكرة والذكريات لن يمحوها هدوء علي الكيماوي وهو في قفص الزئام وإصغائه المتصنع لشهادات المفجوعات من أهالي قرى الموت.
الهدوء صحوة مزيفة إمام القاضي العادل متناسيا بخبث وحقد دفين أيام الغطرسة والتعذيب وحمم القنابل السامة والفسفورية والاغتصاب والمقابر الجماعية المبعثرة في صحاري نقرة السلمان ومعسكرات التطهير العرقي في مدن الجنوب.
سيدي القاضي الشهم : نادي على الشهود تباعا ليرى العالم شهقات الدموع وجرائم الذئاب المتوحشة فهم شهود للتاريخ..نادوا على الثكالى والمعوقين ..نادوا على الحجر والشجر والينابيع ألمجففه وعظام الطيور واطلال القرى المهدمة واجلبوا عظام اطفال المقابر الجماعية لتشهد ضد الجناة. دع الضحية يقف بوجه الجلاد...لا تبخل عليهم بالزمن. لقد صبروا تسعة عشر سنة.
نادوا علينا كشهود على الزمن الردئ...لنقص عليكم حكايات عن اطفال بلادي الذين دفنو احياء مع لعبهم وامهاتهم في الرمال الجنوبية القصية,عن ابرياء كابدوا الويلات والانتهاكات ومزقت اشواك الصحارى واسلاك المعتقلات اجسادهم النحيفة.
الخنازيرالمرتشية صفقت لهم بعد الانفال فانتابتهم النخوة ,فاقدموا على مجزرة حلبجة وتمادوا مجددا بعد اخماد الانتفاضة ايام اندحارهم في الكويت فذبحوا مئات الالاف من ابناء وطني في النجف وكربلاء والجنوب
ايها القاضي العادل:
انك تحاكم انصاف بشر ,غادرتهم قلوبهم,لكنهم احياء في قفص التاريخ, وهم من العصر الحجري, فلا خاتمة لهذا الملف فلا تسدلوا الستار عن مسرح احداث الانفال والدجيل وحلبجة والاهوار والجنوب, حتى يرى العالم طبيعة مجازرهم الهمجية ويرى الضحايا نهاية المسرحية التاريخية التراجيدية ويلمسوا القصاص العادل بناشري ضباب السموم واصحاب السجون الدموية وحفاروا المقابر الجماعية. ايها القاضي.. اكرم الضحايا ..دع الدموع الزكية تدوي قاعة محكمتكم.