نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

 

الثلاثاء 29/8/ 2006

 

أرشيف المقالات

 

تغميس خارج الصحن

 

محمد جاسم اللبان *

يبدو أننا في العراق، اصبحت لدينا بعض التقاليد السياسية السيئة، ربما لا تجارينا فيها دول العالم الاخرى. ومن هذه التقاليد، التوسل بكل الاساليب والطرق لغرض اثبات قضية معينة تنسجم مع نمط تفكيرنا، او الهدف الذي نتوخاه منها، حتى لو اتسمت هذه الاساليب بعدم الدقة والافتئات على الحقيقة، والاساءة الى قوة سياسية مشهود لها الوطنية الحقة، وبالدفاع عن مصالح الشعب والوطن حد الاستشهاد كالحزب الشيوعي العراقي.

هذا ما فعله بعض الاخوة ، عندما ارادو الدفاع عن مشروع المصالحة الوطنية الذي أعلنه السيد رئيس الوزراء، نوري المالكي،وكنا من اوائل المؤيدين له، ولكنهم انزلقوا، مع الاسف الشديد، الى محالولة تبييض صفحة البعثيين الصداميين، من خلال ما طرحوه، كل على انفراد، بأنه اذا اردنا محاسبة البعثيين، فيجب أن نحاسب الشيوعيين أيضا على جرائمهم بعد ثورة 14 تموز!!!. وهذا ما نريد ان نناقشه بهدوء وبرغبة صادقة في الوصول الى الحقيقة التي غابت عن هذا البعض تماما..

1- هنالك مسؤولية اخلاقية ووطنية تفرض على من يريد التصدي لتقييم حقبة تاريخية عاصفة في تاريخ العراق الحديث، خاصة ما حدث بعد ثورة 14 تموز المجيدة ان يكون ملما بالاسباب الحقيقية للصراع السياسي الذي حصل أنذاك، ارتباطا بأهداف الثورة، وتحقيق مصالح جماهير الشعب العراقي، أي ما يصطلح على تسميته في الادب السياسي بـ"تجذير مسيرة الثورة"، والمقاومة العنيفة لبقايا العهد الملكي من الاقطاعيين والكومبرادوريين ودول حلف بغداد، والدول الامبريالية، ورجعيات المنطقة، التي كانت متخوفة من امتداد لهيب الثورة الى بلدانها، وسعي كل هذه الاطراف لاجهاض الثورة وايقاف مسيرتها. كما يتوجب عليه أن يعرف بان مستوى النضج السياسي - الاجتماعي للقوى السياسية والجماهير الشعبية في العراق، لم يكن بالمستوى المطلوب آنذاك.

ولذلك ظهرت العديد من التسلكات ، والنشاطات الجماهيرية العفوية، اتخذ بعضها طابع العنف ضد الخصوم السياسيين، سواء في التظاهرات او النشاطات الاخرى، ولم يكن الشيوعيون مسؤولين عن هذه التصرفات، لان الحزب الشيوعي، لم يكن قادرا على التحكم ، او السيطرة على عواطف وسلوكيات مئات الالاف من العراقيين، الذين نزلو الى الشوارع ، وساهموا في الاحداث السياسية بنشاط وفاعلية كانوا يفتقرون اليها في العهد الملكي ، وقد حصلت هذه التجاوزات، رغم الجهود الجبارة التي بذلها أعضاء وكوادر الحزب للحد منها، وكاد ان يدفع العديد منهم حياته ثمنا لمحاولاتهم أنقاذ العديد من البعثيين، ومن المناهضين للثورة، حيث أرادت الجماهير ان تؤذيهم وتلحق أفدح الاضرار، ومن هؤلاء الكوادر الشيوعية، على سبيل المثال لا الحصر" المرحوم عمر الياس، سلطان ملا علي في البصرة" والعشرات غيرهم.

2- ما حصل في العراق، حصل في كل الثورات في العالم ، حيث تندفع الجماهير بصورة عفوية، وكرد فعل على الاستبداد والارهاب ومصادرة الحريات وحقوق المواطنين من قبل الانظمة التي سقطت على أيدي هذه الجماهير وجيوشها الوطنية، وهو ما حصل في الثورة الفرنسية الكبرى والثورة الروسية، وفي حروب الاستقلال والانتفاضات الجماهيرية التي حصلت خلال القرن الماضي، وما يحصل لحد الان، وأقرب مثال الينا ما جرى في اعقاب سقوط النظام الديكتاتوري في 9/4/2003.

وتقع على عاتق الاحزاب السياسية مهمة التخفيف من هذه الاندفاعات العفوية قدر الامكان، وصولا الى أنهائها، وهو ما فعله بالضبط الحزب الشيوعي العراقي في ذلك الوقت.

3- ولكي لا يكون الكلام خبط عشواء، او " تغميس خارج الصحن"، كما يقول المثل، وكما فعل البعض. وننصح الاخرين، أذا كانوا مخلصين فعلا للحقيقة، او يريدون التوصل اليها، وخدمة بلدهم وشعبهم ، أن يطلعوا ويقرأوا بأمعان ما كتبه المؤلفون السياسيون والكتاب والمسؤولون الامنيون في تلك الفترة، عن دور الشيوعيين وسعيهم الصادق لرأب الصدع وتعزيز الوحدة الوطنية، ورفض كل الاساليب والاساءات الى أي جهة من الجهات السياسية، او من عامة ابناء الشعب.

بأمكانكم الاطلاع على ما كتبه صاحب أفضل مؤلف عن تاريخ العراق السياسي بأعتراف الجميع ، ونقصد به المفكر والبروفيسور الفلسطيني الاصل المرحوم" حنا بطاطو"، وماكتبه الاستاذ المحامي" جرجيس فتح لله"، "وهو من قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني سابقا" والدكتور" عبد الفتاح بوتاني" والاستاذ " حسن العلوي" وهو من الكوادر البعثية المعروفة، وكذلك العقيد " جاسم محمود السعودي" مدير الشرطة في كركوك: أبان " أحداث تموز 1959، والذي رفع تقريرا الى الزعيم عبدالكريم قاسم ، حدد فيه مسؤولية الذين أرتكبوا المجزرة التي حصلت في ذلك التاريخ ، وقال فيه : أن الشيوعيين بذلوا جهودا مضنية في سبيل منع أعمال العنف والتصفيات داخل مدينة كركوك ، لكنهم لم يفلحوا في ذلك لضخامة الاحداث، ولتدخلات من خارج الحدود فيها.

وهؤلاء الاخوة والاساتذة الذين عددناهم ليسوا شيوعيين، بل ربما كان بعضهم لايضمر الود للشيوعيين، لكنهم يمتلكون ضمائر حية، ووجدانات صافية، فنطقوا بالحقيقة، كما هي، لا كما يريدها البعض زائفة، ومجافية للواقع!.

4- وفي الاجتماع الموسع للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في تموز 1959، نص أحد قراراته على :" نحن الشيوعيين يجب أن لا نؤذي حتى الذين أجرموا بحقنا، فهؤلاء تتم مقاضاتهم عبر المحاكم القانونية، وليس عن طريق الثأر والانتقام الشخصي، وعلى رفاقنا ومنظماتنا جميعا، العمل بكل الوسائل والسبل لمنع أية تجاوزات على المواطنيين، او القوى السياسية، التي نختلف معها في أهدافها وافكارها وتطلعاتها المختلفة".

5- ولعلم هذا البعض وغيرهم ، وللتاريخ ، فأن الشيوعيين كانوا هم الضحية الاكبر في تلك الفترة العصيبة من تاريخ العراق، وسنستعرض هذه الاحصائية الماخوذة من وثائق وسجلات الامن العراقية كدليل دامغ لما عاناه الشيوعيون في تلك الايام على يد الرجعيين وعصابات الاجرام واجهزة الامن والبعثيين وتشمل الفترة من عام 1959 الى نهاية عام 1961:

بلغت تضحيات الشيوعيين هذه الفترة " 269 " شهيدا ، " 106 " محكومين بالاعدام ، وخفض قسم منها الى المؤبد ، "4000" سنة سجن لمناضلين شيوعيين ،"22" الف معتقل ، "7510" حوادث أعتداء، أصابة "1527" رفيقا وصديقا بجروح ،تهجير "3424" عائلة محسوبة على الشيوعيين من محلات سكناها، وحرقت ونهبت الكثير من الدور واكواخ الفلاحين.

هذه هي الحصيلة التي نالها الشيوعيون وتحملوها بشرف وبطولة دفاعا عن مصالح شعبهم ، وخاصة الكادحين منهم ، ودفاعا عن الثورة ومسيرتها التي اغتيلت في 8 شباط 1963. ومن جديد كان نصيب الشيوعيين والديمقراطيين آلاف الضحايا الذين قتلوا على أيدي عصابات الحرس القومي، التي كانت تتلقى التوجيهات بقتل هؤلاء المناضلين من اذاعة أجنبية في أحدى الدول العربية المجاورة!.

6- فهل من الانصاف والموضوعية والنزاهة مقارنة هذه التضحيات والجهود النبيلة التي بذلها الشيوعيون العراقيون، ومساواتهم بالبعثيين الصداميين، الذين أحرقوا الاخضر واليابس، ودمروا الشعب العراقي، وفاضت " أنجازاتهم " على شعوب المنطقة، خصوصا في أيران والكويت. دع عنك المقابر الجماعية واقامة دكتاتورية لم تكن مسبوقة في أي بلد من بلدان العالم.

ماهكذا تورد، ايها البعض ، الابل، وأذا كانت لديكم رغبة في أنصاف الذين لم تتطلخ أياديهم بدماء ابناء الشعب " وهذا ما نريده ونفعله نحن أيضا " فعليكم ان لا تخلطوا الاوراق، ولا تضعوا نظارة سوداء على عيونكم ، لان ذلك يسيء اليكم ، قبل أن يسيء الى الاخرين.

* عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي