| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 31/10/ 2008

 

 أقلمة الاتفاقية الأمنية

موفق الرفاعي

لم يتمكن حتى ضجيج الانتخابات الأمريكية ولا دوي انهيارات أسواق المال العالمية أن يغطيان على اللغط الدائر حول مسودة الاتفاقية الأمنية بين الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية.
ففي الأسبوع الماضي كانت الاتفاقية الأمنية هي محور اهتمام الحكومة والبرلمان والأحزاب والكتل السياسية في العراق، إضافة إلى الشارع العراقي .
الدول المجاورة للعراق تحديدا والتي تجد نفسها معنية بما يجري في العراق حاضرا ومستقبلا شهدت هي الأخرى جدلا واسعا حول مدى تأثير اعتماد الحكومة العراقية مثل هذه الاتفاقية وكذلك الشعوب العربية التي تختزن ذاكرتها العديد من المعاهدات والاتفاقيات الاستعمارية وتكاد تحفظ أسماءها عن ظهر قلب، مثلما تختزن أيضا الكثير من النضال والمقاومة والممانعة والمواجهة والرفض لتلك المعاهدات والاتفاقيات .
( لن يكون للشعوب العربية ولا حتى لغير العربية أي تأثير في مجرى توقيع الاتفاقية، لأسباب وعوامل عديدة تسببت في انحسار التأثير الجماهيري على صانع القرار العربي، لا مجال لذكرها الآن ) .
الحكومة العراقية في مأزق خلقته مواقف الأحزاب والكتل السياسية المشاركة في السلطة وليس من خارجها - المعارضة -، والغريب أن تلك المواقف من الاتفاقية ليست متبنيات نابعة من قناعات تلك الأحزاب والكتل، إنما هي غالبا بدفع من دول أو مؤسسات من خارج الحدود العراقية وبخاصة دول الجوار .
( ولا أشير هنا إلى إيران وحدها، إنما هناك دول أخرى تدفع حلفائها في السلطة إلى نفس المواقف ولكن ليس كما تفعل إيران، فهي تعلن ذلك بإعتبار أن الإعلان عن موقفها هذا يشكل احد أشكال البروباغندا في صراعها مع الإدارة الأمريكية حول ملفها النووي تستفيد منها داخليا وإقليميا في تثوير الجماهير ضد الولايات المتحدة الأمريكية) .
الحكومة العراقية ستقبل بحل وسط دون أن تعني الكلمة تغييرات جذرية في بنود الاتفاقية، فرأي الحكومة أن العراق ما زال في حاجة لوجود القوات الأمريكية، ورئيس الحكومة نوري المالكي سيواصل مساعيه الحثيثة من اجل إقناع الدول ذات التأثير في الساحة السياسية العراقية تليين مواقفها عبر إزجائه الوعود والتطمينات بأن استمرار وجود القوات الأمريكية لا يهدد وجود حكومات تلك الدول - وهو ما يهم تلك الأنظمة -، بالرغم من أن القوات الأمريكية مؤخرا كشفت ظهر المالكي حين اخترق طيرانها الأجواء السورية وقصف مدنيين على بعد ثمانية كيلومترات من الحدود العراقية بذريعة استهداف متسللين إرهابيين .
ما يدلل على عمق المأزق الحكومي تلك التصريحات التي يدلي بها المالكي و الناطق الرسمي علي الدباغ وتصاغ بلغة فضفاضة تحتمل تأويلات عدة من اجل إرضاء وطمأنة جميع الأطراف ان الحكومة تتبنى مواقفهم من الاتفاقية أو هي لا تختلف كثيرا معهم حول ما جاء في بنودها موضع الخلاف مع المفاوض الأمريكي، كما جاء في عبارات لرئيس الحكومة نقلتها عنه صحيفة الـ(نيويورك صن) الأمريكية مثل: "لا هو ولا البرلمان العراقي سيوافقون على أية اتفاقية تخفق في خدمة مصالح البلاد الوطنية" أو مثل: "هذا الحل من شأنه أن ينطوي على عرض بحصانة محدودة للقوات الأمريكية" حين كان يتحدث عن إمكانية التوصل إلى حل وسط بين حكومته والإدارة الأمريكية .
وكان أوضح ما في حديثه للصحيفة المذكورة قوله: "الضغوطات تأتي من الشرق والغرب والشمال والجنوب..."، وهو بهذا التصريح يرسم صورة واضحة جلية للأسباب الحقيقية التي تقف وراء معارضة حلفائه في البرلمان وفي الحكومة توقيع الاتفاقية بشكلها المطروح من قبل الإدارة الأمريكية .
يبدو أن الدول والمؤسسات ذات التأثير في الساحة السياسية العراقية نجحت حتى الآن وبالرغم من الإرادة الأمريكية المعاكسة، إلى أقلمة الاتفاقية الأمنية وإخراجها من أيدي المفاوضين العراقيين والأمريكان، ما يوجب على الطرفين التحلي بقدر كبير من الفهم لطبيعة المرحلة والقوى المؤثرة، وان لا يظنوا أن بإمكانهم تجاهل تلك الدول والمؤسسات ذات الامتدادات العقائدية في الساحة العراقية وعلى اختلاف توجهاتها المذهبية .
فإلى أي مدى سيفيد هذا الوضع المفاوض العراقي ليخرج حين التوقيع على الاتفاقية بأقل الخسائر، ولا نتحدث عن الأرباح التي لا مجال للحديث فيها طالما أن الطرف الأقوى هو الولايات المتحدة الأمريكية .

 

free web counter

 

أرشيف المقالات