| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد  31 / 8 / 2014

 

مأساة الحقبة بين الاحتلالين الانكليزي والأمريكي لمدينة الكوت
قراءة انطباعية في كتاب "تاريخ الكوت السياسي" للأستاذ رائد السوداني

صالح الطائي

بالرغم من حجم المعاناة التي خلفها الحراك السياسي العربي منذ الأيام الأولى للبعثة النبوية المشرفة؛ فصاعدا، والتي نجحت في تحجيم الدين وتقييد حراكه، ومن ثم تطويعه ليتناغم مع المنهج السياسي، بل وتضمينه الكثير من فقرات المشروع السياسي؛ التي تحولت بمرور الأيام إلى عقائد يتعبد الناس بها، والتي تسببت في إحداث شرخ كبير في منظومة العقائد، تسبب هو الآخر في زرع الفرقة والشقاق بين أبناء الدين الواحد، إلا أن ما حدث في العراق خلال الحقبة السوداء المحصورة بين الاحتلالين البريطاني في عام 1915 والأمريكي في عام 2003 تكاد تكون الأساس الذي بنيت عليه وأنشئت عليه كل الخلافات الموجودة بين العراقيين اليوم، بسبب سياسة التفريق الطائفي الممنهجة؛ التي استخدمها الاستعمار البريطاني طوال حقبة احتلاله للعراق، ومن ثم أعاد تنسيقها وتنظيمها الاستعمار الأمريكي، منذ الأيام الأولى لدخوله إلى العراق. وبالتالي تحولت هذه الحقبة المهمة إلى خلاصة مليئة بالأسرار والكوامن التي تحتاج إلى من يزيل عنها تراب النسيان ويضعها أمام الباحثين المتخصصين للإفادة من مضمونها في سعيهم لحل المشاكل العالقة بين العراقيين.

ونظرا لأهمية تفيك هذه الحقبة علميا، لا أعتقد أن هناك فرصة ولو واحد بالمائة لمن يريد النجاح بمعالجة الانحراف في المجتمع العراقي، دون أن يلجأ إلى تفكيك هذه المرحلة ودراسة تداعياتها على الفكر والسلوك والتعامل عند العراقيين، هذا التعامل الذي وصل عند البعض إلى حد القطيعة الكلية. أو الإفادة من جهد الآخرين الذي كان جهد الأستاذ السوداني جزء مهما منه.

من هذا المنطلق واختصار للوقت بدأ الباحث الأستاذ رائد السوداني برحلة تتبع واستقصاء وتحليل وتفكيك لكامل هذه المرحلة من خلال كتابه الموسوم "حكم الأزمة ـ العراق بين احتلالين" بجزأيه الأول والثاني، وبقية أجزاءه المرتقب صدورها تدريجيا. واستكمالا لهذا المنهج، خصص وقتا للبحث في جزئيات مهمة من هذا المشروع، اختار منها مدينته "واسط" لتكون مثابة يقف عندها للحديث عن تاريخها السياسي خلال الحقبة نفسها، فأصدر مؤخرا الجزء الأول من أصل أربعة أجزاء خطط لانجازها، من كتاب جديد أطلق عليه اسم "تاريخ الكوت السياسي ـ المدينة بين احتلالين" ليتحدث فيه عن الحقبة ما بين الاحتلالين في مدينة الكوت وحدها، هذه المدينة التي يبدو ما وقع فيها خلال هذا التاريخ وليد ما وقع في العراق كله، مع بعض الخصوصية التي أضفاها عليها طابع المدينة الحضري والتاريخي.

وقد استعرض الباحث في هذا الجزء من الكتاب؛ دور وأثر العشائر الواسطية في التصدي للزحف البريطاني الأول على بغداد، والحراك السياسي في المدينة، ثم عرج على تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، منذ بداية تأسيسه في المدينة، وصولا إلى أحداث مجزرة سجن الكوت المشهورة التي وقعت عام 1953، والتي راح ضحيتها العشرات من المناضلين الشيوعيين، ومن بعدها انتفاضة قضاء الحي.

قسم الباحث السوداني كتابه إلى احد عشر فصلا، تناول في الفصل الأول دراسة بداية الحراك السياسي في العراق، وارتباط هذا الحراك بتداعيات الحرب الكونية الأولى، وغزو القوات البريطانية للعراق، من خلال زحفها من البصرة مرورا بالكوت لدخول بغداد، وتصدي القوات التركية لها، والمعارك التي دارت بين الطرفين، والتي دفع جزء كبيرا من ثمنا أهل المدينة، ولاسيما بسبب الحصار الشديد الذي عانوا فيه الأمرين، حتى أكلوا القطط والحمير والحيوانات السائبة لسد أودهم وحماية أنفسهم من الموت جوعا، وفي الفصل الثاني تناول دراسة تاريخ الكوت باختصار مركز عازيا سبب نشوء المدينة الحالية إلى العلاقة بين الدولة العثمانية والعشائر العربية، وفي الفصل الثالث تحدث عن مقدمات حصار الكوت في زمن الانكليز وهي من الوقائع الشهيرة التي لا زالت عالقة في ذاكرة أهل المدينة، ولاسيما حينما يتطلع أهل الكوت إلى الدار التي سكنها القائد البريطاني "تاونزند" وهي دار تقع وسط مركز المدينة، فتعود بهم الذاكرة إلى تلك الأيام السوداء التي عاشها آباؤهم. كما تحدث في الفصل الرابع عن النجدات العسكرية التي أرسلتها الحكومة التركية لدعم قواتها التي تحارب الانكليز. وفي الفصل الخامس تحدث عن الإقطاع ودوره المجتمعي والسياسي خلال الحقبة نفسها، ليعرج في الفصل السادس على دراسة الدور السياسي للقبائل العربية في الكوت، وثورة العشرين ودور العشائر ولاسيما "زبيد" و"ربيعة"، وفي الفصل السابع والفصول التالية تناول تاريخ الحزب الشيوعي بالدرس ابتداء من نظرة عامة على الحزب، ومراحل التكوين، والحديث عن خلايا الحزب الأولى في الكوت تحديدا، وفي الفصول اللاحقة تحدث عن الشخصيات السياسية والشيوعية منها تحديدا في الكوت، والحركة الثورية التي وقعت في سجن الكوت؛ الذي جمعت فيه الحكومة كبار الشيوعيين بما فيهم فهد وزكي بسيم وغيرهم، وفي النهاية تحدث عن الانتفاضة الكبيرة التي وقعت في قضاء الحي وتداعياتها، والأثر الذي تركته على الوضع السياسي العراقي كله.

هذا الجهد الفردي المبارك يستحق الثناء والتقدير والدعم، ويبدو أن الباحث بحاجة ماسة إلى أي وثيقة تاريخية لهذه الحقبة تعينه على إتمام هذا المشروع الكبير والمهم جدا، لذا أهيب بكل المهتمين مد يد العون للباحث خدمة لتاريخنا المعاصر لكي لا يتعرض إلى التشويه والاستلاب والاستباحة؛ كما تعرض تاريخنا القديم.
 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات