نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

 

الجمعة 5/5/ 2006

 

أرشيف المقالات

 

 

الشيوعيين في دير قشفر

 

نوري صبر
nory-70@hotmail.com

يقع دير قشفر على قمة جبل بيخير وتحيط به عشرات الكهوف الصغيرة المنحوتة من الداخل في صخور الجبل ،وعندما تدخل الى هذه الكهوف من أبوابها البيضوية الشكل والمصنوعة من الحجر تجد في داخلها اسّرة منحوتة وفي كل فراش مرتفع بسيط منحوت كوسادة للرأس وموقع الدير يشبه فتحة البركان تزينها اشجار البلوط والرمان، وعند بوابة الدير تجد نبع متدفق، اصبح هذا الدير مهجور من ساكنيه منذ سنوات.والطريق المؤدي الى الدير هو طريق واحد يمر بوادي عميق من سفح الجبل المقابل لقضاء سميل.وتقع قريه ملاصقه لهذا الجبل اسمها (هجيركي) وأخرى بمسافة ثلاثه كيلو متر قرية( سيجه ) وسكان القرى من الأشورين والأرمن اللذين تعرضوا الى حملات الأباده من المسلمين الترك والعثمانيين وأصدقائهم في تلك الفترة المظلمة ،وفي ربيع عام 1987 توجهنا الى جبل( بي خير) بتكليف من الحزب لأسكات صوت المدفع المنصوب قرب قضاء سميل، كان المدفع عامل ازعاج للفلاحين في المنطقه الواقعه خلف جبل( بي خير) وفي كل يوم يطلق قذائفه العشوائيه صوب المدنيين المسالمين، ومن خلال هذا يسقط الكثير من الضحايا، كان لنا موعد معه لتفجيره بلغم ارضي مضاد للدبابات.. انطلقنا بمسيره شاقه ومتعبه بمناطق وعرة وخالية من السكان بعد حملة التهجير التي قام بها نظام صدام ضد القرى في منطقة كردستان ،. خمسة شباب من الشيوعيين الثوار ينطلقون لتنفيذ المهمه ، لنشكل مزيج لتثبيت موزائيك عراقي خالص في تشكيله صغيرة انا وحازم وابو زياد وأكرم وأبو يعقوب، اربعة ليالي في جبل( بي خير) نتنقل بين الكهوف كانت ايام صعبه لعدم وجود مقاتلين ( بيشمركه) في المنطقه من ناحيه وعدم وجود قرى قريبه من الجبل من ناحيه اخرى او اماكن للاْختفاء في هذه المنطقه وهي اشبه بالمنطقه الصحراويه الممتده من زاخو الى دهوك مروراً بقضاء سميل ،قمنا بعملية ألأستطلاع السريعه شرط ان لايعلم احد بتواجدنا في المنطقه ويكشف امرنا للسلطه المتمثله ( بالعقيد حميد) المسؤول العسكري في المنطقه ،ومن الصدف السيئه أكتشفنا احد الرعاة في المنطقه ، ففكرنا ان نعود الى الجبل لغرض التغطيه عليه ، لانه سيبلغ الحكومه مهما كان الأمر؟ ونحن نعلم بذلك، قضينا ليله بارده ومظلمه في احدى المغارات مع الدعالج والحشرات التي لم نراها من قبل.. وفي صباح اليوم التالي قررنا ان ننصب اللغم في المكان المحدد بعد ان استطلعنا المكان جيداً.. وعند الغروب كنا جاهزين للمسيره الى موقع التنفيذ بدأنا بالنزول من جبل بي خير الأجرد من جهة سميل والدشت المتعب لنا اذا باغتنا الطيران ، سلكنا الطريق المؤدي الى قرية( سيجا) ومن خلفها لنبتعد عن انظار اهل القريه الخاليه تماماً من وجود( بيش مركه) واحد ، بأستثناء ( كليانو الرافض للحرب) في هذه القريه ، في الحاديه عشر ليلاً تمكنا من الوصول للمكان وحددنا مكان زراعة اللغم وباشرنا فوراً بحراسة الرفيق المسؤول عن نصب اللغم وفي تلك الليله كان الظلام دامس وكنا نعتمد بحراستنا على الأصوات اكثر من الرؤيه استغرق العمل نصف ساعه ، وفي هذه اللحظه بدأت زخات مطر خفيفه ، انها لاتخدم وستترك اثر اقدامنا في الصباح اذا لم يستمر المطر ويمحي اثر اقدامنا ،،وفي اشاره بسيطه تجمعنا لمغادره الموقع بسرعه لنقضي ليله اخرى مع الدعالج في مغارات ومغامرات ثوريه في( بي خير)، والمشكله هناك قرار في حالة عدم انفجار اللغم . ان نسحبه كي لا تكتشف طريقة عمله وخسارة ال تي ان تي ، باشرنا بالمسيره ليلاً الى الجبل وصلنا القمه والى مكاننا المحدد الثالثه صباحاً ، شعلت النار الخفيفه في باب المغاره تجمعنا حولها وكان الشاي بقوطية الكيكوز المطليه باللون الأسود من اثر الدخان تتوسط النار ، انها ليالي الكهنه والرسل،شربنا الشاي مع الخبز والنكات والضحك والأمنيات والذكريات حتى انطفأت النار لنلعب برمادها وما تبقى من جمرها . نمنا قليلا بكامل قيافتنا نتوسد حقائبنا المحشوه بالرصاص والكتب وما تبقى من الخبز والشاي وقليلاً من السكر، وحقيبة البيش مركه مصنوعه من الصوف نحملها على الظهر .ومن الطرائف بسياق الحديث في يوم من الأيام ( قالت لي امرأه اتمنى ان تبقون طول عمركم جنطكم على ظهوركم ولا تشبعون خبز) ضحكت بقوة كالبليد. فأبتسمت
ألمرأه وأعتذرت لي وهي تقول اليوم انا في حاله سيئه اعذرني ،وأصبحت هي وزوجها من اعز الأصدقاء في القريه ،،، حان الوقت بعد ان شق الفجر طريقه لنبدأ بنوبات الحراسه بمراقبة وصول سيارة المدفع المحمول وكنت انا الأول في الحراسه وضعت الناضور لأراقب ما يجري شاهدت المدفع يقترب من مكان اللغم وحركة جنود سريعه وأرتباك واضح توقف المدفع ببعد امتار من اللغم وأنتشر الجنود حول الجسر وطوقت المنطقه المحيطه بزراعة اللغم،، اتفقنا جميعاً ان عملنا تعرض للكشف وعلينا ان نتابع حركة الجيش وأنسحابه من المنطقه ،والنعود من جديد فك اللغم وسحبه والعوده للألتحاق بالسريه . قررنا بالتوجهه الى قرية سيجه من جديد وأن تكون اخر ليله في المنطقه بعد ان نفذ عندنا كل شي من الغذاء . وفي الغروب توجهنا صوب القريه من قمة الجبل وفي هذه المرة لابد ان ندخل القريه لنحصل على بعض المعلومات والأخبار بشأن عملنا دخلنا في التاسعه ليلاً الى القريه أنا والرفيق ابو يعقوب وحازم في بيت وأكرم والرفيق ابو زياد في بيت اخر انا اعرف صاحب البيت وهو مختار القريه قررنا ان نخرج من القريه بعد العشاء مباشرةً وأن يأكل معنا صاحب البيت كي لا نتعرض لمؤامرة دنيئه بسموم التخدير، وعندما نقترب من مواقع العدو نكون اكثر يقضه ، أكملنا استراحة العشاء وطلبنا ان يزودونا بالأكل لليوم التالي كنا جاهزين للخروج من القريه بأتجاه سميل لنزع اللغم والعوده الى الجبل بنفس الليله اتجهنا بمحاذاة الشارع المبلط من جهة اليسار على الممر الترابي تاركين كلاب القريه تنبح بأعلى صوتها في هذه الليله ، ابتعدنا عن القريه وأصبحنا بمقربه من مكان اللغم اقتربنا شيئاً فشيئاً ببعد امتار وأثناء المسير سمعنا اصوات . توقفنا وجلسنا على الفور وأذا بحركة وأصوات بشر بنفس المنطقه،، كنا في استغراب كانت بنادقنا مهيئه لأي طارئ اتفقنا ان نتأكد. بقذف حجارات على الجهه الصادر منها الصوت قذفنا الحجار بقوه باللحظة توقف الصوت وبعد دقائق عاد من جديد وأزداد . . وفي اللحظه اتفقنا بالأنسحاب فوراً وبأسرع وقت قبل ظهور الفجر .. انسحبنا بأتجاه القريه بنفس الطريق لنصطحب معنا كليانو  ليزودنا ببعض ما نحتاج له، خرجنا من قرية سيجه بأتجاه قرية هجيركي وهي قريه غير مسكونه هجرها اهلها بسبب حملة التهجير سيئة الصيت وعند اقترابنا من مرتفعات القريه شاهدنا حركه على موقع ربيئه قديمه تأكدنا من جديد بالناظور وأذا بالمنطقه ملغومه من الجيش وهو يسيطر على كل المرتفعات المؤديه للقريه.. وبالسرعه غيرنا الأتجاه صوب الدير وهو الطريق الوحيد الذي يوصلنا للقريه المهجوره (هجيركي) بعد دورة كبيرة وعند وصولنا للقريه فاجئتنا حركه في داخل القريه . ونحن في داخلها سحبنا اقسام بنادقنا وأذا برافض الحرب كليانو ينتظرنا في القريه مع بطانيته ودجاجتين منزوعات الريش جاهزتين للشوي، وفي نفس الليلة وأصبح وقتنا ضيق للوصول لقمة الجبل وفي تمام الساعه السادسه صباحاً دقت المدفعيه من جديد الدير الجميل ليتعرض للتخريب ونشاهد الجيش وهو يدخل الى قرية سيجه بيت بيت وطائرات الهلكوبتر تطوف في سماء القريتين وهم يبحثون عن خمسة شيوعيين في المنطقه دخلوها ومكثوا فيها اربعة ايام لينفذوا اعمال عسكريه وتوعد المجرم مقدم حميد ان ينصب لنا كمين في تلك الليله الا انه فشل وخرجنا من الطوق بأعجوبه وبهمه ، وودعنا المنطقه و( دير قشفر) الجميل وداع المحبين للحريه انها ايام فرضت نفسها ان تكون جزأً من التاريخ.