| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 5/8/ 2008

 

ويحدثونكَ عن السيادةِ والتوافق وأشياءَ أُخر !

سلام صادق

في كل مرّة يكون فيها قرار ما مهم على وشك الصدور ورؤية النور ، يُركن على الرف لفترة تطول او تقصر (قانون النفط والغاز والمعاهدة العراقية الامريكية وما يتعلق بمشكلة كركوك على سبيل المثال لا الحصر ) تبعا لعدد الصفقات المتخفية وراء اصداره وتبعا للغايات المتباينة المتوخاة من وراء هذا الاصدار ، وعلى ضوء المصالح المختلفة وتضارب الولاءات وتباين الرهانات طبقا لتباين الاجندات ومايستتبع ذلك من مواقف تتراوح بين الرفض التام او القبول التام ، أوالقبول على مضض لعدم تفويت فرصة معينة تؤخذ بنظرالاعتبار للاستفادة منها في صفقة قادمة ، لعلها تعطي أُكُلها ثمارا ناضجة تتدلى من شجرة المحاصصة الوارفة ، فترجأ القوانين والقرارات وتبقى الامور معلقة في الفضاء بانتظار الفرج ، اي ريثما تهرع رئاسة الحكومة الى السيد السيستاني ( للاستئناس برايه والاستماع الى توجيهاته ) .
بينما على الطرف الآخر تهرع رئاسة الدولة الى السفير الامريكي ( لاطلاعه على آخر التطورات بصدد القضية مثار البحث والاستماع الى رايه فيها ) .
وهناك في المابين حشد من البرلمانيين ، يتمترس كل واحد منهم خلف واجهة حزبه او جهته او جبهته ، قوميته او مذهبه ، ويكون دأب هذا الحشد على الاغلب في ان يعطي تفويضا على بياض لرئيس كتلته او تجمعه للمفاوضة وعقد الصفقات ( بعضها تحت الطاولة ) وصولا الى ( التوافق ) المنشود( او المنشول لافرق) والذي اثارت موضوعته حنقي بحق في الايام القليلة الماضية لكثرة مارددتها الالسن ولاكتها الافواه ، فمنذ فترة وانا اتابع اقوال وتصريحات بعض اقطاب (العملية السياسية )الجارية الان ، فممثلو الكتل الصغيرة منهم تنضح تصريحاتهم بروح التوسل والخذلان والاحباط المشوب بنزعة المحافظة على ما هو قائم أيا كان شكله وتبعاته ، بحجة وجود امكانية لتطويره مستقبلا ، معتمدين عملية تجميل وترقيع بائسة حتى وان ( اتسع الخِرق على الراقع ) بينما على الطرف الآخرى نجد ممثلي الكتل الكبيرة ، الذين غلبا ما يضعون خاتمة لاحاديثهم عن التوافق بتهديد مبطن او استعراض عضلات منطلقين من منطق القوة التي تحكم علاقتهم بالاخرين . لكن الاسوأ من هذا كله ان تصبح مفردة التوافق تعويذة على لسان بعض المتياسرين يلوكونها صباح مساء دون ان يأبهوا الى حيثياتها وتبعاتها
يقول احد المتياسرين وبالحرف الواحد ( ان التوافق هو اساس العمل المشترك للقوى السياسية في العراق اليوم ، ولا يمكن في غيابه تشريع اي قانون )
ويضيف ايضا بان النظام السياسي القائم الان ( ليس بعد ديمقراطيا حقا ، وان ماعندنا اليوم هو ديمقراطية توافقية )
تاسيسا على مقولات صاحبنا نطرح الاستنتاجات التالية :
اولها : ان القول بمبدأ التوافق يلغي تدريجيا وعلى الامد البعيد ركائز فكرة التعددية السياسية والحزبية التي ناضل من اجلها صاحبنا وعموم الحركة الوطنية العراقية ، فلماذا بعد ان صدعوا رؤوس العباد بمفاهيم من قبيل الحياة البرلمانية واللعبة البرلمانية والمعارضة البرلمانية والاصابع البنفسجية وسواها ، يتم التنازل بكل سهولة عن هذه الشعارات العريضة ، والتي من المضحك حقا ان الاحتلال وضعها كاحد مبرراته الرئيسية لغزو العراق فهو ( يروى والعهدة على الراوي ) انما جاء من اجل بناء التجربة الديمقراطية وجعل العراق انموذجا متقدما تحذو حذوه المنطقة بكاملها ؟
ثانيها :استحالة عملية جعل جميع اطراف الحوار اطراف متساوية في الحقوق والتبعات ، فهذه حالة مثالية لايمكن تحقيقها اذا سلمنا بان المصلحة هي جوهر السياسة ، وتنبع هذه الاستحالة من اختلاف حجوم الكتل المتفاوضة واختلاف برامجها وثقلها السياسي ، والذي لاتفرط به مهما كان ترمومتر وطنيتها مرتفعا ، انطلاقا من منطلق القوة التي تملكها على الارض
ثالثها : اذا كان صاحبنا يعني بالتوافق تنفيذ التدابير الضرورية لتهيئة المناخ لتحقيق حلول تفاوضية بطرق سلمية ، فانه يجب الالتزام اولا ( على الارض وليس على الورق ) بوقف كل مظاهر اللجوء الى القوة والتهديد او التلويح بها والتي يعمد اليها البعض وخاصة من ممثلي الكتل الكبيرة كلما وجدوا انفسهم امام طريق مسدود
هذه الكتل التي مازال لديها مسلحون تحت الطلب وميليشيات تقليدية وميليشيات اخرى تتوالد كالفطر السام يوميا مدعومة من الاحتلال ومن الحكومة على حد سواء ، ولنا عبرة فيما حصل من تلويح بالقوة واستخدامها لحل معضلة كركوك في الايام الاخيرة
رابعها : ان الخشية تكمن في ان هذا النوع من التوافقات ، التي يجهد صاحبنا نفسه في الدعوة اليها وترويجها، سوف تقود الى توافقات وتفاهمات نخبوية بكل تاكيد ، على مستوى راس الهرم ، فيما يتراجع دور المواطن واسهامه في الحياة السياسية من خلال تراجع دورالمجتمع المدني ونشاطه ، يتراجع وينكفيء الى رحاب العشيرة والقبيلة بحثا عن تامين متطلباته الاساسية وعن الامن والامان ، وما يحمل ذلك في طياته من امكانيات لتصدع اركان الدولة ، التي هي في وضع لاتحسد عليه حاليا
خامسها : تبقى موضوعة التوافق تميمة يتيمة للعُزّّل فيما اذا علم صاحبنا هذا علم اليقين بان جميع الترتيبات السياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية بيد قوات الاحتلال وفي ملفات السفارة الامريكية ، وهذا مايجعل من جميع التوافقات التي حصلت وستحصل ، مجرد اكاذيب لارضاء الضمير لاغير ، فهناك منها الكثير وسوقها العراقية رائجة الآن
سادسها :ان التوافقات المرحلية وتفاوضات الصالات المغلقة وتفاهمات الكواليس المبنية على قاعدة ( شيلني واشيلك ) لاتفضي الى اعادة بناء دولة ( بمضمون سلطاتها وصلاحياتها المعروفة ) دولة مستندة الى دستور وقوانين وانماط حكم تراعي واقع التعددية والشفافية دون قيد او شرط ، وتؤدي في نفس الوقت الى عدم التفريط بالوحدة الوطنية
سابعها : ان التوافق الذي يدعو اليه صاحبنا ، لايعدو عن كونه جلسات نقاش وتفاهمات مرحلية بهدف الاتفاق على اقتسام السلطة السياسية لاغير ، حيث ان هذه المساعي سوف لن تؤدي الى اقامة حكومة وحدة وطنية كما كان يتصور ، بل بالعكس حيث ستؤدي الى تعميق نهج المحاصصة واضفاء صبغة شرعية عليه ، هذا النهج الذي مازال خنجرا مزروعا في خاصرة العراق النازفة كل يوم
واخيرا فانني اعلم تماما بان البعض سيطالبني كالعادة ببدائل ، وهذا ماهو رائج الان في سوق الادبيات السياسية العراقية ، فبمجرد ان تطرح وجهة نظر معينة او راي عابر فيما يجري من حولك ستتم مطالبتك من قبل ( ممارسو هذيان العجز ) ببدائلك الخاصة للارتقاء بالوضع الذي تسجل عليه تحفظاتك الجمّه ، ولذا اقول لمن يطرح سؤالا مماثلا من هذا النوع ، البديل يكمن في ( اننا يجب ان نكون مع خيار تحرير العراق وخيار وحدة العراق ، وحدة طوعية تقوم على الديمقراطية والارادة الحرة ، وتتأسس على اعادة صياغة الدولة العراقية لتستوعب مضامين النظام السياسي المدني الديمقراطي التعددي ، ولتراعى العدالة في توزيع السلطة وفي التنمية واقتسام الثروة ، ولترسخ هوية عراقية تجمع في تكامل بين الوحدة والتنوع وتتاسس على واقع تعدد الديانات والثقافات والقوميات في العراق ، والذي يجب ان يكون مصدر خصب وثراء لهويتنا العراقية ، لاسببا في صراعات دامية وتناحرات مريرة)
واذا سئلت عن مدى امكانية تحقق هذا عمليا على ارض الواقع ، فانني ساجيب بان العمل على تاصيل هذه الامكانية وتحويلها الى فعل مؤثر يجب ان يقع على عاتق المتصدين للعملية السياسية وما علينا سوى التنبيه لمكامن الخطل والاشارة الى مواقع الزلل .




 

free web counter

 

أرشيف المقالات