| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 7/9/ 2012

 

احتدام الصراع
للهيمنة على الشرق الاوسط

د. ليث حميد العاني *

أسئلة كثيرة ومتشعبة تتصدر التفكير السياسي لأي مراقبٍ لمستقبل الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط التي باتت أكثر سخونة من أي وقت مضى. فالصراع أخذ يحتدم من أجل فرض الهيمنة وبسط النفوذ على منطقة هي الأغنى في ثرواتها الطبيعية: النفط والغاز الطبيعي اللذين يشكلان العصب المحرك للاقتصاد العالمي.

وقد تنوعت أطراف هذا الصراع بحسب المراحل التأريخية التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط، وصولاً إلى مرحلة مابعد الحرب الباردة حينما لم يعد هناك قطبان يتنازعان النفوذ، إذ خلا الجو للولايات المتحدة الامريكية في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، وراحت تعمل من أجل فرض مشروعها في المنطقه دون تردد.

يستهدف هذا المشروع بسط النفوذ والتحكم باحتياطي البترول والغاز الطبيعي في المنطقه وضمان أمن اسرائيل واستقرارها ومستقبلها. ومن أجل هذا الهدف راحت الإدارة الأمريكية تعبّد الطريق وتزيل كل مايعترضها من معوقات. وهكذا تم التخلص من جعجعة النظام العراقي الذي ماكان في الحقيقة يشكل خطراً على اسرائيل، بل كان مزعجاً لدول الخليج الحليفة للولايات المتحدة، فكان القضاء على ذلك النظام الأهوج بمثابة طمأنة وتهدئة لخواطر دول الخليج .

الخطوة الصعبة في طريق المشروع الامريكي في منطقة الشرق الاوسط هي كيفية التعامل مع الملف الايراني، وتحديداً مايتعلق بالمفاعل النووي وإمكانية قيام إيران بتصنيع القنبلة الذرية. وهنا نجد اختلافاً جوهرياً بين رؤية الولايات المتحدة الامريكية ورؤية اسرائيل حول التعامل مع هذا الملف. فالولايات المتحدة ترغب بإيجاد حلول سلمية لهذا الملف، وتحبذ مواصلة الحوار السلمي، فضلاً عن فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على ايران لعلها تذعن وتتراجع عن طموحاتها النوويه وتقلع عن تهديداتها المستمرة لاسرائيل. الى جانب هذا فإن الولايات المتحدة تسعى الى منع ايران من التمدد في منطقة الخليج والشرق الاوسط من خلال تكثيف تواجدها العسكري في المنطقة. في مقابل هذا تحاول اقناع اسرائيل بعدم القيام بمغامرة منفردة لقصف المفاعل النووي الايراني لاعتبارات عدة اقليمية ودولية.

أما في اسرائيل فهناك رؤيتان: الأولى تجد أن أي تأخير في القيام بهجوم عسكري على المفاعل النووي الايراني هو ليس في مصلحة مستقبل الدولة اليهودية ومصيرها، وإن رؤية الولايات المتحدة الامريكية بشأن هذا الملف سوف لن تحل المشكلة بل ستزيد من تعقيداتها، وإنه بات من المُلح البدء بالعملية وإن ساعة الصفر قد حانت. ومن المناصرين لهذا التوجه رئيس الوزراء الحالي "نتنياهو" ووزير الدفاع "باراك" وغيرهم من قوى اليمين الاسرائيلي. من الجانب الآخر هناك توجه يرفض القيام بهذه المغامرة، ويعتقد أن القيام بها سيكون كارثة حقيقية على اسرائيل والمنطقة، ويطالب أصحاب هذا التوجه بضرورة التنسيق المستمر مع واشنطن الحليف الستراتيجي الأكيد والمضمون لإسرائيل. وعلى رأس المتبنين لهذا التوجه رئيس الدولة "شمعون بيريس" الذي يتمتع بمكانة سياسية مرموقة على الصعيد الداخلي الاسرائيلي والاقليمي والدولي، وإن تصريحاته الاخيرة حول كيفية التعامل مع الملف النووي الايراني والتي أثارت امتعاض قوى اليمين المتطرف داخل اسرائيل، جاءت لتعزز التوجه الامريكي في كيفية التعامل مع ايران.

إيران التي تعاني من حصار اقتصادي وعقوبات قاسية، هي الأخرى تواصل المكابرة كرد فعل منها على السياسة الامريكية إزاءها، إذ تؤكد قدرتها على "الردع"، وتقوم باجراء مناورات عسكرية، وتجرب صورايخ بعيدة المدى، وتهدد باغلاق مضيق هرمز. ففي محاولة منها للخروج من الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض عليها أمريكياً وأوربياً، فهي تواصل تحديها للولايات المتحدة، وتعمل على تعزيز مواقعها في منطقة الشرق الاوسط من خلال تحريك الأذرع الشيعية المرتبطة بها مصيرياً كحزب الله في لبنان والأحزاب الاسلامية الشيعية في العراق وفي الاحساء والبحرين والكويت والحوثيين في اليمن وغيرها، إذ تتمكن من تحريك هذه الأذرع وباقتدار لإزعاج الولايات المتحدة في الوقت الذي تراه مناسباً والعمل على عرقلة مشروعها في المنطقة.

باختصار، يمكن القول أن ليس هناك عقبات تعرقل المشروع الأمريكي في الشرق الاوسط سوى الملف الايراني. وإذا كان الجانب الأساسي في هذا المشروع (كما ذكرنا) هو ضمان مصير ومستقبل اسرائيل، فإن هذا سيتحقق لامحالة ولكن بعد إيجاد الحل "المنشود" للملف النووي الايراني. فلا شيء آخر يهدد مستقبل ومصير الدولة اليهودية في المستقبل المنظور بما في ذلك المد الاسلامي الذي اكتسح بعض البلدان العربية بعد ثورات ما بات يسمى بالربيع العربي. هذا لأن هذه البلدان غير قادرة على بناء جيوش من الطراز المعاصر القادر على تهديد أمن اسرائيل، وهذا ماجاء في تصريح للجنرال "موشيه يعلون" نائب رئيس الوزراء الاسرئيلي لصحيفة "هارتس" إذ أكد عدم وجود خطر حرب عربية ضد اسرائيل خلال المستقبل المنظور، وإن الخطرالوحيد هو إيران، وإن الحل الوحيد هو الهجوم عليها.

في ظل هذه المعطيات الخطيرة التي تشهد صراع إسرائيل والولايات المتحدة مع ايران على بسط النفوذ والهيمنة، نجد أن بلدان الشرق الاوسط باتت هدفاً للاستحواذ عليها ولقمة مستساغة لابتلاعها. كل هذا يحصل ونحن نتفرج على حقيقة مُرة أشبه بالخيال.

 

* كاتب عراقي مقيم في السويد

 

free web counter

 

أرشيف المقالات