| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 9/7/ 2008

 


فهد والنضال ضد الاتفاقيات الاستعمارية

فهد محمود

الذكرى السابعة بعد المائة تحل مع اطلالة تموز لميلاد القائد الوطني العراقي ومؤسس الحزب الشيوعي العراقي الرفيق الخالد يوسف سلمان يوسف والذي عرف طوال سنوات نضاله العنيد والشاق والمتفاني ، باسم " فهد ".

ولد الرفيق الخالد فهد في 8 تموز من عام 1901 في بغداد واعتلى المشنقة في ليلة 14 / شباط عام 1949 رغبة من الاستعمار الانكليزي وبتنفيذ من اعوانه، حكام العهد الملكي واجهة الاستعمار البريطاني المتمثل بـنوري السعيد واذنابه، للتخلص من احد اخلص المدافعين عن القضية الوطنية العراقية ومناضلا ثوريا كرس جل حياته للدفاع عن المبادئ التي تنشد الحرية والكرامة والسعادة والاستقلال الكامل للشعب والوطن والذي جسده في شعار حزبنا الشيوعي العراقي " وطن حر وشعب سعيد " .

نمت وطغت قضية الدفاع عن الوطن بوجه الاطماع التوسعية للاستعمار الاجنبي في بلادنا في بداية مسيرة الخالد فهد النضالية، وغدت هذه المسألة اعمق جذوراً عند اعتناقه الشيوعية ، وقد عبر عن رأيه حول مفهوم الوطنية حين وقف امام الحاكم لأدانته بتهمة الشيوعية في 18 / 5 / 1947 بقوله " انني بدأت حياتي بالنضال الوطني ، قبل ان اكون شيوعيا ، وبعد ان اصبحت شيوعيا لم اجد تناقضا بين وطنيتي وبين ان اكون شيوعيا. ولكنني بعد ان اصبحت شيوعيا ، اصبحت مسؤليتي تجاه وطني اكبر " . (1)

ترك الخالد فهد تراثاً ثراً وغنياً يحتفظ باهميته خصوصا في ظل تداعيات الاوضاع الراهنة على كافة الصعد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعلى المستويات داخلياً كانت أم اقليمياً أم دولياً رغم مرور اكثر من نصف قرن على رحيله المبكر، خاض خلاله كفاحاً سياسياً وفكرياً دون مهادنة أوتراجع عن مبادئ الشيوعيين العراقيين في فضح وكشف نوايا الاستعمار واطماعه في ثروات وطننا والنيل من كرامة شعبنا .

في تقريره المقدم للمؤتمر الوطني الاول للحزب الشيوعي العراقي عام 1945 يشير الرفيق الخالد فهد الى :

" ولا ننسى في الوقت نفسه فضل شعوب الامبراطورية البريطانية والولايات المتحدة وفضل الشعب الفرنسي واليوغسلافي واليوناني وغيرها للجهود والتضحيات التي قدمتها لقضية الحرية "(2) وهو يشير الى تعاطف شعوب العالم مع قضايا السلم والحرية والتقدم الاجتماعي والديمقراطية ونبذ العنف والهيمنة بالضد من توجهات حكوماتها .

لقد اجتاحت امريكا واوربا والعديد من دول العالم مسيرات احتجاجية كبرى منددة بالحرب عند بدء التحرك العسكري للولايات المتحدة الامريكية و الدول المتحالفة معها لاسقاط نظام الحكم الدكتاتوري المتمثل بــ صدام حسين وزمرته الفاشية. وكان للحزب الشيوعي العراقي مواقفه المبدئية المعروفة المنددة باسلوب الحرب وتداعياته الكارثية على شعبنا ووطننا ، ورغم ان الحرب حققت أهدافها الأولية بإسقاط النظام الديكتاتوري إلا ان ثمنه كان باهظا من حياة ودماء وثروات الشعب العراقي .

الولايات المتحدة الامريكية ودول التحالف لم تسقط النظام العراقي بالدرجة الرئيسية وانما اسقطت الدولة العراقية بكل مؤسساتها الحيوية من الجيش والشرطة والمرافق الهامة لمرتكزات الدولة الاساسية، بالاضافة الى تدمير البنية التحتية لجميع مفاصل جمهورية العراق وفقدان هويتها الوطنية مؤقتا ، تمهيدا للظروف الراهنة التي ترافق الاتفاقية العراقية - الأمريكية ، المنتظر توقيعها نهاية تموز الجاري وتشمل جميع مناحي الحياة العامة والخاصة للدولة العراقية .
يقول الرفيق فهد" ان حزبنا الشيوعي يرى في تدخل بريطانيا بشؤون العراق المعترف باستقلاله من قبل بريطانيا نفسها تجاوزا على الاتفاقيات المعقودة بين العراق وبريطانيا العظمى ، ويرى في تساهل بحقوق الشعب العراقي وسيادته الوطنية نقضا للمعاهدة العراقية الانكليزية وللدستور العراقي .
فالشعب العراقي يحتفظ بحقه الكامل في المطالبة بمنع التدخل الاجنبي في شؤون العراق الادارية ( السياسية ) والاقتصادية والاجتماعية ، بحقه في المطالبة بالغاء جميع الامتيازات المضرة بمصالحه واستقلاله والتي لم يكن له رأي في اعطائها . وامر اخر خطير اود تنبيه حزبنا اليه هو التنافس الاستعماري في بلادنا بين الانكليز والامريكان . ان التنافس الاستعماري الامريكي الذي ظهر منذ اكثر من سنة بشكل اقتصادي – الاستحواذ على مصادر نفطية في بلاد العرب – ثم الدفاع عن القضية الصهيونية يظهر الان بشكل جديد ، فالامريكان يريدون الان ان يوجدوا لهم قاعدة اجتماعية في العراق ، يريدون ان يستغلوا وضع الاكراد ويجعلوا منهم قاعدة اجتماعية لهم . لقد جاء العراق مؤخرا المستر هارولد الصحافي الامريكي واخذ هذا يتصل بالشخصيات الكردية وبدأت المساومات بينهم وبينه وبدأ يعطي الوعود الاستعمارية للاكراد بتوحيد المناطق الكردية وما اشبه .(3)

إن صب الاهتمام بالعراق ومتابعة الاحداث السياسية عن كثب والتحولات الاقتصادية – الاجتماعية منذ وبعد انهيار النظام الملكي في العراق ، لم يكن محض صدفة من قبل الدول الكبرى ، سواء بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الامريكية لاحقا أو الاتحاد السوفياتي ( سابقا ) مع فارق شاسع في اتباع اساليب وطرق الاهتمام ، والمشترك هو ايجاد مواطئ قدم في هذه البقعة الحيوية من منطقة الشرق الاوسط .

بريطانيا العظمى اخذت ردحا من الزمن في بسط نفوذها سياسيا واقتصاديا وعسكريا على العراق نتيجة تداعيات الحرب الكونية الاولى وتقاسم الهيمنة على ممتلكات الامبراطورية العثمانية بين الدول الاستعمارية الكبرى ، بريطانيا وفرنسا وفق اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 انذاك ، الى حين قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 لتقضي على اغلب المصالح البريطانية والخروج من منطقة النفوذ الاسترليني ولتنهي النفوذ البريطاني في العراق .

ادرك الخالد فهد بحسه الثوري ودراسته لمجمل الاوضاع السياسية السائدة على الساحة العراقية ومنطقة الشرق الاوسط والعالم ومحاولات الاستعمار الانكليزي خاصة للهيمنة على موارد شعوب البلدان التي وقفت مع الحلفاء ، مع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها الحتمية بانتصار الجيش الاحمر على الفاشية الهتلرية ، حيث اشار في تقريره المقدم للمؤتمر الوطني الاول للحزب في اذار عام 1945 :

.. كنا نود ان نرى الدولتين المعظمتين، بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية ، صاحبتي تصريح الاطلسي الاولين ، شاهدنا تدخل بريطانيا في شؤون البلجيك واليونان لمصلحة تلك الحكومات المستبدة ، واستغلت بريطانيا وهي حليفتنا، ظروف الحرب وتسيير المجهود الحربي للتدخل والسيطرة على شؤون الدولة عندنا وعلى مرافق الحيوية ، بالرغم من ابتعاد ميادين الحرب عن بلادنا ، وبالرغم من اقتراب الحرب من نهايتها وبالرغم من تصريحاتها عن احترامها لحقوق الشعوب في اختيار الحكم الذي تريده. (4)

وفي السياق نفسه حدد الخالد فهد في مداخلته الافتتاحية للمؤتمر الوطني الاول : ان الواجب الوطني يلقي علينا مسؤولية عظمى، مسؤولية تنبيه شعبنا الى محاولات المستعمرين لتثبيت النفوذ الاستعماري في بلادنا، الى الدسائس الاستعمارية الرامية الى تقسيم شعبنا وتفريقه، الى المحاولات الرجعية المحلية للوقوف في طريق الاصلاح الذي ينشده شعبنا . ان الواجب يدعونا الى العمل السريع على تنظيم شعبنا وتجنيد قواه لاحباط محاولات جميع الذين يريدون تكبيل حريات شعبنا وامتهان كرامتنا الوطنية ، جميع الذين يريدون تفريق شعبنا ، جميع الذين يريدون الاحتفاظ بامتيازاتهم على حساب حريتنا الديمقراطية ، جميع الذين يريدون الوقوف ضد شعبنا في نضاله من اجل " وطن حر وشعب سعيد " ، فالى العمل المثمر ادعو جميع المواطنين . (5)

للحرب تداعياتها وثمنها الباهظ على الشعوب التي تنشد الحرية وتصون كرامتها وتحافظ على ثرواتها ، ولم يكن من باب العاطفة أو السذاجة السياسية عندما طرح الحزب الشيوعي العراقي شعاره قبل الاستعدادات الامريكية ودول التي ركبت في رحابها في اسقاط الدكتاتورية الفاشية " لا للحرب .. لا للدكتاتورية ، نعم للبديل الديمقراطي " ، لكن المؤسف والمؤلم بان كثير من قوى شعبنا وجماهيرها تفرجت على مواقف الحزب الشيوعي العراقي ومطاليبه وشعاراته من منطلق الثقافة العاطفية في النظر الى المسائل العقدية التي تمس حياة ومفاصل الحيوية من تأريخ شعبنا ووطننا النضالية ، وكذا الحال بالنسبة للموقف من الحرب العراقية – الايرانية والحروب العدوانية الاخرى للانظمة العراقية المختلفة ولا سيما النظام الدكتاتوري المقبور .

كذا الحال بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها ، تصاعدت حركات التحرر الوطنية بفضل نجاحات الدول الاشتراكية ، كنظام اقتصادي – اجتماعي كان يؤمل ان يحقق آمال الشعوب في حياة حرة سعيدة مستقرة من جهة ، رافقتها انهيار الاستعمار التقليدي القديم وبروز الاستعمار الجديد بقيادة الولايات المتحدة الامريكية من جهة اخرى .

حاول البريطانيون الحفاظ على ركائزهم في المنطقة العربية من خلال تجديد احلافهم ومعاهداتهم وتشكيل تكتلات عسكرية متنوعة بمنطقة الشرق الاوسط عامة .

كان عام 1947 تمهيدا لعقد أو تعديل المعاهدة العراقية – البريطانية التي وقعت بينهما عام 1930 باخرى حملت اسم " بورتسموث " والتي وقعت في كانون الثاني من عام 1948 وعلى اثرها هبت الجماهير العراقية من مختلف شرائحها وبمساندة القوى والاحزاب الوطنية العراقية لقبر المعاهدة من مهدها، وكان للحزب الشيوعي العراقي دور ريادي مهم في قيادة الوثبة الوطنية الكبرى ، ضد معاهدة عام 1948 ، لم يثن عزيمة الحزب في مواصلة الكفاح من اجل حسم المعركة مع السلطة الملكية المرتبطة بالاستعمار البريطاني بالرغم من وجود الخالد فهد في السجن ابان انتفاضة الوثبة، بل كان الرفيق فهد يتابع تطورات الوثبة بكل تفاصيلها ويرسل التعلميات والملاحظات المتعلقة بتطويرها ودفعها الى الامام وربطها بجملة من المطاليب ، الحريات الديمقراطية وحرية التنظيم النقابي واطلاق سراح السجناء السياسيين وتأليف حكومة وطنية ، وهذا ما قامت به الجماهير مقتحمة السماء في نضالها ، اشبه بكومونة باريس .

دخلت وثبة كانون المجيدة 1948 ، كواحدة من اروع المعارك النضالية البطولية لشعبنا في سبيل حريته وسعادته وانتزاع كرامته الوطنية من مخالب الاستعمار البريطاني واذنابه .

وجاءت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 لتنهي النفوذ البريطاني وينال شعبنا على الاستقلال والسيادة الكاملتين ، في وقت ذاته لتضاعف جهود الاستعمار الجديد المتمثل بالولايات المتحدة الامريكية للانقضاض على ثورة تموز ونسف جميع مكتسباتها بالتنسيق مع الرجعيات العربية المحلية والاقليمية للحلول محل بريطانيا وفرنسا في منطقة الشرق الاوسط واحياء مشروعهما القديم الجديد المتمثل بـالشرق الاوسط الجديد .

تعم في وسط العراقيين بالدرجة الاساسية منذ التوقيع على اعلان مبادئ لعلاقة تعاون وصداقة طويلة الامد بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية في 26 تشرين الثاني عام 2007 بين رئيس الوزراء السيد نوري المالكي والرئيس الامريكي السيد جورج بوش، موجة من النقاشات على كافة المستويات وفي مجالات الاعلام المختلفة ، المرئية منها والمسموعة والمقروئة ، وهذه ظاهرة صحية وطبيعية ارتباطا بتوجهات العراقيين الوطنيين في السير لبناء دولة عصرية ديمقراطية تضع نصب عينها الشفافية والوضوح في سياساتها الداخلية والخارجية وتضع قبل كل شيء مصلحة الوطن والشعب فوق كل الاتجاهات والميول والمصالح الذاتية والمنفعية الضيقة ، بين فريقين من المجتمع العراقي بكل مشاربه السياسية والفكرية ، في الداخل والخارج على حد سواء ، فريق ضد بنود الاتفاقية المزمع توقيعها نهاية تموز الجاري، وفريق بالضد من الاخر بالرغم من عدم كشف هذه البنود في وسائل الاعلام الرسمية والاعتماد على التسريبات المحدودة بسبب التعتيم الاعلامي على طبيعة سير المفاوضات بين الجانبين العراقي والامريكي ولا الى طبيعة وتركيبة الوفدين المفاوضين، لكن الخشية من البنود السرية التي ترافق عادة كل الاتفاقيات والمعاهدات بين الدول المختلفة .

العـراق بحاجة الى الدعم من المجتمع الدولي للخلاص من التركة الثقيلة التي ارهق كاهل العراقيين شعبا ووطناً من لدن النظام الدكتاتوري البائد وقبله من الاستعمار الانكليزي الذي امتص دماء العراقيين وثرواتهم ولن يسمحوا باستعمار اخر جديد مهما اختلفت التسميات والمفاهيم الدولية حول طبيعة العلاقات في عصرنا الراهن ، ولااشك في الوقت ذاته بحرص كلا طرفي الفريقين المتناقشين على مصير العراق ومستقبله وكيانه السيادية واستقلاله من اية نفوذ اجنبية تحد مـن حركته وتعامـلاته الدوليـة وفـق المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الصـادرة مـن هيئة الامـم المتحدة .

شعبنا مقدم على معارك وطنية كبرى ، لابد والضرورة تستدعي الحاجة الى تكاتف جهود كل الوطنيين العراقيين الذين بالامس القريب قارعوا الدكتاتورية البغيضة، واليوم امامهم توحيد الجهد الوطني المخلص لانقاذ شعبنا واخراجه من النفق الذي مازال مظلماً .

المجد للرفيق الخالد فهد في ذكرى ميلاده ولنستمد العزيمة من تراثه الفكري والسياسي للسير قدما نحو الامام ، خاصة وشعبنا بأمس الحاجة للاستفادة منهما في ظروفنا الراهنة من اجل السير في بناء عراق ديمقراطي فيدرالي ذات الاستقلال والسيادة الكاملتين وبما يحقق السعادة والرفاهية لشعبنا العراقي عامة .


تموز / 2008 - جنوب السويد


المصادر :
1. فهد والحركة الوطنية في العراق – د. كاظم حبيب ، د. زهدي الداوودي الطبعة الاولى بيروت ص 254
2. كتابات الرفيق فهد – دار الفارابي ، بيروت ص 142
3. نفس المصدر السابق – ص 144
4. نفس المصدر السابق – ص 142
5. نفس المصدر السابق – ص 149


 

free web counter

 

أرشيف المقالات