| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 9/1/ 2012

 

هم يلعبون ويخربون وأنتم إعملوا وإلعبوا لترويضهم!!

محمد ضياء عيسى العقابي

الجميع يطلق النصح والإرشاد والكلام الجميل المليء بالوعض والإرشاد والتمنيات الطيبة وما يجب أن يكون وما لا يجب أن يكون وإستنهاض الهمة والغيرة والروح الطيبة من أجل التهدئة والدعوة لحل مشكلة "العركة" على الكراسي و"المنافع الذاتية" و"الإلتفات إلى الشعب المسكين الذي إنتخبكم".

مع هذا، الأغلبية من الكتاب لا تريد أن تشخص، بالتحديد، المخطئ والمصيب؛ وإذا فعل البعض فيشخص بالمعكوس؛ لأن الأغلبية تتكتك وتنافق. الحكومة ورئيسها هما الوحيدان اللذان يتركز عليهما النقد لحد التجريح، ربما لأنهما أقل أذىً من غيرهما.

لا يدرك هؤلاء بأن سير الأمور لا يخضع للأماني والتمني والمناورة بل يخضع لقانون المصالح الجيدة منها والسيئة.

ومن ناحية ثانية يجب أن يكون هناك من يقول الحقيقة، كما هي، بعيدةَ عن التكتكة: الإيجابية والسلبية، الضرورية والمنافقة؛ لأن الموضوع خطير يتعلق بأرواح المواطنين ومصالحهم الحيوية وبمصلحة الوطن ووحدته ومسيرته الديمقراطية التي طالما حلمنا بها وتغنّينا بسرابها ثم أتت لنا بغير توقع أو ميعاد ولكن بعد دفع ثمن باهض لا يداني جزءً يسيراً منه الثمنُ الذي دفعته جميع ثورات الربيع العربي مجتمعة؛ ومع هذا فهناك من يشكل خطراً عليها. يجب، إذاً، قول الحقيقة ولو أن البعض قد يعتبره تأجيجاً يناقض التهدئة التي، للأسف الشديد، لا تتم إلا على حساب مصالح الجماهير بوجود الطرف الطغموي (1) والمتواطئ معه.

تابعت وأتابع، منذ سنين، ما يطرحه السياسيون من جميع الأطراف في المقابلات التلفزيونية والصحفية وعبر التصريحات. حللتُ وقارنت وإستنتجت. وجدتُ ما يحزن ووجدت ما يسرّ.

وجدتُ، وبكل قناعة وموضوعية وحسب إجتهادي، بأن مواقف معظم قادة إئتلاف العراقية، خاصةً القريبين من السادة أياد علاوي وطارق الهاشمي وصالح المطلك وظافر العاني تعكس إصراراً على إستعادة السلطة الطغموية بأية وسيلة وبأي ثمن يكبدون الشعب إياه.

لا يكفي أن نفسر هذا الإصرار بالتهالك على المصلحة الشخصية وحسب. إنه أبعد من ذلك. إنها المصلحة الطبقية الطغموية هي الدافع الحقيقي لذلك الإصرار. وإذا كان هناك من لم يكن منتفعاً من العهود الطغموية فقد إختزن له هؤلاء الطغمويون أداة جذب إضافية وهي أوتار يلعبونها للتأثير على البسطاء ويشمل ذلك التأجيج الطائفي (2) والتأجيج العنصري (قبل تجميده مؤقتاً وتكتيكياً لصالح التأجيج الأول الأكثر خطورة والأقرب إلى قلب العملية السياسية).

لم يتركوا شكاً بأنهم كانوا سيفرحون لو دمر الإرهاب العملية السياسية لأنهم أرادوا إعادة بناء عملية سياسية "مصححة" على غرار العملية السياسية في العهد الملكي الطغموي في أحسن الأحوال وأكثر إجراماً من يوم 8 شباط/ 1963 الأسود على أغلب الإحتمال.

ولكن الإرهاب لم ينتصر. والأمريكيون لم يسمحوا بالمضي في هذا الإتجاه لآخر المدى. فأصبح لزاماً على الطغمويين، إذاً، التخريب من داخل العملية السياسية. فكان اللعب واللهو من أجل التعطيل وشل يد مجلس النواب الذي تنتظره آلاف من مشاريع القوانين كي تستقيم الحياة في العراق الجديد بمختلف تفرعاتها، وشل يد الحكومة كي تفشل ويؤلبوا الشعب عليها ومن ثم يسقطونها.

نعم، إنهم يلعبون وغير جادين في قرارة أنفسهم، بل يقهقهون: يقولون كل شيء ويتهمون ويكذبون ويختلقون ويشوهون ويسيئون ويكيدون وؤلبون ويؤججون في أي وقت وفي أي إتجاه ولا تهمهم الحقيقة ولا يردعهم التناقض أو الإختلاق، لأن الرد عليهم هو كسب لهم، إذ يكونون قد أشغلوا الخصم وبلبلوا الأذهان ولبدوا الأجواء وأطلقوا العنان للإنتهازيين أن يزيدوا في الطين بلة فيساوون بين المجرم والضحية وبين المذنب والبرئ وبين المخطئ والمصيب، ويحجمون عن قول الحقيقة لعلة في نفس يعقوب.

أما الجانب المسر والمشرق فهو أن الماسكين بدفة الأمور في العراق قد أدركوا اللعبة ولعبوا لعبتهم المضادة على محورين متوازيين: 1) التركيز على أعمال البناء والتنمية وكأن شيئاً لم يكن، وذلك لتوفير الخدمات للشعب ورفع مستوى المعيشة وتحسين أحوال الطبقات الفقيرة المحرومة منذ عشرات السنين، ومحاربة الفساد دون هوادة. 2) اللعب مع الخصم وقلب الطاولة عليه بالإلتزام بمرجعية الدستور، قولاً وفعلاً، والإلتزام بالنهج الديمقراطي وتطويره وعدم السماح بمحاصرة الذات بأطواق يؤسسها التجاوز على الدستور والحريات العامة والمفاهيم الديمقراطية.

إلطغمويون يلعبون للتخريب والآخرون يبنون ويلعبون لترويضهم.


 

(1): الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية.

مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والتهجير الداخلي والخارجي والجرائم ضد الإنسانية كإستخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة الكردستانية والأهوار. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كماإنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.

(2): الطائفية: للطائفية معنيان: أحدهما عقائدي وهي طائفية مشروعة إذ تبيح لائحة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة حق إعتناق أية ديانة وأي مذهب ومعتقد ديني أو سياسي أو إيديولوجي شريطة ألا يدعو إلى الكراهية والعنف والحرب. إن محاولة توحيد أصحاب المذاهب من الديانة الواحدة هو ضرب من الخيال. فالطريق الأسلم والحل الصحيح هو أن يحترم كلُ شخصٍ قوميةَ ودينَ ومذهبَ وفكرَ الآخر على ما هو عليه دون قمع أو إقصاء أو تهميش أو إكراه على التغيير القسري؛ ويتم كل ذلك في إطار الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.

أما الطائفية المقيتة والمدانة فهي الطائفية السياسية، بمعنى إضطهاد وإقصاء وتهميش طائفة على يد طائفة أخرى أو على يد سلطة طغموية لا تمت بصلة لأية طائفة. لو تعمقنا في موضوع الطائفية السياسية لوجدناها ترتبط بمصالح طبقية. والطائفي هو من يمارس الطائفية بهذا المعنى أو يؤيدها أو يدعو لها. طائفية السلطة الطغموية ضد الشيعة وغيرهم هي التي حصلت في العراق إبان العهد الملكي السعيدي والقومي العارفي والبعثي البكري- الصدامي؛ ولم يحصل إضطهاد طائفة لطائفة أخرى. وعلى يد تلك النظم الطغموية مورست العنصرية، أيضا، ضد الأكراد والتركمان والقوميات الأخرى، كما مورس إضطهاد الأحزاب الديمقراطية واليسارية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي بسبب أفكارها الديمقراطية والوطنية والتقدمية. وقد حوربت الأحزاب الدينية الديمقراطية بوحشية خاصة أثناء الحكم البعثي الطغموي.

الحل الصحيح للقضاء على الطائفية السياسية يكمن بإعتماد الديمقراطية بكامل مواصفاتها اساساً لنظام الدولة وعدم حشر الدين في الشئون السياسية. لا نجد اليوم في الدستور العراقي والقوانين ما ينحو بإتجاه الطائفية. وحتى برامج الأحزاب الدينية لا تحتوي على هكذا إتجاهات. وهو أمر يدعو إلى التفاؤل والتشجيع، آخذين بنظر الإعتبار ضرورة التمييز بين ما هو شأن سياسي وما هو شأن ثقافي تراثي شعبي قابل للتطوير في أشكاله الطقوسية.

 

 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات