| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

 

الجمعة 9/3/ 2007

 

أرشيف المقالات


 

كلمة الى مهاباد قره داغي في عيد المرأة العالمي


سيروان أسماعيل محمد - لاهاي

حينما عشقت الكلمة بدأت تجمعين المخزون منها في مخيلة بنت الثالثة عشر وتصنعين منها قلائد شعر متحفة بها كشكولك الصغير ، آنئذ قدمنا مكتباتنا إليك وفتحناها على مصاريعها أمام ذوقك الأدبي ليرتوي من منابع الفكر وتجنين زهور القافية والموسيقى من بساتين الشعر الكوردي الغنائية بالاضمامات القزحية للشعراء الكلاسيك والحداثويين في البيت الكوردي ، أنكبتتي على الأوراق الصفراء من تلك الدواوين وأقتبست صورمن كل بستان في عالمك الشعري ومنذ تلك الأيام أصبحتما أنت والقصيدة صنوان لا تفترقان ، كانت هوايتك لا تشبه هوايات الأخريات من زميلات الدراسة في ثانوية كفري ولهذا لم يشاركك فيها أحد فبقيت في صومعة الشعر عاشقة تختزل حب المتصوفة للأحد الواحد ، وما كابدته المتصوفة من عذابات الحكام والمتسلطين على رقاب الناس كابدتيها أنت الصغيرة مع فرق ما يقارب قرن من الزمان بين عذابات الأولين وعذاباتك ولكن البوصلة بينك وبينهم هي حرية الفكر التي بقت حبيسة أروقة الأمن والمخابرات ، رحلت عن المنزل مبكرا ولم تأخذي شيئا معك غير أشعاعة القصيدة التي ظلت تتقد في حشاشتك في حلك وترحالك
إنه السفر الأول لحياة أصبحت متميزة عن متدفقة بالعطاء الدائم ، سفر بدأ من كفري مدينة تعيش في قلب كرميان وتعد قلبا نابظا لحياة الرفض الدائم والتمرد المستمر والمناهضة السرمدية لقوى القهر والظلام ، مفرزة من رجال الأمن مدججين بالسلاح يدخلون المنزل بعد كسر الباب لا طرقه ، كيف لا وهم ولدوا مخالفون لقانون الطبيعة ، أنهم رجال أمن لكن أمن النظام وأمن القائد وأمن الأيدلوجية البعثية القذرة لا أمن المواطن والوطن .إنهم جاءوا
لكشف وثائق تهدد أمن العراق ونظامه البعثي وسرعان ما وقعت أعينهم على تلك الوثائق الخطيرة فعادوا الى مديريتهم الرهيبة ومعهم صاحبة تلك الوثائق الشاعرة الصغيرة مهاباد قره داغي ، إنها المسيرة الكبرى التي نتذكر نحن ذويك ومحبيك أحداثها والألم يعصرنا لاننا أشتركنا أياك في تلك العذابات ولو بجزء صغير ، يكفي إننا صرفنا كل مادخرنا من أجل لقاء إياك دون أن نفز به ألا بشق الأنفس وبعد أشهر من الركض وراء من تربعوا على قهرنا طيلة العقود الأربعة من عمر حكمهم الكالح ، كانت دقائق لا زلنا نتذكرها في سجنك الأنفرادي بمديرية أمن ديالى بعقوبة ، غرفة صغيرة جدا ، لا فتحة فيها للتهوية ولا نافذة للضوء ، غير أن خيالك الشعري الخصب جعل من جدران السجن سراب يظهر خلفها عالما من الشعر وثورة من التحدي الذي حار أمامها سجانيك ، هناك في تلك الغرفة الصغيرة كبرت مع الشعر وكبر الشعر فيك ونما ، وهناك في تلك الغرفة التي سمحت لنا بزيارتك بين الحين والآخر أصبحنا نستلم قصاصات من المناديل الورقية تحمل نقش كلماتك وجميل قصائدك التي شقت طريقها الى النور على صفحات المنشورات المطبوعة في الجبل ولكن بأسماء مستعارة أشرت اليها في مذكراتك النافذة التي طبعت تحت أسم ( سنة الى الجحيم ) ، سنة لا يمكن أختزالها حتى في مجلدات كبيرة قضيتيها في سجون كفري وبعقوبة والأمن العامة أنتهاءا بمحاكمتك في محكمة الثورة التي أصبحت ذكرى ثقيلة في ذاكرات الناس ، تذكرت آهاتك حينما أستمعت الى رئيس تلك المحكمة ، البندر الذي هتف لآخر مرة بوجه الحاكم الذي حكم عليه بالشنق ( الله عليكم يا ظالمين !!! ) ، لعله عد نفسه عادلا حينما كان يحكم على الناس بالجملة حتى دون محاكمة :
إنهم نظروا إليك كمجرمة تستحق قساوة سجونهم لانك :
 - أستضفت رمز الأمة الكوردية الملا مصطفى الى قصيدة لك بمناسبة رحيله التراجيدي في آذار عام 1979 ..
أستضفت روح الشهيد سيروان طالباني الذي أستشهد في كمين نصب له في قره داغ في عقر كشكولك الشعري .
- لانك كتبت الشعر وهذا لوحده جرم يحاسب عليه القانون !!
السجن لم يردعك عن الشعر والحياة فتمسكت بتلابيبهما وركضت ورائهما عدوا رغم الداء والأعداء ، فتلك قامتك أراها بين القامات في صببيحة العاشر من آذار عام 1991 وأنت تقودين الجماهير المنتفضة في مدينتك ( كفري ) وسلاحك الشعر المتدفق عبر مكبرة صوت لسيارة الأسعاف التي كانت تمخر عباب الأزقة والشوارع مناديا أعلان يوم جديد من حياة الناس ولا زالت جلاديك مختفية في ظلام دهاليز دوائرهم القمعية خوفا من غضب الناس المنتفضة ورائك في شوارع المدينة وصور الدكتاتور تحترق بين حلقات الرقص وأناشيد الصغار مثل هذا اليوم من ذلك العام .
لقد سقط الطغاة وعاش الشعر المحتضن لآلام الناس .
زال حكمهم وبقيت أنت يا أبنة العم فهبت الى ميدان آخر بنفس الأندفاعة التي بدأتيها مع الشعر ، فكتبت للمرأة المظلومة وحقهم المهضوم منذ الأزل ، فكانت بحق ثورة أخرى لها أهدافها ومخططاتها وآفاقها التي الممجدة في قصائد من الشعر ومقالات في الجرائد وعدة كتب مهمة أغنيت بها المكتبة الكوردية التي كانت تفتقدها ، كتب تتحدث وتحلل وتبحث هموم المرأة وترسم الخارطة الواجب إتباعها للوصول الى الجمهورية الفاضلة التي تبتغيها للأنسان تكون المرأة فيها رئيسة ونائبة ووزيرة ومديرة وعاملة في المجتمع القابع في حافة بادية من العقل الرجولي المتشرئب بحديث الآيدلوجيات الهرئة التي تزيد من طنبور الكبت أنغاما .
أجلس الآن وامامي 30 كتابا من توقيع مهاباد قره داغي وأطمح الى ثلاثة أخرى أعرف أنها قادمة الى مكتبتي بعد حين ، أنه الزاد الثقافي الذي قدمتيه لموائدنا بعد صراع مرير مع قوى الظلام التي أرادت إطفاء سراجك فأزداد وهجا والحمد لله .
واليوم ، هو عيدك التي أتطلع الى قامتك الحاضرة في ذهن كل من يتطلع الى مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ، ذلك المبدأ الذي حملتيه وسرت به الى أربيل لتساهمي في رفد المسيرة المتطلعة الى الشمس ، فتقبلي تحية مني إليك والى كل إمرأة حرة في العالم مع باقة من زهر النرجس الذي يظهر مرة كل عام كلما حل الثامن من آذار في كوردستان .