| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 9/8/ 2008


 

ربع قرن على ملحمة سويله ميش البطولية
وقائع غير معروفة

سهيل زهاوي

سويله ميش قرية صغيرة تجلس على رابية، في سهل شاره زور، و تبعد بضعة اميال عن مدينة سيد صادق التابعة لمحافظة السليمانية. لا تتسع مساحة القرية الساحرة لاكثرمن 14 بيتا وتطل على منظرواسع رحب من جميع الجهات. هذه القرية دخلت التاريخ من خلال ملحمة نضالية خالدة سجلها الشيوعيون بدمائهم الزكية.
في 25 ايلول القادم ستحل ذكرى مرور ربع قرن على تلك المعركة البطولية بمعانيها و دلالاتها و دروسها الكبيرة التي تناولها العديد من الكتاب خلال السنوات الماضية.
تعد معركة سويله ميش أكبر جولة عسكرية وقعت في العام 983 في سهل شاره زور بين قوات الانصارـ البيشمركه لبتاليون(الفوج) 9 السليمانية وقوات النظام الدكتاتوري البائد. سأحاول ان القي الضوء على الكثير من الوقائع غير المعروفة و على النضال و الشجاعة والبطولة النادرة عند الانصارـ البيشمركة الشيوعيين الذين نذرواحياتهم من اجل مصالح شعبهم و وطنهم، وتفسيرها في اطار السياق التاريخي والعسكري لتلك الفترة . واعمل جاهدا من اجل ايصال الصورة الحقيقية و بصوره موضوعية، قدرالامكان، لهذه المعركة بحكم عملي في القيادة الميدانية لقوات ( الانصارـ البيشمركة ) للحزب الشيوعي العراقي (حشك) في سهل شاره زور وقربي و مشاهداتي للمعركة.
منذ ليلة 24ـ 25 ايلول 1983 تواجدت قوات الانصارـ البيشمركة البطلة التابعة لبتاليون( فوج) 9 السليمانية بأمرة الرفيق الراحل اسماعيل دكتاريوف في قرية سويله ميش، وقد مرت بالقرية مفرزة تابعة لقيادة قاطع السليمانية وكركوك (حشك) وهي في طريقها الى كه رجال بالقرب من قرية (احمد آوى) التابعة لمنطقة هوره مان وكان ضمن تلك المفرزة الرفيقان (الشهيدان) ياسين وجلال ونه رينه يي ويرافق المفرزة ايضا اثنان من بيشمركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني. بقيت المفرزة في القرية مع الفوج المذكور في الليلة ذاتها .

حدثنا الرفيق اسماعيل امرالفوج 9 السليمانية حول المعركة ما يلي:ـ
مع اطلالة الفجر رصد الرفيق النصير المكلف بنوبة الحراسة حركة غير طبيعية تقترب من القرية، قمت في الحال مع امراء السرايا بأستطلاع الموقف فوجدنا قوة كبيرة من الجيش تتقدمها قوة من الجحوش المرتزقة. ترجلت القوة في مسيرة غير نظامية كأنها قطعان من الماشية تتحرك نحو القرية. اتخذت قرارا على وجه السرعة بالتصدي للقوة المهاجمة واعددنا الترتيبات اللازمة لخوض مثل هذه المعركة، وكانت الخطة لا تعتمد على توقيت معين بل تستدعي توجية ضربة مباغتة الى العدو عندما يقترب افراد القوة من القرية، بشرط ان يكونوا على مدى مرمى سلاح الكلاشنكوف لضمان النجاح وتحقيق اكبر الخسائر الممكنة بالعدو . اتخذ الانصارـ البيشمركه مواقع قتالية انتظارا للمعركة.
في الساعة الثامنة صباحا انطلقت الكثافة النارية بأتجاه العدو من الاسلحة الخفيفة و المتوسطة واسفرت عن قتل وجرح العديد من الجحوش المرتزقة والجنود وفي مقدمتهم المجرم المعروف عثمان علي جتون والذي كان احد اصدقاء الطاغية صدام حسين.
هذه المفاجئة غير المتوقعة بالنسبة للعدو قلبت موازين القوى في المعركة لصالح الانصارـ البيشمركه، ورفعت من معنوياتهم رغم ما تمتلكه قوات النظام من عدة وعدد، كما ثبطت عزيمة قوات العدو ونشرت الذعر والتردد فيما بينهم.
بعد الضربة القاضية التي وجهتها قوات الانصارـ البيشمركه الابطال الى العدو بدأت قوات السلطة بتعزيز مواقعها بقوات اضافية وبدفع عدد من الدروع تتقدمها قوة كبيرة من المرتزقة الجحوش والجنود وفرضت حصارا من ثلاثة اتجهات على القرية، ما عدا الطريق المؤدي الى قرية ( ته به كه ل) . كان هدف قوات النظام فرض حصار كامل على القرية لكي يتسنى لها ابادة الانصار المتواجدين في ( سويله ميش) بعد ان ينفذ عتادهم، وفي معالجة لسد الطريق بين القريتين ادخل العدو طائرات الهليوكوبتر في المعركة. شنت الطائرات الثلاث هجوما بالصواريخ والدوشكات على الانصار مستهدفة قطع خطوط الامدادات على الطريق المفتوح بين ( سويله ميش ) و( ته به كه ل) . ورغم القصف المكثف من الجو والارض ظلت معنويات الانصار عالية و تصدوا بقوة للعدو وهجماته المتلاحقة، وافشلوامخططه واجبروا قواته على التراجع نحو الخلف بعد تلقيها ضربات موجعة .
لأبقاء الطريق مفتوحا الى قرية (سويله ميش)، ولضمان تدفق الامدادات الى الانصارالمحاصرين، ولافشال مخططات العدو لفرض الحصار على القرية،اخذت القيادة الميدانية لقاطع السليمانية وكركوك المتواجدة في قرية (ته به كه ل) (1) زمام المبادرة واتخذت قرارا سريعا بالدخول في المعركة وفتح جبهة جديدة مع العدو لتخفيف الضغط على رفاقنا في قرية (سويله ميش) عبرتوجيه ضربات من وسائل المضادات الجوية لعرقلة حركة الطائرات. كانت الطائرات في سماء قرية (سويله ميش) في مناورة لها لاصابة الهدف عندما اصبحت في مدى نيران اسلحتنا في قرية (ته به كه ل) فاطلق النصير روبيتر من( الفوج 15 قره داغ و كه رميان ) اول قذيفة (آر بي جي) احدثت دويا قويا بأرجاء القرية وشوهد انفجارها في مؤخرة احدى الطائرات المغيرة وهي تلوذ بالفرار من سماء المعركة مع الطائرتين الاخرتين مخلفة ورائها دخانا اسود بعد ان اشتعلت النار في القسم الخلفي منها. لم تمض ساعة واحدة حتى عادت الطائرات لتقصف هذه المرة قرية ( ته به كه ل) وادى القصف الى جرح صبية من القرية وقتل العديد من المواشي . فيما بعد فقدت الطائرات فعاليتها عقب مبادرة القيادة الميدانية ولعبها دورا حاسما في جعل اجواء المعركة خالية من طائرات العدو .
استمرت الاشتباكات بين الانصارـ البيشمركه وقوات العدو الى ما بعد الظهرمن نفس اليوم. لم تحرزالقوات المعادية اي تقدم، واستخدم الطرفان الاسلحة الثقيلة والمتوسطة في المعركة. بقيت قوات الانصارـ البيشمركة صامدة وتمكنت من كسر عدة هجمات للعدوالذي لم يتجرأ على دخول القرية.
في حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر كشف العدو موقع الشهيد الخالد ياسين** الذي وجه اكثرمن 60 قاذفة (ار بي جي) مناصفة مع الشهيد يوسف ضد الدبابات المتقدمة وعرقل زحفها نحوالقرية. اصابت قذيفة دبابة الجهة اليسرى من جسمه وادت الى تفجير العتاد الذي يحمله على خاصرته، كما جرح الرفيق النصير (جلال ونه رينه يي) في موقع اخر في المعركة.(3)
في الساعات الاخيرة من المعركة دخلت مفرزة من الحزب الاشتراكي الكوردستاني الحليف قرية (سويله ميش) وشاهدت بأم العين المقاومة الباسلة للانصارالابطال والدمار الذي حل بالقرية. بعد فترة قصيرة اعلنت الانسحاب من المعركة وطلبت من الفوج 9 السليمانية الانسحاب ايضا. اضطرت قيادة البتاليون الى اتخاذ قرار الانسحاب خشية ان ينفذ العتاد الذي بحوزتهم .عندما تأكد العدو من ان الانصار قد انسحبوا من القرية تمكن عدد من الجحوش المرتزقة من دخول القرية وهم بزي البيشمركه من خلال عملية تسلل سريعة لم تستمر الا فترة وجيزة. لم يبق في القرية الا عدد قليل من الانصار، وقد ضنوا ان هؤلاء القادمين هم من الاحزاب الحليفة ولذلك لم يتخذوا الاجراءات اللازمة لمقاومتهم . صوب الجحوش اسلحتهم بأتجاه الانصارـ البيشمركه وتمكنوا من اسرالرفاق الانصار ..
1ـ كاظم وروار (يوسف عرب)
2 ـ محمد علي فرج (غمبار)
3- اراس اكرم (سامال)
4 ـ شيخ جلال ( جلال ونه رينه يي) وهوجريح (4).
في الطريق وعند عودة الجحوش تحدى شيخ جلال الجحوش ووصفهم بالخونة والمجرمين وبصق عليهم. لم يتحمل الجحوش تحدي الشهيد لهم فصوبوا بنادقهم نحوه واطلقوا النار عليه واردوه قتيلا وتركوه على سفح التلال المحاذية لقرية سويله ميش . واقدم جلاوزة النظام البائدعلى تنفيذ حكم الاعدام بالانصار الاسرى الثلاثة الاخرين حيث قام المجرم المعروف المرتزق رشيد صالح (ره شه صالحه) بتنفيذ الجريمة البشعة على طريق حلبجة ـ سيد صادق في نفس المكان الذي قتل فيه اخو الجحش رشيد صالح على اثر كمين وضعته مفرزة بطلة من بتاليون 7 هورمان لقاطع السليمانية وكركوك (5).
بعد انسحاب الرفاق الانصارالبيشمركة الابطال دخلت مفرزة مشتركة من سرية قيادة قاطع السليمانية كركوك و الفوج 15 قره داغ وكه رميان يرافقها كاتب هذه السطورالى داخل قرية (سويله ميش)، والدبابات ما تزال منتشرةعلى مشارف القرية، والارض تحترق تحت اقدامنا بسبب القصف المكثف من الدبابات والطائرات والمدفعية. وبعد تفتيش القرية جرى نقل الشهيدين البطلين الى قرية(ته به كه ل) .

الدوافع الرئسية لمشاركة الانصار في المعركة
والجدير بالذكر ان هذه المعركة لم تفرض على انصارفوج (بتاليون)9 السليمانية بل كان بامكانهم الانسحاب دون ان يقدموا اية خسائر، الا ان الرفيق الراحل اسماعيل دكتاريوف لجأ الى المغامرة المحسوبة للاسباب التالية :ــ
ـ كان الرفيق اسماعيل يعتقد في حينه ان الهدف سهل ويمكن توجيه ضربة مباغتة الى القوة المهاجمة وتكبيدها الكثير من الخسائر، وفعلا حدث ذلك.
ـ كانت قيادة قاطع السليمانية وكركوك تمتلك كميات كبيرة من العتاد الاحتياطي، بكل انواعه، ومتواجدة بالقرب من ساحة المعركة وكان يشرف على خزنها امر الفوج 9 السليمانية ولم يبخل في استخدامها في المعركة ضد العدو.
ـ تواجد قوات كبيرة للانصارـ البيشمركه الابطال للحزب الشيوعي العراقي والاحزاب الحليفة من ( جود ) المنتشرة في مساحة واسعة في سهل ( شاره زور) وكان ذلك الزخم البشري بمثابة القوة الاحتياطية اللازمة لاية معركة قد تحدث في المنطقة .

الانسحاب من المعركة
من المعروف ان الانسحاب في معارك التماس مع العدو هو من اصعب الانسحابات، خاصة اذا كان العدومتفوقا
بالعدد والتسلح . ويتطلب اتخاذ قرارمن هذا النوع ان يكون الانسحاب مدروسا ودقيقا كي تخرج القوات بأقل الخسائر.
وقد رافق المقاومة في المعركة بعض السلبيات كان بأمكان قادة البتاليون معالجتها في حينها، فقد اعطيت الاولية للمقاومة دون التفكير بوضع خطة للانسحاب. ان مهمة القيادة متابعة خطة المقاومة، واذا وجدت في منتصف الطريق ان خطط النجاح غير اكيدة ، يتطلب الامر اتخاذ قرارات بالانسحاب بكل عزم ودون تردد. تم الاتفاق على الانسحاب بين قيادة بتاليون 9 السليمانية ومفرزة (حسك) الا انه لم يجر التنسيق بين الطرفين حول كيفية الانسحاب. هذا من جهة ومن جهة أخرى كان توقيت الانسحاب غير موفق، حيث اتخذ قرار الانسحاب في الساعات الاخيرة من المعركة ، اي عندما كانت القوات الحكومية على وشك الانسحاب. لوجرى الانسحاب بشكل منظم ومخطط لكانت الخسائر اقل مما كانت عليه.

الاستنتاج
خاض العديد من مفارزحزبنا والاطراف الكوردستانية الاخرى معارك ضارية ضد قوات النظام خلال الاعوام 1980ـ 1982 في مناطق مكشوفة راح ضحيتها العشرات من الشهداء ، وفي بعض المعارك ابيدت المفارز بكاملها بسبب قلة التجربة وخروج الانصار من القرى خشية ان يقوم النظام بتدميرها، اي مراعاة لاهالي هذه القرى، مما فرض على الانصارـ البيشمركه دخول معارك مع الجحوش المرتزقة والجيش في العراء، وقريبا من المدن، وكان ميزان القوى لصالح النظام.
وقد شكلت معركة سويله ميش تحولا في اسلوب القتال في مناطق مكشوفة وقريبة من المدن وامكانية تحقيق النجاح على الرغم من التفوق التقني لقوات العدو، رغم ان التوقعات من خارج المعركة كانت تشير الى استحالة قدرة الانصارعلى مواجهة هذه القوات الكبيرة في هذا الموقع الذي قلما يدخل الانصارفي مواجهة العدو فيه .
ان هذه المعركة سجلت نموذجا فريدا في البطولة والشجاعة والاقدام، وهو الشئ الذي يستحق الاهتمام والتوقف عنده، حيث تمكن عدد قليل من الانصار ـ البيشمركة وهم على مساحة صغيرة من الارض ان يوقفوا زحف قوة كبيرة من الجحوش المرتزقة والجيش وتساندها الطائرات والدروع والمدفعية . كما شعراهالي القرية بالامن من الانصارـ البيشمركه الذين لم يتخاذلوا في المعركة رغم بدائية تسلحهم مقارنة بالامكانيات الهائلة لدى قوات النظام .
لقد اكدت معركة سويله ميش بمسارها ونتائجها بما لا يقبل الجدل استحالة تسجيل انتصار عسكري ساحق لقوات النظام البائد رغم الامكانيات الكبيرة التي تمتلكها من قوى بشرية واسلحة ثقيلة و دروع واصناف اخرى وقوة جوية.


(1) من القيادة الميدانية كان متواجدا في قرية (ته به كه ل) الرفيقان الشهيد نصرالدين عابد المشرف على القيادة الميدانية وسهيل زهاوي (كمال) .ويتواجد ايضا السيد عثمان قادر منور احد الكوادر العسكرية المعروفة للحزب الاشتراكي الكوردستاني آنذاك مع مفرزة لحسك. في البداية ابدى تحفظه وعدم ارتياحه من قرارنا بضرب الطائرات من قرية (ته به كه ل) فيما بعد تراجع عن موقفه نتيجة ضغوطات من اعضاء مفرزته .
(2) كان الشهيد ياسين (آمر سرية) شجاعا وفي جميع المعارك، كان يتقدم نحو الامام ويقاتل وهو واقف وكنت ومع الشهيد نصرالدين عابد نمزح معه ونقول(ربما تصاب بطلقة نارية طائشة لا تتقدم الى الامام في المعارك) وكان يرد علينا انه يتحدى الموت والموت يهرب منه ، وسقط اخيرا في خريف عام 1983 مع سقوط اوراق الخريف ويبقى اسمه خالدا الى الابد، وتحققت امنيته التي كان يرددها دائما انه سوف يموت بصاروخ ولن يموت بطلقة.
(3) الشهيد شيخ جلال كان آمر مفرزة وهو من قرية (ونه رينه يي) في شاربازير بمحافظة السليمانية. في عام 1982 كان يسكن مدينة السليمانية ويعمل ضمن التنظيمات السرية للحزب الشيوعي العراقي وعلى اتصال بالرفيق شيخ رسول. كشف امره لجلاوزة امن السليمانية والتحق بقوات الانصارـ البيشمركه.
(4) حصلنا على هذه المعلومات حول اسر الشهيد جلال من مصادرنا الخاصة وتم نقل جثمانه من خارج القرية من قبل مفرزة حزبنا. امرأة من اهالي قرية (سويله ميش) اصرت ان تبقى مع الانصارـ البيشمركه وتقاوم العدو بطريقتها الخاصة وكانت على علم بأسر الشهيد شيخ جلال وهي اعلمتنا بمكان استشهاده.
(5) بعد تنفيذ حكم الاعدام بالشهداء الثلاثة( يوسف عرب وغمبار وسامال) رميا بالرصاص تم دفنهم في نفس المكان الذي اعدموا فيه، فيما بعد نقل رفاتهم الى مقبرة الشهداء في السليمانية من قبل الشخصية المعروفة الشهيد علي بوسكاني.



 

free web counter

 

أرشيف المقالات