| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 



الاقتصاد السياسي لأزمة الغذاء العالمية الراهنة
محاولة في فهم الجذور

د. صالح ياسر

- 3 -

المقاربة الثانية: المقاربة الاقتصادية – السياسية
تنطلق هذه المقاربة من محاولته التعرف على الأسباب الحقيقية للازمة، من خلال تحليل طور الإنتاج والتغيرات الجارية في البنية الإنتاجية للاقتصاد الرأسمالي. من خلال تحليل هذا الطور يمكن تعميم النتائج المتحصل عليها ، وتستخدم كأداة معرفية – تحليلية لدراسة التطورات في مجال التداول وبحث العلاقات ذات الطابع الجدلي العام، ليتم الوصول، في نهاية الأمر، الى تشخيص الأزمة المندلعة بأنها أزمة بنيوية الطابع Structural. غير أنه من المفيد التذكير الى أن وارتباطا بعولمة الحياة الاقتصادية فان الأمر يحتاج الى أن يُدخَل في التحليل المظاهر الجديدة في تدويل عملية إعادة الإنتاج الرأسمالية، والدور المتعاظم للشركات الاحتكارية الدولية النشاط في الاقتصاد الرأسمالي، إضافة طبعا الى متابعة مسار تطور النظام الرأسمالي العالمي الذي خلق المقدمات لنشوء هذه الأزمات وفاقمها.
بداية، لا بد من الإشارة الى ان ثمة أبعاد مترابطة لأزمة الغذاء العالمية، إذ لا يمكن فهم هذه الأزمة ووضعها في سياقها الصحيح من دون اعتماد مقاربة مركبة تشخص أبعاد الأزمة وبالتالي تحديد القوى المسؤولة عن هذا الوضع وانفجاره في أزمة عميقة وما تحمله من مخاطر وتحديات ليس فقط اقتصادية بل جيو – سياسية عالمية البعد.
ويمكن القول ان ثمة أبعاد متعددة لهذه المشكلة من بينها:

البعد الأول:
مسار النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي
المقدمات الاقتصادية الاجتماعية لنشوء المجاعات والأزمات الغذائية
ان التحليل الماركسي لأسباب هذه الظاهرة الاجتماعية أو تلك يتطلب اعتماد طريقة تاريخية لدى تناول ظاهرة معينة واستجلاء أعمق منابعها. ولهذا فان الأسباب المنطلقية للازمة الغذائية العالمية الراهنة لا يجوز دراستها بمعزل عن التاريخ الاستعماري، وفي المشكلة الغذائية المعاصرة تتجمع، كما في البؤرة، مظاهر الإرث الثقيل لقرون من الهيمنة الاستعمارية .(1)

ان السبب الرئيسي، المنطلقي، للوضع الغذائي البائس في العالم وعلى وجه الخصوص في البلدان النامية يكمن، في الأساس، في طبيعة النظام الاستعماري والاستغلال الوحشي المديد لمواردها الطبيعية والبشرية من جانب الرأسمال الاحتكاري: في البدء بأساليب استعمارية ومن ثم بأساليب استعمارية جديدة. فبموجب هذا النظام تكون الامبريالية قد قيّدت تطور القوى المنتجة في الفرع الرئيسي لاقتصاد البلدان المستعمرة، في الزراعة، وسببت في إفلاس وفقر شعوب الكثير من البلدان. على هذا النحو جرى خلق المقدمات الاقتصادية الاجتماعية لنشوء المجاعات والأزمات الغذائية.

وحتى نفهم عمق هذه الإشكالية فانه لا بد من الإشارة الى أن تحليل تطور العالم الرأسمالي لا يمكن أن يتم من دون معرفة خصوصيات هذا التطور ضمن نسق عالمي محدد طرفاه مجموعتي البلدان: الرأسمالية المتقدمة والبلدان النامية واللذان يرتبطان ببعضهما البعض في إطار النسق الرأسمالي العالمي وضمن العلاقة التاريخية حسب الثنائية المعروفة: هيمنة/تبعية. فإذا كان منشأ التطور في بلدان المجموعة الأولى (الرأسمالية المتقدمة) مستقلا وذاتيا، ولم يكن تأثير العامل الخارجي حاسما أو أساسيا على العموم، فإن التطور في بلدان المجموعة الثانية (النامية)، يتجلى في غلبة العوامل الخارجية فيه بالمقارنة مع العوامل الداخلية (2). إن التأكيد هنا على " غلبة العوامل الخارجية " الهدف منه تجنب اختزال عوامل التبعية الى عاملها الخارجي فقط مما يؤدي الى تشويه وتمويه واقع التخلف الرأسمالي، الذي هو في الواقع محصلة تمفصل جدلي معقد بين جدلين أساسيين: جدل الداخلي والخارجي وجدل الاقتصادي والسياسي. فيتعين هنا تمفصل هذين الجدلين على نحو يكون فيه جدل الداخلي - الاقتصادي هو محدِد جدل الخارجي - السياسي (3). ويمكن الاتفاق مع ما ذكراه كاردوسو، وفاليتو عندما أشارا الى أن " .... التحليل يصبح متكاملا ... فقط عندما يؤدي الى تحديد التعيين للروابط المتبادلة بين البعد الاقتصادي والاجتماعي للظواهر على الصعيدين الداخلي والخارجي " (4).

هكذا، إذن، في لحظة تاريخية محددة تعرض المسار الطبيعي للتطور الاجتماعي في هذه المجموعة من البلدان (النامية) للانقطاع من جراء التأثير العنيف للعامل الخارجي مما أرغم جزء من مجتمعات هذه البلدان على الانخراط في منطق النمط الرأسمالي الأجنبي ويلتحم به في تركيب واحد. لهذا ومن اجل استيعاب مضمون التطور الرأسمالي في المجموعة الثانية من البلدان فلا بد من تناوله ضمن إشكالية الصيرورة الكولونيالية والسمة المميزة لها وهي سمة العنف التي فرضت من خلاله. إن قطع السيرورة الطبيعية لتطور البلدان النامية يعني أن هذه البلدان تصبح منذ هذه اللحظة جزءاً من عملية التوحيد التي فرضتها البرجوازية العالمية بالقوة. ويعني ذلك نشوء ظواهر تاريخية جديدة مثل: النظام الكولونيالي، تقسيم العمل الدولي الكولونيالي.

وهناك سمة أخرى للصيرورة الكولونيالية هي أنها تمّت بمبادرة " من أعلى " أو من مستوى البنية الفوقية السياسية في المجتمع، أما عن طريق الإدارة الكولونيالية أو عن طريق السلطات المحلية المقيدة بشبكة من الاتفاقيات المجحفة (5).
كانت السياسة الاقتصادية للكولونيالية، المندمجة مع السياسات الأخرى تسعى بكل الوسائل الممكنة الى أن تكبح وتكبت أية إمكانية أو فرصة لنمو البنية الرأسمالية الوطنية أو إنقاذها اللاحق من قيودها الكولونيالية. وإذا كان الأساس الاقتصادي لعمليات تكوين الأمم البرجوازية يتمثل في تسليع ورسملة المجتمعات بشكل متواصل وخلق الشروط لنشوء الأسواق القومية وعلاقات السلعة/النقد، فإن علاقات الإنتاج السلعي الناشئة عن هذه السيرورات تمتاز بخصوصية " فريدة " في معظم البلدان النامية. تتجلى هذه الخاصية في أن تطور علاقات الإنتاج السلعي في هذه البلدان تم في تلك اللحظة التاريخية التي اندمجت فيها تلك البلدان في العلاقات الاقتصادية العالمية، على قاعدة اللاتكافؤ، متجاوزة العديد من مراحل التطور الاجتماعي – الاقتصادي.

يشترط الانتقال من السياسة الكولونيالية الى النيوكولونيالية ضرورة إجراء تغيرات في مختلف حقول عملية إعادة الإنتاج الاجتماعية الرأسمالية العالمية المدى. وهنا يتم استبدال تقسيم العمل الدولي التقليدي الكولونيالي بتقسيم جديد مع الإشارة الى عدم مرافقة هذا التغيير في تقسيم العمل أية تغيرات جوهرية في العلاقة الناظمة بين مجموعتي البلدان، بل حدث تغيير في الشكل وليس في المضمون.

يعتبر قانون التطور المتفاوت أحد القوانين الموضوعية المرافقة لتطور الرأسمالية محليا وعالمياً. ويعني أن هذا القانون " يمارس نشاطه " في البلدان النامية " الرأسمالية " مؤديا الى حدوث تمايز محدد فيما بينها. ويؤدي هذا النمط من التطور الى المزيد من انعدام الاتساق في إقامة الرأسمالية في هذه البلدان، والى نمو تناقضات جديدة، والى تغيير في الأدوار المسندة لها في إطار استراتيجية القوى المسيطرة في النسق الرأسمالي العالمي.
ومن جهة أخرى من المفيد الإشارة الى أن تحليل نشوء وتطور التشكيلات الرأسمالية في البلدان النامية يطرح العديد من المشاكل المنهجية الأخرى. المشكلة الأهم تتعلق باندراج هذه التشكيلات داخل القنوات الاقتصادية الدولية للرأسمالية في أوج توسعها. إن الاستقراء التاريخي لمراحل التطور الاقتصادي – الاجتماعي يبيّن أن الاستحواذ على الفائض الاقتصادي المنتج في هذه البلدان وترحيله – عبر آليات عديدة - الى البلدان " الأم " يمثل أهمية محورية في فهم قضايا التنمية والنمو (6). إن مفهوم الفائض الاقتصادي يسمح لنا بالكشف عما أفضى إليه الاتصال أو الاشتباك بنمط الإنتاج الرأسمالي المتطور من عاهات بنيوية في تحديده لبنية الفائض الاقتصادي لبلدان " الأطراف الرأسمالية " كماً ونوعاً بما يتلاءم وتقسيم العمل الدولي، وكذلك بما يتلاءم وإعادة تقسيم العمل الدولي (إعادة ترتيب أجزاء المنظومة) بما يضمن استمرار " التخلف " من جهة والتطور من جهة ثانية وبالتالي إعادة إنتاج الجهاز الرأسمالي الموحد من دون أية " منغصات ".
أدى اندماج اقتصادات البلدان النامية في منظومة الاقتصاد الرأسمالي العالمي في الماضي، الى وصول جهود التنمية في معظم هذه البلدان الى منطقة حصار شديد، بسبب أواصر التبعية وعلاقات التبادل والنمو اللامتكافئة بينها وبين " مراكز " هذه المنظومة. ولكن رغم هذه النتائج هناك من يلح على ضرورة التكيّف مع الأزمات الاقتصادية التي تشهدها المنظومة الرأسمالية العالمية، انطلاقا من أن أساس مأزق التنمية في البلدان النامية وما تولّد عنه من مشكلات راهنة، يعود باعتقاد هؤلاء الى بطء سرعة إجراء التصحيحات اللازمة والتكيفات المطلوبة. وقد كان المفكر الاقتصادي المصري الراحل الدكتور رمزي زكي محقا حين أكد على " أنه في ضوء علاقات القوى اللامتكافئة بين اقتصاداتنا ..... والاقتصاد الرأسمالي العالمي، وفي ضوء ضعف الطبقة البرجوازية المحلية وشراسة قوى الاحتكارات العالمية ومؤسساتها متعددة الجنسية، فإن تحقيق هذه (التكييفات) سيجعل أقطارنا .... في حالة حصار مستمر من قبل الرأسمالية العالمية لكي تستمر المنطقة .... في تأدية الوظائف نفسها التي كانت تؤديها لخدمة عمليات تراكم رأس المال في المراكز الرأسمالية: مصدر رخيص ومضمون للمواد الخام، وسوق واسعة للتصريف، ومناطق مربحة لرؤوس الأموال الفائضة. وإن كان ذلك لم يمنع من إمكان تحقيق بعض أشكال من النمو الرأسمالي، في هذا القطر أو ذاك، ولكنه لن يكون نمواً مستقلاً ومستقراً " (7). وهذا النمط من " التطور " يحمل في طياته مخاطر كبيرة ويشكل واحدا من أهم منابع تهديد الأمن الاقتصادي سواء على مستوى كل بلدان أم على صعيد مجموعة البلدان النامية ضمن موقعها في إطار النسق الرأسمالي العالمي.

وكان هناك من يراهن على تحسن الوضع بعد تصفية النظام الاستعماري، غير ان تطور الأوضاع الفعلي سار باتجاه آخر. فانهيار النظام الاستعماري لم يؤد الى التحرر الكامل للدول الفتية من الاستغلال الامبريالي والى استقلالها الاقتصادي. فتحطيم النظام السياسي للاستعمار وما ارتبط به من طرائق الاستغلال الاقتصادي، لم تمس تقريبا مضمون العلاقات الإنتاجية الناظمة للاقتصاد الرأسمالي العالمي، ولم يغير جذريا من وضع البلدان النامية كـ " أطراف " زراعية - خامية للدول الرأسمالية الصناعية.

وبيّن تاريخ العقود الأخيرة التي تلت الحرب العالمية الثانية ان الشرط الرئيسي لاستمرار الاستغلال الامبريالي العالمي للبلدان النامية هو إبقاؤها ضمن نطاق الاقتصاد الرأسمالي العالمي في إطار قانون التطور المتفاوت وعلى قاعدة اللاتكافؤ في الإنتاج والتبادل العالميين وفقا لتقسيم عالمي للعمل يعيد إنتاج العلاقات التي تربط المجموعتين من البلدان على قواعد أكثر صرامة.

وإذا تعمقنا في تحليل هذه القضية وربطها بموضوع حديثنا الأساسي، أمكننا الاستنتاج بان المشكلة الغذائية العالمية الراهنة ، يرسو في أساسها منذ البداية بناء تحتي اجتماعي - اقتصادي يعكس الطابع الاستغلالي لعلاقات الإنتاج في ظل الرأسمالية. فالرأسمالية بالذات تعيّن مسبقا الأسباب الطويلة الأمد للتوتر المتعاظم في الوضع الغذائي العالمي وخصوصا في البلدان النامية، والذي يتبلور، عادة، في أزمات غذائية دورية.

البعد الثاني:
مسار سياسات الإصلاح وإعادة الهيكلة الاقتصادية عالميا
دور المؤسسات المالية والنقدية الدولية واستراتيجياتها في مفاقمة المشكلة الغذائية العالمية ووصولها الى الأزمة.
أدى عجز " الاستراتيجيات التنموية " في الكثير من البلدان النامية، بسبب موقعها المتخلف والتابع ضمن النسق الرأسمالي العالمي، الى وصول التنمية فيها الى أفق مسدود. وأدي هذا الوضع الى بروز جملة المشاكل من بينها العجز المالي الحاد الذي شهده العديد من هذه الدول وعدم قدرتها على التخلص منه بإمكانياتها المحلية، في ضوء العلاقات الناظمة للاقتصاد العالمي، مما دفعها الى الاستدانة من المؤسسات المالية والنقدية الدولية التي أجبرت تلك البلدان على تنفيذ برامج لا تنبع بالضرورة عن الحاجات الفعلية لتلك البلدان.
لقد أدّت " سياسات الإصلاحات الاقتصادية" و " برامج التكييف الهيكلي " التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على البلدان النامية (كشرطٍ لإعادة التفاوض حول ديونها الخارجية) إلى إفقار مئات ملايين الأشخاص. ويرى ميشيل شوسودوفسكي (8) ، وهو على صواب، إنّ الوقائع الاقتصادية والاجتماعية القاسية الكامنة خلف تدخلات صندوق النقد الدولي هي السبب في الزيادة المنفلتة في أسعار المنتجات الغذائية والمجاعة على المستوى المحلي وتسريح العاملين الحضريين والموظفين بالجملة وتدمير البرامج الاجتماعية. لقد انهارت القدرة الشرائية الداخلية، وجرى إغلاق عيادات الصحة والمدارس، كما حرم مئات ملايين الأطفال من الحق في التعليم الابتدائي.
وبالمقابل فإن البنك الدولي مثلا يلزم الدول المدينة، على الصعيد الزراعي، بتنفيذ برامج التكييف الهيكلي التي تفرض دائما إنجاز زراعة للتصدير تمكن من الحصول على عملات صعبة تسمح لهذه الدول بتسديد فوائد ديونها، وتمويلات هذه الزراعة التصديرية تضر الأسواق الزراعية المحلية، التي أدت الى هذه الأزمة المتفجرة. كما انه وبحسب مقرر (لجنة الحق في الغذاء) أوليفييه دو شاتر- اجبر صندوق النقد الدولي " الدول النامية على الاستثمار في المحاصيل الزراعية التصديرية التي تدر النقد لتغطية العجز المالي" عوضاً عن المحاصيل التي تؤدي لسد حاجات المحلية. كما أن الشروط التي فرضها البنك الدولي على الدول النامية لـ " تحرير" تجارة المواد الغذائية أدى إلى إغراق الأسواق المحلية بفائض الحبوب في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وإطلاق يد الشركات متعددة الجنسيات في السيطرة عليها. وقد أسفر ذلك مثلا في الهند (1.2 مليار شخص) وعدد من الدول الآسيوية والإفريقية (أكثر من 1.5 مليار شخص)، عن طرد الملايين من الفلاحين التقليديين من الحقول التي كان يزرعها أسلافهم منذ آلاف السنين. علما انه ومنذ ثمانينات القرن العشرين، جرى رفع القيود عن أسواق الحبوب بإشراف البنك الدولي واستخدام فوائض من الحبوب مصدرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استخداماً منهجياً لتدمير "طبقة الفلاحين " وزعزعة زراعة القوت على المستوى المحلي.
ويمكن القول أنّ " حرية السوق المتعلقة بالحبوب " والتي فرضها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قد دمّرت الاقتصاد الفلاحي وقوّضت الأمن الغذائي. ومن المفيد الإشارة هنا الى بعض الأمثلة الملموسة في قارة أفريقيا .(9) فقد كانت مالاوي وزمبابوي في الماضي بلدين مزدهرين يتمتعان بفائضٍ من الحبوب، كما كانت رواندا مكتفيةً غذائياً حتى العام 1990، وهو العام الذي أمر فيه صندوق النقد الدولي بإغراق السوق الداخلية بفائضٍ حبوب أمريكي وأوروبي، معجلاً في إفلاس المزارعين المحليين. وفي عامي 1991-1992، اجتاحت المجاعة كينيا وشرق إفريقيا، وكلاهما كان قد حقق سابقا نجاحاً في إنتاج القوت. ولما لم تمتثل كينيا إلى وصفات صندوق النقد الدولي فقد تم إدراجها في القائمة السوداء ! وقد فرض رفع القيود عن سوق الحبوب كأحد اشتراطات إعادة جدولة دين كينيا الخارجي مع الدائنين الرسميين في نادي باريس.
ومن جهة أخرى فانه في أرجاء إفريقيا كافة، وكذلك في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، أدى استخدام نموذج " التكييف الهيكلي " في الزراعة تحت رعاية المؤسسات المالية والنقدية الدولية إلى تدمير الأمن الغذائي بصورةٍ واضحة. فقد جرى " تشجيع " المنتجين الزراعيين على التخلي عن زراعة القوت والتحول إلى زراعات " مرتفعة القيمة " لغاياتٍ تصديرية، غالباً على حساب الاكتفاء الذاتي الغذائي. وقد دعمت قروض البنك الدولي المنتجات المرتفعة القيمة إضافةً إلى الزراعات التصديرية. وبهذا ساهمت هذه السياسات في تعزيز التبعية للسوق الرأسمالية العالمية، مما أدى إلى زيادة استيراد الحبوب التجارية واقترن ذلك بزيادة تدفق " المساعدة الغذائية ". وبيّن مسار الأحداث ان " العلاج الاقتصادي " الذي طرحه خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ليس هو " الحل " الأمثل والصحيح للتغلب على المشكلة، بل أصبح، وإلى حدٍّ كبير، سببا للمجاعة والأزمة الغذائية في البلدان النامية. فكلما زادت القروض التي تمنحها هاتان المؤسستان " لزيادة الإنتاج الزراعي وتطوير الزراعة في هذه البلدان " كلما زادت مستويات المديونية وبالتالي ازدادت شروط هذه المؤسسات بإجبارها البلدان المذكورة على تطبيق الوصفات العتيدة للمؤسسات المالية والنقدية الدولية.
وهكذا يمكن الاستنتاج بان برامج التكييف الهيكلي التي يقدمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي (التي تقرن منح القروض بشرط التزام البلدان المقترِضة بالأجندة السياسية النيوليبرالية)، ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع مسار حدوث المجاعات، بسبب التقويض المنهجي لفئات النشاط الاقتصادي كافة الحضرية منها والريفية التي لا تخدم مصالح نظام السوق الرأسمالية العالمية خدمةً مباشرة. المجاعة والأزمة الغذائية العالمية، إذن، هي ليست نتاجا لمفاعيل الطبيعة و "غضبها " المتمثل بالعواصف أو الثلوج أو ارتفاع درجات الحرارة كما يروج لها البعض، بل هي نتيجة منطقية لمسار إعادة هيكلة " حرية السوق " على مستوى العالم، والتي تمتد جذورها إلى أزمة المديونية العالمية التي اندلعت في مطلع ثمانينات القرن الماضي وآثارها المعروفة (10). وهي ليست ظاهرةً حديثة كما تروج لذلك بعض تقارير الإعلام المنحازة للقوى المسيطرة على الصعيد العالمي ، التي تركّز على عرض وطلب المنتجات الزراعية على المدى القصير، في حين تموّه على الأسباب البنيوية الأوسع للمجاعة العالمية. فالفقر وسوء التغذية يمثلان شرطا سابق الوجود، أما زيادة أسعار الغذاء الأخيرة وما ارتبط بذلك من أزمة الغذاء العالمية الراهنة، فقد ساهمت في إثارة هذه الأزمة الغذائية ومفاقمتها.
ومن المفيد التشدّيد هنا على ان استراتيجيات المؤسسات المالية والنقدية الدولية وما يرتبط بها من سياسات التكييف الهيكلي أهملت بشكل متعمد القطاع الزراعي في البلدان النامية، هذا إضافة الى الإهمال الذي يعانيه هذا القطاعات من السلطات الحكومية المحلية. فقد عانت القطاعات الزراعية والريفية من الإهمال وقلة الاستثمارات على مدى العقدين الأخيرين. ففي حين يعيش 75 في المائة من فقراء العالم في مناطق ريفية، فإن نسبة المساعدات الإنمائية الرسمية الموجهة لقطاع الزراعة في بلدان العالم النامية لا تتخطى بالكاد 4 في المائة. وفي أفريقيا جنوب الصحراء، وهي منطقة تعتمد بشدة على الزراعة لتحقيق النمو الكلي، فإن الإنفاق العام على ذلك القطاع لا يزيد كذلك على 4 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي، ناهيك عن أن هذا القطاع مازال يخضع لمعدلات عالية نسبياً من الضرائب.
وبالمقابل لابد من الإشارة الى ان أسلوب عمل الزراعة يتفاوت من أجل عملية التنمية من بلد إلى آخر تبعا ًلكيفية اعتماد البلدان على الزراعة باعتبارها مصدراً من مصادر تحقيق النمو الاقتصادي وأداة لتقليص الفقر. ويمكن رؤية مساهمة الزراعة في تحقيق النمو وتقليص الفقر من خلال تصنيف البلدان وفقاً لحصة الزراعة في إجمالي النمو في السنوات الخمسة عشر الماضية، وحصتها الحالية من الفقر الكلي في المناطق الريفية، وذلك باستخدام خط الفقر عند مستوى دولارين أمريكيين في اليوم.

وينتج عن هذا المنظور ثلاثة أنواع من البلدان — ثلاثة عوالم ريفية متميزة كما يصفها البنك الدولي في احد تقاريره (11)، وهذا ما يعكسه بالتفصيل (الجدول 1):

الجدول 1:
خصائص أنواع البلدان الثلاثة 2005

 

بلدان اقتصادها قائم على الزراعة

بلدان اقتصادها سائر على طريق التحول

بلدان اقتصادها قائم على المناطق الحضرية

عدد سكان المناطق الريفية (بالملايين) 2005 

417

2220

255

نسبة سكان المناطق الريفية (%) 2005

68

63

26

إجمالي الناتج المحلي بنسبة الفرد (دولار عام 2002) 2005

397

1068

3489

حصة الزراعة من إجمالي الناتج المحلي (%) 2005

29

13

6

معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الزراعي السنوي 1993 – 2005 (%)

4

2.9

2.2

معدل نمو إجمالي الناتج المحلي غير الزراعي السنوي 1993 – 2005 (%)

3.5

7

2.7

عدد الفقراء في المناطق الريفية (بالملايين) 2002

170

583

32

معدل الفقر في المناطق الريفية (%) 2002

51

28

13

المصدر: World Bank 2006 ؛Ravallion, Chen, and Sangraula - 2007

ملاحظة: خط الفقر هو 1.08 دولار أمريكي في اليوم، بقيمة الدولار عند مستوى تعادل القوة الشرائية في عام 1993.

• البلدان القائم اقتصادها على الزراعة - الزراعة مصدر رئيسي للنمو، وهي تشكّل في المتوسط 32 في المائة من نمو إجمالي الناتج المحلي - بصورة رئيسية لأن الزراعة تشكل نسبة كبيرة من إجمالي الناتج المحلي - ومعظم الفقراء يعيشون في مناطق ريفية ( 70 في المائة). ويقطن في هذه المجموعة من البلدان 417 مليون شخص من سكان المناطق الريفية وخصوصاً في بلدان منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. فاثنان وثمانون في المائة من سكان المناطق الريفية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء يعيشون في بلدان اقتصادها قائم على الزراعة.

• البلدان التي اقتصادها سائر على طريق التحول - لم تعد الزراعة من بين المصادر الرئيسية لنمو الاقتصاد، فهي تسهم بنسبة 7 في المائة في المتوسط فقط من نمو إجمالي الناتج المحلي، ولكن الفقر ما يزال بنسبة كبيرة جداً في المناطق الريفية ( 82 في المائة من كافة الفقراء). ويعيش في المناطق الريفية من هذه المجموعة -
ومن نماذجها الصين والهند وإندونيسيا والمغرب ورومانيا - أكثر من 2.2 بليون شخص. ويعيش في بلدان اقتصادها سائر على طريق التحول نسبة 98 في المائة من سكان المناطق الريفية في منطقة جنوب آسيا، و 96 في المائة في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، و 92 في المائة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

• البلدان القائم اقتصادها على المناطق الحضرية - مساهمة الزراعة على نحو مباشر في النمو الاقتصادي أقل مما في البلدان السابقة،5 في المائة في المتوسط، والفقر في معظمه في المناطق الحضرية. ومع ذلك، لازال في المناطق الريفية 45 في المائة من الفقراء، وتش ّ كل الصناعات الزراعية وصناعات المواد الغذائية حوالي ثلث إجمالي الناتج المحلي. وتشمل هذه المجموعة البالغ عدد سكانها 255 مليون شخص يسكنون مناطق ريفية معظم بلدان منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي والعديد من بلدان منطقة أوروبا وآسيا الوسطى. علماً بأن نسبة 88 في المائة من سكان الريف في كلتا المنطقتين يعيشون في بلدان اقتصادها قائم على المناطق الحضرية.

يتضح من تصنيف مناطق وأقاليم البلدان وفقا ًللإمكانات الزراعية والقدرة على الوصول إلى الأسواق أن نسبة 61 في المائة من سكان المناطق الريفية في البلدان النامية يعيشون في مناطق غنية بالموارد الطبيعية — مناطق مروية رطبة أو شبه رطبة مع قدر ضئيل من الإجهاد من الرطوبة، مع قدرة متوسطة إلى جيدة على الوصول إلى الأسواق (على مسافة أقل من خمس ساعات من مدينة فيها سوق يسكنها 5000 نسمة أو يزيد. ولكن يعيش ثلثا سكان المناطق الريفية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء في مناطق محدودة الموارد الطبيعية والتي تُعرف بأنها قاحلة وشبه قاحلة أو ضعيفة القدرة على الوصول إلى الأسواق.
وبالمقابل وبالتزامن مع إنشاء منظمة التجارة العالمية في العام 1995، حدث تغيرٌ تاريخي مهم آخر في بنية الزراعة العالمية (12).
ففي ظل بنود اتفاقية منظمة التجارة العالمية، أصبح لعمالقة صناعة الغذاء حرية غير مقيدة في دخول أسواق الحبوب في البلدان النامية. كما أنّ استيلاء مصالح الشركات الدولية لتصنيع الأغذية على «حقوق الملكية الفكرية» الحصرية المتعلقة بالأنواع النباتية أباح تدمير التنوع الحيوي.
وهكذا جرى فرض البذور المعدلة وراثياً على المزارعين، وحدث ذلك في سياق " برامج المساعدة الغذائية ". وهكذا مع التبني الكامل لتلك البذور، حدث تحوّلٌ رئيسي في بنية وتاريخ الزراعة المستقرة، منذ بداياتها قبل آلاف السنين. وهكذا وبسبب استخدام البذور المعدلة وراثياً، تحطمت الدورة الزراعية التقليدية التي تتيح للمزارعين الاحتفاظ ببذارهم وزرعه لإنتاج غلالٍ جديدة. وينتقل هذا النموذج التدميري، من بلدٍ إلى آخر، مؤدياً إلى زوال الاقتصاد الفلاحي عالمياً.

البعد الثالث:
السياسات الزراعية للبلدان الرأسمالية المتطورة ودورها في تفاقم أزمة الغذاء العالمية
يُرجع الجدل الدائر حاليا في البلدان الرأسمالية المتطورة، والذي يظهر في خطب العديد من السياسيين وصناع القرار، أسباب نقص الأغذية وارتفاع أسعارها العالمية إلى زيادة طلب الصين والهند والدول الصاعدة الأخرى، الناجم عن تغير العادات الغذائية لدى شعوب هذه البلدان حيث يتوجه سكانها نحو استهلاك مزيد من منتجات الحليب واللحوم وهو ما جرت الإشارة إليه في مكان آخر من هذه الدراسة. ويمكن اعتبار هذه التفسيرات محاولة لها وظيفية إيديولوجية تستهدف بالأساس تلطيف الدور الذي تلعبه السياسات الزراعية للبلدان الرأسمالية المتطورة في هذا الارتفاع. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التجاهل المتعمد للسياسيين وصانعي القرارات الكبرى في أوربا وأمريكا الدور الذي تلعبه سياسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في هذا الارتفاع. فقد ساهمت هذه السياسات الزراعية المتمثلة بدعم منتجاتها الزراعية في تقليص الإنتاج الزراعي في الدول النامية بسبب عدم قدرة تلك المنتجات على منافسة مثيلاتها من السلع المنتجة في البلدان المتطورة.
ومن المعروف انه منذ عقود طويلة تدعم حكومات دول الاتحاد الأوروبي إنتاجها الزراعي عن طريق دفع علاوات وتعويضات مباشرة للمزارعين بعدة مليارات من اليورو سنوياً. ويؤدي هذا الدعم إلى خلق فوائض زراعية أوروبية ضخمة يتم تصدير قسم منها إلى البلدان النامية بأسعار أقل من تكاليف إنتاجها الفعلية. وهو الأمر الذي أدى إلى منافسة الإنتاج الزراعي في البلدان النامية بشكل أدى إلى تقليصه، وإلى اعتمادها على الاستيراد من أوروبا والولايات المتحدة. على سبيل المثال يتراوح إنتاج لتر الحليب في البلدان المذكورة (النامية) بين 35 إلى 50 سنتاًَ في حين يصل إليها سعر اللتر المدعوم بحدود 30 سنتا من دول الاتحاد الأوروبي.
أما على صعيد الولايات المتحدة فانه في عام 2006 على سبيل المثال بلغ حجم الدعم الزراعي في الولايات المتحدة 372 مليار دولار مما أتاح ويتيح لمنتجاتها الزراعية المنافسة بسهولة مع السلع المماثلة في الخارج. وبعيدا عن العموميات لنأخذ هنا مثالا ملموسا هو هايتي. فهذا البلد كان ينتج أغلب احتياجه من الرز، ولكن بعد أن أُجبر على فتح أسواقه أمام الرز الأمريكي الرخيص أصبح يستورد 80% من احتياجه، وجراء هذا فقد سكانه 830 ألف وظيفة في القطاع الزراعي فقط.
ومن المفيد الإشارة هنا أيضاً الى ما تقوم به الإدارة الأمريكية من ممارسات تستهدف مقايضة الغذاء بالمواقف السياسية، أي التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول الفقيرة، وبالتالي المساس بسيادة هذه الدول وقرارها المستقل إزاء التطورات الإقليمية والدولية. ولا يخفى على أحد التدخلات الأمريكية عبر سلة الغذاء في شؤون عدد غير قليل من الدول الإفريقية والآسيوية وحتى العربية، مثل مصر والسودان وموريتانيا، وما يشكل ذلك من مخاطر جمة على الاستقرار والأمن العالمي المهدد في هذه المرحلة بفعل التدخلات الدولية أكثر من أي وقت مضى.‏
ومن جهة أخرى تشير بعض الدراسات (13) الى أن الدول الأكثر فقرا في العالم تسخر من 162 مليار دولار الى 265 مليار دولار من عائدات التصدير نتيجة لتطبيق اتفاقيات جولة أورغواي ككل التي أشرفت عليها منظمة التجارة الدولية، في حين أن هذه البلدان تدفع ما يتراوح بين 145 مليار و 292 مليار دولار نتيجة تكلفة فاتورة الغذاء، الأمر الذي يعمق من حالة اللاعدالة والذي ينعكس بدوره سلبا على الشرائح الاجتماعية ذات الدخول المتدنية.

وبالمقابل تبيّن التجربة التاريخية للعلاقات التجارية الدولية أن السياسة التجارية للبلدان الصناعية المتطورة موجهة الى تثبيت المزايا التي تتمتع بها في السوق العالمية. ومن عواقب هذه السياسة تشويش التجارة العالمية ووضع عراقيل مفتعلة أمام تبادل السلع بين مختلف البلدان.
فعلى مستوى تحرير السلع تم تقرير إلغاء الدعم الذي كانت تمنحه بعض الدول الرأسمالية المتقدمة للسلع الزراعية مع ما سينجر عنه من عواقب وخيمة للدول التي تعتبر السلع الزراعية مهمة في قائمة وارداتها. كما ترتب على تحرير تبادل السلع انخفاض كبير في حصيلة الرسوم الجمركية وخصوصا بالنسبة للدول النامية التي تشكل هذه الرسوم نسبة كبيرة من مجموع إيراداتها.

واستنادا الى إعادة توزيع القوى الحاصل على الصعيد العالمي منذ بداية تسعينات القرن العشرين والمتمثل بهيمنة نمط الاقتصاد الرأسمالي على النسق العالمي وتعاظم دور منظمة التجارة العالمية التي تعد أحد أركان الاقتصاد الرأسمالي المعولم، فأن القوى المهيمنة في هذه المنظمة تملي شروطها على كل بلد ينتمي إليها. ومن هنا نستطيع القول أن الموقع المهيمن للبلدان المتطورة في الاقتصاد الرأسمالي العالمي لن يتيح للبلدان النامية تحسين موقعها في التقسيم الدولي المعاصر للعمل، بل على العكس يفضي هذا الواقع الى تعميق تبعية هذه البلدان الى بلدان المجموعة الأولى.
وقد أدت هذه الوقائع الى تكريس حدة العلاقات اللامتكافئة بين بلدان " الشمال الغني " وبلدان " الجنوب الفقير " الذي تعاني معظم بلدانه من المشاكل المزمنة المعروفة كالفقر والبطالة وأزمة المديونية الخارجية... الخ، والتي تفضي بمجموعها الى انحباس أفق النمو وبالتالي تعميق التبعية للعالم " الغني " . وتكمن حدّة هذه العلاقات غير المتكافئة من خلال احتكار المراكز الثلاثة الكبرى ( أمريكا الشمالية، أوربا، اليابان) لحوالي 87 % من الواردات العالمية وأكثر من 94% من الصادرات العالمية من السلع والمواد المصنعة، في حين ظل نصيب مجموعة البلدان النامية من التجارة العالمية ثابتا طيلة العقود الثلاثة الأخيرة ( بلغ حوالي 18 %) بما في ذلك نصيب الدول المصدرة للنفط رغم أن سكان هذه المجموعة من البلدان يشكلون ثلاثة أرباع سكان العالم. وإضافة لذلك فقد لوحظ انه في الفترة التي شهدت تعمق سيرورات العولمة وزادت إجراءات تحرير التجارة واندماج البلدان النامية بشكل متعاظم في الاقتصاد الرأسمالي العالمي، ارتبطت بظاهرة مهمة هي تعرض شروط التبادل التجاري للتدهور في غير صالح هذه البلدان .(14)
ووفقا لما نصت عليه اتفاقيات منظمة التجارة العالمية ذاتها فقد شهدنا خلال العقد الأخير العولمة المتعاظمة للحياة الاقتصادية وإضفاء وتيرة متصاعدة عليها من خلال تحرير التجارة من جميع القيود. وأدّت العولمة المتسارعة الى بروز نظام اقتصادي جديد دفع الى إعادة ترتيب الأولويات والسياسات الاقتصادية للدول، والى بروز منظومة جديدة من العلاقات والمصالح الاقتصادية المتشابكة مما جعل الاقتصاد العالمي أكثر تعقيدا وتشابكا، وهذا ليس بمعزل عن الدور الذي لعبته وتلعبه منظمة التجارة العالمية بالتعاون مع الصندوق والبنك الدوليين ومن خلال تنفيذ إستراتيجية كونية موحدة تعيد صياغة الاقتصاد العالمي وفقا لأهداف ومصالح الاحتكارات العملاقة ورأس المال المالي العالمي.

البعد الرابع:
دور الشركات الاحتكارية الدولية في الأزمة ومفاقمتها
في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، بدأت هذه الاحتكارات تلعب دورا متناميا في السياسة والاقتصاد العالميين، وتؤثر بشكل متصاعد على مجمل عملية إعادة الإنتاج على الصعيد العالمي، وكذلك تترك جملة من الآثار على تشكل العلاقات الاقتصادية الدولية. ودون الدخول في تفاصيل كثيرة يمكن هنا ان نتوقف عند بعض السمات المميزة لهذه الشركات.
- فهي من جهة تتحكم هذه الشركات بجزء متعاظم من الناتج المحلي الإجمالي على الصعيد العالمي. وإذا استبعدنا من المقارنة الدول ذات الدخل المرتفع ( 24 دولة) نجد أن مجموع إيرادات الشركات المذكورة يعادل 159.8% من مجموع إجمالي الناتج المحلي لمائة وتسع دول تقطنها الغالبية العظمى من البشر(15) . وحسب مجلة Fortune المعروفة، بلغت العوائد التي حققتها اكبر 500 شركة في عام 2005،(9.1) تريليون (التريليون يساوي 1000 مليار) دولار وحققت ربحا قدره (610) مليار دولار. وبلغ التركز أوجه هذا العام فعلى سبيل المثال حققت شركة Exxon Mobil، التي احتلت المرتبة الأولى في تركيب الشركات الخمسمائة، عوائد بلغت (340) مليار دولار أما أرباحها فبلغت (36.1) مليار دولار، أي أنها حققت ربحا قدره (98.9) مليون دولار يوميا.
- تركز في الملكية. فبحسب المعلومات التي نشرتها جريدة (فاينانشل تايمز) ليوم 28 يناير 1999 تبين أنه من ضمن 500 من اكبر الشركات كان هناك 244 منها من أمريكا الشمالية و173 أوربية و46 يابانية . أي بعبارة أخرى 83 بالمائة من أهم المنشآت التي تتحكم في التجارة والإنتاج العالمي هي أمريكية شمالية وأوربية.
- التركز الجغرافي للشركات هذه. إذا رجعنا الى قائمة فورشن Fortun ( 500 شركة) لوجدنا أن 418 شركة منها تتخذ مقرها الرسمي في واحدة من 18 دولة عضو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD من بين أعضائها البالغ عددهم 26 دولة. ومن ناحية أخرى تضم الدول السبع الكبار ( التي يمثل مجموع ناتجها المحلي الإجمالي حوالي 68% من إجمالي دول العالم) المقار الرسمية لشركات متعدية الجنسية بلغ عددها 428 شركة من إجمالي أكبر 500 شركة أعلاه. كما تشير المعطيات الإحصائية كذلك الى أن توزيع المقار الرسمية للجزء الأعظم من هذه الشركات يتركز في ثالوث جغرافي: الولايات المتحدة 153 شركة، الاتحاد الأوربي 155 شركة، اليابان 141 شركة. كما أن الدور الحاسم لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى يبدو جلياً حين يتبين أن بها مقار 424 شركة من إجمالي الخمسمائة أي بنسبة 84.8% (16). إن هذه الأرقام تعكس حقيقتين هامتين: الأولى التركز والتمركز المتعاظم لرأس المال، والثانية أن هذا الواقع لم يلغ الصفة القومية لرأس المال. إن إحدى العناصر الأساسية التي يتوجب الانتباه إليها عند تقويم الشركات المتعدية الجنسية هي أنها تبقى تحت السيطرة الوطنية في ما يتعلق بإدارتها والإشراف عليها وإن كان في جهازها الإداري ممثل عن مجموعة أجنبية نشأت معها علاقات تعاون تعتبر مستديمة نسبياً. وتقيم الشركات العملاقة تحالفات عديدة في ما بينها بما في ذلك مع شركات أجنبية ذات أهداف متنوعة، وأهمها في الميدان التكنولوجي، بهدف السيطرة على الاختراعات وتقاسم الكلف الباهضة في مجال البحوث والتطور وامتلاك نتائجها في أن معاً.
- بلغ إجمالي إيرادات أكبر خمسمائة شركة متعدية الجنسية في العالم عام 1998 (أحد عشر تريليون وأربعمائة وأربعة وخمسون مليار دولار) في الوقت الذي بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم أجمع 28 تريليون دولار، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية سبعة تريليونات وسبعمائة وخمسة وأربعون مليار دولار، أما مجموع الناتج المحلي لبلدان "العالم الثالث " فبلغ خمسة تريليونات وتسعمائة وتسعة مليار دولار، وهكذا يمثل رقم إيرادات الشركات الخمسمائة الأولى المتعددة الجنسية وليست كلها والذي بلغ عددها آنذاك حوالي 40 ألف شركة.
- إن أرقام مبيعات هذه الشركات تبلغ أرقاما فلكية. فحسب المعطيات المتعلقة بأكبر 25 شركة متعدية الجنسية، يقدر حجم المبيعات السنوي لشركة جنرال موتورز في عام 1999 بما يقارب (176.6) مليار دولار, وهو بذلك يفوق الناتج المحلي الصافي السنوي لدولة صناعية ونفطية غنية مثل النرويج, والبالغ (153) مليار دولار. يقدر حجم المبيعات السنوي لشركة فورد بما يقارب (162.6) مليار دولار (مقابل ناتج محلي صافي في المملكة العربية السعودية لا يتخطى سنوياً 140 مليار دولار) . (17)
وبعد هذه الملاحظات السريعة، ولكي نضع الأزمة الراهنة في سياقها الصحيح ونحدد أسبابها الفعلية التي تتيح لنا تفسيرها بشكل سليم ومعلل، لا بد لنا ان نشير أيضا الى أنّ الحلول التي روّجت لها التكتلات الزراعية التجارية صُمّمت كي تزيد من أرباح الشركات الاحتكارية المتعدية الجنسية، لا لمساعدة المزارعين أو لإطعام الناس.
وتعد الشركات الاحتكارية متعدية الجنسية الأداة الفعالة للغاية في استغلال موارد الدول النامية. فمثلا هناك العديد من هذه الشركات تمتلك مؤسسات/فروع لها في الكثير من البلدان النامية وتحولت بمساندة العديد من البنوك الأوربية والأمريكية، الى أضخم احتكار في إنتاج الماشية والمنتجات الزراعية الأخرى. فهي تملك مثلا مساحات شاسعة من الأراضي وتشرف على المعامل المحلية لتصنيع اللحوم وغيرها من مؤسسات الصناعة الغذائية في العديد من البلدان في مناطق العالم المختلفة. وتسيطر حفنة من الاحتكارات الصناعية من قطاع الغذاء العالمي على أسواق الحبوب والإضافات الزراعية والبذور والأطعمة المصنّعة. فعلى سبيل المثال تسيطر شركة كارغيل العملاقة، بفروعها التي يبلغ عددها 140 فرعاً وشركة عبر العالم، على حصة هائلة من تجارة الحبوب الدولية. علما ان هذه الشركة ومنذ خمسينات القرن الماضي، أصبحت المقاول الرئيسي لـ"المساعدة الغذائية" الأمريكية التي يمولها القانون العام رقم 480 (1954).
ولابد من الإشارة هنا أيضا الى حقيقة ان النظام الغذائي العالمي الحالي طوّرته التكتلات التجارية الزراعية (الشركات عابرة القومية الأميركية المنشأ) مثل: " كارغيل " و" موسانتو " و" وأي دي أم "، المتخصصة في السلع الغذائية الزراعية إنتاجاً وتسويقاً، بعدما فرضت قوانين هذا النظام على الحكومات ومن ورائها المنظمات الاقتصادية الدولية الرأسمالية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية)، عبر قوانين دولية مرتبطة بالاتفاقيات الدولية التي عملت هذه المؤسسات على فرضها بأساليب متنوعة على الدول بحجة "الاندماج في نظام رأسمالي " يحقّق النمو والازدهار، جرّاء ما يكفله من المنافسة وحق الملكية الخاصة وبالتالي جذب الاستثمارات التي ستعمل على توظيف الموارد المادية والبشرية ونقل التكنولوجيا.
و " بفضل " هذه السياسة الاقتصادية العالمية الأبعاد، باتت عشرات الدول تعاني من أزمة غذائية، فيما ادّخرت شركة " كارغيل " العملاقة لإنتاج الحبوب 86 % زيادة في محاصيلها الزراعية، كما ان نظيرتها شركة " مونسانتو " سجلت مبيعات ضخمة جرّاء مبيدات الحشرات والبذور.

البعد الخامس
الاضطرابات التي شهدتها الأسواق المالية في العالم
شهدت الأسواق المالية العالمية جملة من الاضطرابات والأزمات المدمرة، الأمر الذي دفع بالعديد من المستثمرين والمضاربين إلى التوجه نحو الاستثمار في السلع الغذائية لتعويض خسائر الأسهم (البورصات العالمية) وخسائر أزمة الرهن العقاري مما زاد المضاربة على السلع الغذائية، الأمر الذي أدى إلى إشعال الأسعار في القطاع الزراعي. ففي السنوات الأربع الماضية كان حجم صناديق الاستثمار في القطاع الزراعي قد بلغ (10-15) مليار دولار واليوم يبلغ (150) مليار دولار فقط !. وأشارت تقارير عالمية إلى أن المضاربين الأمريكيين إضافة للمحتكرين الآخرين من بقاع أخرى تسببوا بالارتفاع الجنوني لأسعار المحاصيل الإستراتيجية، ما أدى إلى تعميم هذا الارتفاع على الكثير من الأغذية المتعلقة بالاستهلاك اليومي الضروري للإنسان.
ومن المفيد الإشارة هنا الى ان المضاربة على القمح والذرة والرز مثلا تحدث دون صفقات سلعٍ حقيقية. فالمؤسسات التي تضارب في أسواق الحبوب لا تشترك بالضرورة في بيع الحبوب أو تسليمها. ويمكن أن تجري الصفقات عبر صناديق تمويل السلع التي تسمح بالمراهنة على حركة أسعار السلع الهابطة أو الصاعدة. تؤدي المضاربة إلى عدم استقرار الأسواق، وبالمقابل، يشجع عدم الاستقرار مواصلة نشاط المضاربة.
ويمكن القول ان المضاربات في البورصات العالمية على أسعار المواد الغذائية، في إطار النظام المالي العالمي الذي تهيمن عليه الدول الصناعية الكبرى واحتكاراتها المالية المعولمة النشاط، قد أصبحت تدار وكأنها، كما أشار الى ذلك العديد من المحللين، أشبه بصالة القمار "Casino". وبحسب جون زيغلر هناك " قطيع من تجار السوق والمضاربين الماليين تحوّلوا إلى قطّاع الطرق متوحشين، وشيّدوا عالماً من الرعب وعدم المساواة ".
فعلى سبيل المثال رفعت عمليات المضاربة في بورصتي نيويورك وشيكاغو أسعار الحبوب. ومن الجدير بالملاحظة أنّ مجلس تجارة شيكاغو وسوق شيكاغو للتبادل التجاري قد اندمجا، مشكّلين أكبر هيئة تجارية للتعامل مع تجارة السلع الأساسية، وتضمّنا بذلك تشكيلةً واسعة من أدوات المضاربة: (خيارات الأسهم، خيارات الأسهم الآجلة، صناديق التمويل، الخ).

البعد السادس
التحولات في بعض استراتيجيات البلدان المتطورة. إستراتيجية فك الارتباط بالنفط وتداعياتها
أدى الارتفاع الحاد في أسعار النفط والطاقة نتيجة جملة عوامل من بينها ما حدث في التاسع من نيسان عام 2003 عندما قام " تحالف دولي " بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا باحتلال العراق، أدى الى جملة من التداعيات من بينها التأثير السلبي على أسواق الطاقة العالمية. فقد واصل النفط ارتفاعه في السوق ووصل إلى حوالي 60 دولاراً للبرميل قبل اندلاع حرب العراق عام 2003، ليصل إلى سعر يتراوح ما بين 110 إلى 115 دولار لبرميل النفط خلال الشهور والأيام القليلة الماضية ويبلغ الآن بحدود الـ 140 دولار للبرميل الواحد وهناك الكثير من الدلائل تشير الى انه مرشح للزيادة أيضا. وقد انعكس الارتفاع في أسعار الطاقة سلباً على المزارعين في العالم بشكل عام، وأدى في نهاية المطاف إلى النقص الحاصل في المخزونات الإستراتيجية لبعض المواد الغذائية، وخاصة الحبوب التي تشكل المصدر الرئيسي للغذاء.
وأدت تلك الارتفاعات في أسعار النفط إلى إعادة التفكير مجددا في البحث عن بدائل للنفط. وعلى هذا الطريق دشنت البلدان الرأسمالية المتقدمة إستراتيجية جديدة لفك ارتباط اقتصاداتها بالنفط ، حيث تم الاتجاه إلى زيادة معدلات إنتاج ما يسمى "الوقود الحيوي" أي الطاقة المستخرجة من المواد الزراعية مثل الذرة والأرز والحبوب والأغذية، على حساب غذاء الإنسان. وتعتبر الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من أكثر الدول المنتجة حاليا للوقود الحيوي تحت ذريعة فك ارتباط اقتصاداتها بالنفط ومن دون إعارة أي اهتمام لما تتركه هذه الإستراتيجية من آثار سلبية على القطاعات الأخرى، بما فيها أسعار المواد الغذائية على وجه التحديد.
وبعيدا عن العموميات يمكن اعتبار الولايات المتحدة المسؤولة الأولى عن انفجار أسعار المواد الغذائية واضطرابات الجوع بسبب هدفها الطموح المتمثل في إنتاج الوقود الحيوي (18). فقد ارتفع إنتاج الذرة لإنتاج الإيثانول من (41) مليون طن في العام 2005-2006 إلى (79) مليون طن في العام 2007-2008، أي من (14.4%) من الإنتاج إلى (23.7 %) ومن المتوقع أن يصل إلى (33.2 % أي 124 مليون طن) في العام 2015-2016 لإنجاز التفويض الذي صوّت عليه الكونغرس الأمريكي، وتخطط لزيادته خمسة أضعاف عام 2022. يقدّر الباحثون الأمريكيون بأنّ ذلك سيؤدي إلى مزيد من رفع سعر الذرة وإلى تخصيص مساعدات متزايدة كي يبقى إنتاج الإيثانول " مربحاً ". وبالمقابل أدت الزيادة الكبيرة في سعر الذرة في العام 2006-2007 إلى زيادة كبيرة في المساحات المزروعة وإلى محصول قياسي في العام 2007، على حساب مساحات القمح والصويا التي قفزت أسعارها أكثر مما فعلت أسعار الذرة، لاسيما وأنّ كلفة إنتاجها أقل بكثير من كلفة إنتاج الذرة. ونظرا لأنّ أسعار FOB والولايات المتحدة هي التي ترسم الأسعار العالمية، فإنّه يمكن اعتبار الولايات المتحدة المسؤولة الأولى عن انفجار أسعار الذرة والبذور الأخرى عالمياً نظراً لتأثيراتها التعويضية. ومن المفيد الإشارة أيضا إلى أنّ (وكالة الزراعة الأمريكية) اعترفت مؤخراً بمسؤولية الإيتانول المصنّع من الذرة في انفجار الأسعار الغذائية عالمياً.
وبالمقابل تعتبر الولايات المتحدة المسؤولة الأولى أيضا عن انفجار سعر البذور الزيتية في العام 2007-2008 لأنّ تحويل مساحات مزروعة بالصويا إلى الذرة قد أنقص إنتاج الصويا بمقدار (16) مليون طن في العام 2007، مقابل نقص مقداره (4.5) مليون طن في الصين.
وما يزيد قوة التهديد الأمريكي على الأسعار العالمية القادمة أنّه ليس لدى الولايات المتحدة، كما يبدو من ممارساتها، أي سبب لإيقاف إنتاج الإيثانول باعتبار أنّ انفجار الأسعار قد جعل المردود الزراعي الصافي يقفز بنسبة 48 % في العام 2007، وبلغ فائض التبادلات الزراعية (11.9) مليار دولار مقابل (4.6) مليار دولار في العام 2006. بالنسبة للعام 2008، يتوقع ان يرتفع العائد بنسبة 4 % وأن يقفز الفائض الزراعي إلى (24.5) مليار دولار.
أما أوروبا، فقد وضعت خطة للاعتماد على الوقود الحيوي البديل في تشغيل وسائل النقل عام 2020. وقد حدد الاتحاد الأوروبي هدف إدخال 5.75 % من الوقود الحيوي في وقود النقل في العام 2010 و10 % في العام 2020.
في العام 2006، مثّل الديزل الحيوي (80 %) من الوقود الحيوي في الاتحاد الأوروبي (4.9 مليون طن مقابل 1.2 مليون طن من الإيثانول الحيوي) الذي أنتج 77 % من الديزل الحيوي العالمي، متقدماً في ذلك تقدماً كبيراً على الولايات المتحدة (0.8 مليون طن). ويستورد الاتحاد الأوروبي 45 % من حاجته من الزيوت وتضاعفت مستورداته بين العامين 2000 (5.2 مليون طن) و2006 (10 مليون طن). ساهم ذلك كله في زيادة سعر الزيوت، ولاسيما زيت الكلزا.
ولابد هنا من الإشارة الى ان إنتاج الإيثانول الحيوي في أوربا قد بلغ (1.77) مليار لتر في العام 2007، الأمر الذي يضع هذه القارة في المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة والبرازيل والصين. هذا مع العلم ان الاتحاد الأوروبي أنتج (1.560) مليار لتر من الإيثانول في العام 2006 وذلك باستخدام (3) مليون طن من الحبوب و(0.8) مليون طن من الشوندر. لكنّ يطمح أن يبلغ هذا الإنتاج (10.1) مليار لتر من الإيتانول عام 2012 الأمر الذي يتطلب (16) مليون طن من الحبوب و (35) مليون طن من الشوندر. ويقدّر المعهد الوطني للأبحاث الزراعية INRA أنّ إدخال (5.75%) من الوقود الحيوي في العام 2010 دون استيراد يتطلب (13) مليون هكتار، أي (20%) من المساحات الزراعية الحالية، ما سيطرح مشكلات بيئية ويزيد سعر الكلزا زيادةً كبيرة. بالأحرى، سيكون لهدف (10%) للعام 2020 عواقب يصعب تخيلها على المساحات والبيئة، في كلّ من الاتحاد الأوروبي والبلدان التي ستأتي منها المستوردات.
وفي الواقع، فإنّ مسألة الوقود الحيوي لا تزال ملتبسة وتثير سجالات ساخنة بين المؤيدين والمعارضين، علما أن أوّل من دعا إلى استخدام الوقود البديل، كان المنظمات غير الحكومية، وفي مقدّمتها جماعة البيئة " الخضر"، الذين أرادوا تخفيف انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون الناتج من استخدام النفط والمسبّب للاحتباس الحراري. فقد كان يفترض بعملية دعم تحويل المحاصيل الزراعية إلى وقود أن يعزز استقلال البلدان في مجال الطاقة وأن يساعد في الحد من الاحتباس الحراري، ولكن هذه التعهدات أثبتت أنها ليس لها رصيد في الواقع. ولا أدل على ذلك من أن الإيثانول الذي تشير التقديرات الأكثر تفاؤلاً الى أن استخراج غالون واحد من النوع المستخرج من الذرة يتطلب معظم الطاقة التي يحتويها غالون الإيثانول نفسه. ويبدو أنه حتى السياسات المرتبطة بالوقود البيولوجي التي انتهجتها بعض الدول كالبرازيل مثل استخراج الإيثانول من قصب السكر أدت إلى تسارع ظاهرة الاحتباس الحراري بسبب تجريف الغابات والقضاء على الأشجار، لزراعة محاصيل القصب على أجزاء من أرض الغابات.
وفي الوقت نفسه، فإن الأراضي التي كانت تُستغل لإنتاج المحاصيل الموجهة للوقود البيولوجي تنقص من مساحة الأراضي المخصصة لزراعة المحاصيل الموجهة للاستهلاك البشري، وبالتالي يتحول الوقود البيولوجي المدعوم من قبل الحكومات إلى أحد العوامل المهمة المسؤولة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم، ومن ثم تفاقم الأزمة الحالية.
ورغم كل ذلك فان الجشع الرأسمالي اللامحدود دفع بالشركات العملاقة إلى التسابق لتقديم عروضها لإنتاج الوقود الحيوي، حيث وجدت فيه مشروعاً مربحاً. وحوّلت غذاء البشرية وغاباتها ونباتاتها إلى مواد أولية، وأجبرت المزارعين على إنتاج المحاصيل النقدية من أجل تصديرها وإنتاج الوقود البديل، وتحديداً الوقود الحيوي، بدلاً من إنتاج غذاء صحي للاستهلاك الداخلي والاستقرار الإقليمي، وبالتالي حوّلت ما كان مفترضاً أن يكون حلاًّ إلى مشكلة متفاقمة، وخلّفت أزمة وصفها المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، جوزيت شيران، بأنّها " وجه جديد من الجوع ".
هذا وكان جان زيغلر، مقرر (لجنة الحق في الغذاء) التابعة للأمم المتحدة، قد أشار في مقابلة صحفية مع صحيفة ليبراسيون الفرنسية في 14 نيسان/ أبريل 2008، إلى وجود لا مبالاة بأزمة الغذاء العالمية من طرف قادة العالم المتطور والفاعلين البارزين فيه. وأضاف:"حين تقوم الولايات المتحدة بضخ ستة مليارات دولار للاستثمار في سياسة الوقود الحيوي مستنزفة 138 مليون طن من الذرة خارج السوق الغذائية، فإنها بذلك تقوم بجريمة ضد الإنسانية" مضيفا: " قد نفهم رغبة حكومة بوش في التخلص من سيطرة الطاقة النفطية المستوردة، لكن تحقيق هذه الرغبة يوشك أن يهدد بقية العالم". هذا مع العلم ان الولايات المتحدة لا ترى ان للوقود الحيوي تأثير يذكر على الأزمة الحالية ! فبحسب وزير الزراعة الأميركي (إد شيفر) فإن الوقود الحيوي مسؤول عن نحو 3% فقط من ارتفاع أسعار الغذاء عالميا، علما ان هذا البلد استهلك في عام 2007 فقط (خُمس الإنتاج العالمي من الذرة). لذلك سعت الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى الدفاع عن مسألة الوقود الحيوي على اعتبار أنّه لم يسهم في رفع أسعار السلع الغذائية إلا بنسبة ضئيلة، كما قدّمت شركات إنتاج الوقود مطالعة دفاعية. هذا مع العلم انه وبحسب منظمة أوكسفام فإن التأثير الحقيقي في الأسعار يعادل نسبة 30%.
ومن المؤكد ان خطورة استمرار التسابق لإنتاج الوقود الحيوي من المحاصيل الزراعية تكمن في أنه يتسبب في إهدار كميات هائلة من الغذاء لإنتاج الوقود، ومن شأن ذلك ان يشكل تهديدا للأمن الغذائي العالمي كونه سيشكل أحد المخاطر الرئيسة لتفاقم مشكلة الجوع ما يجعله يمثل تعدياً على واحد من أهم حقوق الإنسان وهو حقه في الغذاء. ووفقا لتقديرات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD، فإن الايثانول سيكون أحد العوامل الرئيسية في الزيادة المحتملة من 20% إلى 50 للأسعار الزراعية بحلول عام 2016م (وهكذا تحولت أولويات بعض الدول من ملء معدة الناس إلى ملء خزانات وقود السيارات!!).

البعد السابع:
الحروب الأهلية في البلدان النامية وآثارها
شهد العديد من البلدان النامية، وخصوصا القارة الأفريقية، صراعات سياسية وحروب أهلية وطائفية وعرقية. ترجع العديد من النظريات ظاهرة الصراعات والحروب الأهلية إلى مجموعة معقدة من الروابط المتداخلة بين عدة عوامل سياسية واقتصادية وبيئية واجتماعية وثقافية ودينية، إضافة الى استراتيجيات بعض القوى الدولية ذات المصالح المتضاربة والسعي الثابت للهيمنة، ويختلف الوزن النسبي لأهمية كل مجموعة من هذه العوامل من حالة لأخرى. وبالرغم من وجود عدد قليل من الحالات التي يعزى فيها اندلاع الصراع إلى أحد هذه العوامل، فإن الغالبية العظمى من الحالات في الدول النامية ـ بصفة عامة ـ والدول الأفريقية ـ على وجه الخصوص ـ ترجع إلى تضافر هذه العوامل مجتمعة (19). وتتعدد الأسباب من نزاع حول الموارد الاقتصادية أو الحقوق السياسية، الى الصراع حول الموارد الطبيعية النادرة إلى جانب انتشار الفقر وسيادة نمط متحيز لتوزيع الموارد. ولا يقتصر تأثير الصراعات والحروب الأهلية على ما تخلفه مباشرة من خراب ودمار وقتلى، بل يتعدى ذلك الى العديد من الآثار غير المباشرة؛ من بينها انهيار الهياكل الاقتصادية والإدارية للدولة، وتشريد الملايين ومنعهم بالتالي من زراعة محاصيلهم وجني فوائدها الأمر الذي أدى الى تعطيل الاستفادة من العديد من الأراضي المنتجة لعدة عقود في ظل تنامي الطلب نتيجة الزيادة الطبيعية لعدد السكان عالمياً.
وأكدت بعض الدراسات (20) على أن القطاع الزراعي هو أكثر القطاعات الإنتاجية تضرراً من الحروب الأهلية، حيث يضطر الأفراد إلى الانتقال من المناطق الزراعية إلى المعسكرات طلباً للأمن، لكن الأثر يتوقف على نطاق ونمط الصراع. وهو ما حدث بالفعل في القارة الأفريقية، فقد شهدت موزمبيق وأوغندا وبلدان أفريقيا أخرى تدهوراً واضحاً في الناتج الزراعي أثناء فترات الحروب.

البعد الثامن
النقص العالمي في المياه وآثاره
تحدث الكثيرون عن أزمة الغذاء التي تهدد مليار نسمة حول العالم، وقد عزاها البعض إلى الأسباب العديدة التي جرت الإشارة إليها سابقا. لكن هناك جانب لا يحضى بالأهمية المطلوبة، وهو النقص العالمي في المياه وما تركه من آثار أدت الى انخفاض إنتاج المواد الزراعية وبالتالي الى ارتفاع أسعارها، علما أن قطاع الزراعة يستهلك ما نسبته 85 في المائة من المياه المُستخدمة في العالم، وأن له دوراً في إزالة الغابات والأحراج، وتدهور حالة الأراضي، والتلوث. في دراسة حول المياه نشرت في موقع «كاونتر بانش» (21)، يربط الخبير الاقتصادي جو شينغ يانغ أزمة الغذاء، بـ " النقص العالمي في المياه "، لافتاً إلى أن المصارف والمضاربين في " وول ستريت "، وبعدما تسببوا في " ارتفاع أسعار الغذاء والنفط، حوّلوا أنظارهم إلى المياه ". وحثّت شركة " غولدمان ساش " أصحاب الأموال على الاستثمار في " المياه لأنها نفط المستقبل ". ويعرض جو سينغ يانغ ثماني نقاط يصفها بـ " المقلقة والمتداخلة " في ما يتعلق بـ " بوضع المياه عالمياً "، هي: الاحتباس الحراري (وتبعاته المدمرة)، واستنفاد المياه الجوفية (نظراً للنمو السكاني العالمي والإسراف في الري، فضلاً عن أن تلوث المياه الجوفية غير قابل للمعالجة)، واتساع مساحة المياه السطحية الملوثة (ما يجعل استخدام المياه الجوفية غير ممكن بلا معالجة)، وخصخصة موارد المياه، وانهيار البنى المائية التحتية (نتيجة سوء إدارة المياه ونقص الاستثمار في المياه والخدمات المتصلة)، والتضخم العالمي في أسعار السلع، وارتفاع الطلب على المياه المخصصة للري.
ويضيف جو ان هذه العوامل، كل واحد على حدة أو مجتمعةً، ستؤثر حتماً على وضع " المياه في العالم، وعلى الزراعة وإنتاج الغذاء لمليارات البشر عالمياً "، معتبراً أن مجرّد " التفكير في مسألتي الاحتباس الحراري واستنفاد المياه الجوفية، يكفي لأن نقلق على بقاء الإنتاج الزراعي ومستقبله ".
وبالمقابل يوضح الخبير البريطاني في شؤون البيئة (فريد بيرس) أن " قصور المياه يعتبر سبباً رئيسياً لتراجع الإنتاج الزراعي " مشيرا الى ان " أوكرانيا واستراليا والصين والهند ومصر، استنفدت أنهارها ومياهها الجوفية، لدرجة أن الفلاحين باتوا غير قادرين على ري أراضيهم ".
بدوره، اعتبر الأمين العام السابق للأمم المتحدة (بطرس غالي) أن " المياه ستصبح أكثر أهميةً من النفط "، فيما اعتبر السيناتور الأميركي السابق (بول سيمون) أن "للنفط، الذي يؤجج الحروب، بدائل "، فما " مدى قساوة الحروب التي قد تنشب جراء مادة لا بدائل لها كالمياه؟ ".
أما بشأن المياه الجوفية فتشير التقديرات إلى أن (10%) من الإمدادات الغذائية العالمية (160 مليون طن من الحبوب التي يتم إنتاجها حالياً) تعتمد في زراعتها على المياه الجوفية، ما يعني ان استنفاد هذا النوع من المياه يؤثر مباشرة على الإنتاج الغذائي مستقبلاً.
 

17/8/ 2008

يتبع

(1) لمزيد من التفاصيل انظر: كنيا جينسكايا، نمو السكان والمشكلة الغذائية في البلدان النامية، دار التقدم، موسكو 1983 ؛ كذلك: سمير أمين،.التراكم على الصعيد العالمي – نقد نظرية التخلف - . ترجمة حسن قبيس. دار إبن خلدون، بيروت 1978؛ كذلك: رمزي زكي، ، التاريخ النقدي للتخلف: دراسة في أثر نظام النقد الدولي على التكوّن التاريخي للتخلف في دول العالم الثالث. عالم المعرفة، الكويت 1987 ، كذلك: صالح ياسر حسن، " خصوصيات تمايز رأسمالية " الأطراف " ضمن تطور المنظومة الرأسمالية العالمية. " جدل: كتاب العلوم الاجتماعية ، الطبعة الأولى ، آب 1991.
(2) لمزيد من التفاصيل قارن: د. صالح ياسر حسن، خصوصيات تمايز رأسمالية " الأطراف " ضمن تطور المنظومة الرأسمالية العالمية. " جدل " – كتاب العلوم الاجتماعية ، الطبعة الأولى ، آب 1991، ص 282 – 305.
(3) قارن: د. فيصل سعد، التخلف والتنمية في ظل العولمة الرأسمالية. " الطريق " العدد 6/2001، ص 76 – 77.
(4) انظر: فرناندو كاردوسو، وارينو فاليتو، التحليل الشامل للتنمية، ترجمة صالح ياسر حسن، " جدل " العدد 3، محور التبعية في عالم متغيير، دار كنعان، دمشق 1992، ص 286.
(5) قارن: نوداري أ. سيمونيا، مصائر الرأسمالية في الشرق. ترجمة فاضل جتكر. مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي. دمشق 1987، ص 13
(6) لمزيد من التفاصيل راجع: يوري ف. كاتشانفسكي، عبودية، إقطاعية أم أسلوب آسيوي؟ ترجمة د. عارف دليلة. دار الطليعة، بيروت 1980؛ كذلك: د. عبد اللطيف بن أشنهو، تكوين التخلف في الجزائر - محاولة لدراسة حدود التنمية الرأسمالية في الجزائر بين عامي 1830 – 1962. الجزائر 1979.
(7) انظر: د. رمزي زكي، الاقتصاد العربي تحت الحصار....، مصدر سابق، ص 55.
(8) لمزيد من التفاصيل انظر: ميشيل شوسودوفسكي، المجاعة العالمية: الإمبرياليَّة تحاول «اجتثاث الفقراء »!، مقالة منشورة على موقع قاسيون على الانترنيت في 21/5/2008.
(9) لمزيد من التفاصيل انظر: ميشيل شوسودوفسكي، عولمة الفقر والنظام العالمي الجديد.
(10) لمزيد من التفاصيل حول المديونية العالمية وآثارها راجع: صالح ياسر حسن: العلاقات الاقتصادية الدولية: الابستمولوجيا – الانطولوجيا – الاكسيولوجيا، دار الرواد المزدهرة للطباعة والتوزيع المحدودة، بغداد 2006، ص 398 ولاحقا ؛ كذلك د. صالح (11) ياسر حسن، طبيعة علاقات المديونية الخارجية للبلدان العربية مع الاقتصاد الرأسمالي العالمي ومؤسساته المالية الدولية وآثارها الاقتصادية – الاجتماعية. (في:) المديونية. إصدار المعهد العربي للثقافة العمالية وبحوث العمل، الجزائر 1992، ص 21 – 50 ؛ د. رمزي زكي، الديون والتنمية – القروض الخارجية وآثارها على البلدان العربية. دار المستقبل العربي، الطبعة الأولى ، القاهرة 1985.
(12) لمزيد من التفاصيل انظر: البنك الدولي للإنشاء والتعمير، تقرير عن التنمية في العالم 2008. الزراعة من أجل التنمية. عرض عام، واشنطن 2007، ص 4-6
(13) لمزيد من التفاصيل انظر: ميشيل شوسودوفسكي، المجاعة العالمية: الإمبرياليَّة تحاول «اجتثاث الفقراء »!، مصدر سابق.
(14) لمزيد من التفاصيل انظر: صالح ياسر، مؤتمر الدوحة : بين وهم الوعود الزائفة وحقائق الواقع الصارمة. مقالة منشورة على موقع الحوار المتمدن على الانترنيت في 10/12/2001 ؛ كذلك: د. رمزي زكي، العولمة المالية : الاقتصاد السياسي للرأسمال المالي الدولي. دار المستقبل العربي، الطبعة الأولى 1999 ؛ كذلك: ميشال شوسودوفسكي، عولمة الفقر، النهج، العدد 58/2001.
(15) قارن : رمزي زكي، الطريق الى سياتل. " النهج " العدد 57/ 2001 ، ص 9 –10.
(16) قارن : د.إسماعيل صبري عبد الله، الكوكبة : الرأسمالية العالمية في مرحلة ما بعد الإمبريالية. ( في) : الطريق نحو تجديد المشروع الاشتراكي. دار الفارابي، بيروت 1979، ص 92- 94.
(17) قارن : د.إسماعيل صبري عبد الله، الكوكبة ...... ، مصدر سبق ذكره، ص 92 – 94، كذلك : د.إسماعيل صبري عبد الله ، الكوكبة - أساس الظاهرة الاقتصادي و الاجتماعي. " النهج " العدد 50/ربيع 1998، ص 22 – 24.
(18)  Source: World Investment Report 2001.
(19) لمزيد من التفاصيل قارن: جاك بيرتلو، كي يتبين الخيط الأبيض من الأسود .. بصدد الارتفاع الكبير في أسعار الأغذية عالمياً موقع التضامنhttp:/solidarite.asso.fr. توجد ترجمة للمقال منشورة على موقع قاسيون على الانترنيت بتاريخ 25/06/2008.
(20) لمزيد من التفاصيل انظر: Murshed, S. Mansoob : “Conflict, Civil War and Underdevelopment: An Introduction”, Journal of Peace Research, vol. 39, No. 4, 2002 (London: Sage Publication), p. 387-393
Valpy FitzGerald: The Costs of War in Poor Countries: Conclusions and Policy Recommendations, Development Studies at Oxford, University of Oxford, 2000.
(21) لمزيد من التفاصيل حول هذه الدراسة انظر: جريدة "السفير" اللبنانية، عدد 27/6/2008.

¤ الجزء الثاني
¤ الجزء الأول

 

free web counter