موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

 
 

 

 

 

 

 




العولمة

إعداد : نوري حمدان
noryhamdan@yahoo.com

المحتويات

- المقدمة....................................................................ص2
- العولمة تاريخ ومفهوم.................................................ص3
- العولمة والاقتصاد......................................................ص5
- العولمة والسياسية.....................................................ص6
- العولمة والثقافة........................................................ص7
- كوارث العولمة.........................................................ص8
- مواجهة العولمة.......................................................ص14
- الماركسية والعولمة..................................................ص15
- مصادر البحث...........................................................ص19


المقدمة
تصب معظم الطروحات والتوجهات، المتعلقة بالمعرفة في خانة التعامل مع العولمة وتحدياتها من جانب، وتكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها من الجانب الآخر. ويتخذ الأمر شيئاً من النمطية وأحادية الرؤية، وكان ليس هناك من منظورات أو خيارات أخرى. فهل أن الإعداد المعرفي، على اختلافه، يجب أن يتبع فقط هذه الوجهة،أم إن هناك منظورات أخرى، يتعين الإعداد لها.
ذلك أن الأهداف الكبرى، كما العمليات، سوف تتباين إلى حد بعيد، في توجهاتها بناء على ذلك.
والواقع إن العولمة تكاد تصبح مالئة الدنيا وشاغلة الناس، وأن الطروحات حولها تلقى رواجاً كبيراً وصلت عدواه إلينا، مع أن الترويج لها أمريكي، أساساً مركز القوه في العالم.
ولابد هنا من الإشارة إلى تلك الجوانب السلبية من العولمة، والتي تقتضي الاستعداد لمجابهتها، وصولاً إلى بذل الجهد لتغييرها، من ذلك الفساد، وحروب ألهويات والتعصب، والآفات الاجتماعية، وتركز الثروات في أيدي الأقلية على حساب الغالبية الساحقة من البشرية، وهوس الربح والجري وراء المنافع المادية وملذاتها وانحسار القيم، وتهديد ألهويات الوطنية والثقافية، وتغريب الإنسان، وهدر الامكانات الشابة والأقل شباباً، حتى تلك المتمتعة بتأهيل عال، تسطيح الوعي و التفكير، والترويج لقيم ألذة الآنية والإثارة على حساب الجهد. كلها سلبيات تهدد مصير الوطني، كما تهدد الأمن الاجتماعي.
وهو ما يجعل الانجراف المتسرع وغير المتبصر، في تيار العولمة، مخاطرة غير محمودة العواقب، على المدى البعيد.
وبالمقابل فان للعولمة ايجابيات أهمها الانفتاح والتفاعل والتواصل والتنافس على الجودة، في الإعداد والتأهيل والإنتاج. وهذا مايخص الدول التي تتناظر من التقدم الصناعي والعلمي.
وهي مادلة جد صعبة، حيث يتناقض المنظوران في توجهاتها: مابين التركيز على الربح المادي من خلال النمو الاقتصادي، وبين تنمية الإنسان، باعتباره الفاعل في هذه التنمية والمستهدف منها، وصولاً إلى بناء نوعية حياة محصنة ضد الآفات، وتعزيز الرأسمال الاجتماعي والثقافي، في مقابل الرأسمال الاقتصادي.
إن إنتاج المعرفة وتوضيفها، في التوجه التنموي، مغايران في أهدافهما. إلا أنهما يلتقيان مع الإعداد للعولمة وسوق عملها في بناء القدرات والمهارات والمنهجيات الفكرية والسمات الشخصية.

العولمة تاريخ ومفهوم
تاريخ العولمة
قبل عشر سنين من عام 2000 تغير العالم. وقع الحدث دون أن يمكن توقعه كما الهزة الأرضية التي ينتظرها العلماء المختصون دون إن يعرفوا مسبقاً مدى تأثيرها أو الظروف واللحظة الدقيقة لوقوعها،لقد تأثر تاريخ القرن العشرين الذي شهد ولادة عصبة الأمم، في آب 1991 نهارة التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي. حتى ذلك التاريخ كان كل واحد من ثلاثة أشخاص يعيشون تحت نظام اشتراكي في مراحلة الاولى، وكانت مواجه بين القطبين في ما يسمى ((الحرب الباردة)).
كيف يجب إن نفسر الانهيار غير المتوقع والعنيف للاتحاد السوفيتي؟.
إن الأسباب كثيرة والمهم منها سبب اقتصادي، بالرغم من وضع الاصلاحات على التدهور في الانتاج الاقتصادي. يضاف إلى ذلك سباق على التسلح المكلف جداً.
في الوقت نفسه تحققت خلال القرن المنصرم إحداث عظيمة بظهور نفحه الإبداع والمكتشفات العلمية والتقدم التكنولوجي كما الثورة، ما يسمى بالعولمة التي طالت أثارها جميع الناس على وجه الأرض.
وبعض الكتاب يقولون ((منذ اكتشاف أفريقيا الجنوبية واستراليا وأمريكا من قبل الاوربين في القرنيين الخامس عشر والسادس عشر، ظهرت إشكال متنوعة من العولمة)).أما العولمة في زمن الرأسمالية(اللهّافة) فأنها ليست حتمية تاريخية، كما يروَّج مريدوها ومنظروها، وليست قدراً، ولانهاية للتاريخ/ انما هي مفهوم ذاع في العقد الاخير من القرن الماضي للترويج لظاهرة اقتصاد السوق الحر، بل هي مجرد نتيجة من نتائج الهيمنة الاقتصادية التي سعتْ الى فرضها الدول الصناعية الكبرى على بقية دول العالم الفقيرة، وانها مرحلة تطول وتقصر حتى ينشأ القطب الثاني من مجموع دول آسيا وأفريقيا وامريكا اللاتينية.
العولمة، بمفهومها التاريخي الحضاري ليست ظاهرة جديدة بل قديمة قدَمْ بدء التبادل التجاري والتنافس الاقتصادي بين الامم القائم على اسس التكافؤ النسبي. وقد مهَّد ذلك لتعدد الثقافات، وتنوع الحضارات، وعرف العالم مبدعين ومفكرين من كل الاجناس والقوميات ساهموا جميعاً في مسيرة التطور البشري.
ولقد وصف امانويل والرشتان الاقتصاد العالمي الأوروبي بالتقسيم السياسي قاصداً بذلك تعدد الدول – الأمم، وشرح بالتحليل كيف انه في القرن العشرين، وبدافع من الولايات المتحدة التي ورثت أوروبا، ومن خلال الصدمة التي أحدثتها حربان عالميتان، تحول هذا الاقتصاد بالفعل إلى العولمة.
لقد انتهى عصر القطبية الثنائية إلى بروز سياسة القطب الواحد التي تعمل من اجل إن تنتصر العولمة، على أمريكا إن لا تخشى إن تتصرف كقوة عظمى لا تهزم، وهي فعلاً كذلك، إن اليد الخفية للسوق لا يمكن إن تعمل من دون قبضة بارزة، وماكدونالد لا يمكن إن ينتشر من دون دوغلاس صانع الطائرة (15-f). ان القبضة الخفية التي تضمن الأمن العالمي لتكنولوجيات هي الجيش والطيران والقوة البحرية للولايات المتحدة.

مفهوم العولمة
يرجع مصطلح العولمة في جذوره الى مفهوم القرية الكونية وهو مفهوم استنبطه الكاتب الكندي مارشال مكلوهان من جامعة تورونتو من فكرة الحتمية التكنولوجية، ومن كتبه التي صدرت في الستينات وتوقع بها قيام القرية الكونية على قاعدة التقدم الكهربائي - الالكتروني :
كتاب محبرة غوتنبرع :- إحداث الإنسان الطباعي 1962م.
كتاب فهم او إدراك وسائل الاتصال 1964م.
كتاب الوسيط او الناقل هو الرسالة 1967م.
هذه الكتب إضافة الى كتب أخرى ظهرت في نفس الفترة، برزت كمؤشر لقدوم عالم دعامته الأساسية التكنولوجيا -التمدد الآلي لحواس الإنسان، أي ان التكنولوجيا المتطورة تفرض نفسها على الإنسان وكانت هناك وجهات نظر متعددة حول مفهوم العولمة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية هناك نوعان من وجهات النظر، الأول يمثلها(التيارالديمقراطي) الذي يشترط التلازم بين الديمقراطية والرأسمالية، ويقول لا ديمقراطية بدون رأسمالية ويحذر من التدمير الابداعي للرأسمالية وقوتها الماحقة، ويطالب بلجم الرأسمالية لإطلاق العنان لها، في حين يشترط(التيار الجمهوري) رفع القيود لدفع المبادرة الخاصة والمحافظة على قيادة امريكا للعالم الحر.اما التيار اليساري، فأنه يعتبر العولمة عملية استغلالية رأس حربتها الشركات متعددة الجنسية وعلى الأخص عمالقة المال والصناعة، وتظاهرة يراد منها ان تكون عالمية لنشر روح العجز واليأس والغيبية في جميع أنحاء العالم لتبرير حتمية وجودها واستحالة التصدي لمخططاتها والانغماس في استهلاكياتها.
أن أصحاب هذا التيار يقودونك الى القول مرة أخرى ان التناقضات الداخلية للرأسمالية الهمجية ستخلق نقيضاً وبديلاً لها في نمط جديد من الإنتاج يقوم على الديمقراطية للمشاركة، وتصبح مهمته التاريخية الاحاطة بالعولمة.
ومن اهم المفاهيم العربية التي طرحت هو تحديد صادق جلال العظم، اذ قال بأن(العولمة هي حقيقة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء، في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ وفي حقيقة الأمر فأن هذا التحول لا ينطوي على اي من الجوانب الإنسانية بل هو عملية استغلالية لموارد الأطراف والسيطرة عليها، العولمة هي تسليع كل شيء.. انها أممية رأس المال على الأصعدة كلها وعلى المستويات كافة، إنها رسملة العالم على مستوى العمق. السطحية منها والعميقة، انها من حيث المبدأ نمط معين من أنماط الملكية، والسيطرة على الإنتاج والتحكم بقوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج والتبادل والتوزيع.
.أنها تصدير الرأسمال الصناعي الإنتاجي للأطراف.. وفتح الأطراف بعضها لبعض ورسملتها بما يتناسب مع مصالحها الأساسية والحيوية.
ولذلك فأن العولمة محاولة أمريكية لأمركة السياسة والاقتصاد والثقافة وفرض الهيمنة الانكلوسكونية في كل مكان وعبر السلاح اذ اقتضى الامر. كما تظهر العولمة كمفهوم في أدبيات العلوم الاجتماعية كأداة تحليلية لوصف عمليات التغير في محاولات مختلفة، ولكنها ليست مفهوم مجرد، فهو عملية مستمرة يمكن ملاحظتها بأستخدام مؤشرات كمية وكيفية في محاولات السياسة والاقتصاد والثقافة والاتصال وهي تشمل إعادة تنظيم الإنتاج، تداخل الصناعات عبر الحدود، انتشار أسواق التمويل، تماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول، نتائج الصراع بين المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة.
ويمكن الاقتراب في صياغة تعريف شامل للعولمة من خلال وضع ثلاث عمليات تكشف عن جوهرها، الأولى، تتعلق بأنتشار المعلومات بحيث تصبح مشاعة لدى جميع الناس.. والثانية، تتعلق بتذويب الحدود بين الدول، والثالثة، زيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات وجميع هذه العمليات تؤدي الى نتائج سلبية بالنسبة الى بعض المجتمعات (متدنية التطور) وايجابية بالنسبة للأخرى (عالية التطور).

العولمة والاقتصاد
سيطرة منطق السوق على العولمة الاقتصادية يثير مخاوف الدول الفقيرة لأن اقتصاد السوق يعني تطبيق شريعة الغاب حيث البقاء للأقوى باقتصاده، وبالرغم من توقيع اتفاقية (الجات) ثم المنظمة العالمية للتجارة الحرة لمحاولة تخفيف المخاوف المترتبة على العولمة، إلا أن سلبيات العولمة الاقتصادية مست عديداً من دول العالم بما فيها دول عربية. وقد أكد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة في افتتاح الدورة الثالثة والخمسين (1998 ) للجمعية العامة للأمم المتحدة: «إن الملايين يعيشون العولمة لا كفرصة مواتية لكن كقوة تدمير وتعطيل وكاعتداء على مستويات معيشتهم». وبهذا ان العولمة الاقتصادية لا يكون بأدوات اقتصادية فقط ، بل يتطلب الأمر الاشتغال على ثلاثة أبعاد مترابطة: -
1. البعد الاقتصادي الخالص المرتبط بعلاقات الإنتاج والاستثمار وتطوير البنى الاقتصادية التي هي في مجتمعاتنا متخلفة، وهذا يتطلب الاقتراب المحسوب من نمط اقتصاد السوق، الأمر الذي يحتم توسيع السوق العربية إما بإحياء السوق العربية المشتركة أو تأسيس منطقة تجارة حرة عربية أو إعادة النظر في الشركاء الاقتصاديين التقليديين بالانفتاح على أسواق جديدة كدول جنوب شرق أسيا والصين واليابان.
2. البعد السياسي للاقتصاد، حيث يتأكد تلاحم الاقتصاد مع السياسة يوماً بعد يوم، فالقول بوجود نخبة ليبرالية كشرط لنجاح اقتصاد السوق يحيل للشأن السياسي أي لشرط الليبرالية السياسية، حيث أكدت تجارب التاريخ أن التنمية الاقتصادية كانت مرادفة مع التنمية السياسية، فنادراً ما نجحت نظم استبدادية في تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية. وحيث أن غالبية نظمنا السياسية ليس فقط مستبدة سياسياً بل مستبدة بخيرات البلاد و متحكمة في الثروة الوطنية، حيث يوجد توازٍ ما بين توزيع الثروة وتوزيع السلطة، فان التحدي الاقتصادي يستتبع إعادة النظر في بنية النظم السياسية القائمة وذلك بوضع آليات لتداول السلطة، وضرورة الفصل بين الثروة والسلطة أو بين النخبة الاقتصادية والنخبة السياسية، فالجمع بين الطرفين جعل السلطة أكثر استبداداً والثروة أقل وطنية.
3. البعد الثقافي، منذ قرن من الزمن كتب (ماكس فبر) كتاباً بعنوان «الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية» أكد فيه وجود علاقة ما بين التطور الاقتصادي ونوع الثقافة السائدة في المجتمع، من خلال دراسة مقارنة ما بين اثنى عشر نسقاً ثقافياً مسيحياً وغير مسيحي، وبالرغم من قدم هذه الدراسة والتحولات التي عرفتها الأنساق الثقافية عبر العالم، إلا أن البعد الثقافي للاقتصاد أو وجود ثقافة اقتصادية أمر مسلم به، كثقافة الادخار والاستثمار وتقديس العمل واحترام الوقت وروح العمل الجماعي وتقدير الإبداع وتشجيع المبدعين واحترام الملكية الفكرية ونبذ السلبية والاتكالية وتحمل المسؤولية، الخ...

العولمة والسياسية
سواء سميت الشرق الأوسط الكبير أو المشروع الأمريكي للإصلاح أو التحديث السياسي، فكلها تداعيات لما يمكن تسميته بالعولمة السياسية، أي محاولة نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان ولكن بالطبعة الأمريكية. فما كان يوجد مبرر لأمريكا أو غيرها لأن تطالبنا بالإصلاح السياسي لو كانت أنظمتنا ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وكرامته، هذا لا يعني منح شرعية للمطالب الأمريكية أو القول بأن أمريكا جادة في سعيها لنشر الديمقراطية، حيث من تتهمهم أمريكا اليوم بالأنظمة غير الديمقراطية وتطالب بتغييرها هي بالأساس حليفة الولايات المتحدة لعقود وكانت هذه الأخيرة تسكت عن ممارساتها المتناقضة للديمقراطية، وانقلابها عليها يعود لعدم قدرة هذه الأنظمة على تأمين الحماية للمصالح الأمريكية أو رفضها الانسياق وراء مشاريع الهيمنة الأمريكية في المنطقة العربية. بأسم العولمة تلغى الارادة الوطنية المستقلة للدول والشعوب، فالعولمة هي شكل من أشكال الهيمنة وهي نقيض للدولة الوطنية المستقلة ولذلك فأن العولمة تتطلب فتح الحدود ورفع الدولة يدها عن الحواجز الكمركية وحرية انتقال الأموال عبر المصارف، وتغيير أسعار الصرف طبقاً لأسعار السوق دون رقابة ورفع الدعم عن المواد الاستهلاكية وسيادة قوانين السوق، والعرض والطلب والقضاء على القطاع العام وتحويله الى قطاع خاص ولذلك شاع ومنذ فترة ما يسمى بالخصخصة ولذلك فأن وظيفة الدولة ستكون ليس حماية الاقتصاد الوطني وانما تشجيع الاستثمار الاجنبي وتهيئة الخدمات اللازمة، فالعولمة تتطلب الدولة الرخوة وليس الدولة القوية الوطنية المستقلة، (وعلى الرغم من ان الكيان الصهيوني جزء من النظام الاقتصادي الغربي الا ان هذا الكيان يتمسك بإرادته المستقلة يستفيد من العولمة دون ان يكون ضحيتها)، فالمركز الذي يدعو للعولمة ويروج لها يؤيد واحداً من أنواع نظم الحكم الاستبدادية والتسلطية في الأطراف، حيث يمارس الكيان الصهيوني أبشع أساليب القمع والإرهاب ضد أصحاب الأرض الشرعيين(الشعب الفلسطيني) دون ان يحرّك ساكناً أي من أعضاء مجلس الأمن الدائمين او الحكام العرب.

العولمة والثقافة
تملَّك البعض وهم بأن العولمة تعني إزالة كل الحدود وأشكال التمايز بين الشعوب وهذا ما تم استنتاجه مبكراً في مقال (لفرانسيس فوكوياما) تحت عنوان «نهاية التاريخ» 1989، حيث خلص في بحثه إلى أن الليبرالية السياسية والاقتصادية التي انتصرت على كل منافسيها عبر التاريخ هي المؤهلة لسيادة العالم دون منازع. إلا أنه أربع سنوات بعد ذلك، وفي صيف 1993، صدر مقال أثار ضجة كبيرة تحت عنوان «صراع الحضارات» (لصامويل هنتنغتون) منطلقاً من الفرضية الآتية: «المصدر الأساسي للصراعات في العالم الجديد لن يكون بالدرجة الأولى إيديولوجيا ولا اقتصادياً، إن الانقسام الكبير بين البشر والمصدر الأساسي للخلاف سوف يكون ثقافي»، وإن الدول سوف تظل القوى المؤثرة في الشؤون الدولية، ولكن الخلافات الرئيسية بين دول العالم سوف تقع بين جماعات حضارية مختلفة. إن صراع الحضارات سيكون المرحلة الأخيرة في تطور الخلافات في العالم. وأهم الصدامات في نظره، سوف تحدث عند خطوط التماس الفاصلة بين الحضارات التالية: الحضارة الغربية، الكونفوشية، اليابانية، الإسلامية، الهندوكية، السلافية، الأرثوذوكسية، أمريكا اللاتينية. وضمن هذه الحضارات يبرز التحالف الكونفوشي الإسلامي المحتمل باعتباره تهديداً للحضارة الغربية، وطالب هنتنغتون بضرورة مواجهته منذ الآن عبر شبكة من الاستراتيجيات و التحالفات الدولية. إلا أن الذي جرى خلال العقدين الأخيرين هو تزامن العولمة كمسعى لإزالة الحدود وتحويل العالم لقرية كونية تتجاوز الصراعات والحدود الثقافية، مع الانفجار الحقيقي للاحتكاكات بين الشعوب والثقافات على المستوى الدولي، حيث تفجرت صراعات جديدة تقوم على أسس ثقافية–عرقية وطائفية- أو ما يمكن تسميته (أثننة العالم) أو التفكيك . ما وراء الشعارات البراقة للعولمة تأكد أن المروجين لها والمتحكمين بآلياتها ينطلقون من اتجاه تبشيري يعبر عن أنوية حضارية غربية ثقافية يهدف «إلى إذاعة ونشر القيم التي تمثل القاعدة المحورية لهذه الحضارة، كما يهدف إلى تطوير القيم المقبولة ورفض ونبذ الأشكال الاجتماعية غير المقبولة، ومن ثم فالتعاون الدولي يتجه نحو قبول تفسير محدد لبعض القيم وذلك عن طريق عزل وإدانة الدول التي تفسر هذه القيم بطرق مختلفة، وقد يؤدي ذلك إلى حرب مقدسة تستهدف فرض مثل هذه القيم باعتبارها قيم عالمية». وفي ذلك يقول سمير أمين بأن العولمة طرحت نفسها كإيدولوجيا تعبر عن النسق القيمي للغرب على حساب النسق القيمي للحضارات الأخر. لا شك أن مشاريع الإصلاح ونشر ثقافة المعرفة التي تبشر بها العولمة الثقافية فيها الجيد وفيها الرديء، وإن كان يجوز القول بوجود نواياها غير بريئة عند دعاة عولمة الثقافة إلا أن المنظومة الثقافية القيمية والعلاقات الاجتماعية في بلداننا تتحمل مسؤولية كبيرة في خلق علاقة غير متكافئة مع الثقافات الأخرى.

كوارث العولمة
قبل عرض نماذج من كورث العولمة علينا ان نبحث التنمية والديون المترتبة فب العالم.
* ان اهداف (العولمة) لايمكن ان تؤدي الى تحقيق التنمية المنشودة بالمفهوم الحقيقي للتنمية، بل فاقمت مشاكل الدول النامية، وادَّت الى افقارها ونمو مديونيتها الخارجية وافقار مواطنيها لحساب فئة محدودة ارتبطت بالأنفتاح الاقتصادي، كما ادت الى القضاء على صناعتها الناشئة واستنزاف مواردها وسيرورتها سوقاً تابعة.
* وفي كل الاحوال فأن اقتصادات البلدان المرتبطة بالعولمة ابتعدت عن(تصنيع) التنمية الى(شراء) التنمية او جعلها تتم(بالانابة) كما في دول مايسمى بالنمور الاسيوية التي سيأتي الحديث عنها لاحقاً وهذا ما تعكسه المشاريع الكونية والاقليمية.
والعولمة بهذا المعنى تقدم نوعاً من التنمية ذات الارتباطات العالمية، هذا النوع من التنمية لاعلاقة له باهداف التنمية الوطنية، ولا علاقة له بتصحيح هياكل الانتاج الوطنية، أنما علاقة ديناميكية بالاقتصاد العالمي ومصالح مراكز المنظومة الرأسمالية فيه وفي ادارته.
* وهكذا يمكننا ايجاز مفهوم(التنمية) في ظل متطلبات(العولمة) وسياستها التي تتركز على:
تحرير الاقتصاد، والانفتاح الاقتصادي، واعتماد اليات السوق، وتحجيم دور الدولة والقطاع العام- تمهيداً لالغائه مستقبلاً- وزيادة الضرائب ورفع الدعم الحكومي وزيادة الاسعار، وحرية الاستيراد والتصدير، والاستثمارات الاجنبية.
ترى ماذا تبقى للتنمية الوطنية والارادة الوطنية والسيادة الوطنية؟!!
* في ضوء ماتقدم لابد من تلمس الطريق الصحيح للسير في نهج تنموي رائد يتطلب من مصممي السياسة الاقتصادية في الدولة الوطنية فهماً حقيقياً افضل لآلية التكامل الاقتصادي الدولي والانتباه الى مخاطر تدويل الحياة الاقتصادية لغرض تحقيق افضل فائدة ممكنة من وجهة نظر تنموية، مع التأكيد على تغليب الاعتبارت الوطنية والقومية التقدمية على الاعتبارات الخارجية الاجنبية في كل الظروف وكذلك اعتبار العوامل الروحية والاخلاقية لتوفير امكانيات تحقيق انسجام وترابط النسيج الاجتماعي الذي تتأطر فيه عملية التنمية.
* وكمثال على هذا الواقع الشاذ، نعرض هذه المجموعة الاحصائية عن مديونية العالم الثالث، علماً ان هذه الاحصائيات هي مجرد ارقام متحركة تعكس الواقع المعاش ضمن فترة زمنية محددة، وهي تشكل انموذجاً ليس الا، وبالتأكيد صدرت احصائيات حديثة ارتفعت فيها الديون بشكل غير مسبوق.
* مجموع مديونية العالم الثالث بلغت عام(1991)(1250.4) مليار دولار موزعة كما يلي:
1- امريكا اللاتينية/ تحتل مركز الصدارة في المديونية(682.2) مليار دولار اي ما يعادل 38.7 % من اجمالي الدين الخارجي للدول النامية.
2- الدول الاسيوية تحتل المرتبة الثانية من حيث المديونية(32.9%) من اجمالي الديون الخارجية.
3- الديون الافريقية/ حجم ديونها الخارجية(283.6) مليار دولار اي ما يعادل (16.1%) من اجمالي الخارجي.
4- اول المشرق العربي ومحيطه الاقليمي واوربا(217) مليار دولار اي ما يعادل (12.32 %) من اجمالي الدين العام الخارجي للدول النامية.
* وتسود العالم حالياً مطالبة واسعة بضرورة معالجة الازمة الناشئة عن ارتفاع المديونية كاعادة جدولتها، واسقاطها عن الدول التي لاتستطيع تسديد تلك الديون.

- النموذج الاول النمور الاسيوية.
كوريا الجنوبية- تايوان- هونك كونك-سنغافورة، واضيف اليها ماليزيا وتايلند، والفلبين-التي يطلق عليها مصطلح “النمور الاسيوية”.
لقد عصفت ازمة مالية حادة باقتصادات هذه البلدان عام 1998، وللوقوف على الاسباب الحقيقة وراء هذه الازمة يمكننا الاشارة هنا الى:
* ان التجارب التنموية للنمو الاقتصادي كانت منذ البداية تحت رعاية النظام الاقتصادي الدولي الذي يتميز بتقسيم عمل دولي يعمل لصالح الدول المهيمنة(المركز) وهي الدول الصناعية الرأسمالية المتمثلة بمجموعة الثمانية(G8) حيث اضيفت لها روسيا مؤخراً.
هذه الدول الصناعية قدمت للنمور الاسيوية تسهيلات كبيرة لاسباب معروفة منها:
1- طبيعة النظم السياسية السائدة في هذه الدول وهي بمجملها مثال للتبعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدول الغربية المهيمنة(المركز) رغبةً في أظهارها كنموذج تنموي يقارن بالتجارب التنموية للدول الاخرى لاثبات كفاءة النموذج المستند الى آلية السوق والقطاع الخاص، والانتاج على الاسواق العالمية والسماح لرؤوس الاموال الاجنبية بالاستثمارفيها.
2- واحقية الشركات متعددة الجنسية- وهذا امر مهم وخطير- في تحويل الأموال هذه وارباحها متى شاءت، اضافة الى التزامهم التام بوصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي- اللذان يعتبران من ادوات العولمة المهمة والتي في النهاية تضمن التبعية السياسية والاقتصادية للاقطار الرأسمالية الغربية المهيمنة على الاقتصاد العالمي.
3- حرص الدول المهيمنة، بعد ازدياد حدة المنافسة بينها خاصة بعد تفكك المعسكر الاشتراكي عام 1990 وتشكل ما يسمى بالنظام الدولي الجديد تحت هيمنة الولايات المتحدة، حرصها على تحقيق مكاسب كبيرة لاقتصاداتها عبر التجارة الخارجية عن طريق السبق التكنولوجي الذي يمثل المحرك الاساسي لها.
4- وهكذا اضيفت لامتيازات الدول المهيمنة في الظروف المعاصرة عوامل اخرى من ضمنها السبق التكنولوجي وفق نظرية دورة حياة المنتج، وهذا يعني نقل الصناعات التي استنفذت السبق التكنولوجي في انتاج سلعة معينة، مثل السلع الالكترونية الى الدول الاخرى للاستفادة من انخفاض تكاليف الانتاج لاستمرار منافع التجارة الخارجية بالاسلوب التقليدي على التكاليف النسبية للانتاج.
5- وبهذا الاسلوب تم تحقيق منافع كبيرة للطرفين اي الدولة المهيمنة، والدولة التابعة للنمور، ومع مزيد من اتجاهات تدويل الحياة الاقتصادية، ومحاولة اشاعة مظاهر(العولمة)، فأن النمور الاسيوية قدمت من ناحية نموذجاً جذاباً للتنمية في الثمانينات، لكنها من ناحية اخرى قدمت في التسعينات نموذجاً تنموياً هشاً معرضاً لمخاطر محتملة ارتبط اسلوبها التنموي القائم على التجارة الخارجية ومستوردة وسيرورتها جزءاً تابعاً من منظومة النظام الاقتصادي الدولي في ظل العولمة والهيمنة الامبريالية.
كما ان هذه الدول اضحت ساحة مفتوحة لحركات رؤوس الاموال الدولية وبالتالي عرضة للتقلبات الاقتصادية الشديدة بتأثير مباشر او غير مباشر من القوى المهيمنة.
6- لقد صار واضحاً ان النهج التنموي الذي اتبعته هذه الدول ترتبط خيوطه الاساسية وقواه المحركة بيد الشركات متعددة الجنسية، لذلك تعرض هذا النهج المحفوف بالمخاطر للانهيارات والتقلبات المفاجئة كلما تطلبت مصالح تلك الشركات ومن ورائها الدول المهيمنة.
7- وعلى سبيل المثال/من اجل التخفيف من تأثير الازمة، لجأت حكومة هونك كونك-قلعة تفكير السوق الحرة- للتدخل للسيطرة على تقلبات السوق فأنفقت مبالغ طائلة قدرت بـ(14) مليار دولار لشراء الاسهم لدعم سوقها المترنحة.
8- اما السبب المباشر الذي ادى الى انهيار اقتصادات دول النمور، عندما حاولت هذه الدول ماليزيا اندونيسيا وكورية الجنوبية وتايلند، التعاون والتنسيق مع الصين بدءاً من عام 1997م، لخلق تكتل اقتصادي اقليمي يتمتع بأستقلال نسبي لتحقيق مصالحها مقابل التكتلات الغربية الامر الذي ادى الى تحقيق التحرك المفاجئ لرؤوس الاموال، وانتقالها من الاسواق المالية لهذه الدول الى الاسواق المالية للدول الغربية، وبالتالي انهيار الاسواق المالية والمؤسسات المصرفية، وماترتب عليها من افلاسات متتالية للشركات، ثم انهيار للاقتصاد الوطني.
وعليه يمكن القول ان النموذج التنموي لهذه الدول- وهذا ما تؤكده الاحداث في كل من(المكسيك وروسيا) مبني على الانفتاح والتكامل مع الاقتصاد العالمي في ظل التوجه الامريكي الغربي للعولمة.
9- ان التغني بمشاريع العولمة لما تأتي به من استثمارات خارجية قد تؤدي الى ان تكبر هذه الاستثمارات الى حد السيطرة على اقتصاد البلد، كما حصل في تلك الدول الاسيوية حيث اصبحت الاستثمارات الاجنبية ذات نفوذ اقتصادي كبير.
10- هذا ماحدث لرأسمالية(الاطراف) التي وصفها(اندريه جوندرفرانك) والتي تنطبق على النمور الاسيوية -وصفها بالرأسمالية الرثة، وسمى برجوازيتها بالبرجوازية الرثة كما نعت تنميتها بالتنمية الرثة.
ولكن لماذا هي رثة على هذا النحو؟
الجواب: لانها تبقى محصورة في دائرة التبادل والتوزيع والسطح والمظهر، ولاتتعداها ابداً وبصورة جيدة الى دائرة الانتاج(البرجوازية الرثة والتطور الرث) نيويورك 1972م.

- النموذج الثاني روسيا.
*
هنا تتحدث الارقام وحدها لما آلت اليه الامور في روسيا جراء اعتمادها سياسة الانفتاح والخصخصة، واليكم حصاد السوق:
* حجم الرساميل النازحة من روسيا مابين(1992-1994) بحدود مائة مليار دولار في حين بلغ حجم الاستثمارات الاجنبية في روسيا(4.19) مليار خلال الفترة ذاتها. لاحظوا الفرق الهائل بين(100)و(4.19).
* هناك تقديرات تشير الى تهريب(450) مليار دولار بصورة غير شرعية خلال سنوات حكم يلتسن..
* نشأت فئة من اصحاب المليارات تملك70-80 في المئة من الدخل الوطني في حين لاتشكل هذه الطبقة سوى نصف من الواحد في المئة من مجموع السكان، أنها لمفارقة صارخة لايوجد مثيل لها في الدول الرأسمالية ذاتها.
* وتتولى كوارث السوق- فالمعطيات الرسمية تشير الى ان هناك الان حوالي(30) مليون عاطل عن العمل.
* أن في روسيا حوالي(80) مليون مواطن من اصل(246) مليون هو عدد سكان روسيا الاتحادية اي ثلث السكان يعيش على حافة الفقر.
* واسفرت اصلاحات السوق المزعومة عن فوضى شاملة فبدلاً من ظهور ملايين الملاكين كما زعم(تسوبايس) احد منظري الخصخصة في روسيا ظهر عشرات الملايين من الجياع.
* وانخفض الناتج الوطني الاجمالي من عام 1991-1998 بنسبة 50 % وبلغ الانخفاض في الصناعة 50 % وفي الزراعة 60%.
* وادت الخصخصة الى عملية لهف للثروة الوطنية ونشوء رأسمالية طفيلية ونّهابة في آن.
* وقد رافق ذلك نمو الجريمة المنظمة، وتلعب المافيا دوراً مركزياً في الرأسمالية الروسية، بحسب تقديرات الشرطة الروسية هناك حوالي 9000-10000 عصابة منظمة للمافيا تشرف على 400.000 مؤسسة من بينها(450) بنكاً وتمثل الاغلبية في هذا القطاع.. وبعد اليكم هذا المثال عن النهب الفاضح.
* فقد وزعت اهم اجزاء الملكية على فئة ضيقة من المرتبطين بالسلطة دون ان تطرح في مزايدات علنية، لقد بيعت ممتلكات الدولة باسعار بخسة.
وتكفي الاشارة الى:
- ان اضخم مصنع لانتاج سيارات لادا بيع بـ(44) مليون دولار!! فيما قدرت قيمته الفعلية بـ(4.1-4.6) مليار دولار اي بنسبة 1 % على اقل تقدير... هكذا النهب والا فلا!!.
- كل ذلك وغيره قادر في النهاية على زيادة التوتر الاجتماعي وارتفاع اعداد الفئات الهامشية والرثة، حيث تشكل نسبة الفئات التي تحيا دون حد الفقر اكثر من ثلث عدد السكان تقريباً.
- وكمحصلة نهائية ازدياد عبئ الديون الخارجية حيث تستهلك خدماتها فقط حالياً اكثر من 30 % من ميزانية الدولة ومن المتوقع ان ترتفع الى 70 % في نهاية 2003م.
- والاقتصاد كما هو معلوم كلٌّ مترابط فقد ادى هبوط موارد الميزانية الى تنامي العجز في الميزانية الذي كان مرتفعاً اصلاً.
هذا فردوس السوق!! تأملوا!
* هذا غيض من فيض مما يمكن ان يكتب او يقال عن الليبرالية الجديدة وتأثيراتها السلبية المباشرة وغير المباشرة على التنمية الوطنية الحقيقية للدول النامية وعلى مجمل الحياة الاقتصادية والثقافية لهذه البلدان.
* ومن الطبيعي ان يترشح عن عملية الصراع التاريخي بين العولمة وضحاياها ردود افعال ومبادرات كثيرة، وهي تحاول توجيه النقد الى هذا النظام الجديد وما آلت اليه من مشكلات للانسان والمجتمع والبيئة، وما يحتمل ان تؤول ان ظلت العولمة تنشغل بأنماء الرأسمالية، وتعزز مؤسساتها، وزيادة تكديس الثروة لدى فئة صغيرة دون مراعاة لحقوق الانسان الذي يجد نفسه مكدوداً تحت وطأتها.
وانتصاراً لتلك الحقوق ارتفعت اصوات جريئة تشير بالاصابع الى ان بضعة مئات من الاثرياء بحوزتهم، بفعل العولمة، ما يقرب من نصف الانتاج العالمي.
هناك احصائيات تقول: ان(358) مليارديراً في العالم يمتلكون ثروة تضاهي مايملكه 2.5 مليار من سكان المعمورة.. لاحظوا هذه الفوارق الفلكية الرهيبة!!. وان هناك 20 % من دول العالم تستحوذ على 85 % من الناتج الاجمالي العالمي وعلى 84 % من التجارة العالمية، ويمتلك سكانها 85 % من مجموع المدخرات العالمية..

-النموذج الثالث تأسيس ثقافة الارهاب.
في وجهة التطور الراهنة حيث أصبحت العلاقات الاقتصادية الدولية ليست وحدهما المعولمة, بل جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والبيئية ...الخ. لا نأتي بجديد حين نقول بأن عالمنا الرأسمالي المعاصر يتكون من مركز متقدم يتشكل من مجموعة صغيرة من الدول الرأسمالية المتقدمة التي يقل عددها عن 10 % من مجموع دول العالم, ونسبة لا تزيد عن 20 % من سكان العالم من جهة, ومن مجموعات كبيرة من الدول تشكل محيطات متباينة في مستويات تخلفها في القوى المنتجة وفي طبيعة علاقات الإنتاج السائدة فيها تقع وتتحرك حول المركز في دوائر متباينة في بعدها أو قربها عن المركز, أي بلدان تتباين في مستوى تخلف القوى المنتجة المادية والبشرية وفي طبيعة ومستوى تطور علاقات الإنتاج السائدة فيها, وفي مستوى تقدمها الاقتصادي والعلمي والتقني والتعليمي والثقافي, ومستوى وعيها وتنورها الاجتماعي والديني, وكذلك في مستوى أو معدل حصة الفرد الواحد من الدخل القومي في السنة من جهة أخرى. وهذه المجموعات الكبيرة من الدول التي تشكل أكثر من 90 % من مجموع دول العالم, كما تشكل نسبة تزيد عن 80 % من سكان العالم. هذه الحقيقة القائمة تعترف بها جميع الإصدارات الرسمية للأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. والإشكالية لا تبرز في الاعتراف بهذا الواقع, بل في الأسباب الكامنة وراء ذلك حيث تتسع الفجوة والهوة بين المجموعتين من الدول. يضاف إلى ذلك عدم اعتراف العديد من الدول الرأسمالية المتقدمة تكمن بالعواقب الوخيمة التي تنجم عن هذا الانقسام الكبير في العالم الراهن وعدم السعي نحو تقليصه بسياسات مطلوبة الصعيدين الإقليمي والعالمي. إذ أن هناك الكثير من المعطيات الرقمية التي تبين بوضوح تفاقم الفجوة, وهي الإشكالية التي تواجه شعوب ودول العالم في القرن الحادي والعشرين التي يفترض فيها أن تجد حلولاً إنسانية وديمقراطية لها .
يختلف العالم الرأسمالي في تقويمه لهذا الواقع. فبعض الدول الأوروبية تعتبر أن التخلف والفقر والحرمان والاستغلال تشكل عوامل لا تزيد من الفرقة بين الشعوب والدول فحسب, بل وتتسبب في بروز ظواهر الإرهاب على الصعيد العالمي. في حين ترفض بعض الدول الأخرى في العالم الرأسمالي ذلك وتعتقد أنها تكمن في مواقع أخرى كالدين وما ينجم عن اختلاف في الحضارات أو الثقافات وبالتالي ما تتسبب به من صراع حضاري في ما بينها. وإذ أعتبر أن الاتجاه الأول يطرح المسألة بشكل صائب, في حين يرتكب الثاني خطأ أساسياً في عدم رؤيته الإشكالية بعمقها وشموليتها الحقيقية وعواقبها الفعلية, فأن الاتجاهين يمارسان عملياً سياسة متفق عليها إزاء الدول النامية, وخاصة في المجال الاقتصادي, وبالتالي فهم لا يؤثران على الحصيلة, رغم اختلافيهما في الرؤية الأولى.
لا يمكن الادعاء بأن الفقر والعوز وحده يقود إلى الإرهاب, إذ أن هناك عوامل كثيرة تساهم في هذه العملية المريعة, وأعني بذلك التخلف الفكري والوعي الاجتماعي وغياب التنوير الديني في المجتمع والدور غير العقلاني للكثير من المؤسسات الدينية ورجال الدين, إضافة إلى غياب الحرية والديمقراطية عن النظم السياسية الحاكمة وممارسة القمع وسيادة ثقافة العنف في ممارسات الدولة والمجتمع, وكذلك السياسات الأخرى التي مارستها أو ما تزال تمارسها الدول الكبرى في منطقة الشرق الأوسط على امتداد الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وفترة الحرب الباردة ...الخ.لكن مانتحدث عنه العوامل الكامنة والأرضية الصالحة وراء نمو الإرهاب وتوسعه وجره جماعات جديدة من البشر غير المتنور والجاهل والمتعصب صوب ممارسة عمليات الانتحار وقتل البشر, كما يحصل اليوم في العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرها. وربما ستتسع قائمة الدول التي تقع فيها مثل هذه الأحداث.إن على الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة أن تعترف بدورها في ما تعاني منه شعوب البلدان النامية بسبب سياساتها الاستغلالية والاستعمارية وبسبب الحرب الباردة, وأن تتحمل مسؤوليتها في معالجة آثار ذلك لا بصورة مباشرة وفردية, بل عبر الأمم المتحدة وعبر سياسات تمارس آليات سلمية وديمقراطية وتنموية. كما أن عليها أن تكف عن استخدام العولمة, كعملية موضوعية, لصالحها فقط وحرمان الدول النامية من نتائجها الإيجابية على اقتصاديات الشعوب, بل أن تجد المساومة المقبولة لكي تستفيد منها كل الدول.

مواجهة العولمة
ليست الآفاق قاتمة دائماً إذ لا يوجد هناك حتمية اجتماعية مطلقة تفرض عل الإنسان إن يذوب في قدره و يستسلم إلى مسلخ العولمة.بل إن هذه التحديات تثير فينا روح المقاومة والتفاعل الإيجابي من أجل استثمار هذه الظاهرة الجديدة في اتجاهاتها المفيدة.
اولا: القدرة على نشر المعلومات وحرية تداولها بعيدا عن عوامل الرقابة والتقييد وتعقيدات الجغرافيا وسيطرة السياسة والكلفة المالية الكبيرة، وهذا يعطي مساحة واسعة من حرية الفكر والبيان، فإذا كانت المجلة أو الكتاب في عالم الأمس لايصل الاّ لمجموعة صغيرة من الناس وبشق الأنفس فأنه في عالم اليوم يصبح في متناول الجميع ، بل إن تداعيات العولمة وانفتاح عالم النشر المعلوماتي يفرض علينا استثمار هذه الحرية بشكل اعمق واوسع.
ثانيا: استطاعت العولمة أن تخترق معظم الحصون الثقافية والفكرية والعقائدية التي وضعتها المجتمعات لحماية داخلها من الغزو الثقافي ، حيث جعلت العولمة كل شيء مفتوحا أمام الفرد يصل إلـــيه بدون وجود أي موانع تذكر حتى مع وجود الردع والقهر والرقابة بل إن الردع القاهر قد يتحول في بعض الأحيان إلى كبت سلبي يتجه للانصهار والذوبان في الثقافة الغازية بعد ارتفاع المانع القاهر أو غيابه المؤقت، وإذا كان منهج الآباء قد قام على سياسة الكبت والمنع في مواجهة الانحراف فأن المنهج هذا اليوم قد اصبح بلا أثر.إن المنهج الثقافي الأكثر فاعلية في مواجهة تداعيات العولمة المفتوحة هو إيجاد أسس التحصن الذاتي المبني على التوعية الثقافية المركزة حيث الاتجاه للاستفادة الواعية من تقنيات وتكنولوجيا العولمة بصورة سليمة مع تغذية مستمرة وتلقيح معلوماتي قوي للوقاية من الانحراف مع إيجاد بدائل متكاملة وقوية في مواجهة أدوات العولمة وقيمها.
ثالثا: يشكل الفضاء الإعلامي والنسيج المعلوماتي أحد أهم أدوات العولمة في انتشارهاوسيطرتها الاقتصادية والثقافية ، بحيث تحولت هذه الأدوات إلى حتميات لا تفارقنا أبدا ولايمكن مقاومتها بصورة ارتجالية أو خطابية. إن خير وسيلة للدفاع هو الهجوم لذلك اصبح مالضروري أن تستخدم مجتمعاتنا هذه الأدوات لنشر المعلومات السليمة والإيجابية.
رابعا: كما إن العولمة فرضت على الشركات الكبيرة إن تندمج وتتكتل في وحدة مركزية واحدة من اجل أن لا تؤكل من الشركات الأخرى أو من اجل احتكار السوق وفرض آلياتها ومنتجاتها وصعود أسهمها في البورصات العالمية ، كذلك لابد للاقتصاديين في بلادنا من إيجاد التكتل والانصهار في وحدات مركزية متماسكة قادرة على المواجهة، لأنك إذا لم تأكل سوف تؤكل كما يقول ذلك منظرو العولمة، ونظرة في تحرك الاقتصاديات المدموجة نلاحظ مدى تحكمهم في الأسواق العالمية حيث يعمل القطيع الإلكتروني من خلال ما يسمى بالسوبر ماركت أي سوق المال ويقدر إن 25 سوقا مالية تتحكم في نصف رأس المال العالمي أي تتحكم في 20,9تريليون دولار وهي الثروة التي يتغذى عليها القطيع ويتكاثر.فهل يستطيع المحل الصغير إن يواجه السوبر ماركت..!؟

الماركسية والعولمة
ينبغي ابتداء التمييز بين العولمة كعمليات موضوعية، ومذهب (او مذاهب) العولمة، أي التفسير الايديولوجي لهذه العمليات، والبرامج السياسية المشتقة منها.
ان اغلب الدراسات الجادة (الماركسية وسواها) تشير الى ان العولمة هو الاصطلاح الذي يطلق على كل العمليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تجري خارج سيطرة الدولة القومية بوصفها وحدة للتحكم، بعد ان كانت هذه العمليات تنطلق اساسا من الدولة القومية باعتبارها المرجع والاطار المقرر، أي أداة التحكم والفعل.
ان إقتصار العولمة على الجانب الاقتصادي وحده (فتح الاسواق، اسواق السلع والمال، وفتح عمليات الاستثمار والتبادل بتجاوز أي سلطة سياسية قومية) هو قسر فكري، اختزالي وضار الى أبعد حد.
ان نظم الاتصال عبر الاقمار الإصطناعية، وتدفق المعلومات، والتسخين الكوني، واوضاع البيئة، الفقر، الاوبئة، الانفجار السكاني، الجريمة المنظمة، الهجرة المتبادلة هي جزء من عمليات العولمة، شأن تدفق السلع والرساميل والخدمات، وايضا (بحدود مقيدة) حركة قوى العمل.
وتنشط في العالم جملة هائلة من المؤسسات والآليات فوق القومية، من الأمم المتحدة، الى محكمة العدل الدولية، الى صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومحكمة العدل الاوربية، مرورا بعشرات الآلاف من المنظمات الاجتماعية، والمعاهد والجامعات (بحدود ما هي مستقلة).
تطرح العولمة كاطار موضوعي عام لتطور المجتمعات الحديثة باشكالها الرأسمالية المتنوعة، جملة تناقضات منها:
أ – ان خروج هذه العمليات عن سيطرة الدولة القومية، يعطي للشركات العملاقة، باعتبارها قوى اقتصادية ناشطة، سلطة وسطوة فوق سلطة الدولة.
وهذا يطرح الاشكال التالي من زاوية التطور الديمقراطي في العالم المتقدم (حيث الديمقراطية تحصيل حاصل): كيف يسع التكنوقراط، وهو غير منتخب وغير مخول ان يقرر ويحسم، في حين ان الطبقة السياسية المنتخبة بالاقتراع وامخولة، لا تستطيع ان تقرر وتحسم. من يحكم؟ هذا السؤال يستثير العقول ويحفز على الآتي: (1) تشكيل حكومة عالمية. (2) تشكيل مؤسسات فوق قومية جديدة، ذات طابع ديمقراطي. (بيان ستوكهولم).
ب – اتجاه العلاقات الدولية نحو الفوضى الكاملة، بموازاة سعي الولايات المتحدة الى التصرف المنفرد، في الوقت الحاضر، وبموازاة نبتات كارتلات سياسية جديدة (صعود اوربا الموحدة).
ج – احتدام التوتر الثقافي، نظرا لانحباس الثقافات في اطر ثلاثة: اطار قومي، (دولة)، ما دون قومي (جزء من بلد)، وما فوق قومي. ويحتدم الصراع بفضل ظاهرتين متعاكستين: (1) نشاط الثقافات المحلية في ازدياد. (2) وسائل الاتصال الالكترونية تفتح له المجال للانتشار ما وراء الاطار المحلي.
د – ان تطور العولمة يذكي من ناحية انتشار قيم الديمقراطية، والعلم، والشفافية، وحرية المعلومات، ويدفع باتجاه الليبرالية السياسية (= الديمقراطية البرلمانية) من الوجهة الثقافية، لكن انفتاح الاسواق، وانفلات التطور الرأسمالي المفتوح، يستثير حركات احتجاج عارمة، تدفع النخب السياسية الى تشديد الاستبداد او انماط الحكم التسلطي.
بتعبير آخر، ان الليبرالية الاقتصادية، وان كانت (بالمعنى التاريخي العام) الاساس الموضوعي لليبرالية السياسية، تعمل، في ظروف العالم النامي وسط ظروف العولمة، باتجاه كبت الليبرالية السياسية.
هـ - اخيرا، ان الحركة المدومة للعولمة، تخلق، رغم نشرها للعلم والتكنولوجيا، حالة من انعدام اليقين تذكي النزعات الصوفية، والغيبية (وهذه احد منابع بروز الدين بقوة في حياة كثرة من البلدان المتقدمة والمتوسطة والمتخلفة – باستثناء اوربا الغربية).بتعبير آخر ان التقدم العلمي التكنولوجي، يذكي "تقدم" اشكال الفكر ما قبل العلمي. هذه بعض اوجه عمليات العولمة. هناك ثلاثة استجابات ايديولوجية عامة للعولمة، هي:
1 – الاتجاه الليبرالي – الذي يحيي العولمة باعتبارها انتصارا للعقلانية، الرأسمالية، وانتصار الاقتصاد على السياسة، او فك حركة الرأسمال عن الدولة، كما دعا اليه أباء الليبرالية الكلاسيكيين (آدم سميث). وهو يدفع باتجاه الهجوم على نظم الرفاه الاجتماعي، وتأمين مناخ حرية كامل في ارجاء المعمورة.
2 – الاتجاه القومي والديني المنغلق، الذي يعيش في الماضي، ويعارض العولمة، جملة وتفصيلا.
3 – الاتجاه الماركسي النقدي، وايضا الليبرالي النقدي (سوروش، أتالي) الذي يدعو الى تطوير حكومة عالمية، واشكال لجم عالمية لحركة الاسواق، ومعارضة كل الاوجه السلبية لهذه الظاهرة، دون اغفال الطابع المزدوج للعولمة، وجوانبها الموضوعية.
ان العمليات التاريخية في المرحلة الراهنة، وان كانت تتسم بموضوعية، فان حقل الموضوعية هذا ناجم عن الفعل البشري المنفتح في كل لحظة على امكانات متعددة، وخيارات. فالتاريخ، كما يقول ماركس، عملية من صنع البشر، وان كانوا يصنعونه في شروط معطاة ومنقولة من الماضي.


مصادر البحث
• الثقافة الجديدة عدد 312 في سنة 2004 .
• العولمة . والتحولات المجتمعية في الوطن العربي.
• سادة العالم الجدد. الدكتور جان زيفلر / مركز دراسات الوحدة العربية.
• علم النفس والعولمة. دكتور مصطفى حجازي.
• هل من علاقة جدلية بين العولمة والسياسات العولمية للدول الرأسمالية وإرهاب الإسلام السياسي المتطرف؟ كاظم حبيب. 16/10/2006.(الحوار المتمدن)
• د/إبراهيم أبراشفي (عصر العولمة) تتجدد تساؤلات عصر النهضةالعرب وتحديات عصر العولمة.(شبكت المعلومات).
• العولمة المسلحة : تبدل النطاق كلود شرفاتي.
• العوامة رؤى ومخاطر. معاش مرتضى.( شبكت المعلومات).
• العولمة الثقافية هي الصيغة الأكثر ألفة وحميمية .. دمشق سعيد زكريا.