الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأحد 13/7/ 2008

 

العقدة الذكورية في نص مرح البقاعي

ياسر المندلاوي
Falun92@hotmail.com

في متابعاتي المتكررة لمكانة العقدة الذكورية في النص المذيل بتوقيع إمرأة، إستوقفني نص مرح البقاعي (أفعى في بنطلون) على وجه التحديد دون غيره من النصوص. فهو نموذج شفيف لدأب إنثوي لإقتحام الذكورة المفقودة، دأب غير مشروع ولكنه مبرر بالقهر والتمزق وإنعدام الفرصة. وفيما لو جعلنا حملتها في (القراءة الأصولية) على أولئك الذين يعانون من (السايكوباتكية الجنسية) جزءً من النص ، فإننا نكون وجها لوجه أمام مفارقة متجلية في إدانة العقدة الذكورية والسعي، بوحي منها أو بسببها، إلى الذكورة القاهرة المذمومة. وإذا تجاوزنا ردود الأفعال المهرطقة، فإن إتجاهات قراءة النص محددة بإمعان في بنية النص ولغته، وليس في إعتذارات مرح البقاعي عن ذنب لم ترتكبه. فهي، كما غيرها من المتصديات للعقدة الذكورية، لا تجنح إلى إنوثة متحررة من تأريخ غامض لا مخرج لها (من ظلمة كهوفها وشبكة عناكبها وخفافيشها الأسطورية)، وإنما إلى التحرر من إنوثتها هي في سياق إدانتها للذكورة المنشودة، فهي تسعى إلى ذكورية الأنثى التي (خبرت بعضا من رجال، وذيلتهم ببهلوان!) كما تذيل مقالاتها بتوقيع إمرأة. وإمعانا في الإفصاح عن أنثى مسكونة بعقدة الذكورية (تدوره كقط مربوط من رقبته إلى حافة سريرها الشاسع). هنا يكمن الإنبهار الإنثوي بالذكورية المريضة، ويبلغ مداه في إنتزاع تفاصيل خرائطها من الرجل الذي ليس له غير أن يتحول إلى موضوع لهو في رحاب صوفية المرأة التي( تتقيء معاشرته). إنها دعوة،لا تورية فيها، إلى إنتزاع تشوهات الذكورة الإقطاعية من الرجل، وإلحاقها قسرا بالمرأة المتحضرة. وهي تعيدنا إلى مخاضات الحركة النسوية في فرنسا في نهاية العقد السادس وبداية العقد السابع من القرن الماضي وما شابها من دعوات للإنتقام من الرجل بإقصاء ذكوريته من مسرح العلاقات الإنسانية في إحالة قسرية إلى المثلية بين المرأة والمرأة. وبهلوان مرح البقاعي لا يعدو أن يكون إمرأة من زمن غابر، ولكن بهيئة رجل أقصيت ذكوريته ما بقي مربوطا (من رقبته إلى حافة سريرها الشاسع).
هذا الإنبهار الإنثوي بالذكورة المطلوب إزاحتها من بنية ثقافتنا الكبتية يطفح في ثنايا (القراءة الأصولية) في هيئة إستخدامات لغوية لمركبات تنتمي إلى لغة عالم القوة والسطوة والتمكن، في مقابل لغة عالم الضعف والقهر والإنبطاح. اللغة الأولى لغة مذكرة بعامل الهيمنة، واللغة الثانية مؤنثة بعامل الهوان، وتشبث مرح البقاعي بمفردات اللغة الأولى، تشي من طرف خفي بتعلقها العقدي بالذكورة العنصرية التي تنكرها على القراءة الأصولية في( شهرياريتها المتعالية على المرأة ككائن رغبوي- بتصرف-). إن التوظيف اللغوي للمصطلح كان إقحاميا بإمتياز، نستدل عليه من توافر مرح البقاعي على المقابل العربي، وأيضا من إتباعها للمقابل المنحوت من (طميّ اللغة) العربية إلى الأصل الإصطلاحي الذي فقد مبررات وجوده، ومع ذلك، ظلّ (منتصبا كأفعى) في نسيج لغوي أنثوي أنتدب للدفاع عن نص مشيد بوحي من العقدة الذكورية المستديمة بعوامل التأريخ الإجتماعي للإنسان أكثر منها بعوامل التأريخ العضوي- النفسي للمرأة الفرويدية. ومن هذا الإدراك للعلاقة بين مكونات الوعي الباطن للإنسان وبين تأريخه الإجتماعي، نذهب إلى وعي النص في أعماق تتجاوز الجراءة الأدبية والنحت البلاغي والمجازات والإستعارات التي تستخدم، بغير وجه حق، لمصادرة القاريء والنص لصالح (مقاربة تخيلية جمالية) تقع خارجهما، وتنتمي إلى إرادوية لا تجيد فن الإستجابة لشروط إنتاج النص الإبداعي المحكوم بالإنتماء إلى (عالم في المفترق بين الوعي والهذيان). والحال، إن المجازات والإستعارات والرموز التي تشكل النص تكون في وضعية إنفلات من (مخمل التحكم وتسليم لأظافر الشياطين) وهي تحك قاع روح مرح البقاعي المسكونة بالعقدة الذكورية. وفي هذه الخاصية تحديدا، تكمن مشروعية البحث عن القوة الكامنة التي غافلت صاحبة النص وأوحت إليها بإستعارات، من قبيل (أفعى في بنطلون) و(غرفتي عادة سريّة)، متوهمة إياها في مقام المجاز.

 

free web counter