الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الجمعة 13/3/ 2009



مفهوم الحيوان والطير في شعر
الشاعر د. صدام فهد الأسدي

د. قصي الشيخ عسكر

الجزء الأول

مدخل
للحيوان والطير معان ومدلولات مختلفة في الفكر العالمي، بعض هذا الموروث نشترك في معناه نحن العرب مع غيرنا من الشعوب وفهمنا له لم يأت وليد اللحظة الراهنة بل حدث عن طريق احتكاكنا بالأمم المختلفة منذ ماقبل الإسلام بقرون. إن بعض هذه المعاني مرتبط بالأسطورة والخيال وبعضها بالفكر والفلسفة والآخر يدل على التفاؤل والتشاؤم، وقد وظّف الشاعر المعاصر الرموز الحيوانية والطير توظيفا رمزيا من باب الإسقاط حينا ومن باب تداخل الحضارات عبر الموروث القديم او لتعزيز الأسلوب والخطاب الشعري وإثبات الكفاءة والمقدرة وسعة الاطلاع في بعض الأحيان.

المقال
يجد القاريء المتمعن في شعر الدكتور الاسدي لجوء الشاعر إلى ذكر الحيوان والطير بكثرة وهي ظاهرة تلفت النظر وتدل على محاولة الشاعر تعزيز نصه الشعري بالموروث العربي والعالمي وإسقاط نفسيته ونفسية مجتمعه عليه و سأبدأ بهذه الرموز وأعد القاريء الكريم أني سوف أقوم في محاولة لاحقة بترتيب تلك الرموز وفق حروف الهجاء.

الاسد:
رمز الاسد عند الأقدمين إلى الشجاعة والقوة فهو ملك الحيوان المتوج الذي لايضاهى في البأس والجبروت ورث هذا المعنى العالم كله عن السومريين أو البابليين بشهرة أسد بابل الذي يسحق عدوه، وفي مدينة الشاعر الاسدي البصرة تمثال رائع لاسد بابل جاء المتعصبون من عناصر القاعدة في بداية الهجمة المتخلفة على حضارة وادي الرافدين وفجروه. إن الاسد عند الشاعر البصري الأسدي انقلب إلى معنى آخر:

           وطني به تحني الأسود رؤوسها    وتقود غاب الأمنيات زواحف

غاب الأمنيات، الغاب ليس فوضى به يقتل القوي الضعيف بل هو غاب الأمنيات أي الوطن ولابد للوطن من قيادة قوية تحق الحق و تعاقب المتدي لاأن يصبح الاسد نباحا كالكلب:

           كيف الذئاب تطورت بعوائها        وتعلمت منها الاسود عواءا

الأفعى أو الثعبان
تدل الأفعى في الفكر العالمي على حالة العماء التي كان الكون يعيشها قبل أن تتم عملية الخلق فهي العماء الأول الذي يروم أن نعود لحالة السكون الأولى، وهي التي أخرجت أبوينا من الجنة إنها رمز الشر في الموروث العالمي،وقد استوحى هذا المعنى الشاعر فربط بين شر الأفعى المطلق وشر السلطان فهي بكل الأحوال هو وللسلطان دور تخريبي كما للعماء الأول الأفعى:

وتقول لماذا أترك
أترك بيت الطاعة للسلطان
أترك حتى الضحكة في فم الثعبان

ويحاول الشاعر أن يجد وشيجة بين الخيانة والأفعى، فهناك من أدى الدور لكي تتسلل الافعى إلى الجنة، لقد دخلتها على هيئة بعير وأغوت حواء فيها، ثم دخلتها عن طريق الحمار وركبت سفينة نوح، والآن هناك من يعزف للأفعى:

تلك الأفاعي ما أتت لولا الأحبة يعزفون

وقد تدل الأفاعي في شعر الشاعر على الفِكَر الخبيثة السوداء التي تراود كثيرا من الناس كالتلون والانتقام كقوله :

مضى يتصور الأشياء تعلو
وجهه القذرا
عيونه تنظر الحرباء
حذار من الافاعي السود
مسافرة على قلبي

الذئب
للذئب طبيعتان طبيعة دينية مقدسة وردت في التوراة " بنيامين ذئب ضار سفر التكوين 49/27"وفي القرآن الكريم ارتبط الذئب بقصة المقدس النبي يوسف فدل على البراءة " سورة يوسف الآيات من 13-17" ويرسم الشاعر دعبل الخزاعي صورة مشرقة للذئب فيقول:

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوّت إنسان فكدت اطير

ومن الصور الجميلة عن الذئب الفلم الذي حمل اسمه وهو بعنوان " رقصات مع الذئاب " وحاز على جائزة أوسكار وهناك صورة سلبية ترد عن الذئب في الفكر العالمي أبرزها قصة ليلى والذئب وفي الشعر العربي قصة الراعي الذي ورد عنه المثل التالي:

إذا كان الطباع طباع ذئب فلا أدب يفيد ولا أديب "
راجع مجمع الأمثال للميداني "

وكان بودي لو كتب أحد طلاب الدراسات في أية جامعة عربية رسالة ماجستير عن صورة الذئب في الادب العربي، وأبو آيات وهو مشرف كفء ومقتدر بما يحتله من منزلة أكاديمية ونقدية في جامعة البصرة قد يحقق هذا الرجاء في يوم ما لأنه أحد الأدباء الذين تكلموا عن الذئب فهو يتطرق إلى المدلول المشرق للذئب ويمزجه بالملول السلبي في مشهد واحد كما في قوله:

الذئب ذئب
استل قميصك يا يوسف من سيف الغدر

وللذئب صورة شريرة في المدلول التالي:

فوق أسفار الليالي كلاب وذئاب

أو العودة إلى قوله السابق:

كيف الذئاب تطورت بعوائها وتعلمت منها الأسود عواءا

والذئب فاتك غادر كما يقول الشاعر من خلال ربطه الواقع الحالي بالصعاليك والسرى أو الغزو في أثناء الليل حيث مصاحبة الذئاب وهو المعنى الذي تتقمصه كلمات الخطباء والأدباء المتزلفين لذوي النفوذ والجاه والسلطان :

كلمات بلغت آفاق جرح وسرت
تتبع ذئبا من صعاليك الزمان

الحمام أو اليمام

في الموروث العالمي الحمامة جلبت الأمن والأمان إلى راكبي سفينة نوح، وفق رؤية التراث تلك جعلها الفنان العالمي الرسام بيكاسو رمزا للسلام حين رسمها وهي تحمل بمنقارها غصن زيتون، وفي تراث العرب قبل الإسلام ورد أن ذكر الحمام وهو الهديل أو ساق حر ذهب ولم يعد أو افترسه نسر فظلت الحمامة تنوح عليه إلى الأبد، ومفهوم ارتباط الحمام بالحزن استوحاه الشاعر ليسقط عليه واقعنا العربي الحزين:

هل اناغي نورسا
يملأ قلبي بهدوء من مناحات اليمام

والحمام الذي يدل على النقاء والأصالة والهدوء والرقة قد ينقلب من طبيعة الهادئة الجميلة الوادعة إلى سجية أخرى فيغلب التطبع على الطبع كما يقول الشاعر:

والحمام البريء يسكن داري
كيف دربتها الحمامات زجرا

ومثلما يمكن أن نروض الكلام- الحمام - لنخرجه عن طبيعته البريئة فيلتحف الغش والكذب يمكن له أيضا أن يتحول إلى ذئب مفترس فيما يشبه انقلاب الضحية إلى جلاد وهو مايعايشه العالم في أكثر من موضع. إن ضحية الأمس الحامة ممكن أن تتحول إلى الجلاد الذئب أو الكلب الشرس:

هل أرى سرب الحمام
فوق أسفار الليالي كلابا وذئاب

الجزء الثاني

الخيل
هناك مفهوم عام للخيل في الفكر البشري بعامة والعربي بخاصة هو أن الخيل تدل على الخير ماعدا استثناء واحدا يرى في الحصان شرا، وقد غير الرسول الأكرم محمد " ص " اسماء كثير من الصحابة لقبحها، أما زيد الخيل فقد سماه زيد الخير وبقي ذلك الصحابي الجليل يحتفظ بالإسمين. إن شاعرنا يستند إلى المعنى الروحي في الخيل ففي زمننا زمن الهزيمة والخوف والتخاذل نظل نحلم بالخيل رمز القوة والعزة والمنعة إنه حلم فقط:

مرت الخيل على أهدابه
حرقت
تلك المسافات الأناس الحالمون

وتتداخل الخيول بحلم آخر يرتبط بالمرآة التي نرى فيها هزيمتنا:

كن لنا ياصبر في العوز معينا
فعلى أوجهنا الآن مرايا
وعلى أقدامنا سحق الخيول

ولأن الخيل قوية منيعة يرافقها إنسان أو فارس شجاع فالشاعر يحذر معاصره العربي منها:

دع عنك صهيل الخيل بعيدا
ليس وراء صهيل الخيل إلا الإعياء

الطيور

ترمز الطيور بصفة عامة إلى التسامي الروحي والعلو والرفعة في مفهوم البشرية جمعاء وقد ورد ذكرها في الأساطير وكتب التراث الكتب المقدسة، وبمعنى التسامي الروحي يوردها الشاعر في أحد مشاهده التصويرية:

وفي المسبح المعطر بالورد والياسمين
ترفرف أحلى طيور البشر

ومن معاني التسامي الروحي للطير يتحدث الشاعر عن طيور لاتطير بأجنحة فهي تدل على القوة بذاتها مثل الروح التي تتسامى على الموت فقد يكون الجسد للروح مثل الجناح للطير:

ويجفل الطير لايحتاج أجنحة إلا الهدير الذي يحتاجه الأفق

وتكون الطيور في بعض مشاهد الشاعر وصوره رمزا للضحية البريئة كما نجده في قوله التالي:

وتفتت مثل الكلمات على طير مذبوح

وربما يود الشاعر أن يشير من خلال الطير وذكره الى الهجرة والحزن والبكاء واللوعة كقوله:

وطيوري الراحلات
لبست ثوب الأنين
وتغني
يا عراقي يا حزين

النورس

ارتبط النورس في فكرنا الشعبي بمقولة ترى أنه حين يحس بموته يشرع في الغناء أضف إلى ذلك لونه الأبيض الدال على النقاء، فالنورس يرتبط بالموت وبالحزن ومن عمق ماساتنا الدالة على فكرة الموت يمزج الشاعر بين النورس والحزن:

رأيت طيور النورس تمضي
رغم شظايا الجهلاء
من يحمل حقه هذا المصلوب على باب القبر

والمناجاة الحزينة تكون للنورس أيضا:

هل أناغي نورسا
يملأ قلبي من مناحات اليمام

هذه الطيور الحزينة التي تغني لموتها الذي هو موتنا تواجه القوة والقسوة فتتحول إلى رقة وصفاء شفافين عبر عنهما الشاعر بالسنونوة:

نوارسي في غضبة الريح وأوجاع الجبل
سنونوة واحدة تعوض الربيع

النعام
يدل النعام عند العرب القدامى وجميع الشعوب على قلة العقل والفهم وقد ورد في العهد القديم في سفر أيوب أن الله سلبها العقل والفهم فهي مثال على العجز والقصور التامين لأن لها جناحين ولاتستطيع أن تتسامى بهما وفي المثل العربي أن النعامة طير مع الحيوان وحيوان مع الطيور، يقول الشاعر الاسدي عن حال الضعف التي نمر بهاك

قل للنعامة لا تخفي لها جذعا
وتخدع الأرض في زيف وإصرار

البلابل
ترمز البلابل إلى البراءة والنقاء والفرح وكل ماهو جميل، فهي تقابل من ناحية أخرى غدر الزمان والإنسان:

لو عرف البلبل اليوم
مكر الغصون
لعاف الشجر

لكن البلابل قد تخرج عن براءتها وتلبس روح الزيف لأنها تعبر عن ذواتنا نحن البشر:

تعرف الناس للبلابل عشقا
كيف أتقنت للبلابل غدرا؟

الكلب
الكلب يدل في شعر الشاعر على الضعة والخسة كما في قوله:

لو كان كلبا واحدا لقتله لكنها بشر تعلمت النباح

وتدل أيضا على الغيرة والحسد:

لقد نبحت طيري الكلاب وخلته يطير وئيدا كارها أي مقعد

النمل
إذا كان النعام الضخم يدل على العجز فإن النمل في شعر الشاعر يصح أن يحتذى مثلا للعزم والقوة، والحق إن النمل كما ورد في القرآن الكريم استطاعت واحدة منه أن توقف النبي سليمان عليه اللام وتحاوره ومن مفهوم القوة والحكمة ينطلق الشاعر الاسدي في الحديث بشعره عن النمل:

لقد أنجد النمل الصغير طعامه ولست أرى في دارنا أي منجد

والعربي الضعيف الخائف يمكن أن يستفيد من قوة النمل أيضا:

تمرد النمل يحمي ثقب حفرته وأنت ترفع كف الخوف للعار

الحيوان والعنوانات
اختار الشاعر الحيوان أو الطير عنوانا لبعض قصائده ففي قصيدة " غناء متأخر لضفادع الشعر" يدافع عن شاعرية الجواهري ردا منه على أقوال بعض المغمورين وطلاب الشهرة في الجواهري شاعر الأمة الاعظم، وهو – الشاعر- يضع عنوان القصيدة دون أن يذكر الضفدع في القصيدة:

الجواهري
فحل الشعراء
قالوا على الجبل الكبير مقالة....
قالوا على الضعفاء...

وفي " أنين الهزبر " لا يذكر الهزبر أو الاسد بل يجعله عنوانا للقصيدة فقط ويترك الاستنتاج للقاريء:

على جبل الصمت تنحدر الأمنيات
وتخرج من كوة الصبر
أغرودة القافيات

الحيوان والقص
تحدث الشاعر في مجاميعه الشعرية عن قصص بطلها أو بطلتها حيوان ما وهو مايدخل في باب القصص الشعري والشاعر يستفيد في هذه المشاهد من خبرته الشعرية والنثرية فهو شاعر ويكتب المسرحية والمسرحية الشعرية كثل هذا المشهد الساخر:

وقفت فوق النخلة يوما
أرأيت بعوضا ياصاحبي
مغرورا ينفخ بالصدر

قالت للنخلة في كبر:

هيا تمسكي يانخلة

الحيوان المثل والتراث
في بعض حديثه عن الحيوان والطير حاول الشاعر أن ينفرد بمثل يستخلص منه الخير والحكمة أو الأسف والعبرة، والتذكير فمن الحكمة صياغته للمثل الشعبي:

الديك الفصيح من البيضة يصيح

ومن الاسف والعبرة ماقاله بصيغة المثل عن الغراب:

ماتركه الغراب للتراب
الخيط يجر القنفذ
والفأر المسكين
يفتش عن جحر لايؤذيه الطين

ومن ذلك معارضته لمثل طرفة الشهير في معلقته، وهو تذكير بتراثنا:

إلى أن تحامتني العشيرة وأفردت إفراد البعير المعبد

إذ يقول الشاعر ساخرا:

فيا ليت أمثال البعير تعبدت ولكنها شبه الحمار المعبد

أو يستعير نصا من كتاب مقدس ليبني عليه قصيدته بصورتها وفكرتها كما في " تداعيات ثياب الحملان"

حذر السيد المسيح تلاميذه:
( ياتونكم بثياب الحملان وهم ذئاب خاطفة)

بعد الاقتباس السابق المبني على الذئب والحمل وعنوان القصيدة الجاري على سبيل المثل تأتي القصيدة.

الحيوان والصراع الطبقي
من خلال ذكر الحيوان وإسقاط معانيه الموروثة يحاول الشاعر أن يرسم مسألة الصراع الطبقي والجوع والفقر وهو ماتعانيه البشرية الآن في هذه المرحلة إن الطبقة الارستقراطية تستخدم الصقر رمز القوة للترف والصيد في حين يعاني نصف الأرض من الجوع أي إن من يملكون القوة ووسائل الإنتاج – الصقر -* هم وحدهم المترفون المنعمون وبقية العالم من عباد الله هم الجائعون كما يقول المشهد التالي:

لاشك بأن الموت على الابواب
والصحراء الفانية من أقطاب الأرض
تعترف
... أن جياع الدنيا الآن
أكثر من نصف الأرض
وبطون تشبع حد التخمة
وشفاه تلحس حتى الملح
ووجوه تتسلى بالصقر الصياد

ومسألة الصراع الطبقي لاتنتهي بل نصبح نحن الضحية فيها نحن الذين لانجد في قرانا إلا الملح حيث نتحول إلى أغنام تذبح كل يوم:

الجزار يذبح خراف القرية لايعرف
أين الرحمة والأمطار
تغص بملح القرية

ومن مشهد الصراع مايزرعه الفلاحون والفقراء لكي يذهب هدرا بيد حفنة من الاغنياء الأغبياء الذين يشبههم الشاعر بالحمير:

الصوت الثالث:
أنتم في جبهة الضمير تزرعون القمح كي تدوسه الحمير


 

free web counter